شرح أخصر المختصرات [30]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا فضل كمكيل بمكيل، وموزون بموزون نساءً إلا أن يكون الثمن أحد النقدين فيصح، ويجوز بيع مكيل بموزون، وعكسه مطلقاً، وصرف ذهب بفضة وعكسه، وإذا افترق متصارفان بطل العقد فيما لم يقبض.

فصل:

وإذا باع داراً شمل البيع أرضها وبناءها وسقفها وباباً منصوباً وسلماً ورفاً مسمورين، وخابية مدفونة؛ لا قفل ومفتاح ودلو وبكرة ونحوها.

أو أرضاً شمل غرسها وبناءها، لا زرعاً وبذره إلا بشرط، ويصح مع جهل ذلك، وما يجز أو يلقط مراراً فأصوله لمشتر، وجزة ولقطة ظاهرتان لبائع ما لم يشرط مشتر]

ذكر المؤلف أن الربا نوعان، وتقدم ربا الفضل، وأشرنا أيضاً إلى ربا النسيئة، وأنه كان ربا الجاهلية، يقول: (يحرم ربا النسيئة فيما اتفقا في علة ربا الفضل) أي: في كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ولو لم يكونا من جنس واحد، فيحرم فيهما النسأ، صورة ذلك: لا تبع صاع تمر بصاعين زبيب نساء، ويجوز يداً بيد، أو صاع زبيب بصاعين تمر، ويجوز يداً بيد، وذلك لاختلاف الجنس، ولكن لا يجوز نساء؛ لأن في حديث عبادة : (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) فيعم بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، أي: إذا كانا مكيلين، البر مكيل والشعير مكيل، اتفقا في العلة وهي الكيل، فلا يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، وإذا بيع بر بشعير يشترط شرط واحد، وهو: التقابض، ولا يشترط التماثل، فيجوز أن تبيع خمسة آصع بر بعشرة آصع شعير، ولكن يداً بيد، ولا يجوز النسأ، لا يجوز أن تقول: أعطيك الآن خمسة آصع بر، وتعطيني بعد عشرة أيام عشرة آصع شعير، لا يجوز ذلك؛ لأن العلة واحدة، وهو أن هذا مكيل وهذا مكيل، وكذلك بقية المكيلات، مثل صاع من الهيل بخمسة آصع من القهوة، يجوز، ولكن يداً بيد، ولا يجوز أن تقول: أعطيك الآن صاعين وتعطيني بعد عشرة أيام أو عشرين يوماً خمسة آصع من القهوة، لا، لابد أن يكون يداً بيد، وهكذا بقية المكيلات، حتى ولو لم تكن من القوت، فمثلاً: الفل أو الشونيز -الذي هو الحبة السوداء- مكيل عندنا، ومطعوم عند الشافعي ، فهو ربوي، فإذا قلت -مثلاً-: أعطيك الآن صاعاً من الحبة السوداء، وتعطيني بعد خمسة أيام صاعين من الحلف -الذي هو الرشاد- أو مما يسمى بالحب الحار أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز؛ لأن العلة واحدة، وهي: أنه مكيل بمكيل.

وكذلك أيضاً إذا اتفقا في الوزن، إذا كان هذا موزوناً وهذا موزوناً، وكان هذا جنساً وهذا جنساً، فمثلاً اللحوم موزونة، فإذا قال: أعطيك الآن كيلو لحم غنم، وتعطيني غداً أو بعد غد كيلوين لحم إبل لا يجوز، أما إذا كان يداً بيد كيلو بكيلوين فيجوز، إذا كان يداً بيد ولو تفاوت؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، وهكذا -مثلاً- إذا قال: أعطيك كيلو لحم سمك بكيلوين لحم دجاج غداً أو بعد غد لا يجوز إلا يداً بيد، يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك إذا قال: عشرين جراماً ذهباً بمائة جرام فضة يجوز يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك حديد بنحاس يجوز فيه التفاضل ولا يجوز فيه النسأ، إذا بعت -مثلاً- كيلو حديد بكيلوين نحاس يجوز يداً بيد، ولا يجوز أن يكون نساءً؛ لأن العلة واحدة، وكذلك القطن بالصوف، فإذا بيع كيلو قطن بكيلوين صوف أو بالعكس، يجوز يداً بيد، ولا يجوز نساءً ولو بعد المجلس بنصف ساعة.

