أرشيف المقالات

التعريف بمصطلح الهوية وتجلياتها

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
 
كتب حسن بطور
تمهيد:
إن المتأمل في أحوال الأمم -من حيث هويتها- يجد أن ثقافة كل أُمة ترجع إلى حصيلة أبنائها، من ثقافة مشتركة ترجع إلى دينهم وثوابتهم التي تلقونها عند النشأة، وإنَّ من فضل الله علينا أن جعل لغتنا اللغة العربية ، وهي لغةٌ كرمها الله سبحانه عن باقي اللغات؛ فإنها لغة القرآن الكريم الذي أنزل على سيدنا محمد ﷺ؛ قال الله تعالى: { {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} } [الشعراء: 192 - 195]، وقد أثنى الله عز وجل على هذه اللغة بأنها مبيِّنة ومبيَّنة وكفى بها شرفًا!.
وإن ما نراه الآن من الغرب من الحروب الفكرية والاقتصادية –بل والعسكرية- من أجل طَمس الهُوِيَّة الإسلامية، وإيهام بعض أبناء الأمة الإسلامية أن الحضارة في التخلي عن ثوابت الأمة الإسلامية؛ لذلك يقول محمود محمد شاكر: "ثقافة كل أمة وكل لغة هي حصيلة أبنائها المثقفين بالقدر المشترك من أصول وفروع كلها مغموسة في الدين المتلقَّى عند النشأة، فباطلٌ كل البطلان أن يكون في هذه الدنيا -على ما هي عليه- ثقافةٌ يُمكن أن تكون ثقافةً عالمية؛ أي: ثقافة واحدة يشترك فيها البشر جميعًا، ويمتزجون على اختلاف لُغتهم ومِلَلهم ونِحَلهم وأجناسهم وأوطانهم، فهذا تدليس كبير؛ وإنما يُراد بشُيوع هذه المَقولة بين الناس والأمم، هدفٌ آخرُ يتعلَّق بفَرض سيطرة أمة غالبة على أمم مغلوبة؛ لتبقى تبعًا لها؛ فالثقافات متعددة بتعدَّد المِلَل ومتميِّزة بتميُّز المِلَل، ولكل ثقافة أسلوب في التفكير والنظر والاستدلال منتزع من الدِّين الذي تَدِين به لا محالة".
ومن ثَمَّ فقد تنبه الغربُ منذ زمن مُبكر إلى قيمة اللغة العربية بوصفها أنها فِكر الأمة العربية وأنها الإعجاز البياني لكتاب الله عز وجل، فاستجمَعوا جهودهم لإبعاد العرب عن اللغة المعجزة وإضعافها في نفوسهم؛ من أجل القضاء على الهُوية العربية؛ ولذلك وجب على أبناء الأمة أن ينتفضوا لإبراز الصفات والسمات المكنونة، والجواهر المطموسة التي تتمثل في دِين الإسلام العظيم والانتماء إلى عقيدته، والتمسك بثوابته، والرجوع إلى الصبغة الدينية في العادات والتقاليد والأعراف وسائر علوم الإنسان.
وقبل أن نتطرق لمفهوم الهوية لا بد لنا أن نوضح ونبيِّن مفهوم كلمة «التجليات»؛ إذ إن عنوان الرسالة هو: "تجليات الهُوِيَّة في شعر حسن عبد الله القرشي".
أ‌-    التعريف بالتجليات:
يأتي معنى التجلي بمعنى حقيقة الشيء وظهوره؛ "قال الله تعالى: { {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} } [الأعراف: 187] ، أي: لا يُظهرها إلا الله، ومنه يُقال: وقفت على جلية الخبر، أي: على حقيقته"( ).
وفي خطبة الحجاج أنشد قائلًا: [الوافر]
أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا
        مَتَى أَضَعُ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِ

