خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/129"> الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/129?sub=66143"> سلسلة شرح أخصر المختصرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح أخصر المختصرات [38]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وتصح الوكالة بكل قول يدل على إذن، وقبولها بكل قول أو فعل دالٍ عليه، وشرط كونهما جائزي التصرف، ومن له تصرف في شيء فله توكل وتوكيل فيه، وتصح في كل حق آدمي، لا ظهار ولعان وأيمان، وفي كل حق لله تدخله النيابة، وهي وشركة ومضاربة ومساقاة ومزارعة ووديعة وجعالة، عقود جائزة لكل فسخها، ولا يصح بلا إذن بيع وكيل لنفسه، ولا شراؤه منها لموكله، وولده ووالده ومكاتبه كنفسه، وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح، وضمن زيادة أو نقصاً، ووكيل مبيع يسلمه ولا يقبض ثمنه إلا بقرينة، ويسلم وكيل الشراء الثمن، ووكيل خصومة لا يقبض، وقبض يخاصم، والوكيل أمينٌ لا يضمن إلا بتعدٍ أو تفريط، ويقبل قوله في نفيهما وهلاك بيمينه كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل، لا لورثته إلا ببينة.
فصل: والشركة خمسة أضرب:
شركة عنان: وهي أن يحضر كل واحد من عدد جائز التصرف من ماله نقداً معلوماً؛ ليعمل فيه كلٌ على أن له من الربح جزءاً مشاعاً معلوماً.
الثاني: المضاربة: وهي دفع مال معين معلوم لمن يتجر فيه بجزء معلوم مشاعٍ من ربحه، وإن ضارب لآخر فأضر الأول حرم، ورد حصته في الشركة، وإن تلف رأس المال أو بعضه بعد تصرف أو خسر جبر من ربح قبل قسمة].
الفصل الأول: يتعلق بالوكالة.
والفصل الثاني: يتعلق بالشركة.
تعريف الوكالة وحكمة مشروعيتها
فقولهم: (استنابة) يعني: إقامة آخر مقامه، وصريحها أن يقول: وكلتك، أو أنبتك، أو فوضت إليك، أو قم مقامي في كذا.
وسبب شرعيتها أن الإنسان قد لا يقدر على قضاء حوائجه كلها بنفسه، فجاز له أن يوكل غيره، فيوكله ليبيع سلعته، ويوكله ليشتري له سلعةً، ويوكله ليخاصم في دين له أو حق، ويوكل لقبض ديونه أو جمعها، فيقوم الوكيل مقامه فيما وكله فيه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوكل بعض أصحابه لقبض الزكوات وهم العمال، وكذلك ورد أنه قال: (ائت وكيلي بخيبر ليعطيك وسقاً من التمر، فإن طلب منك آية فضع يدك على ترقوته)، فلم يكن هناك وثائق ولا أختام، فكأنه قال: من جاءك يطلب من التمر زاعماً أني أرسلته، فلا تعطه حتى يضع يده على ترقوتك، وهو العظم الذي بين النحر والكتف، فهذا دليل على أنه كان يوكل أصحابه لجمع الزكوات، ويفرقونها بإذنه.
وكذلك روي (أنه وكل
ومن المعلوم أن هذه المملكة تحت ولاية الملك، وهو لا يستطيع أن يباشر كل الأعمال بيده، فوكلاؤه يعتبرون نوابه، فالوزراء وكلاء، وقد وكلوا في كل دائرة من يقوم بها، فهذا موكل في هذا النوع من المعاملات، وهذا موكل بالصرف لكذا وكذا، وهذا موكل بالقبض من كذا وكذا، وهؤلاء القضاة موكلون في إثبات الخصومات، وكذلك المنفذون موكَلون بتنفيذ الحدود، وبتنفيذ الأحكام القضائية وأشباه ذلك، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص، فإن كلاً منا قد يكون محتاجاً إلى الوكالة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شراء وأنت منشغل، فتوكل من يشتري لك ثوباً أو كيساً أو نحو ذلك، أو توكل من يبيع شاتك أو يبيع دارك، أو ما أشبه ذلك، ويقوم هذا الوكيل مقام الموكل، ولا شك أن هذا ونحوه دليل مشروعية الوكالة، وأن الناس بحاجة إليها، لا يستغنون عن أن يوكل أحدهم صاحبه في قضاء حاجته.