فهذا معنى قوله: ربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا الفضل.

عندنا -مثلاً- اللحم والقطن، ما العلة فيهما؟

الوزن، فلا يباع قطن بحديد إلا يداً بيد، ولا يشترط التماثل، وكذلك -مثلاً- الرصاص بالنحاس العلة فيهما ما هي؟

الوزن، فلا يباع رصاص بنحاس إلا يداً بيد، يجوز التفاضل ولا يجوز النسأ يعني: التأخير.

وإذا عرفنا أن الفلفل والزنجبيل العلة فيهما واحدة وهي الكيل، فيباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ولا يجوز التأخير والنسأ، لا بد أن يكون يداً بيد، مكيلاً بمكيل، فهيل مع قهوة لا يجوز إلا يداً بيد؛ لأنهما موزون بموزون، وحديد برصاص لا يجوز نَساءً، إلا إذا كان الثمن أحد النقدين فإنه يجوز، وذلك للضرورة.

الربا في النقود

النقود: هي الدراهم التي تصنع من الفضة أو الدنانير التي تصنع من الذهب، فالدرهم قطعة صغيرة من الفضة كانوا يتعاملون بها، والنصاب منها مائتا درهم كما هو معروف، وتساوي بالريال الفضي السعودي ستة وخمسين ريالاً، وتساوي بالريال الفرنسي اثنين وعشرين ريالاً فرنسياً، والريالات الفرنسي والسعودية موجودة عند الصيارفة، فهذا مقدار الدرهم العربي، وأما الدينار فهو قطعة من الذهب صغيرة أيضاً، وتساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي المصنوع من الذهب، فالجنيه السعودي الموجود الآن عند الصيارفة أربعة أسباعه دينار؛ ولذلك قالوا: نصاب الذهب بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أخماس الجنيه، مع أنها بالدينار عشرين ديناراً، فيعرف بذلك الفرق بين الجنيه السعودي وبين الدينار العربي.

ومن النقود الفلوس، وهي: قطع صغيرة من النحاس تسمى فلوساً، وهي أيضاً نقود يشترى بها الأشياء الرخيصة، وتشبه ما يسمى عندنا بالهلل، والهلل: قطع صغيرة من النحاس توجد في البنوك وعند الصيارفة، وهي أيضاً من النقود، وكانوا يتعاملون أيضاً بقطع صغيرة من النحاس اسمها دوانيق، واحدها دانق، والدرهم ستة دوانق، هذه هي النقود المضروبة.

واعلم أن الذهب أول ما يستخرج من الأرض يكون فيه أخلاط من نحاس ومن حديد ومن تراب، ويسمى قبل أن يصفى تبراً، وفي هذه الحال يجوز بيعه بفضة، ولا يجوز بيعه بذهب، وذلك لعدم تحقق المساواة؛ لأنه إذا كان ربع كيلو جرام من التبر لا ندري كم خلطه من النحاس، وكم خلطه من التراب، فلابد أن يصفى، وتسمى تصفيته سبكاً، والسباك هو الصائغ، الذي يصوغ أو يصفي، يقول الشاعر:

سبكناه ونحسبه لجيناً فألقى الكير عن خبث الحديد

السبك: هو التصفية، وتصفية التبر بأن يدخل في الكير، ثم يحمى عليه فيذوب الحديد في جانب ويتجمد، ويذوب الذهب ويتجمد، ويبقى التراب والحجارة لا تذوب، فيعرف بذلك مقدار ما فيه من النحاس، ومقدار ما فيه من التراب، وما فيه من الذهب، واللجين: اسم للذهب، والعرب تسميه (لجيناً) كما في قول الشاعر:

عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك

فإذا صفي الذهب من هذا الخلط يسمى مسبوكاً، وقوله: (سبكناه ونحسبه لجيناً) يعني: أدخلناه الكير حتى نسبكه، فإذا صار قطعاً من ذهب سمي سبائك، يقولون: سبائك الذهب، يعني: قطع الذهب الخالصة من الخلط، ففي هذه الحال إذا كان مسبوكاً صافياً من الأخلاط، فإذا بيع بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا بيع بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، وكذلك إذا بيع وهو سبائك بحديد أو بقطن أو بنحاس فلابد أن يكون يداً بيد، وذلك لأن العلة واحدة، وهي كون هذا موزوناً وهذا موزوناً، فالصائغ يأخذ هذه السبائك ثم يصوغها، يجعلها صوغاً، والصوغ: هو ما يلبس، يصوغها خواتيم في الأصابع، أو يصوغها أسورة في الأيدي، أو يصوغها قلائد في الرقاب، أو يصوغها أقراطاً في الأذن، ففي هذه الحال إذا كان مصوغاً فإنه أيضاً -على المشهور- لا يباع إلا مثلاً بمثل، يعني: وزن ذهب بوزن ذهب، يعني هذا مصوغ وهذا مسبوك، لا يباع إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وإذا بيع وهو مصوغ بدراهم فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يجوز فيه النسأ؛ وذلك لأن العلة واحدة، وهي أن هذا موزون وهذا موزون. وقد يضرب بعد ذلك دنانير أو يضرب جنيهات، وفي هذه الحال يسمى مضروباً، وتجدون مكتوباً على الريال: ضرب في مكة المكرمة أو ضرب في كذا وكذا، يعني: جعل على هذه الحالة التي هي كونه نقداً، فإذا كان مضروباً سمي نقداً، وأما إذا كان مصوغاً أو مسبوكاً أو تبراً فلا يسمى نقداً، فالنقد هو الذي ضرب دراهم إذا كان من فضة أو دنانير إذا كان من ذهب مثل الجنيهات الذهبية والريالات الفضية، فبهذا يعرف الفرق بينهما.

فالحاصل أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، فإذا بيع ذهب بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، والأدلة عليه كثيرة، منها ما في حديث عبادة أنه قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، وفي حديث: أن طلحة جاءه رجل ومعه دنانير، فعرضها عليه ليشتريها بدراهم، فتفاوضا واتفقا على أن يعطيه البعض وقال: الباقي آخر النهار إذا جاءتني جاريتي أو خادمي، وسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله! لا تفارقه حتى تستلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالفضة إلا يداً بيد.

ومن الأدلة عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فإذا كان رأس المال من النقدين المضروبين جاز النسأ، والناس بحاجة إلى ذلك، فأنت -مثلاً- تشتري عشرة كيلو جرام من اللحم ، وليس معك ثمن، ومعلوم أن اللحم موزون، وأن الدراهم موزونة، فذلك موزون بموزون، ولابد أن يكون يداً بيد لأن العلة واحدة، ولكن لما كان أحد النقدين هو الثمن تسومح في ذلك، فجاز أن يكون الثمن غائباً، فجاز بمائة درهم تشتري بها عشرة كيلو جرام لحم، أو عشرة كيلو حديد أو قطن أو ما أشبه ذلك، مع التأخير.

ويأتينا أيضاً في السَلَم أنه يجوز ذلك في الموزنات، والسَلَم: هو كون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، فيجوز في الموزنات مع أن العلة واحدة، فتقول لإنسان -مثلاً-: أشتري منك في ذمتك مائة رطل حديد، كل رطل بخمسة، وأعطيك الثمن الآن، وتعطيني الأرطال بعد سنة أو نصف سنة، يسمى هذا سلماً، ومع ذلك الدراهم علتها الوزن، والحديد علته الوزن، وكذا القطن واللحم وما أشبه ذلك، فيجوز إذا كان أحد العوضين من النقدين.

