أرشيف المقالات

حكم قراءة البسملة في الصلاة

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
حكم قراءة البسملة في الصلاة
 
اختلَفَ العلماء في حكم قراءة البسملة في الصلاة على أقوال:
القول الأول:
أنها تجب قراءتُها في الصلاة وجوبَ الفاتحة؛ لأنها آية منها.
 
وهو مرويٌّ عن ابن عباس، وابن عمر، والزهري، ومجاهد، ويحيى بن جعدة[1]، وإسحاق[2]، وأبي ثور، وأبي عُبيد[3]، وهو المشهور من مذهب الشافعي[4]، ورواية عن الإمام أحمد[5]؛ وهذا على أن البسملة آية من الفاتحة، فتجب قراءتها عندهم كما تجب قراءةُ بقية آيات الفاتحة، كما يُشرَع الجهر بها عندهم، كما يُجهر ببقية آيات الفاتح، وسيأتي ذكر أدلتهم ومناقشتها عند ذكر قول من قال بالجهر بالبسملة إن شاء الله تعالى.
 
القول الثاني:
أن قراءتها في الصلاة مستحبَّة مع الفاتحة، ومع كل سورة سوى سورة براءة، كما في المصحف، وهو قول جمهور أهل العلم[6]، منهم: أبو حنيفة[7]، وأحمد في المشهور عنه[8]، وأكثر أهل الحديث[9]؛ لأنها آية مستقلة من القرآن، وليست آية من السورة، لا من سورة الفاتحة، ولا من غيرها من السور، فلا تجب قراءتها، لا مع الفاتحة، ولا مع غيرها، لكن تُستحب قراءتها معها، ومع كل سورة سوى براءة؛ لإثباتها في المصحف معها، ومع بقية السور سوى براءة.
 
وأيضًا فقد ثبت في حديث أنس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يَجهَرون بها[10]، فلو كانت قراءتها واجبة وجوبَ الفاتحة لَجَهَروا بها كما يجهرون ببقية آيات الفاتحة.
 
القول الثالث:
أنه لا تُشرَع قراءتها في المكتوبة، لا سرًّا ولا جهرًا.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك، إلا أنه قال بقراءة البسملة في النفل وقيام الليل، ولمن يَعرِضُ القرآن عرضًا[11].
 
ونُقل القول بعدم مشروعية قراءتها أيضًا عن الأوزاعي[12].
 
وهذا القول مبنيٌّ على أن البسملة ليست آية من القرآن، لا في أول الفاتحة ولا في أوائل السور، وليست آية مستقلة من القرآن، وقد تقدَّم بيان ضعف هذا القول.
 
وقد استدل من ذهب إلى هذا القول بأحاديث أنس وعائشة وعبدالله بن مغفل رضي الله عنهم، التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يستفتحون القراءة والصلاة بالحمد لله رب العالمين[13].
 
وحديث أبي هريرة الذي فيه قوله تعالى: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين..." [14].
 
لكن هذه الأحاديث ليس فيها نفيُ قراءتها مطلقًا؛ وإنما فيها نفي قراءتها جهرًا، كما جاء في بعض روايات حديث أنس قوله: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم"، وفي بعض الروايات "فكانوا يُسِرُّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم".
 
وسيأتي ذكر رواياته وتخريجها هو وحديث عائشة، وعبدالله بن مغفل، في الكلام على حكم الجهر بالبسملة والإسرار بها.
 
قال أبو بكر بن خزيمة - بعد أن أخرج روايات حديث أنس، التي في بعضها التصريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يُسِرُّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا يجهرون بها - قال ابن خزيمة[15]: "هذا الخبر يصرِّح بخلاف ما توهَّم من لم يتبحَّر العلم، وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين"، وبقوله: "لم أسمع أحدًا منهم يقرأ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾" أنهم لم يكونوا يقرؤون ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ جهرًا، ولا خفيًا، وهذا الخبر يصرِّح أنه أراد أنهم كانوا يُسِرُّونَ به ولا يجهرون به عند أنس".
 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية[16]، بعد أن نفى دلالة حديث أنس على ترك قراءة البسملة، وبيَّن أنه إنما يدل على ترك الجهر بها، قال: "وأما كون الإمام لم يقرأها، فهذا لا يمكن إدراكُه، إلا إذا لم يكن له بين التكبير والقراءة سكتة يمكن فيها القراءةُ سرًّا؛ ولهذا استدَلَّ بحديث أنس على عدم القراءة مَن لم ير هناك سكوتًا كمالك وغيره، لكن ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟ قال: أقول: كذا وكذا...
إلى آخره".
 