وقد عرفنا أن الوكالة: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
ما تنعقد به الوكالة من الألفاظ
أولاً: هل يشترط لها صيغة؟
يقول: (تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن) فإذا قال: وكلتك، فوضت إليك، أنبتك، أنت نائب عني، أنت تقوم مقامي، اذهب فبع هذه السلعة، اذهب فاشتر لنا كيساً؛ هذه كلها صيغ تدل على الإذن.
وهل يشترط للقبول عبارة؟
لا يشترط، فلو قال: إن شاء الله، أو سأفعل، أو حباً وكرامة، أو أهلاً وسهلاً، أو قبلت منك هذا التوكيل، جاز ذلك كله، فلا حاجة إلى أن يحدد كلمة خاصة يقول فيها: قبلت، أو ما أشبه ذلك، فيصح قبولها بكل قول أو فعل يدل على القبول، لو قلت له: بع هذا الكيس، فسكت، ولكنه حمله على سيارته ودخل به السوق وباعه؛ صح.
وإذا قلت له: اذهب فاقبض ديني من زيد، فسكت، وذهب وقال لزيد: أنا وكيل في قبض الدين الذي عندك، صح ذلك، ويكون هذا دالاً على القبول.
قوله: (شرط كونهما جائزي التصرف).
الذي لا يجوز تصرفه مثل المملوك، فليس له التصرف في نفسه ولا في غيره، لكن يجوز لسيده أن يوكله، وكذلك السفيه لا يستحق تصرفه في ماله كما تقدم، فلا يصح توكيله، ولا يصلح توكله، وكذلك الصغير، وكذلك المجنون، فكونهما جائزي التصرف يخرج هؤلاء الأربعة: المملوك، والصغير، والمجنون، والسفيه، فإن هؤلاء لا يصح لأحدهم أن يوكل، ولا يصلح أن يكون وكيلاً، فلا يتوكل ولا يوكل؛ لأنهم لا تصرف لهم في أموالهم، فكذا في غير أموالهم.
واصطلح الفقهاء على أن المالك يسمى موكلاً، وأما النائب فيسمى وكيلاً، ولا يقال (موكَّل)؛ لأنها قد تشتبه في الكتابة (موكَّل وموكِّل)، فإذا رأيت كلمة (م وك ل) فاقرأها موكِّل ولا تقرأها موكَّل؛ لأن الموكَّل عبروا عنه بالوكيل، وهو الذي ورد في القرآن: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [النساء:81]، فالوكيل: هو النائب عن غيره.
ما يصح التوكيل فيه
ويدخل في ذلك العقود، فيصح للزوج أن يوكل، وكذلك الولي، فإذا كان الزوج بعيداً أرسل لك وكالة وقال: أنت وكيلي في تزوج بنت فلان، فتحضر أنت، فيقول ولي البنت: زوجت موكِّلك فلاناً ابنتي، فتقول: قبلتها لموكلي فلان، يصح ذلك، وهكذا أيضاً الولي يوكلك مثلاً فتقول للزوج: زوجتك بنت موكلي فلانة بنت فلان، فيقول: قبلتها.
وقد يوكلان معاً، يوكل الزوج ويوكل الولي، فيقول وكيل الزوج لوكيل الولي: زوجت موكلك فلاناً فلانة بنت موكلي فلان، فيقول وكيل الزوج: قبلت زواج فلانة لموكلي فلان.
ويصح أيضاً في الطلاق، فيوكلك في طلاق امرأته فتقول: اشهد يا فلان ويا فلان أني طلقت فلانة بوكالة زوجها لي، حيث وكلني على طلاقها، وهكذا المخاصمات، والناس الآن يوكلون من يسمى المحامي، فهذا المحامي وكيل عن فلان، فيأخذ ما عند موكله من الحجج ثم يحتج عند القاضي ويقول: حجتي التي أحتج بها لموكلي كذا وكذا، وموكلي عنده من البينات كذا وكذا ، فهذا وكيلٌ أيضاً في الخصومة.
