شرح أخصر المختصرات [36]


الحلقة مفرغة

تعريفه وفضله

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[فصل: والصلح في الأموال قسمان: أحدهما على الإقرار، وهو نوعان: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو عين، فيضع أو يهب له البعض ويأخذ الباقي، فيصح ممن يصح تبرعه بغير لفظ صلح بلا شرط.

الثاني: على غير جنسه، فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، وبعرض عن نقد وعكسه فبيع.

القسم الثاني: على الإنكار. بأن يدعي عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، فيصح ويكون إبراءً في حقه وبيعاً في حق مدع، ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه.

فصل: وإذا حصل في أرضه أو جداره أو هوائه غصن شجرة غيره أو غرفته لزم إزالته وضمن ما تلف به بعد طلب، فإن أبى لم يجبر في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم، ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ، لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر، وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق، وكذا وضع خشب إلا ألا يمكن تسقيف إلا به، ولا ضرر فيجبر، ومسجد كدار، وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم شريكه للبناء معه أجبر كنقض خوف سقوط، وإن بناه بنية الرجوع رجع، وكذا نهر ونحوه].

ذكر المؤلف في الفصل الأول: الصلح، وفي الفصل الثاني ما يلحق بالصلح من اصطلاح على الطرق وما أشبهها.

والصلح: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين. وقد حث الله تعالى على الصلح في آيات عامة في أماكن عامة وأماكن خاصة، فمن العموم قول الله تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] أي: احرصوا على أن تصلحوا ما يحدث بينكم. أي: بين إخوانكم. وقال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فجعل من الخير الإصلاح بين الناس، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين المتقاتلين، قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فإذا أدى الخصام بين المتخاصمين إلى القتال أو إلى النزاع فعلى المسلمين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، وذكرهم الله بالأخوة فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أي: جميعهم. ولو تقاتلوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن الأخوة الإيمانية، فاحرصوا على الإصلاح بينهما، وذكروا كلاً بالإخوة الإسلامية، وبالأخوة الدينية، فإنهم متى تذكروا هذه الأخوة رجعوا عما هم عليه، وحرصوا على أن يصطلحوا فيما بينهم، سيما إذا كان الشقاق والنزاع على أمور دنيوية لا أهمية لها.

وكذلك أيضاً ذكر الله الصلح بين الزوجين في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] يعني: إذا حصل شقاق ونزاع فأراد المسلمون الإصلاح بين الزوجين بعثوا حكمين، فإن حرص الحكمان على أن يصلحا بينهما يوفق الله بينهما. فهذا من حرص الشريعة على الإصلاح العام والإصلاح الخاص، وكذلك قول الله تعالى: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً [النساء:128] وفي قراءة: أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ، فيصطلحان على إسقاط بعض الحقوق حتى تأتلف القلوب، فتسقط الزوجة بعض حقها إذا خشيت أنه يميل عنها أو يطلقها، وكذلك هو أيضاً يسقط بعض حقه إذا رأى منها نفرة وخشي أن تنشز عنه، ويتدخل بينهما أولياؤهما حتى يصطلحا.

أهميته

من أهمية الصلح أن الله تعالى أباح فيه الكذب للمصلحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها) فأباح الكذب إذا أراد الإنسان أن يصلح بين اثنين، فيأتي إلى هذا ويقول له: إن صاحبك يريد الخير ويريد الصلح، وإنه قد ندم على ما فعل، وإنه محب لأن تأتلف القلوب وأن تتبدل البغضاء بالمودة والمحبة، وإنه قد تنازل عن بعض حقه. ثم يأتي إلى الثاني ويرغبه أيضاً في الصلح، ويقول له مثل ذلك حتى يتقاربا ويصطلحا وتزول بينهما العداوة، وكل هذا من حيث العموم.