وفي السنن وغيرهما من حديث عمران وأُبي وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة، وفيها أنه كان يستعيذ، وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسًا أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيُه للذِّكر، وإخباره بافتتاح القراءة بها إنما هو في الجهر، وكما أن الإمساك عن الجهر مع الذِّكر سرًّا يسمَّى سكوتًا، كما في حديث أبي هريرة، فيصلُح أن يقال: لم يقرأها، ولم يذكرها؛ أي: جهرًا، فإن لفظ السكوت ولفظ نفي الذكر والقراءة مدلولُهما هنا واحد".
 
وقد اختلف العلماء فيما إذا جهر الإمام ولم يسكت، هل يُبسمِل المأموم أو لا؟ على قولين: منهم من قال: لا يبسمل ولا يقرأ، بل يجب عليه الإنصات، وقال بعض أهل العلم: بأنه يستعيذ ثم يبسمل ويقرأ الفاتحة؛ وذلك لأن قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة، والاستعاذةُ والبسملة تُشرَع قراءتها تبعًا لها.
 
وهذه المسألة مبنيَّة على اختلافهم في حكم قراءة الفاتحة في حقِّ المأموم.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »



[1] انظر: "الاستذكار" (2/ 181).


[2] أخرجه عن إسحاق ابن عبدالبر في "الاستذكار" (2/ 176).


[3] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 96).


[4] انظر: "الأم" (1/ 107، 108)، "المهذب" (1/ 79)، "المجموع" (3/ 332 -333).


[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 353، 435، 439).


[6] انظر: "المغني" (2/ 147)، "مجموع الفتاوى" (22/ 276، 436).


[7] انظر: "المبسوط" (1/ 15)، "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 13 -14)، "فتح القدير" لابن الهمام (1/ 291، 293).


[8] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية النيسابوري (1/ 52 -53)، "المسائل الفقهية" (1/ 118)، "الإفصاح" (1/ 125 -126)، "المغني" (2/ 147، 151).


[9] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 436).


[10] سبق تخريجها.


[11] انظر: "المدونة" (1/ 64)، "الكافي" لابن عبدالبر (1/ 170)، "الاستذكار" (2/ 154، 175، 182)، "بداية المجتهد" (1/ 89).


[12] انظر: "الاستذكار" (2/ 177)، "الاعتبار" للحازمي ص(81).


[13] انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 3)، "المغني" (2/ 147)، "مجموع الفتاوى" (22/ 413)، "تفسير ابن كثير" (1/ 36).


[14] انظر: "الاستذكار" لابن عبدالبر (2/ 154).


[15] في "صحيحه" (1/ 250).


[16] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 413 -415).




.drop-shadow {
-moz-box-shadow: 0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
-webkit-box-shadow: 0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
background: #fff;
box-shadow: 0 1px 4px rgba(0, 0, 0, 0.3), 0 0 40px rgba(0, 0, 0, 0.1) inset;
float: left;
margin: .5em 10px 2em;
padding: .5em;
position: relative;
width: 180px;
}


.drop-shadow:before,
.drop-shadow:after {
content: "";
position: absolute;
z-index: -2;
}


.curved:before {
-moz-border-radius: 10px/100px;
-moz-box-shadow: 0 0 15px rgba(0, 0, 0, 0.6);
-webkit-box-shadow: 0 0 15px rgba(0, 0, 0, 0.6);
border-radius: 10px/100px;
bottom: 10px;
box-shadow: 0 0 15px rgba(0, 0, 0, 0.6);
left: 0;
right: 50%;
top: 10px;
}


.curved-hz-2:before {
-moz-border-radius: 100px/10px;
border-radius: 100px/10px;
bottom: 0;
left: 10px;
right: 10px;
top: 0;
}

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير