شرح أخصر المختصرات [46]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: والهبة مستحبة، وتصح هبة مصحف, وكل ما يصح بيعه, وتنعقد بما يدل عليها عرفاً، ‏وتلزم بقبض بإذن واهب، ‏ومن أبرأ غريمه من دينه برئ ولو لم يقبل، ‏ويجب تعديل في عطية وارث بأن يُعطي كلاًّ بقدر إرثه, فإن فضل سوى برجوع, وإن ‏مات قبله ثبت تفضيله، ويحرم على واهب أن يرجع في هبته بعد قبض، وكره قبله.

وله أن يتملك بقبض مع قول أو نية من مال ولده غير سرية ما شاء ما لم يضره, أو ليعطيه ‏لولد آخر، أو يكن بمرض موت أحدهما، أو يكن كافراً والابن مسلماً].

الهبة مستحبة، وهي مشتقة من هبوب الريح، يقال: هبت الريح؛ وذلك لأن الريح خفيفة وهبوبها خفيف، ثم سميت الهبة بذلك لخفتها على مال الواهب.

ويعرِّفون الهبة بأنها: تمليك عين بلا عوض، وتسمى هبة التبرع أو التبرر، فإن صرف لها عوضاً سميت هبة الثواب؛ لأنه يطلب لها أجراً.

فإذا قال: وهبتك هذا الكتاب على أن تعوضني منه ثوباً أو كيساً، فإن هذه هبة ثواب، فهي من أنواع البيع، لها أحكام البيع، وشروط البيع: بأن يكون الواهب يملك ما وهب، وأن يكون مكلفاً، وأن تكون الهبة مالية، وأن يكون مقدوراً على تسليمها، وأن تكون معلومة... إلى آخر شروط البيع.

فهذه هبة الثواب، وأما هبة التبرر وهو الذي لا يريد عليها عوضاً، وإنما يقصد بذلك التودد إلى الذي يهب له، ويقصد أن تحصل بينهما المودة والمحبة وصفاء القلوب، كما ورد في الحديث: (تهادوا تحابوا، فإن الهدية تسل السخيمة)، والسخيمة هي الضغائن التي في القلوب، والأحقاد والبغضاء، والغالب أنك إذا أهديته شيئاً يفرح به، فإنه يعرف بذلك صداقتك، وإذا كان يكن لك شيئاً من الحقد فإنه يرجع إلى المودة فيحبك ويُقدرك، فهذا السبب في الحث على الهبة.

فالهبة هي التبرع بالمال بدون عوض في الحياة، وهي مستحبة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا، فإن الهدية تسل السخيمة)، أي: تذهب وحر الصدر كما في رواية: (تسل السخيمة وتذهب وحر الصدر)، أي: تزيل ما في الصدر من البغضاء بين الاثنين، وما بينهما ومن الأحقاد والضغائن، فإذا أهدى إليه عرف أنه يُحبه وأنه يود له الخير، فعند ذلك تثبت المودة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويُثيب عليها، وكان يأكل من الهدية ولا يأكل من الصدقات والزكوات ونحوها، ويقول: (إنها لا تحل لآل محمد)، أما الهدية فإنه كان يقبلها ويثيب عليها.

ما تجوز هبته

تصح الهدية ولو بشيء يسير، إذا أهديت لصاحبك شيئاً يسيراً ككتاب مثلاً أو فاكهة أو كسوة أو أي شيء مما يطعم أو يفرح به أو يُستعمل، ولو شيئاً يسيراً كقلم أو قرطاس أو دفتر، فإن ذلك مما يحسن استعماله بين الإخوة، فلذلك ذكروا باب الهدية.

وهل تصح هبة المصاحف؟

عندهم أن المصحف لا يباع ولكن يهدى، والصحيح أنه يجوز بيعه، وإذا كان له ثمن فإنه يصح بيعه وتصح هديته، ويصح إهداء كل ما يُنتفع به وإن لم يكن مما يباع، ككلب صيد أو جلد ميتة بعد الدبغ، وغيرها من الأشياء التي فيها منفعة إذا باعها، فإذا أهداها فإن ذلك مما يحصل به المحبة والمودة بين الإخوة.

صيغة الهبة

هل للهبة صيغة؟

تصح بكل قول أو فعل يدل عليها، فإذا أهدى إليك مثلاً ثوباً أو ساعة وقال: خذ هذا، أو هذا تبرع مني، أو أهديتك، أو وهبتك أو ما أشبه ذلك، كان ذلك جائزاً.

وكذلك لو أشار إشارة عندما مد إليك كتاباً، وفهمت من إشارته أنه هدية بدون عوض، فإنك تقبله ويصير هدية، فتصح بكل قول وبكل فعل يدل عليها.

