شرح أخصر المختصرات [39]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[الثالث: شركة الوجوه، وهي: أن يشتركا في ربح ما يشتريان في ذمتهما بجاهيهما، وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن.

الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة، فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به، وإن ترك أحدهما العمل لعذر أو لا فالكسب بينهما، ويلزم من عذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك.

الخامس: شركة المفاوضة، وهي: أن يفوض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً، وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بتعد أو تفريط.

فصل:

وتصح المساقاةُ على شجر له ثمر يؤكل، وثمرة موجودة بجزء منها، وشجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة أو الشجر أو منهما، فإن فسخ مالك قبل ظهور ثمرة فلعامل أجرته، أو عامل فلا شيء له، وتملك الثمرة بظهورها، فعلى عامل تمام عمل إذا فسخت بعده، وعلى عامل كل ما فيه نمو أو صلاح وحصاد ونحوه، وعلى رب أصل حفظه ونحوه، وعليهما بقدر حصتيهما جذاد.

وتصح المزارعة بجزء معلوم مما يخرج من الأرض بشرط علم بذر، وقدره، وكونه من رب الأرض].

ذَكَرَ المؤلف أن الشركة خمسة أضرب، وأشهرها شركة العِنان، وهي التي تحدث كثيراً، وذلك لأن الإنسان بمفرده قد يكون عنده مال قليل، ولا يستطيع أن يعمل فيه عملاً كثيراً، فإذا اشتركَ اثنان أو ثلاثة أو عشرة أو مائة، وكل واحد منهم دفع مالاً، ثم اشتركوا في التصرف كان ذلك سبباً لكثرة الأرباح وكثرة النَاتج من هذه الشركة، يفعلون ذلك في تجارة مثلاً، كأن يجمعوا مائة ألف أو ألف ألف، ثم يتجرون فيها، ويربحون غالباً أرباحاً مناسبة، سواءٌ أكانت تجارتهم في أشياء صغيرة أم كبيرة، ففي هذه الحال يكون الربح على ما شرطوا، وكذلك إذا اشترك اثنان في صناعة، جمعا رأس المال، ثم اشتركا في مصانع تصنع أشياء كبيرة أو صغيرة، والعادة أنها يكون لها إنتاج، وكذلك إذا جعلا المال في زراعة، اشتركا، ثم اشتريا أدوات الزراعة التي ينتج بها المزروعات، من الحبوب والثمار وما أشبه ذلك، ويكونان شركاء في النتاج.

حكم بيع الأسهم التجارية

الشركات الآن كثيرة: شركات تجارية، وشركات معمارية، وشركات زراعية، وشركات صناعية أو ما أشبهها، فالمساهمة فيها جائزة، واختلفوا في بيع السهام، فالإنسان إذا اشترك في شركة كشركة (سابك)، التي هي صناعية منتجة ثم احتاج، فهل له أن يبيع سهامه التي في هذه الشركة؟ ومثلها شركة النقل أو شركة الألبان، فهذه الشركات لا شك أنها تنتج، وأنها تسوق إنتاجها، ويربحون كثيراً، فالصحيح أنه إذا كانت النسبة معلومة جاز البيع، وهم عادةً يخبرون برأس المال عندما يفتحونها ويبتدئونها، فيقولون: رأس المال مائة مليون، أو ألف مليون، أو نصف مليون. ففي هذه الحال تعرف نسبة المساهمين، فلو كان للإنسان سهم من ألف سهم أو من مائة ألف لكان معروفاً، فيقول: بعتك سهمي الذي هو واحد في الألف، أو واحد في الألفين فيجوز ذلك ولا حرج في ذلك؛ لأنه يصبح شيئاً معلوماً. والمعاملات المشتبهة التي لا يجوز بيعها مثل المساهمات في البنوك، وذلك لأن البنوك غالباً أعمالها فيها ربا، فلذلك المساهمة فيها لا تجوز، وكذلك شراء الأسهم، وإن كان يجوز الإيداع فيها إيداعاً عادياً، وإذا قيل: إن الشركات الكبيرة -مثل الشركات التجارية، أو الشركات الصناعية، أو المعمارية، أو الزراعية، أو شركات الكهرباء، أو النقل، أو الانتاج- تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها أرباحاً فيقال: إن هذه الأرباح جزء يسير بالنسبة إلى إنتاجها، فقد يكون إنتاجها -مثلاً- مائة مليون، ويكون الذي تأخذه من البنوك يساوي ربع مليون أو نحوه، والمعتاد أنهم في كل سنة يقسمون الأرباح، ففي هذه الحال لا بأس أن المساهم فيها يأخذ سهمه من هذه الأرباح، وحيث إن فيها هذه الشبهة فبعض المشايخ يقول: يتصدق بربعه أو عشره. ونحن نقول: يكفيه لو تصدق بربع العشر؛ لأنه أكثر من الجزء الذي يؤخذ من الربا، فعلى هذا يصح بيع هذه الأسهم وشراؤها، وذلك لأنها شيء معلوم معين محدد معروف النسبة، يُعرف أن لك في هذه الشركة كذا وكذا من النسبة، واحد في الألف أو واحد في الألفين، فأنت ما تبيع إلا نصيبك، والمشتري ينزل منزلتك في استحقاق ما تستحقه من الأرباح، وأما جعلها تجارة فأرى أن ذلك مكروه، فكثير من الناس يشتري السهام في هذه الشركة مثل: (شركة الراجحي)، فإذا ارتفع السعر باعها، ثم بعد أيام أو بعد شهر ينزل السعر فيشتري سهاماً، ولا يزال كذلك، ولا شك أنهم يتعرضون للخسران كثيراً، فقد يشتريها على أنها رخيصة، ثم تزداد رخصاً، وعلى كل حال أجاز العلماء بيع الأسهم إذا كانت معلومة، وليس فيها شيء من الشبهة، وأجازوا أخذ أرباح السهام من الشركات الكبيرة ولو كانت تودع في البنوك، أو تقترض من البنوك، ويتصدق بما يظنه دياً، والغالب أنهم يخبرون بالواقع إذا سألهم المساهم: ما قدر الفوائد التي دخلت عليكم من البنوك؟ فإذا قالوا: واحد في الألف أو واحد في المائة تصدق به أو زاد عليه احتياطاً وأخرجه صدقة، والبقية لا بأس بها.

والعادة أن الشركاء يشتغلون بأبدانهم، فيكون من هذا المال والبدن، ومن هذا ماله وبدنه، ومن هذا ماله وبدنه، ويشتركون جميعاً في العمل، ويشتركون في المال، لكن الشركات الكبيرة تأخذ السهام فقط، وتأتي بعمال أجانب يعملون لها في قيادة السيارات، وفي تشغيل الماكنات، وفي تسويق الإنتاج وما أشبه ذلك، فيحتاجون إلى عمال، وذكر بعضهم أن شركة (سابك) تربح في كل سنة نحو ثلاثمائة مليون أو أربعمائة مليون، وأنها تصرف الجميع في إعاشات العمال، وفي الأدوات، وفيما تحتاج إليه الشركة، ويبقى نحو العشر أو نصف العشر من الإنتاج يوزع على المساهمين، مما يدل على أنهم يستغرقون أكثر الإنتاج، فلا يبقى إلا جزء يسير منه هو الذي يوزع على المساهمين، وكذلك أيضاً الشركات الزراعية، يجمعون -مثلاً- رأس مال كثير، ثم يشترون الأدوات، ثم يحفرون الآبار، ويشترون المضخات، ويستجلبون الأدوات، ثم يبدءون في الإنتاج، ثم بعد التصفية لا شك أنهم يربحون، فيوزعون الأرباح على المساهمين، ولا شك أنهم يخسرون أجرة عمال، وكذلك إصلاح الماكنات، ومصاريف الكهرباء، وما أشبه ذلك، فيسددون ذلك من الإنتاج، والبقية توزع على المساهمين، وهكذا بقية أنواع الشركات، والشركات في العمارة تدخل في شركة الأبدان.

شركة المضاربة

شركة المضاربة عرفنا أنها خاصة بأن يكون المال من واحد والعمل من آخر، وذلك لأنه قد يكون عند إنسان وقت فراغ ولا يجد مالاً، وهو يستطيع أن يَتَّجِرْ، فيعطيه الآخر مالاً ويقول: مني المال ومنك العمل. ففي هذه الحال يَتَّجِرْ بهذا المال في الأعمال التي تناسبه، في أطعمة، أو في مشروبات ، أو في أكسية، أو أحذية، أو أدوات، أو سيارات ، أو أوانٍ أو نحو ذلك، والربح بينهما على ما شرطاه، سواء أكان للعامل الربع أم النصف أم الثلث، أم ما أشبه ذلك.

وإذا قال: الربح بيننا ففي هذه الحال يكون بينهما نصفين، وإذا قال: لك الربع. أو: لك الثلث. أو: لك الثلثان فيكون الباقي للآخر، وإذا اختلفا لمن الجزء المشروط فالأصل أنه للعامل؛ لأن المالك له ربح ماله، فإذا اتفقا على أن الجزء المشروط ثلث، فقال العامل: الثلث لك يا صاحب المال وقال المالك: الثلث لك يا عامل ولي الباقي فالمشروط للعامل، هذا هو الأصل، ثم قد تكون في غير تجارة، يكون إنسان متفرغاً يحسن الصناعة، فيقول: أعطني مالاً وأنا أشتري مواد صناعية وأنتج، والربح بيننا. فلو أعطاه واشترى مطابع، وقال: الربح بيننا صح ذلك، فهذا يطبع وهذا منه رأس المال، أو اشترى أدوات خياطة، هذا منه الخياطة وهذا منه المال، والربح بينهما، وهكذا بقية الصناعات اليدوية وما أشبهها، والمصانع الآن تقوم على أنها شركات، إما أن تكون مساهمة، وإما أن يكون رأس المال كله من واحد والعمل من الآخر والناتج يكون بينهما، وهكذا أيضاً الزراعة، فلو قال: منك المال ومني الأرض، المال منك نشتري به مكائن، ونشتري به رشاشات، ونشتري به بلورات، ونحفر به، ونستأجر به عمالاً، وأنا علي الاحتراف والاشتغال، وإذا حصل النتاج فهو بيننا نصفان يجوز ذلك أيضاً، ويكون من المباح المعتاد، والربح يكون بينهما على ما شرطاه، فلو قدر أن رأس المال كان عشرين ألفاً، وفي نصف السنة ربح عشرين ألفاً، ثم إنه عزل رأس المال وقال: أجعل رأس المال في فواكه، وأجعل الأرباح في أطعمة -في أرز وفي تمر وفي شاي أو قهوة- ثم قدِّر أن رأس المال الذي جعله في فواكه أو في خضروات كسد وخسر ففي هذه الحال يجبر من الربح، فالربح الآن عشرون ألفاً، وقد خسر في هذه الأطعمة، فيجبر رأس المال من الربح ما لم يقسم.

ويجوز في كل سنة أن يقتسما، فلو أنه في السنة الأولى حسبت الأرباح وإذا هي عشرون ألفاً، فاقتسماها، وكل واحد أخذ حقه، وبقى رأس المال عشرون ألفاً، واستقبلا بها عاماً جديداً، ثم خسرا رأس المال، ذهب عليهما معاً، كأن يكون اشترى بها أغناماً ثم قدر أنها ماتت فإنها تذهب على المالك، وذلك لأن العامل أمين، فهو يقول: ذهب علي تعبي وذهب عليك مالك، فلا أغرم شيئاً. ويُذكر أن بعضهم يشترط ويقول: رأس مالي لا ينقص ولا يضيع منه شيء، ولو خسرت فإنك تغرمه من مالك، وهذا شرط ينافي مقتضى العقد، وذلك لأن المضارِب مؤتمن؛ لأنه في الأصل أخذ ذلك لمصلحة الجميع، لكن إذا اشترطت عليه شروطاً ولم يفِ بها، أو عمل بخلافها فإنه يضمن، وقد ذكرنا أن حكيم بن حزام كان يعطي ماله مضاربة، ويشترط فيقول: لا تجعل مالي في كبد رطبة -أي: لا تجعله في حيوان؛ لأن الحيوانات قد يأتي عليها الموت فيذهب المال- ولا تنزل بمالي في واد -مجرى سيل- مخافةَ أن يأتي سيل فيحمله فيضيع مالي، ولا تركب به في بحر مخافة أن تهيج الأمواج فيلقى مالي في البحر. فإذا اشترطت عليه مثل هذه الشروط، ولكنه ما وفى بها فإنه يضمن إذا تلف المال، أو تلف بعضه، أو خسر، وكذلك لو تلف المال قبل أن يبدأ في التصرف فإنه يذهب عليهما معاً.

شركة الوجوه

شركة الوجوه سميت بذلك لأنهما يشتركان في الجاه، والجاه يسمى الوجه، فإذا قال أحدهما: أنا لي جاه عند هؤلاء التجار، وأنت لك جاه عند الآخرين، فهلم أستدين من هؤلاء، وأنت تستدين من هؤلاء، ونجمع ما أخذناه ونصرفه ونسوقه، وما ربحنا فهو بيننا نقضي منه الديون، ثم نشترك بعد ذلك في الأرباح وننميها، فيسمى هذا شركة الوجوه، يشتريان في ذمتيهما بجاهيهما، والجاه هو الوجه، فإذا كان الإنسان له جاه عند الناس فوثقوا به وأعطوه بدون أن يدفع لهم الثمن، أعطوه من مالهم ديناً، أو قرضاً، أو نحو ذلك، ولابد أن تتميز هذه الشركة، ولا يدخلان فيها شيئاً ليس منها، فإن أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها تبطل، وذلك لأنها مبنية على المساواة، فلو قدر أن أحدهما استدان مبلغ خمسين ألفاً، والثاني حصل على عشرة آلاف فصارت ستين ألفاً، فجمعاها وتصرفا فيها بالبيع والشراء والتنمية، سواءٌ في تجارة، أو في حرث ، أو في بناء أو ما أشبه ذلك والربح بينهما، وذلك لأن كلاً منهما جاء بما يقدر عليه، واستدان وبذل وجهه عند التجار وعند الأثرياء، وحصل على ما حصل عليه، ولو تفاوتا، لكن لو اتفقا على أن من أتى بالأكثر فله ربح أكثر جاز ذلك كما في رأس المال، فلو قال: أنا أتيت بخمسين ألفاً وأنت أتيت بعشرة فيكون لي -مثلاً- ثلثا الربح ولك الثلث ففي هذه الحال يجوز، فالمسلمون على شروطهم، وكذلك أيضاً لو تفاوتا في العمل، لو أن أحدهما يشتغل النهار كله، والآخر يشتغل خمس ساعات من الليل جاز أن يتفاوتا في الربح، فيقول: بصفتي أكثر منك عملاً فلي ثلثا الربح ولك الثلث. فهذا يجوز إذا اتفقا عليه، ولو كان أحدهما أذكى من الآخر وأعرف بتسويق السلع وأعرف بالتجار وبتصريف المال واشترط لنفسه أكثر فالمسلمون على شروطهم.

يقول المؤلف: [وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن].