والباب هذا معقود للصلح في الأموال، والغالب أنه يحصل بسببها نزاع وشقاق، ويحصل بسببها بغضاء وشنآن وتهاجر، وقد يدوم الهجران مدة طويلة، فقد يتهاجر الإخوان أو الأقارب ويبقون متهاجرين أشهراً أو سنين، مع أن الأصل في ذلك أمور دنيوية لا تساوي هذا التهاجر، فالواجب أن يصلحا بينهما، وأن يسعى ذوو الوجاهة للصلح بينهما، ولو تحملوا أموالاً لهؤلاء أو لهؤلاء، كما في حديث قبيصة بن مخارق لما تحمل حمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فقال: (يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة..) يعني أن قبيصة وجد قبيلتين بينهما عداوة وبينهما قتال أو ما يقرب من القتال، فجاء إلى هؤلاء فقال: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم أخذوا مالنا، وإنهم قتلوا منا كذا وكذا. فقال: أنا أتحمل ما أخذوه من المال، وأنا أتحمل الديات التي تدعونها عليهم. ثم جاء إلى الآخرين فقال لهم: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم نهبوا منا، وإنهم جرحوا، وإنهم قتلوا. فيقول: أنا أتحمل ما تدعون به. فهذا الذي تحمل لهؤلاء ولهؤلاء يحل له أن يأخذ من الزكاة ويدخل في الغارمين، وما ذاك إلا أنه مصلح ومحسن: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، ولو كلف أن يدفع من ماله لأجحف ذلك به، فلذلك جعل له حق في الزكاة، وهو أحق الغارمين؛ لأن الغارمين قسمان:

غارم لإصلاح ذات البين، وغارم لنفسه، أي: مدين لحاجات نفسه الضرورية. فقدم الغارم لإصلاح ذات البين، وجعل له حقاً في الزكاة المفروضة.

والباب الذي عندنا هنا في الصلح في الأموال، وأما الصلح في الدماء فذكروه في كتاب القصاص، فالصلح في الأموال قسمان:

صلح على إقرار، وصلح إلى إنكار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[فصل: والصلح في الأموال قسمان: أحدهما على الإقرار، وهو نوعان: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين أو عين، فيضع أو يهب له البعض ويأخذ الباقي، فيصح ممن يصح تبرعه بغير لفظ صلح بلا شرط.

الثاني: على غير جنسه، فإن كان بأثمان عن أثمان فصرف، وبعرض عن نقد وعكسه فبيع.

القسم الثاني: على الإنكار. بأن يدعي عليه فينكر أو يسكت ثم يصالحه، فيصح ويكون إبراءً في حقه وبيعاً في حق مدع، ومن علم كذب نفسه فالصلح باطل في حقه.

فصل: وإذا حصل في أرضه أو جداره أو هوائه غصن شجرة غيره أو غرفته لزم إزالته وضمن ما تلف به بعد طلب، فإن أبى لم يجبر في الغصن ولواه، فإن لم يمكنه فله قطعه بلا حكم، ويجوز فتح باب لاستطراق في درب نافذ، لا إخراج جناح وساباط وميزاب إلا بإذن إمام مع أمن الضرر، وفعل ذلك في ملك جار ودرب مشترك حرام بلا إذن مستحق، وكذا وضع خشب إلا ألا يمكن تسقيف إلا به، ولا ضرر فيجبر، ومسجد كدار، وإن طلب شريك في حائط أو سقف انهدم شريكه للبناء معه أجبر كنقض خوف سقوط، وإن بناه بنية الرجوع رجع، وكذا نهر ونحوه].

ذكر المؤلف في الفصل الأول: الصلح، وفي الفصل الثاني ما يلحق بالصلح من اصطلاح على الطرق وما أشبهها.

والصلح: معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المتخاصمين. وقد حث الله تعالى على الصلح في آيات عامة في أماكن عامة وأماكن خاصة، فمن العموم قول الله تعالى: (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] أي: احرصوا على أن تصلحوا ما يحدث بينكم. أي: بين إخوانكم. وقال الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، فجعل من الخير الإصلاح بين الناس، وقد أمر الله تعالى بالإصلاح بين المتقاتلين، قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] إلى قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، فإذا أدى الخصام بين المتخاصمين إلى القتال أو إلى النزاع فعلى المسلمين أن يسعوا إلى الإصلاح بينهما، وذكرهم الله بالأخوة فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ أي: جميعهم. ولو تقاتلوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن الأخوة الإيمانية، فاحرصوا على الإصلاح بينهما، وذكروا كلاً بالإخوة الإسلامية، وبالأخوة الدينية، فإنهم متى تذكروا هذه الأخوة رجعوا عما هم عليه، وحرصوا على أن يصطلحوا فيما بينهم، سيما إذا كان الشقاق والنزاع على أمور دنيوية لا أهمية لها.