فالقول مثل: وهبتك، أهديتك، أعطيتُك، خذ مني هذا، تبرعت لك بهذا، وما أشبه ذلك.

والفعل هو: أن يمده بيده، أو يُشير إليك لتأخذه، فإذا وضعه على طاولة أو على الأرض وأشار إليك، وفهمت من إشارته أنه تبرع؛ صدق عليه أنه هدية وهبة.

متى تلزم الهبة

متى تلزم الهبة؟

تلزم بقبضها، فإذا قبضها الموهوب له بإذن الواهب أصبحت لازمة، وقبل ذلك يصح أن يرجع فيها، فلو أنه مدّ يده إليك بالكتاب ولكن ما قبضته، فوضعه على السرير ولم تقبضه أنت، ففي هذه الحال يجوز أن يرجع فيها، ولا تكون لازمة.

فأما إذا قال: خذ هذا الكتاب، وضعه على سريرك أو على طاولة، فأخذته بعد أن قال لك: خذ، ففي هذه الحالة يصير لازماً، ولا يصح الرجوع فيه بعد قبضه.

أما إذا وضعه على السرير أو على الأرض ولم يقل: خذه، فأخذه صاحب السرير أو صاحب المنزل؛ فمثل هذا لا يصير هبة ولا يلزم، ولصاحبه أن يقول: أنا ما وهبتك، أنا ما أهديتك، بل نسختي بيدي ولا أستغني عنها، فله أن يرجع فيها، لأنه لا تلزم الهبة إلا بهذين الشرطين:

حصول القبض الذي هو أخذ المتهب.

وإذن الواهب، وذلك إذا قال: خذه، فتصير لازمة.

إبراء الدين إسقاط لا يفتقر إلى قبول

قال المصنف رحمه الله: (ومن أبرأ غريمه من دينه برئ ولو لم يقبل)؛ لأن الإبراء إسقاط، وإذا أسقطه صار لازماً، فإذا قال للغريم: عندك لي مائة أو ألف، وأنا قد أبرأتك وأسقطته عنك، برئ الغريم، ولو لم يقل: أنا قابل، أو قال: لا أرضى أو لا أريدها وأنا في غنى، ولست بحاجة إلى أن تسامحني.

فيكون قد برئ بمجرد ما يقول: أبرأتك أو أسقطت الدين الذي عليك، أو وهبتك الدين الذي في ذمتك ولو لم يقل المدين: قد قبلت، وكذلك لو قال: لا أريد أن تُسقطه عني، أو قال: لا أُحب منتك، ولا أريد أن يكون لأحد عليّ فضل أو مِنّة، ففي هذه الحال الواهب قد أبرأه وأعطاه وأسقطه، والمتهب أو المدين له أن يرده ويقول: أنا لم أقبضه، أنا لا أريده، أنا لا أسمح ولا أريد أن أقبل منك ولا من غيرك شيئاً.

الفرق بين العطية والهبة والصدقة

في هذا الباب جمعوا الهبة والعطية، وفي آخره ذكروا الوصية، والوصية تأتينا في الفصل الذي بعده إن شاء الله.

العطية معناها قريبٌ من الهبة ومن الهدية، ولكنها أعم، فيدخل في ذلك عطية الوالد لأولاده أو من دونه أو من فوقه، وكأن الهبة والهدية أخص، فإذا كان عندنا مثلاً أمير من الأمراء أو ثري أو رئيس قبيلة، وعندنا إنسان فقير مسكين، فالأمير أو الرئيس إذا سلّم هذا الفقير كسوة أو كيساً، فهل تسمى هذه هدية؟

هذه تسمى صدقة منه عليه؛ لأنه لا يُريد الأجر منه، وإنما يريد الأجر من الله، أما الفقير إذا جاء مثلاً بطيب طيب الرائحة وأعطاه للأمير، فهذه تسمى هدية وهبة، فالعطية من النازل للعالي تسمى هدية، ومن العالي لمن تحته تسمى صدقة، وأما من إنسان لمن هو مثله فتسمى عطية، وقد تسمى أيضاً هدية.

والغالب أن الفقير إذا أهدى للأمير فإنه والحال هذه يريد أكثر منها، فهو يقول: أنا أهديت للأمير هذه الفاكهة العجيبة، أو هذه الأطياب وما أشبهها؛ لأنني أريد أن يثيبني ويعطيني أكثر مما أعطيته، والعادة أن الأمير الذي أهدي له يثيب هذا الفقير، فيعطيه ثمنها مرتين أو أكثر أياً كانت تلك الهدية ولو كانت متوافرة، ولو أهدى إليه مثلاً فاكهة كعنب أو رطب مع أنها قد تكون موجودة عند الأمير أكثر، ولكنه أراد بذلك الثواب.