فأصحاب الديون يطالبون هذا ويطالبون هذا، وذلك لأنهما اجتمعا في هذا المال، جمعاه في دكان واحد أو في مستودع واحد، فصاحب الخمسين الألف يطالبهما معاً، فيطالب صاحب العشرة فيقول: في شركتكما هذه لي دين، استدنتما مني خمسين ألفاً، أعطني لأنك أحد الشريكين. وكذلك صاحب العشرة يطالب الآخر، ولو أنه ليس هو الذي اقترض منه، فكل منهما وكيل عن الآخر، كما أنهما يتصرفان بالوكالة، فإذا غاب أحدهما ينفذ تصرف الآخر في هذا الملك، فإذا باع -مثلاً- هذا الكيس فبيعه صحيح، نصفه له ملكاً ونصفه لشريكه، وشريكه قد وكله، فينفذ تصرفه فيه كله بحكم الملك في نصيبه وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، وإذا أوفى أحدهما ديناً عن الآخر فإنه تبرأ ذمة الموفي ويسلم، وليس له أن يطالب الآخر، ويقول: أنت الذي اقترضت أو استدنت مني.

شركة الأبدان

قال المصنف رحمه الله: [الرابع: شركة الأبدان، وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من مباح كاصطياد ونحوه، أو يتقبلان في ذممهما من عمل كخياطة].

سميت شركة الأبدان بهذا لأنه ليس معهما رأس مال، وإنما يشتركان في أبدانهما، كما قال ابن مسعود : اشتركت أنا وعمار وسعد بن أبي وقاص فيما نكتسب يوم بدر، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجئ أنا وعمار بشيء. وهذه شركة أبدان تصح في الكسب المباح في الأبدان، وفي الأعمال البدنية، فإذا اشتركا في قطع النبات وهو أخضر أو يابس وبيعه، فهذا معه منجل يحش به وهذا كذلك، ويحملانه -مثلاً- على ظهورهما أو على دابتيهما أو سيارتيهما ويبيعان، أو اشتركا في الحطب، يحتطبان ثم يحملانه ويبيعانه، وكل واحد منهما يجمع ما يقدر عليه من الحطب، أو اشتركا في الصيد المباح كصيد الظباء، أو صيد حمر الوحش، أو الوعول، أو الأرانب نحو ذلك من المباح، أو اشتركا في صيد الجراد ونحوه، وكل منهما يجمع في هذه الأواني التي يجمعان فيها صحت هذه الشركة، وهكذا أيضاً إذا تقبلا في ذمتيهما أعمالاً كخياطة، كأن يشتركا في فتح دكان يخيطان فيه بالأجرة، فيستأجران الدكان، ويشتريان ماكنات الخياطة وما أشبهها، وكذلك لو اشتركا في تغسيل الثياب في مغسلة هذا يغسل من جانب، وهذا يغسل من جانب، أو هذا عليه التغسيل وهذا عليه الكي، أو اشتركا في صنعة مباحة كحجامة، أو حياكة، أو حلاقة، ويشاهد أن الحلاقين يستأجرون دكاناً، ويحلق كل واحد منهم، ويشتركون في الكسب بينهم.

أو يشتركون في البناء للناس بالأجرة، يبنون عمارات أو منازل عادية أو أسواقاً أو مساجد أو مدارس، يشترك جماعة ويأخذونها مقاولةً أو نحو ذلك، ثم يعطون عمالهم ما يستحقونه، والبقية يقتسمونها بينهم، فيصح ذلك.

وكذلك لو اشتركا في حرث، كالعمال الذين يشتركون في سقي نخل ثم يصرمونه ويبيعونه ويعطون صاحبه نصيبه، ويشتركون في الباقي.

وكذلك لو اشتركا في أيَّ معمل، ونشاهد أهل الورش يكونون شركاء، وأهل النقل -سيارات الأجرة، وسيارات النقل، أو ما أشبهها- قد يكونون شركاء.

فالحاصل أن شركة الأبدان شركة يكثر الاحتياج إليها، ويكثر وقوعها في الناس، والناس على ما يتعارفون فيها، ولو أن إنساناً أعطى كيسه ليُطحن عند رجل من هؤلاء الطحانين جاز له أن يطالب الثاني؛ لأنهما مشتركان في هذا الطاحون، أو أعطاه دقيقاً ليخبزه في هذا الفرن جاز أن يطلبه من الثاني، فيقول: أعطيت شريكك كيس دقيق ليخبز لي فأنت مطالب به؛ لأنك وإياه شريكان. أو أعطاه سيارته ليصلحها في هذه الورشة، وغاب صاحبها الذي أعطاه، فإنه يطلب إصلاحها من الآخرين، فيقول: أنجزوها؛ فإنكم سواء في هذا المكان. وإذا أعطى ثوبه واحداً ثم جاء ولم يخطه، فيطالب الآخرين بخياطته، ويقول: أنتم سواء في هذا المكان فعليكم أن تنجزوه. أو أعطاه خشباً لينجره باباً، أو حديداً ليصلحه باباً، فإنه يطالب كل واحد منهم بإنجاز هذا العمل، ولا يقولون: لم نأخذ منك هذا العمل. بل عليهم أن ينجزوا العمل الذي يتقبله واحد منهم؛ لأنهم كلهم معتمدون في هذا المكان، هذا معنى قوله: [فما تقبله أحدهما لزمهما عمله وطولبا به].

مثلاً: تقبل واحد منهم أن يبني هذا الجدار، فأصحاب الجدار يطالبون الثاني، ويطالبون الثالث، فيقولون: أنجزوا الذي التزمتم به. وهكذا لو تقبل أحدهم حفر هذه البئر، فيطالب الجميع أن يحفروها، وأن ينجزوا هذا الحفر، وهكذا لو أعطى الثوب واحداً فله أن يطالب الثاني بإنجاز خياطته، أو بإنجاز غسله أو نحو ذلك، فيُطالبُ كل منهما بما تقبله الآخر.

حكم ترك أحد الشركاء العمل

قال المصنف رحمه الله: [وإن ترك أحدهما العمل لعذر أو لا فالكسب بينهما] وذلك لأنهما متفقان على أن الكسب بينهما، فلو قدر على أن أحدهما تخلف يوماً، أو سافر يوماً أو أياماً لأمر عارض، والبقية يشتغلون في هذه الورشة أو في هذه العمارة فإن الكسب بينهم جميعاً، وذلك لأنهم مستوون في أنهم استأجروا هذا المكان وتقبلوا هذه الأعمال، والعادة أنهم يتسامحون فيمن غاب يوماً أو يومين ويعذرونه، سيما إذا كان له عذر، وقد يتغيب لكسل ونحوه، ولا شك أيضاً أنه معذور والكسب بينهم، ولكن لو اتفقا على أن من غاب فإنه يُنوِّبُ من يقوم مقامه لزمه، سيما إذا سافر سفراً بعيداً، أو مرض مرضاً مزمناً أو طويلاً، فإن عليه أن يُنوِّبَ مكانه، وإذا احتاج أحدهما من الشركة أخذ شيء فإنه يكون قرضاً حتى يقتسما فيحسب من نصيبه.

يقول: [ويلزم من عُذر أو لم يعرف العمل أن يقيم مقامه بطلب شريك].

إذا كان أحدهما مريضاً أو انشغل بعذر، فقال شريكه: المكان يحتاج إلى عمال، فعليك أن تقيم مقامك من يعمل؛ فإن العمل مشروط بيننا نحن جميعاً أن نعمل ويكون الكسب بيننا فيلزمه أن يأتي بعامل على حسابه، ويعطيه أجرته من نصيبه ليقوم مقامه، وهكذا لو لم يكن يحسن الصنعة، فقد لا يحسن بعضهم الحلاقة أو الخياطة، ففي هذه الحال لا مانع من أن يقيم مقامه غيره إذا طالبوه، فإذا قالوا له: أنت لا تحسن هذه الصنعة، لا تحسن التسجيل -مثلاً- إذا كان مسجلاً، ولا تحسن الحياكة، ولا تحسن النجارة، فأنت الآن اشتركت معنا في عمل بدني ولا تشتغل، ونحن الذين نشتغل فيلزمه أن يقيم مقامه في العمل الذي يعجز عنه أو الذي لا يحسنه إذا طالبه بذلك شركاؤه.

شركة المفاوضة

قال المصنف رحمه الله: [الخامس: شركة المفاوضة، وهي أن يفوِّض كل إلى صاحبه كل تصرف مالي، ويشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما، فتصح إن لم يدخلا فيها كسباً نادراً].

وكأن شركة المفاوضة تعم جميع الشركات المتقدمة، وصورتها: أن ينضم كل واحد إلى الآخر، فيقول: نحن شركاء في المال الذي بأيدينا، ونحن شركاء في الكسب الذي نكسبه بأبداننا، ونحن شركاء فيما نتدينه في ذممنا، ونحن شركاء فيما نحصل عليه من الكسب المباح مثل صيد أو ما أشبه ذلك، كل واحد منهما يفوض الآخر، فيقول: فوضتك بما يحصل وبما تجده، ويقول الآخر أيضاً: فوضتك. فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف، ويعم ذلك أيضاً التصرف الذي تدخله النيابة، ولكن لا يجوز أن يفوضه في كل شيء تحت تصرفه، فإنه لو قال ذلك لتسلط عليه، فقد يطلق زوجته، ويقول: إنك فوضتني! ويعتق عبده ويقول: إنك فوضتني! ويهب أمواله ويتصدق بها ويقول: إنك فوضتني! أنا مفوض من فلان. إنما التفويض فيما هو معتاد أن يفوضه أحدهما إلى الآخر، فكأن هذه الشركة تعم جميع أنواع الشركات التي يمكن أن تدخل في اسم شركة.

فيفوض كل منهما إلى صاحبه كل تصرف مالي، ففي هذه الحال ينفذ تصرفه كوكيل، فيبيع من مال من فوضه، ويشتري له، ويضارب بماله، ويتاجر به، ويزارع به، ويَتَّجِرُ فيه بحسب العادة، فيكون شريكاً في كل ما يملك، ويكون مفوضاً في كل ما يملك.

قال: [يشتركا في كل ما يثبت لهما وعليهما].