وقال القتيبي: قال سيبويه: و«جَلَا»: فعل ماض، كأنه بمعنى: أبي الذي جلا، أي: أوضح وكشف"( ).
وأمر جلي: واضح؛ تقول: اجْلِ لي هذا الأمر؛ أي: أوضحه.
والجلاء ممدودٌ: الأمر البيِّن الواضح.
والجلاء، بالفتح والمد: الأمر الجلي، وتقول منه: جلا لي الخبر أي وضح؛ وقال زهير: [الوافر]
فإن الحق مقطعه ثلاث
        يمين أو نفار أو جلاء
أراد البينة".
وعليه فيكون المراد من قولنا: "تجليات الهُوية": الألفاظ والصور والأساليب والمعاني التي تبرز فيها الهُوِيَّة، كما يأتي بيانها الآن.
ب‌-    التعريف بالهوية لُغةً واصطلاحًا:
أوَّلًا: الهوية لغةً:
الهوية ليس اسمًا عربيًّا في أصله، وإنما اضطر إليه بعض المترجمين، فاشتق هذا الاسم من الضمير (هو) الذي يدل عند العربي على ارتباط المحمول بالموضوع في جوهره، يقول العرب: زيد هو حيوان أو إنسان.
وجاء في تهذيب اللغة:
"قال الأصمعي: الهوية: بئر بعيدة المهواة".
وجاء في التعريفات:
"الهوية: الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق".
وجاء في الصحاح:
"الهُوية: موضع يَهْوِي مَن عليه، أي يسقُط".
وجاء في لسان العرب:
"هُوِيَّة تصغير هُوَّة، وقيل: الهُوِيَّة بئر بعيدة المهواة، وعرشها سقفها المغمى عليها بالتراب فيغتر به واطئه فيقع فيها ويهلك".
وفي معجم اللغة العربية المعاصرة:
"هُوِيَّة مفرد:
1 - مصدر صناعيٌّ مِن هُوَ.
2 - بطاقة يُثْبَتُ فيها اسم الشخص وتاريخ ميلاده ومكان مولده وجنسيته وعمله، وتسمَّى البطاقة الشخصية أيضًا.
وتذكرة إثبات الهُويَّة: وثيقة رسميَّة تحمل اسم الشخص ورسمَه وسماتِه وتثبت شخصيَّته، تصدر من الحكومة.
3 - (سف) حقيقة الشيء أو الشخص التي تميِّزه عن غيره.
الهُوِيَّة: إحساس الفرد بنفسه وفرديَّته وحفاظه على تكامله وقيمته وسلوكيَّاته وأفكاره في مختلف المواقف"( ).
ثانيًا: الهوية اصطلاحًا:
تعاني المفاهيم عامة في تعريف المصطلحات كما هو الحال في تعريف العلوم الإنسانية، وتعريف الهوية اصطلاحًا يختلف باختلاف الزمان والمكان، واختلاف الثقافات التي تتناول هذا المفهوم، فهو متعدد الأوجه "وعلى الرغم من البساطة الظاهرية التي يتبدى فيها هذا المفهوم، فإنه على خلاف ذلك يتضمن درجة عالية من الصعوبة والتعقيد؛ وذلك لأنه بالغ التنوع في دلالاته واصطلاحاته".
والسبب في ذلك أننا نعيش في مرحلة العولمة المعاصرة، وطبيعة التحولات والمتغيرات المتسارعة، وبالتالي فإن دلالة مفهوم الهوية يختلف من أمة إلى أمة أخرى، ومن عصر إلى عصر آخر، ومن باحث إلى باحث غيره، مما يخرج لنا عِدة تعريفات تختلف باختلاف مفهوم كل باحث، لكنها تكاد تُجْمِع كلها على أن الهوية امتداد للتاريخ والحضارة.
كما يمكن للمرء أن ينظر للهوية على أنها مجموعة سماته المميزة والدائمة التي تميزه بوصفه مخلوقًا لا تخطئه العين، والهُوِيَّة هي ما يمكن للإنسان أن يصف به الآخرين، إلا أن الهوية هي أيضًا ما أَصِفُ فيه نفسي عندما أتأمل ذاتي بصورة مكثَّفة وأشكل صورة ذاتي.
 ومفهوم الهُوية يشير إلى جملة الصفات الجسدية الظاهرة في الإنسان التي تميزه بين أقرانه، وبذلك فإن الهوية تجعلنا نعلم الشخص استنادًا على مميزاته الثابتة والخاصة به وحده دون سواه، فبها يعرف ماهيته وأصله، وكذلك ليكون بها نفسه، حيث إن الذات تسعى إلى الحفاظ على هويتها، فهي ليست شيئًا تدركه الحواس، إنما هي صيرورة غير منتظمة؛ إنها قيد البناء على نحو دائم، وهذا لا يعني أنها لا تتمتع بأي استقرار.
ومن ثَمَّ فإن الهوية الإسلامية يقصد بها الإيمان بعقيدة هذه الأمة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيَمها الحضارية والثقافية، وإبراز الشعائر الإسلامية والاعتزاز والتمسك بها، والشعور بالتميز والاستقرارية الفردية والجماعية.
الهُوِيَّة في الأدب:
وردت الهوية في قاموس مصطلحات الأدب بالعديد من المعاني، ولعل أهمها الهوية في الأدب، وهي سمات مميزة للأديب، وتنطبع بطابعه، وتحدد مسار عمله، ومشخصات إنتاجه؛ فالأديب يُعْرَف بهُويته، والأدب يُعرف بسمات الأدباء وهوياتهم، وبذلك ارتبط معناها بالآداب عامة والأديب خاصة؛ حيث يصبح أدب الأديب هو هويته التي تميزه عن غيره؛ يقول الدكتور شوقي ضيف عن الشاعر: "إنه يمثِّل حَياةَ قبيلته تمثيلًا دقيقًا؛ فهو مرآةٌ صافيةٌ نقيةٌ لها، يُسجل حوادثها ومفاخرها ومحامدها، وكل ما يتصل بها".
فإذا تناولنا النظريات الفلسفية وجدناها تشير –وبوضوح- إلى أن الهوية: تعبير عن حقيقة الشيء المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تميزه عن غيره، فهي مجموعة السمات والصفات التي تميز حضارة أمة عن غيرها؛ ولذلك أشار إحسان عباس بقوله: "إن الالتزام هو الجانب الإيجابي بين الشاعر والمجتمع، وهي ليست علاقة أخذ وعطاء، ولا علاقة انصهار وذوبان، وإنما هي علاقة تطابق".
الهوية في علم النفس وعلم الاجتماع:
إن الناظر في الهوية عند علماء النفس والاجتماع لا يكاد يجد فرقًا بين تعريفها بينهما؛ وذلك نظرًا لتقارب العِلمين في الموضوع والمنحى؛ فإن الأول ينصبُّ على دراسة السلوك الإنساني وطباع النفس البشرية، ويهتم الآخر بسلوك الإنسان في جماعته.
من رسالة ماجستير في الأدب العربي بعنوان : "تجليات الهُوِيَّة في شعر حسن عبد الله القرشي" للباحث حسن بطور

شارك الخبر

المرئيات-١