فالحاصل أن الوكالة تصح في كل شيء يملك التصرف فيه، وتصح في كل حقوق الآدميين من الأموال والعقود والفسوخ، فيوكل في البيع، ويوكل في الشراء، ويوكل في القبض، ويوكل في الخصومات، وما أشبه ذلك.
ما لا يصح التوكيل فيه
وكذلك اللعان، لا يصح التوكيل فيه، لأنه يقترن به شهادات وأيمان ودعاء، واللعان ذكره الله تعالى في القرآن، ونسبه إلى الزوجين فقال: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ [النور:6-7] فلا يصح التوكيل فيه، لا يقول: يا فلان! اذهب فاشهد عني، والعن نفسك عني؛ لأن الزوج يقول: أشهد بالله أن امرأتي هذه زانية، وإني لمن الصادقين، أربع مرات، وكذلك المرأة تقول: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، ثم تقول: غضب الله عليها إن كان من الصادقين، فلا يجوز أن يكون موكلاً في اللعن ولا في الغضب؛ لأن هذا دعاء على النفس، ولا يقول مثلاً: لعنة الله على فلان إن كان من الكاذبين، فهذا شيء يتعلق بما في الضمير، فلا يجوز التوكل فيه.
وكذلك الأيمان لا يجوز التوكل فيها، فلا يقول إذا توجهت إليه يمين في خصومة: يا فلان! وكلتك أن تحلف عني؛ لأن الحلف فيه استحضار عظمة المحلوف به، فالذي يحلف بالله أو بصفة من صفات الله يستحضر عظمة الله، فيحمله هذا الاستحضار على أن يعترف بالحق، وألا يتجرأ على الحلف كاذباً، ويستحضر أنه إذا حلف كاذباً فإن عليه عقوبة شديدة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذبٌ لقي الله وهو عليه غضبان).
حكم التوكيل في العبادات
يقول: (وفي كل حق لله تدخله النيابة) أي: من العبادات ما تدخله النيابة، فيجوز التوكيل فيه، فتوكله أن يفرق كفارة النذر أو كفارة اليمين، وتقول: يا فلان! عليّ كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فخذ هذه الدراهم لتشتري طعاماً وتطعمهم، فيجوز هذا، وكذلك مثلاً تعطيه زكاة مالك ليفرقها، فتقول: وكلتك أن تفرق هذه الزكاة على المساكين الذين تعرفهم، وتعرف استحقاقهم، فهذه من العبادات المالية التي يصح التوكيل فيها.
ومن العبادات التي يصح التوكيل فيها الحج والعمرة خاصة، فقد وردت الإنابة فيهما، فيجوز أن يوكل العاجز ويقول: يا فلان خذ هذه النفقة وحج عني أو حج عن أبي الميت، أو وكلتك أن تحج عني أو عن أبي، أو تعتمر وتجعل عمرتك عن أبي أو عن أخي، وتعطيه نفقته.
فهذه العبادات يصح التوكيل فيها، وأما بقية العبادات فلا يصح أن يوكل فيها.
ذكر لي بعض الإخوان الغيورين أنه مر على بعض الشباب المتهاونين فقال لهم: اذهبوا إلى المسجد وأدوا الصلاة مع الجماعة، فقالوا: أنت بالنيابة، يعني: كأنهم يقولون: صل عنا، وهذا من الاستهزاء، ولا شك أن الصلاة عبادة بدنية لا يصح التوكيل فيها، ولا يصح أن يصلي أحد عن أحد؛ لأنها عبادة تتعلق بالبدن، ولا تسقط عن الإنسان إلا إذا أداها بنفسه.
وكذلك الصيام عبادة بدنية، وقد رأيت إنساناً كبيراً لعله مسافر، شرب من الماء والناس ينظرون، فأنكر عليه بعضهم وقال: هذا ما صام! فقال: أنت تصوم عني، ويظهر أنه أراد بذلك الاعتذار، ولو قال: إنني مسافر كان أقرب إلى عذره، مع أن المسافر إذا كان في البلد لا يحل له أن يُظهر الأكل أمام الناس، فعليه أن يمسك ولا يأكل ولا يشرب إلا في خفية؛ لأن الناس يستنكرون أكله أو شربه في رمضان علناً، وعلى كل حال فالعبادات البدنية لا يجوز التوكل فيها.