لو أهديت إلى أحدهما هدية صارا شريكين فيها، أو صاد أحدهما صيداً صارا شريكين فيه، أو ربح أحدهما في تجارة أو في بيع صارا شريكين فيها، وكذلك -أيضاً- إذا لزم أحدهما شيء فإنهما يدفعانه، فلو أتلف أو أحرق أحدهما ثوباً أو أفسده ضمناه جميعاً، وكذلك كل ما يتلفه أحدهما، ولو استدان أحدهما ديناً فإنهما جميعاً يقومان بقضائه، ولصاحب الدين أن يطالب من شاء منهما، لكن لا يدخلان فيها كسباً نادراً، فإذا أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها لا تعتبر، والكسب النادر مثل لقطة، أو كنز، أو ميراث، فتفسد ويكون لكل واحد منهما ربح ماله وأجرة عمله، وذلك لأنه إذا وجد أحدهما لقطة وعرفها وصار لها قيمة وملكها فهذا مال زائد، وكذلك لو مات قريب أحدهما فورث منه مائة ألف أو نحوها، فهذا مال وكسب نادر، فلا يكونان شريكين فيه.

يقول: [وكلها جائزة، ولا ضمان فيها إلا بالتعدي أو التفريط].

قد عرفنا الفرق بين العقود الجائزة واللازمة، فاللازمة هي التي يلزم الأخذ فيها ولا يتمكن أحد من الفسخ، أما الجائزة، فهي التي يجوز فسخها.

الشركات الآن كثيرة: شركات تجارية، وشركات معمارية، وشركات زراعية، وشركات صناعية أو ما أشبهها، فالمساهمة فيها جائزة، واختلفوا في بيع السهام، فالإنسان إذا اشترك في شركة كشركة (سابك)، التي هي صناعية منتجة ثم احتاج، فهل له أن يبيع سهامه التي في هذه الشركة؟ ومثلها شركة النقل أو شركة الألبان، فهذه الشركات لا شك أنها تنتج، وأنها تسوق إنتاجها، ويربحون كثيراً، فالصحيح أنه إذا كانت النسبة معلومة جاز البيع، وهم عادةً يخبرون برأس المال عندما يفتحونها ويبتدئونها، فيقولون: رأس المال مائة مليون، أو ألف مليون، أو نصف مليون. ففي هذه الحال تعرف نسبة المساهمين، فلو كان للإنسان سهم من ألف سهم أو من مائة ألف لكان معروفاً، فيقول: بعتك سهمي الذي هو واحد في الألف، أو واحد في الألفين فيجوز ذلك ولا حرج في ذلك؛ لأنه يصبح شيئاً معلوماً. والمعاملات المشتبهة التي لا يجوز بيعها مثل المساهمات في البنوك، وذلك لأن البنوك غالباً أعمالها فيها ربا، فلذلك المساهمة فيها لا تجوز، وكذلك شراء الأسهم، وإن كان يجوز الإيداع فيها إيداعاً عادياً، وإذا قيل: إن الشركات الكبيرة -مثل الشركات التجارية، أو الشركات الصناعية، أو المعمارية، أو الزراعية، أو شركات الكهرباء، أو النقل، أو الانتاج- تودع أموالها في البنوك وتأخذ عليها أرباحاً فيقال: إن هذه الأرباح جزء يسير بالنسبة إلى إنتاجها، فقد يكون إنتاجها -مثلاً- مائة مليون، ويكون الذي تأخذه من البنوك يساوي ربع مليون أو نحوه، والمعتاد أنهم في كل سنة يقسمون الأرباح، ففي هذه الحال لا بأس أن المساهم فيها يأخذ سهمه من هذه الأرباح، وحيث إن فيها هذه الشبهة فبعض المشايخ يقول: يتصدق بربعه أو عشره. ونحن نقول: يكفيه لو تصدق بربع العشر؛ لأنه أكثر من الجزء الذي يؤخذ من الربا، فعلى هذا يصح بيع هذه الأسهم وشراؤها، وذلك لأنها شيء معلوم معين محدد معروف النسبة، يُعرف أن لك في هذه الشركة كذا وكذا من النسبة، واحد في الألف أو واحد في الألفين، فأنت ما تبيع إلا نصيبك، والمشتري ينزل منزلتك في استحقاق ما تستحقه من الأرباح، وأما جعلها تجارة فأرى أن ذلك مكروه، فكثير من الناس يشتري السهام في هذه الشركة مثل: (شركة الراجحي)، فإذا ارتفع السعر باعها، ثم بعد أيام أو بعد شهر ينزل السعر فيشتري سهاماً، ولا يزال كذلك، ولا شك أنهم يتعرضون للخسران كثيراً، فقد يشتريها على أنها رخيصة، ثم تزداد رخصاً، وعلى كل حال أجاز العلماء بيع الأسهم إذا كانت معلومة، وليس فيها شيء من الشبهة، وأجازوا أخذ أرباح السهام من الشركات الكبيرة ولو كانت تودع في البنوك، أو تقترض من البنوك، ويتصدق بما يظنه دياً، والغالب أنهم يخبرون بالواقع إذا سألهم المساهم: ما قدر الفوائد التي دخلت عليكم من البنوك؟ فإذا قالوا: واحد في الألف أو واحد في المائة تصدق به أو زاد عليه احتياطاً وأخرجه صدقة، والبقية لا بأس بها.