وكذلك أيضاً ذكر الله الصلح بين الزوجين في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] يعني: إذا حصل شقاق ونزاع فأراد المسلمون الإصلاح بين الزوجين بعثوا حكمين، فإن حرص الحكمان على أن يصلحا بينهما يوفق الله بينهما. فهذا من حرص الشريعة على الإصلاح العام والإصلاح الخاص، وكذلك قول الله تعالى: وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً [النساء:128] وفي قراءة: أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ، فيصطلحان على إسقاط بعض الحقوق حتى تأتلف القلوب، فتسقط الزوجة بعض حقها إذا خشيت أنه يميل عنها أو يطلقها، وكذلك هو أيضاً يسقط بعض حقه إذا رأى منها نفرة وخشي أن تنشز عنه، ويتدخل بينهما أولياؤهما حتى يصطلحا.

من أهمية الصلح أن الله تعالى أباح فيه الكذب للمصلحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها) فأباح الكذب إذا أراد الإنسان أن يصلح بين اثنين، فيأتي إلى هذا ويقول له: إن صاحبك يريد الخير ويريد الصلح، وإنه قد ندم على ما فعل، وإنه محب لأن تأتلف القلوب وأن تتبدل البغضاء بالمودة والمحبة، وإنه قد تنازل عن بعض حقه. ثم يأتي إلى الثاني ويرغبه أيضاً في الصلح، ويقول له مثل ذلك حتى يتقاربا ويصطلحا وتزول بينهما العداوة، وكل هذا من حيث العموم.

والباب هذا معقود للصلح في الأموال، والغالب أنه يحصل بسببها نزاع وشقاق، ويحصل بسببها بغضاء وشنآن وتهاجر، وقد يدوم الهجران مدة طويلة، فقد يتهاجر الإخوان أو الأقارب ويبقون متهاجرين أشهراً أو سنين، مع أن الأصل في ذلك أمور دنيوية لا تساوي هذا التهاجر، فالواجب أن يصلحا بينهما، وأن يسعى ذوو الوجاهة للصلح بينهما، ولو تحملوا أموالاً لهؤلاء أو لهؤلاء، كما في حديث قبيصة بن مخارق لما تحمل حمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فقال: (يا قبيصة ! إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة..) يعني أن قبيصة وجد قبيلتين بينهما عداوة وبينهما قتال أو ما يقرب من القتال، فجاء إلى هؤلاء فقال: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم أخذوا مالنا، وإنهم قتلوا منا كذا وكذا. فقال: أنا أتحمل ما أخذوه من المال، وأنا أتحمل الديات التي تدعونها عليهم. ثم جاء إلى الآخرين فقال لهم: ماذا تنقمون؟ فقالوا: إنهم نهبوا منا، وإنهم جرحوا، وإنهم قتلوا. فيقول: أنا أتحمل ما تدعون به. فهذا الذي تحمل لهؤلاء ولهؤلاء يحل له أن يأخذ من الزكاة ويدخل في الغارمين، وما ذاك إلا أنه مصلح ومحسن: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة:91]، ولو كلف أن يدفع من ماله لأجحف ذلك به، فلذلك جعل له حق في الزكاة، وهو أحق الغارمين؛ لأن الغارمين قسمان:

غارم لإصلاح ذات البين، وغارم لنفسه، أي: مدين لحاجات نفسه الضرورية. فقدم الغارم لإصلاح ذات البين، وجعل له حقاً في الزكاة المفروضة.