فإذا شُرط فيها الثواب فإنها تسمى هبة ثواب، وفي هذه الحال يكون لها حكم البيع، فيصح أن يرجع فيها فيقول: أنا أعطيتك أو وهبتك هذا الكيس ولم تهدني ولم تهبني فأنا أحق به، وقد ورد في ذلك حديث: (الرجل أحق بعطيته ما لم يثب عليها) أي: ما دامت موجودة وقد عُرف بأنه قصد أجر الثواب والعوض، فله في هذه الحال أن يرجع فيها؛ لأنها شبه بيع، والبيع لابد له من عوض، ولذلك قالوا: تصح الشفعة فيها إذا حدد الثمن، فإذا كان لك قطعة أرض إلى جنب أحد جيرانك، فأهديتها إلى أمير مثلاً وقلت: أريد ثوابها مثلاً مائة ألف، ففي هذه الحال للجار الذي إلى جانبك أن يقول: أنا لي شفعة فيها، وأدفع مائة ألف فتكون الأرض كلها لي، فهبة الثواب بمنزلة البيع، وكذلك له أن يرجع فيها كما عرفنا؛ لأن الرجل أحق بهديته ما لم يثب عليها، أي: إذا كان قد شرط ثواباً ولم يحصل له.

تصح الهدية ولو بشيء يسير، إذا أهديت لصاحبك شيئاً يسيراً ككتاب مثلاً أو فاكهة أو كسوة أو أي شيء مما يطعم أو يفرح به أو يُستعمل، ولو شيئاً يسيراً كقلم أو قرطاس أو دفتر، فإن ذلك مما يحسن استعماله بين الإخوة، فلذلك ذكروا باب الهدية.

وهل تصح هبة المصاحف؟

عندهم أن المصحف لا يباع ولكن يهدى، والصحيح أنه يجوز بيعه، وإذا كان له ثمن فإنه يصح بيعه وتصح هديته، ويصح إهداء كل ما يُنتفع به وإن لم يكن مما يباع، ككلب صيد أو جلد ميتة بعد الدبغ، وغيرها من الأشياء التي فيها منفعة إذا باعها، فإذا أهداها فإن ذلك مما يحصل به المحبة والمودة بين الإخوة.

هل للهبة صيغة؟

تصح بكل قول أو فعل يدل عليها، فإذا أهدى إليك مثلاً ثوباً أو ساعة وقال: خذ هذا، أو هذا تبرع مني، أو أهديتك، أو وهبتك أو ما أشبه ذلك، كان ذلك جائزاً.

وكذلك لو أشار إشارة عندما مد إليك كتاباً، وفهمت من إشارته أنه هدية بدون عوض، فإنك تقبله ويصير هدية، فتصح بكل قول وبكل فعل يدل عليها.

فالقول مثل: وهبتك، أهديتك، أعطيتُك، خذ مني هذا، تبرعت لك بهذا، وما أشبه ذلك.

والفعل هو: أن يمده بيده، أو يُشير إليك لتأخذه، فإذا وضعه على طاولة أو على الأرض وأشار إليك، وفهمت من إشارته أنه تبرع؛ صدق عليه أنه هدية وهبة.

متى تلزم الهبة؟

تلزم بقبضها، فإذا قبضها الموهوب له بإذن الواهب أصبحت لازمة، وقبل ذلك يصح أن يرجع فيها، فلو أنه مدّ يده إليك بالكتاب ولكن ما قبضته، فوضعه على السرير ولم تقبضه أنت، ففي هذه الحال يجوز أن يرجع فيها، ولا تكون لازمة.

فأما إذا قال: خذ هذا الكتاب، وضعه على سريرك أو على طاولة، فأخذته بعد أن قال لك: خذ، ففي هذه الحالة يصير لازماً، ولا يصح الرجوع فيه بعد قبضه.

أما إذا وضعه على السرير أو على الأرض ولم يقل: خذه، فأخذه صاحب السرير أو صاحب المنزل؛ فمثل هذا لا يصير هبة ولا يلزم، ولصاحبه أن يقول: أنا ما وهبتك، أنا ما أهديتك، بل نسختي بيدي ولا أستغني عنها، فله أن يرجع فيها، لأنه لا تلزم الهبة إلا بهذين الشرطين:

حصول القبض الذي هو أخذ المتهب.

وإذن الواهب، وذلك إذا قال: خذه، فتصير لازمة.