والعادة أن الشركاء يشتغلون بأبدانهم، فيكون من هذا المال والبدن، ومن هذا ماله وبدنه، ومن هذا ماله وبدنه، ويشتركون جميعاً في العمل، ويشتركون في المال، لكن الشركات الكبيرة تأخذ السهام فقط، وتأتي بعمال أجانب يعملون لها في قيادة السيارات، وفي تشغيل الماكنات، وفي تسويق الإنتاج وما أشبه ذلك، فيحتاجون إلى عمال، وذكر بعضهم أن شركة (سابك) تربح في كل سنة نحو ثلاثمائة مليون أو أربعمائة مليون، وأنها تصرف الجميع في إعاشات العمال، وفي الأدوات، وفيما تحتاج إليه الشركة، ويبقى نحو العشر أو نصف العشر من الإنتاج يوزع على المساهمين، مما يدل على أنهم يستغرقون أكثر الإنتاج، فلا يبقى إلا جزء يسير منه هو الذي يوزع على المساهمين، وكذلك أيضاً الشركات الزراعية، يجمعون -مثلاً- رأس مال كثير، ثم يشترون الأدوات، ثم يحفرون الآبار، ويشترون المضخات، ويستجلبون الأدوات، ثم يبدءون في الإنتاج، ثم بعد التصفية لا شك أنهم يربحون، فيوزعون الأرباح على المساهمين، ولا شك أنهم يخسرون أجرة عمال، وكذلك إصلاح الماكنات، ومصاريف الكهرباء، وما أشبه ذلك، فيسددون ذلك من الإنتاج، والبقية توزع على المساهمين، وهكذا بقية أنواع الشركات، والشركات في العمارة تدخل في شركة الأبدان.

شركة المضاربة عرفنا أنها خاصة بأن يكون المال من واحد والعمل من آخر، وذلك لأنه قد يكون عند إنسان وقت فراغ ولا يجد مالاً، وهو يستطيع أن يَتَّجِرْ، فيعطيه الآخر مالاً ويقول: مني المال ومنك العمل. ففي هذه الحال يَتَّجِرْ بهذا المال في الأعمال التي تناسبه، في أطعمة، أو في مشروبات ، أو في أكسية، أو أحذية، أو أدوات، أو سيارات ، أو أوانٍ أو نحو ذلك، والربح بينهما على ما شرطاه، سواء أكان للعامل الربع أم النصف أم الثلث، أم ما أشبه ذلك.

وإذا قال: الربح بيننا ففي هذه الحال يكون بينهما نصفين، وإذا قال: لك الربع. أو: لك الثلث. أو: لك الثلثان فيكون الباقي للآخر، وإذا اختلفا لمن الجزء المشروط فالأصل أنه للعامل؛ لأن المالك له ربح ماله، فإذا اتفقا على أن الجزء المشروط ثلث، فقال العامل: الثلث لك يا صاحب المال وقال المالك: الثلث لك يا عامل ولي الباقي فالمشروط للعامل، هذا هو الأصل، ثم قد تكون في غير تجارة، يكون إنسان متفرغاً يحسن الصناعة، فيقول: أعطني مالاً وأنا أشتري مواد صناعية وأنتج، والربح بيننا. فلو أعطاه واشترى مطابع، وقال: الربح بيننا صح ذلك، فهذا يطبع وهذا منه رأس المال، أو اشترى أدوات خياطة، هذا منه الخياطة وهذا منه المال، والربح بينهما، وهكذا بقية الصناعات اليدوية وما أشبهها، والمصانع الآن تقوم على أنها شركات، إما أن تكون مساهمة، وإما أن يكون رأس المال كله من واحد والعمل من الآخر والناتج يكون بينهما، وهكذا أيضاً الزراعة، فلو قال: منك المال ومني الأرض، المال منك نشتري به مكائن، ونشتري به رشاشات، ونشتري به بلورات، ونحفر به، ونستأجر به عمالاً، وأنا علي الاحتراف والاشتغال، وإذا حصل النتاج فهو بيننا نصفان يجوز ذلك أيضاً، ويكون من المباح المعتاد، والربح يكون بينهما على ما شرطاه، فلو قدر أن رأس المال كان عشرين ألفاً، وفي نصف السنة ربح عشرين ألفاً، ثم إنه عزل رأس المال وقال: أجعل رأس المال في فواكه، وأجعل الأرباح في أطعمة -في أرز وفي تمر وفي شاي أو قهوة- ثم قدِّر أن رأس المال الذي جعله في فواكه أو في خضروات كسد وخسر ففي هذه الحال يجبر من الربح، فالربح الآن عشرون ألفاً، وقد خسر في هذه الأطعمة، فيجبر رأس المال من الربح ما لم يقسم.