والباب الذي عندنا هنا في الصلح في الأموال، وأما الصلح في الدماء فذكروه في كتاب القصاص، فالصلح في الأموال قسمان:

صلح على إقرار، وصلح إلى إنكار.

الصلح على الإقرار هو: أن يعترف بحقك، يقول: نعم أنا معترف أن له عندي مالاً: إما دين وإما قرض، وإما قيمة متلف، أنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

الصلح على جنس الحق

الصلح على الإقرار هو أن يعترف بحقك، فيقول: أنا معترف أن له عندي مالاً إما دين، وإما قرض، وإما قيمة متلف، فأنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

والصلح على الإقرار نوعان: صلح على جنس الحق، وصلح على غير جنسه.

فقد يقول: أنا أعترف أن عندي له غنماً، أو أن عندي له إبلاً، ولكن لي فيها حق، فأنا أنقذتها -مثلاً- من الضياع، أو أنا علفتها، أو حفظتها مدة طويلة فلي فيها حق وصاحب الغنم أو الإبل يقول: ما وكلتك لتحفظها، ولا وكلتك لتنقذها، فأعطني دوابي وأولادها. فيتنازعان، ففي هذه الحال يسعى أهل الخير للصلح بينهما، فإذا قالوا: لك نصفها -أيها المحسن- لأنك حفظتها. أو: لك ربعها. أو: لك واحدة منها مقابل تعبك ومقابل علفك وحفظك فلك جزء منها فهذا صلح على جنس الحق.

ومثل أن يقر له بدراهم دين أو يقر له بعين مثل الأغنام، فهذا عين مال، أو يقر له بأكياس، ويقول: هذه الأكياس له، ولكني وجدتها في البرية، وخفت عليها أن تسرق فنقلتها على سيارتي وأتيت بها من مكان بعيد، فلي حق فيها وصاحبها يقول: ما وكلتك لتنقلها، وأنا أعرف مكانها، وأعرف أنها كانت في مكان مأمون، فلماذا تنقلها؟ فيتنازعان هذا يقول: لا حق لك فيها لأنك تجرأت ونقلتها. وهذا يقول: لي حق فيها لأني نقلتها وأنقذتها من الطيور -مثلاً-، أو أنقذتها من اللصوص، أو أنقذتها من الدواب. فيدعي فيها حقاً.

فالصلح صفته أن يضع له من الدين، أو يهب له بعضه ويأخذ الباقي، يقول: عندي له -مثلاً- عشرون ألفاً، ولكنه غلبني وزاد علي في الثمن أو: إن فيها شبهة في المبايعة بالربا أو بيع الغرر أو ما أشبه ذلك. فيدعي شبهة فيها، فيصطلحان ويقول: أضع عنك ألفين وأعطني الباقي ثمانية عشر ألفاً. ويسمى هذا صلحاً عن دين مع الإقرار، فهو مقر بالدين ولكن يدعي أن له حقاً. أو أن له شبهة، فيقول: إنك ظلمتني حيث بعتني غالياً. أو: خدعتني حيث أوقعتني في شيء لا فائدة فيه ومدحت السلعة وهي ليست جيدة. أو: بعتني بيعاً فيه شيء من الشبهة، وهو أن هذا البيع إما بيع مجهول وإما بيع قبل القبض أو ما أشبه ذلك فالحاصل أنه يدعي شبهة، ففي هذه الحال يصطلحان على إسقاط شيء من ذلك الدين.

وكذلك العين، كأن يدعي غنماً أو إبلاً، ويعترف الآخر بأنها له، أو أكياساً -مثلاً- أو ثياباً، فقال: أقر أن له عندي هذه العشرة من الثياب، ولكني وجدتها ساقطة وأخذتها. فيقول: أنا تركتها في ذلك المكان وسأعود إليها. فيدعي شبهة.