الوكالة عقد جائز ومثلها الشركة والمساقاة والمزارعة
وقد تكون الوكالة محددة، ففي بعض الأعمال قد يقول الموكل: يا فلان! أنت وكيلٌ على سقي هذه الأغنام أو سقي هذه الأشجار حتى يأتي زيد من سفره، فإذا جاء بطل توكيلك، أو أنت وكيلٌ على أولادي تنفق عليهم من أموالهم إلى أن يبلغ الكبير منهم الحلم ويكون رشيداً فتنفسخ وكالتك، فهذه تكون وكالةٌ مؤقتة، فإذا قدم زيد انفسخت وصار هو الوكيل، أو إذا بلغ فلان ورشد فهو الوكيل وتنفسخ وكالته، وقد يوكل الموصي أخاه ويقول: حتى يبلغ ابني ويرشد.
فالوكالة عقد جائز، فيصح للوكيل أن يخلع نفسه، ويصح أن يخلعه الموكل، ثم لو تصرف قبل أن يبلغه الخلع فإن تصرفه نافذ، فلو وكله ليطلق امرأته، ولما وكله ذهب الوكيل إلى المحكمة وقال: هذه وكالة لي من فلان بطلاق امرأته. ولكن ندم الموكل فقال: اشهدوا أني خلعته عن هذه الوكالة، ولم يعلم الوكيل بالخلع حتى ذهب إلى القاضي، وأصدر القاضي صكاً بالطلاق قبل أن يبلغه الخبر بأنه مخلوع، ففي هذه الحال لا شك أنه ينفذ الطلاق؛ لأنه ما بلغه خبر العزل إلا بعدما كتب الطلاق.
وهكذا يقال في البيع، لو قال مثلاً: وكلتك في بيع بيتي مثلاً بخمسمائة. ثم ندم وقال: من لقي فلاناً فليخبره أني قد عزلته، ولم يلقه أحد ألا بعد البيع وقبض الثمن وكتابة الوثيقة، فإنه ينفذ البيع؛ لأنه تصرف وهو مفوض وموكل.
وشركة العنان وشركة المضاربة كلاهما عقد جائز، يعني: يتمكن أحد الشريكين أن يحل الشركة وأن يطلب القسمة، وكذلك المساقاة والمزارعة، والمساقاة هي أن يقول: اسق هذا النخل سنة بنصف الثمر أو بربعه. فيصح أن يبطل العقد قبل أن يثمر النخل، ويعطيه أجرة مثله.
والمزارعة أن يقول: ازرع هذه الأرض ولك نصف الزرع، فيصح أن يخلعه ثم يعطيه أجرة ما أنفقه، وكذلك الوديعة؛ إذا أودع عندك إنسان مثلاً ألف ريال فإنه يصح أن يأخذها بعد ساعة أو بعد يوم.
وكذلك الجعالة، فإذا قال: من بنى هذا الجدار فله مائةٌ، فله أن يقول: رجعت عن ذلك؛ وذلك لأنه لم يتفق مع واحد، وهذه كلها عقود جائزة، ولكل واحد فسخها.
لا يصح للوكيل أن يبيع على نفسه أو أقاربه أو يشتري لهم
صورة ذلك إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الدار أو هذه السيارة أو هذا الكيس أو هذه الشاة. ومعنى ذلك: أنك تدخل بها السوق، وتنظر من يشتري هذه الشاة أو هذا البعير أو هذا الكيس، فهل تقول: أنا أولى به وسأشتريه لنفسي؟ لا يجوز؛ لأنك متهم بالتساهل، فقد يقال: اشتراه لنفسه برخص، ولو أنه دخل به السوق أو صبر عليه لباعه بأكثر.
وهكذا إذا بعته على ولدك أو على والدك أو على مكاتبك؛ لأن المكاتب الذي اشترى نفسه من سيده بثمن مؤجل، لا يزال عبداً ما بقي عليه درهم، فلا يصح للوكيل أن يشتري الشاة لنفسه، بل يبيعها لغيره، وإذا وكلك أن تبيع هذه السيارة فلا تبعها على نفسك أو ما أشبه ذلك مخافة التهمة.