ويجوز في كل سنة أن يقتسما، فلو أنه في السنة الأولى حسبت الأرباح وإذا هي عشرون ألفاً، فاقتسماها، وكل واحد أخذ حقه، وبقى رأس المال عشرون ألفاً، واستقبلا بها عاماً جديداً، ثم خسرا رأس المال، ذهب عليهما معاً، كأن يكون اشترى بها أغناماً ثم قدر أنها ماتت فإنها تذهب على المالك، وذلك لأن العامل أمين، فهو يقول: ذهب علي تعبي وذهب عليك مالك، فلا أغرم شيئاً. ويُذكر أن بعضهم يشترط ويقول: رأس مالي لا ينقص ولا يضيع منه شيء، ولو خسرت فإنك تغرمه من مالك، وهذا شرط ينافي مقتضى العقد، وذلك لأن المضارِب مؤتمن؛ لأنه في الأصل أخذ ذلك لمصلحة الجميع، لكن إذا اشترطت عليه شروطاً ولم يفِ بها، أو عمل بخلافها فإنه يضمن، وقد ذكرنا أن حكيم بن حزام كان يعطي ماله مضاربة، ويشترط فيقول: لا تجعل مالي في كبد رطبة -أي: لا تجعله في حيوان؛ لأن الحيوانات قد يأتي عليها الموت فيذهب المال- ولا تنزل بمالي في واد -مجرى سيل- مخافةَ أن يأتي سيل فيحمله فيضيع مالي، ولا تركب به في بحر مخافة أن تهيج الأمواج فيلقى مالي في البحر. فإذا اشترطت عليه مثل هذه الشروط، ولكنه ما وفى بها فإنه يضمن إذا تلف المال، أو تلف بعضه، أو خسر، وكذلك لو تلف المال قبل أن يبدأ في التصرف فإنه يذهب عليهما معاً.

شركة الوجوه سميت بذلك لأنهما يشتركان في الجاه، والجاه يسمى الوجه، فإذا قال أحدهما: أنا لي جاه عند هؤلاء التجار، وأنت لك جاه عند الآخرين، فهلم أستدين من هؤلاء، وأنت تستدين من هؤلاء، ونجمع ما أخذناه ونصرفه ونسوقه، وما ربحنا فهو بيننا نقضي منه الديون، ثم نشترك بعد ذلك في الأرباح وننميها، فيسمى هذا شركة الوجوه، يشتريان في ذمتيهما بجاهيهما، والجاه هو الوجه، فإذا كان الإنسان له جاه عند الناس فوثقوا به وأعطوه بدون أن يدفع لهم الثمن، أعطوه من مالهم ديناً، أو قرضاً، أو نحو ذلك، ولابد أن تتميز هذه الشركة، ولا يدخلان فيها شيئاً ليس منها، فإن أدخلا فيها كسباً نادراً فإنها تبطل، وذلك لأنها مبنية على المساواة، فلو قدر أن أحدهما استدان مبلغ خمسين ألفاً، والثاني حصل على عشرة آلاف فصارت ستين ألفاً، فجمعاها وتصرفا فيها بالبيع والشراء والتنمية، سواءٌ في تجارة، أو في حرث ، أو في بناء أو ما أشبه ذلك والربح بينهما، وذلك لأن كلاً منهما جاء بما يقدر عليه، واستدان وبذل وجهه عند التجار وعند الأثرياء، وحصل على ما حصل عليه، ولو تفاوتا، لكن لو اتفقا على أن من أتى بالأكثر فله ربح أكثر جاز ذلك كما في رأس المال، فلو قال: أنا أتيت بخمسين ألفاً وأنت أتيت بعشرة فيكون لي -مثلاً- ثلثا الربح ولك الثلث ففي هذه الحال يجوز، فالمسلمون على شروطهم، وكذلك أيضاً لو تفاوتا في العمل، لو أن أحدهما يشتغل النهار كله، والآخر يشتغل خمس ساعات من الليل جاز أن يتفاوتا في الربح، فيقول: بصفتي أكثر منك عملاً فلي ثلثا الربح ولك الثلث. فهذا يجوز إذا اتفقا عليه، ولو كان أحدهما أذكى من الآخر وأعرف بتسويق السلع وأعرف بالتجار وبتصريف المال واشترط لنفسه أكثر فالمسلمون على شروطهم.

يقول المؤلف: [وكل وكيل الآخر وكفيله بالثمن].

فأصحاب الديون يطالبون هذا ويطالبون هذا، وذلك لأنهما اجتمعا في هذا المال، جمعاه في دكان واحد أو في مستودع واحد، فصاحب الخمسين الألف يطالبهما معاً، فيطالب صاحب العشرة فيقول: في شركتكما هذه لي دين، استدنتما مني خمسين ألفاً، أعطني لأنك أحد الشريكين. وكذلك صاحب العشرة يطالب الآخر، ولو أنه ليس هو الذي اقترض منه، فكل منهما وكيل عن الآخر، كما أنهما يتصرفان بالوكالة، فإذا غاب أحدهما ينفذ تصرف الآخر في هذا الملك، فإذا باع -مثلاً- هذا الكيس فبيعه صحيح، نصفه له ملكاً ونصفه لشريكه، وشريكه قد وكله، فينفذ تصرفه فيه كله بحكم الملك في نصيبه وبحكم الوكالة في نصيب شريكه، وإذا أوفى أحدهما ديناً عن الآخر فإنه تبرأ ذمة الموفي ويسلم، وليس له أن يطالب الآخر، ويقول: أنت الذي اقترضت أو استدنت مني.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2740 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2717 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2608 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2572 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2485 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2341 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2333 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2321 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2270 استماع