فالحاصل أن الإقرار بالدين هو الإقرار بأموال نقود، والإقرار بالعين هو أن يقر له بهذه الأغنام، أو بهذه الإبل، أو بهذه الأكياس، أو بهذه الثياب، أو بهذه القدور، أو ما أشبه ذلك، فالصلح في هذه الحال أن يضع عنه شيئاً من الدين، فيقول: أعطني ألفين وأسقط عنك ألفاً. أعطني ثمانية وأسقط عنك ألفين. أو يهب له فيقول: وهبتك هذه الشاة وأعطني الباقي. وهبت لك هذا البعير وأعطني الباقي. وهبت لك نصف كيل، وهبت لك ثوباً، ويأخذ الباقي، فهذا يصح.

شروط الصلح على جنس الحق

يشترط لهذا الصلح شروط:

الشرط الأول: أن يكون المصالح ممن يصح تبرعه. فإذا كان المالك سفيهاً أو مجنوناً فلا يصح صلحه، وذلك لأنه محجور عليه لا يصح أن يتصرف ولا أن يتبرع، وهذا قد تبرع -مثلاً- بألف أو بألفين أو بشاة أو ناقة، فلا بد أن يكون ممن يصح تبرعه، وهو الحر المكلف الرشيد، فالمملوك لا يصح تصرفه فلا يصح تبرعه، والصغير لا يصح تبرعه، والمجنون لا يصح تبرعه، والسفيه لا يصح تبرعه.

الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح بل بلفظ الإسقاط أو بلفظ الإبراء، فيقول -مثلاً- أبرأتك من نصف الدين أو ثلثه أو: أسقط عنك كذا وكذا. فلا يكون بلفظ الصلح؛ لأنه إذا كان بلفظ الصلح يكون فيه شيء من الإجبار، فيقولون: يشترط ألا يكون بلفظ الصلح، بل بلفظ الإبراء أو الهبة أو الوضع، أي: أن يضع عنه كذا.

الشرط الثالث: أن لا يكون هناك شرط، كأن يقول: لا أقر لك بدينك إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ربعه. فيقول: أنا أعترف أن لك عندي عشرة آلاف، ولكن ليس لك بينة، وليس عندك وثيقة، وأنا سوف أجحدك وأنكر هذا الدين إذا أتينا عند القاضي ولا أقر بذلك، ولا أعترف عند الشهود، ولا أكتب لك وثيقة إلا إذا أسقطت عني نصفه أو ثلثه أو ربعه أو عشره. فيقول: سوف آتي بشهود، واعترف أمام الشهود بالدين الذي هو عشرة آلاف وأنا أسقط عنك منه ألفين -مثلاً- أو ألفاً، ولكن أنت الآن تلتزم بالاعتراف، فأنا ما عندي بينة ولا كتبت عليك، بل وثقت بذمتك ووثقت بأمانتك وأعطيتك مالي، ولم أشعر بأنك ستجحدني. فيقول: أنا أجحدك، ولا أعترف أمام الشهود إلا إذا أسقطت عني النصف أو الثلث أو ما أشبه ذلك فيقول: سوف آتي بالشهود واعترف أمامهم أن عندك لي عشرة، أو أن عندك لي هذه الأمانة مثلاً، أو هذه الأغنام أو ما أشبهها، فاعترف أمام الشهود، وفيما بيني وبينك أعطيك منها ألفاً أو شاة أو ما أشبه ذلك. فجاء بالشهود واعترف وكتبوا شهادتهم: إن فلاناً مدين لهذا بعشرة ألاف. أو: إن هذه الأغنام له أو هذه الأكياس أو هذه الأعيان، ثم قال: ولكنه التزم بأن يعطيني منها كذا وكذا مقابل الاعتراف! فالمالك يقول: أنت لا تستحق، وذلك لأنك خائن لم تعترف إلا بعد أن التزمت لك بذلك، فأنت لا تستحق شيئاً الآن، وثقت ديني أمام هذين الشاهدين باعتراف منك، فلا حق لك فيما وعدتك، ما وعدتك إلا لأجل أن تعترف. فيقول: كيف تعدني وتخلف ما وعدتني؟ فيقول: ما وعدتك إلا لأجل أن تقر أمام الشاهدين مخافة أن تجحد.

هذه شروط هذا الصلح:

الشرط الأول: أن يكون ممن يصح تبرعه.