وهكذا الشراء لا يجوز أيضاً، فإذا قال: وكلتك أن تشتري لي كيس بر أو أرز فلا تقل: عندي أكياس وسأشتري له من نفسي إلا إذا كان هناك دلالة تدل على الإذن أو قرينة بأن قال مثلاً: بعني من نفسك أو بصفتك تاجراً فبعني كيساً أو ثوباً أو شاة من غنمك. فمثل هذا يعتبر قرينة، فأما إذا سكت وقال: اشتر لي كيس تمر أو سيارة صفتها كذا وكذا، أو اشتر لي ثوباً أو شاةً، فلا تشتر ذلك من نفسك ولا من أبيك ولا من أبنك ولا من مكاتبك؛ لأنك قد تزيد في الثمن، فقد يكون الكيس مثلاً بمائة، فتحسبه عليه بمائة وخمسة، أو نحو ذلك، فيدخله الشك.
فالحاصل أن الوكيل لا يشتري من نفسه، ولا يبيع على نفسه، وولده مثله، وأبوه مثله، ومكاتبه مثله.
يقول هنا: (وإن باع بدون ثمن مثلٍ أو اشترى بأكثر منه صح وضمن زيادةً أو نقصاً) صورة ذلك: إذا قال مثلاً: بع هذه الشاة في السوق، فتساهلت وبعتها مثلاً بمائتين، ومثلها يساوي مائتين وخمسين لو صبرت، لكنك بعتها في أدنى السوق، أو بعتها لأول من سامها، فالبيع صحيح، ولكن تضمن النقص؛ لأنها تساوي مائتين وخمسين وأنت بعتها بمائتين.
وكذلك إذا وكلك أن تشتري له شاة، والغنم التي تماثلها تساوي مائتين، ولكنك اشتريت من أدناهم وبدون مراجعة بمائتين وخمسين، فهذا دليل على أنك تريد الحظ لذلك البائع، أو أنك متساهل، فعليك أن تدفع هذه الزيادة، فيقول لك: الناس يشترون بمائتين، فأنا لا أدفع إلا مائتين، والخمسون الزائدة تكون عليك؛ لأنك تساهلت.
وهذا يفيد أن الوكيل عليه أن يجتهد في النصح لموكله سواءً كان بأجرة أو بدون أجرة، ومعلوم أنه إذا قال لك: بع الشاة ولك اثنين في المائة من ثمنها، فإنك سوف تحرص على أن تزيد في الثمن حتى تبيعها بأربعمائة مثلاً، فتكون أجرتك ثمانية مثلاً، وإذا بعتها بثلاثمائة مثلاً فلا يحصل لك إلا ستة.
وهكذا إذا قال: وكلتك أن تشتري لي شاة، ولك أجرةٌ عشرة ريال أو نحو ذلك، فإنك مأمور أن تنصح له، وأن تجتهد في شراء الرخيص، وألا تشتري بثمن مرتفع حتى لا تضره؛ لأنك وكيل وأمين.
فالحاصل أن الوكيل إذا تساهل واشترى غالياً صح الشراء وضمن الزيادة، وإن تساهل وباع رخيصاً صح البيع وضمن النقص.
حكم القبض للثمن من الوكيل
فالحاصل أن الوكيل يكون على تسليم المبيع لا على قبض الثمن، وبالأخص إذا كان المشتري معروفاً، إذا قال: وكلتك أن تبيع هذه الشاة على زيد أو تبيع هذا البعير على عمرو أو تبيع هذا البيت على خالد فلا تقبض الثمن، وإنما تسلم المبيع، وأما إذا قال: بعه في السوق فإنك تقبض الثمن.
أما الوكيل في الشراء فإنه يسلم الثمن؛ وذلك لأنه لا يوكلك أحد لتشتري له إلا بثمن، إلا إذا كان الشراء من إنسان يعرفه، فتذهب إلى التاجر وتقول: إن فلاناً وكلني أن أشتري له منك خمسة أكياس أو خمسة أثواب، ولم يعطني الثمن. فيقول: أهلاً وسهلاً، فلان معروف عندي، فلا حاجة إلى تسليم الثمن مقدماً، فيعطيك السلع كالثياب ونحوها، ولك أن تقول: الثمن يدفعه إليك موكلي.