الشرط الثاني: أن لا يكون بلفظ الصلح.

الشرط الثالث: أن لا يمنعه حقه بدونه. فلا يقول: لا أعترف لك إلا بشرط أن تعطيني منه كذا.

فهذا صلح على جنس الحق يعني: على إسقاط شيء من الدراهم أو شيء من الأغنام أو ما أشبه ذلك.

صلح على غير جنس الحق

النوع الثاني: صلح على غير جنس الحق، بل على جنس آخر، فإذا كان الدين دراهم قال: أنا لا أجد الدراهم، ولكن أصطلح معك على دنانير. لا أجد الريالات ولكن نصطلح على جنيهات. يقول المؤلف: إن كان بأثمانها فصرف، وذلك لأن الريالات أثمان والجنيهات أثمان، فيكون صرفاً.

وإذا قلت: أليس الصرف يكون يداً بيد؟ قلنا: بلى. ولكن يصح الصرف عن نقد بذمة، أي أن الصرف يصير عيناً بذمة، ودليله حديث ابن عمر، يقول: (كنا نبيع الإبل بالبقيع، نبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم) فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وسموا هذا صرفاً بعين وذمة، فهو يقول: نعم عندي لك مائة ألف، ولكن نصطلح على أن أعطيكها جنيهات ذهباً. ففي هذه الحال يصير صرفاً، فلا بد أن يكون بسعر يومه، ولا بد أن يتقابضا قبل التفرق، فإذا قالوا: نقدر المائة الألف بعشرين جنيهاً، فسلم الجنيهات الآن في المجلس قبل التفرق يكون هذا صرفاً بعين وذمة.

وكذلك أيضاً لو اصطلحا على نقد آخر غير النقد السعودي، فإذا قال: عندي لك -مثلاً- عشرة آلاف ريال، ولكن نصطلح على أن أعطيك -مثلاً- ستة آلاف دولار. فيصير هذا صرفاً، فلا يتفرقا إلا بعد التقابض كما هو شرط الصرف.

أما إذا كان الصلح بعرض عن نقد فإننا نسميه بيعاً، أو بنقد عن عرض فإننا نسميه بيعاً، وهذا أيضاً صلح، وصورة ذلك إذا اعترف وقال: نعم عندي لك -مثلاً- ألف ريال، ولكن لا أجده، فنصطلح على أن أعطيك هذه الأكياس من الأرز أو من البر، فتأخذ مني عشرة أكياس أو ثمانية أكياس عن الألف. فنسمي هذا بيعاً، وكذلك مثلاً عكسه، فإذا قال: صحيح أن عندي لك مائة صاع من البر، ولا أجدها الآن، فنصطلح على أن أعطيك ثمنها من الريالات، قيمة كل صاع -مثلاً- ريالان، فأعطيك مائتي ريال. فنسمي هذا أيضاً بيعاً، كأنه قال: المائة الصاع التي في ذمتي بعنيها بمائتي ريال. أو يقول بالعكس: أبيعك مائة صاع عن المائتين التي في ذمتي، في ذمتي لك مائتي ريال ولا أجدها، ولكن أبيعك مائة صاع من البر. فيسمى هذا صلحاً، ولكنه في الحقيقة بيع.

ولو قال -مثلاً-: عندي لك خمسون ألفاً ولا أجدها، ولكن أبيعك أو أعطيك بدلها نصف هذه الأرض التي هي بيني وبين زيد نصفان، فخذ نصفي بالخمسين ألفاً التي لك، فأخذها، وعلم زيد فله أن يشفع فيقول: شريكي أعطاكها عن خمسين ألفاً، وأنا أشفع عليه لأني شريكه، فخذ الخمسين التي اشتريتها بها وتكون الأرض كلها لي. فيجوز ذلك.

الصلح على الإقرار هو أن يعترف بحقك، فيقول: أنا معترف أن له عندي مالاً إما دين، وإما قرض، وإما قيمة متلف، فأنا الذي هدمت جداره، أو قطعت شجره، أو أنا استقرضته وعندي له مال.