أما إذا أعطاك الثمن وقال: خذ هذه المائة لتشتري لي بها كيساً أو ثياباً، فإنك تسلم الثمن، وتقبض السلع التي اشتريت.
وكيل الخصومة لا يقبض
الوكيل في الخصومة مثل أن تقول للمحامي: وكلتك أن تخلص ديني الذي هو عشرة آلاف، فهذا توكيل على الخصومة، فيخاصم إلى أن يثبت الحق، فأما قبض الدين فلا يقبضه إلا إذا وكل على ذلك، كما إذا قال له: بعد أن تخاصم ويثبت الحق فأنت وكيل على القبض. والمحامي يأتي بالبينات وبالوثائق وبالقرائن إلى القاضي، فإذا ثبت الحق واعترف به الخصم ولم يكن له عذر، فلا يقبض المحامي منه شيئاً، بل صاحبه هو الذي يقبضه؛ لأنه قد لا يأمن عليه أحداً، فوكيل الخصومة يخاصم ولا يقبض.
وأما وكيل القبض فله أن يخاصم، إذا قال مثلاً: وكلتك أن تقبض ديني من زيد، فجئت إلى زيد وقلت: أنا وكيل من فلان. فامتنع أن يسلم لك، فإنك تخاصمه، وترفع أمره إلى القاضي، وتطلب منه أن يحكم عليه، وتقول: إن فلاناً أعطاني وكالةً أن أقبض دينه من هذا الرجل، وهذا الرجل امتنع أن يعطيني، فاحكم عليه، ففي هذا الحال يخاصم ويقبض.
الوكيل أمين لا يضمن إلا بتعد أو تفريط
الوكيل مأمون على المال الذي دفع إليه، فلو أعطيته مائةً يشتري لك بها، ثم سرقت منه أو تلفت فلا يضمن؛ لأنه أمين، وكذلك لو وكلته أن يبيع شاة، فقبض الثمن ثم سرق منه، فإنه لا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، والتعدي مثل أن يلبس الثوب فيتخرق فإنه يضمن، والتفريط مثل أن يهمل الشاة التي وكل أن يبيعها أو يحفظها فسرقت فإنه يضمن، هذا التعدي والتفريط.
قوله: (ويقبل قوله في نفيهما وهلاك مع يمينه) فيحلف أنه ما فرط أو ما تعدى، ويقبل قوله مع يمينه في الهلاك، إذا قال مثلاً: احترق الثوب.. ماتت الشاة.. هلك البعير، خربت السيارة.
قال المصنف رحمه الله: (كدعوى متبرع رد العين أو ثمنها لموكل لا لورثته إلا ببينة):
المتبرع هو الذي تبرع بحفظ هذه الشاة، فادعى أنه ردها إلى صاحبها فإنه أو رد ثمنها إلى صاحبها، يقبل قوله بيمينه، أما إذا ادعى أنه ردها إلى الورثة فلا يقبل إلا ببينة، فإذا قال: أعطيتك ثمن الشاة الذي وكلتني فيه. فأنكر صاحب الشاة، حلف الوكيل أنه أعطاه وسلم، وأما إذا قال: أعطيتكم يا ورثة! ثمن الشاة التي وكلني بها أبوكم. فلا يقبل إلا ببينة.
الوكالة: مشتقة من وكلت الشيء إلى فلانٍ يعني: فوضته إليه، ويعرفونها اصطلاحاً: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
فقولهم: (استنابة) يعني: إقامة آخر مقامه، وصريحها أن يقول: وكلتك، أو أنبتك، أو فوضت إليك، أو قم مقامي في كذا.
وسبب شرعيتها أن الإنسان قد لا يقدر على قضاء حوائجه كلها بنفسه، فجاز له أن يوكل غيره، فيوكله ليبيع سلعته، ويوكله ليشتري له سلعةً، ويوكله ليخاصم في دين له أو حق، ويوكل لقبض ديونه أو جمعها، فيقوم الوكيل مقامه فيما وكله فيه.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوكل بعض أصحابه لقبض الزكوات وهم العمال، وكذلك ورد أنه قال: (ائت وكيلي بخيبر ليعطيك وسقاً من التمر، فإن طلب منك آية فضع يدك على ترقوته)، فلم يكن هناك وثائق ولا أختام، فكأنه قال: من جاءك يطلب من التمر زاعماً أني أرسلته، فلا تعطه حتى يضع يده على ترقوتك، وهو العظم الذي بين النحر والكتف، فهذا دليل على أنه كان يوكل أصحابه لجمع الزكوات، ويفرقونها بإذنه.