والصلح على الإقرار نوعان: صلح على جنس الحق، وصلح على غير جنسه.

فقد يقول: أنا أعترف أن عندي له غنماً، أو أن عندي له إبلاً، ولكن لي فيها حق، فأنا أنقذتها -مثلاً- من الضياع، أو أنا علفتها، أو حفظتها مدة طويلة فلي فيها حق وصاحب الغنم أو الإبل يقول: ما وكلتك لتحفظها، ولا وكلتك لتنقذها، فأعطني دوابي وأولادها. فيتنازعان، ففي هذه الحال يسعى أهل الخير للصلح بينهما، فإذا قالوا: لك نصفها -أيها المحسن- لأنك حفظتها. أو: لك ربعها. أو: لك واحدة منها مقابل تعبك ومقابل علفك وحفظك فلك جزء منها فهذا صلح على جنس الحق.

ومثل أن يقر له بدراهم دين أو يقر له بعين مثل الأغنام، فهذا عين مال، أو يقر له بأكياس، ويقول: هذه الأكياس له، ولكني وجدتها في البرية، وخفت عليها أن تسرق فنقلتها على سيارتي وأتيت بها من مكان بعيد، فلي حق فيها وصاحبها يقول: ما وكلتك لتنقلها، وأنا أعرف مكانها، وأعرف أنها كانت في مكان مأمون، فلماذا تنقلها؟ فيتنازعان هذا يقول: لا حق لك فيها لأنك تجرأت ونقلتها. وهذا يقول: لي حق فيها لأني نقلتها وأنقذتها من الطيور -مثلاً-، أو أنقذتها من اللصوص، أو أنقذتها من الدواب. فيدعي فيها حقاً.

فالصلح صفته أن يضع له من الدين، أو يهب له بعضه ويأخذ الباقي، يقول: عندي له -مثلاً- عشرون ألفاً، ولكنه غلبني وزاد علي في الثمن أو: إن فيها شبهة في المبايعة بالربا أو بيع الغرر أو ما أشبه ذلك. فيدعي شبهة فيها، فيصطلحان ويقول: أضع عنك ألفين وأعطني الباقي ثمانية عشر ألفاً. ويسمى هذا صلحاً عن دين مع الإقرار، فهو مقر بالدين ولكن يدعي أن له حقاً. أو أن له شبهة، فيقول: إنك ظلمتني حيث بعتني غالياً. أو: خدعتني حيث أوقعتني في شيء لا فائدة فيه ومدحت السلعة وهي ليست جيدة. أو: بعتني بيعاً فيه شيء من الشبهة، وهو أن هذا البيع إما بيع مجهول وإما بيع قبل القبض أو ما أشبه ذلك فالحاصل أنه يدعي شبهة، ففي هذه الحال يصطلحان على إسقاط شيء من ذلك الدين.

وكذلك العين، كأن يدعي غنماً أو إبلاً، ويعترف الآخر بأنها له، أو أكياساً -مثلاً- أو ثياباً، فقال: أقر أن له عندي هذه العشرة من الثياب، ولكني وجدتها ساقطة وأخذتها. فيقول: أنا تركتها في ذلك المكان وسأعود إليها. فيدعي شبهة.

فالحاصل أن الإقرار بالدين هو الإقرار بأموال نقود، والإقرار بالعين هو أن يقر له بهذه الأغنام، أو بهذه الإبل، أو بهذه الأكياس، أو بهذه الثياب، أو بهذه القدور، أو ما أشبه ذلك، فالصلح في هذه الحال أن يضع عنه شيئاً من الدين، فيقول: أعطني ألفين وأسقط عنك ألفاً. أعطني ثمانية وأسقط عنك ألفين. أو يهب له فيقول: وهبتك هذه الشاة وأعطني الباقي. وهبت لك هذا البعير وأعطني الباقي. وهبت لك نصف كيل، وهبت لك ثوباً، ويأخذ الباقي، فهذا يصح.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2736 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2712 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2603 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2567 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2479 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2345 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2326 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2314 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2263 استماع