وكذلك روي (أنه وكل
ومن المعلوم أن هذه المملكة تحت ولاية الملك، وهو لا يستطيع أن يباشر كل الأعمال بيده، فوكلاؤه يعتبرون نوابه، فالوزراء وكلاء، وقد وكلوا في كل دائرة من يقوم بها، فهذا موكل في هذا النوع من المعاملات، وهذا موكل بالصرف لكذا وكذا، وهذا موكل بالقبض من كذا وكذا، وهؤلاء القضاة موكلون في إثبات الخصومات، وكذلك المنفذون موكَلون بتنفيذ الحدود، وبتنفيذ الأحكام القضائية وأشباه ذلك، هذا من حيث العموم.
أما من حيث الخصوص، فإن كلاً منا قد يكون محتاجاً إلى الوكالة، فأنت مثلاً تحتاج إلى شراء وأنت منشغل، فتوكل من يشتري لك ثوباً أو كيساً أو نحو ذلك، أو توكل من يبيع شاتك أو يبيع دارك، أو ما أشبه ذلك، ويقوم هذا الوكيل مقام الموكل، ولا شك أن هذا ونحوه دليل مشروعية الوكالة، وأن الناس بحاجة إليها، لا يستغنون عن أن يوكل أحدهم صاحبه في قضاء حاجته.
وقد عرفنا أن الوكالة: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
شروط الوكالة:
أولاً: هل يشترط لها صيغة؟
يقول: (تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن) فإذا قال: وكلتك، فوضت إليك، أنبتك، أنت نائب عني، أنت تقوم مقامي، اذهب فبع هذه السلعة، اذهب فاشتر لنا كيساً؛ هذه كلها صيغ تدل على الإذن.
وهل يشترط للقبول عبارة؟
لا يشترط، فلو قال: إن شاء الله، أو سأفعل، أو حباً وكرامة، أو أهلاً وسهلاً، أو قبلت منك هذا التوكيل، جاز ذلك كله، فلا حاجة إلى أن يحدد كلمة خاصة يقول فيها: قبلت، أو ما أشبه ذلك، فيصح قبولها بكل قول أو فعل يدل على القبول، لو قلت له: بع هذا الكيس، فسكت، ولكنه حمله على سيارته ودخل به السوق وباعه؛ صح.
وإذا قلت له: اذهب فاقبض ديني من زيد، فسكت، وذهب وقال لزيد: أنا وكيل في قبض الدين الذي عندك، صح ذلك، ويكون هذا دالاً على القبول.
قوله: (شرط كونهما جائزي التصرف).
الذي لا يجوز تصرفه مثل المملوك، فليس له التصرف في نفسه ولا في غيره، لكن يجوز لسيده أن يوكله، وكذلك السفيه لا يستحق تصرفه في ماله كما تقدم، فلا يصح توكيله، ولا يصلح توكله، وكذلك الصغير، وكذلك المجنون، فكونهما جائزي التصرف يخرج هؤلاء الأربعة: المملوك، والصغير، والمجنون، والسفيه، فإن هؤلاء لا يصح لأحدهم أن يوكل، ولا يصلح أن يكون وكيلاً، فلا يتوكل ولا يوكل؛ لأنهم لا تصرف لهم في أموالهم، فكذا في غير أموالهم.
واصطلح الفقهاء على أن المالك يسمى موكلاً، وأما النائب فيسمى وكيلاً، ولا يقال (موكَّل)؛ لأنها قد تشتبه في الكتابة (موكَّل وموكِّل)، فإذا رأيت كلمة (م وك ل) فاقرأها موكِّل ولا تقرأها موكَّل؛ لأن الموكَّل عبروا عنه بالوكيل، وهو الذي ورد في القرآن: وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [النساء:81]، فالوكيل: هو النائب عن غيره.