متى يجوز التأجيل

يقول: إذا بيع مكيل بموزون جاز مطلقاً، وذلك لعدم الاتفاق في العلة، فيجوز أن تقول -مثلاً-: أشتري منك عشرة آصع براً بخمسة كيلو جرام لحماً، ولكن لابد أن يكون أحد العوضين حاضراً؛ لئلا يكون بيع دين بدين، فإنه لا يجوز بيع الدَين بالدِين، فإذا قلت -مثلاً-: أعطني عشرة آصع بر ثمنها خمسة كيلو جرام من لحم، فقال: خمسة كيلو جرام لحماً ليست لدي الآن، آتيك بها غداً أو بعد خمسة أيام أو بعد شهر، يجوز ذلك؛ لأن هذا مكيل وهذا موزون، اللحم موزون والبر مكيل، فلما اختلفت العلة جاز النسأ، لكن لا يجوز أن يكون العوضان غائبين؛ لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أي: الغائب بالغائب، فلابد أن يكون أحد العوضين حاضراً، فإذا كان -مثلاً- البر حاضراً واللحم غائباً، أو بالعكس جاز.

وكذلك صرف ذهب بفضة، فالذهب جنس، والفضة جنس، ولكن العلة فيهما ما هي؟

العلة عندنا كونهما موزوني جنس، فصرف الدراهم بالدنانير أو بيع الذهب بالفضة اتفقا في علة واحدة وهي الوزن، فلا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، ومعلوم أن الذهب أغلى من الفضة، فإذا صرفت -مثلاً- جنيه بمائة ريال فضة، فلابد من التقابض قبل التفرق؛ لأن العلة فيهما واحدة؛ وهي: أن هذا موزون وهذا موزون، وعند الأئمة الآخرين أن هذا ثمن وهذا ثمن، أي: نقد، فهما من النقود التي تستعمل قيماً للسلع، وتقدر بهما السلع.

حيلة شرعية للسلامة من ربا النساء عند الصرف

قد يحتاج الإنسان إلى صرف، ولا يجد الصيرفي الثمن كاملاً، والحيلة في ذلك إذا قال -مثلاً-: أشتري منك هذا الجنيه بخمسمائة، ولكن ما وجد الآن إلا مائتين وخمسين، ففي هذه الحال لا يجوز التفرق إلا بعد التقابض، لكن إذا كنت محتاجاً إلى هذه المائتين والخمسين حاجة ضرورية، فتترك الجنيه عنده وتقول: الجنيه عندك أمانة، وهذه المائتين والخمسين اعتبرها قرضاً منك، واعتبر الجنيه رهناً عندك، وإذا أتيتك بعد غد وقد وجدت الدراهم أحاسبك على ما في ذمتي من المائتين والخمسين، وتعطيني بقية قيمة الجنيه، فصار تصارفاً جديداً، فإذا جئت غداً وإذا الجنيه قد رخص، لا يساوي إلا أربعمائة وخمسين، فيقول: الآن يساوي أربعمائة وخمسين، وعندك لي مائتان وخمسون، فالباقي لك مائتان، فخذ هذه المائتين بقيتها، فنتصارف من الآن، وتصارفنا بالأمس لا يعتبر؛ وذلك لأنه لم يحصل التقابض من الطرفين، حصل من طرف واحد، يمكن أن يعتبر هذا، ويمكن أن يعتبر شيء آخر وهو أن تقول: الآن صارفتني على نصف الجنيه، والنصف الثاني أمانة عندك، ولا تتصرف فيه، فإذا جئت بعد غد وإذا السعر قد انخفض فإنه يعطيك قيمة نصف الجنيه الذي قد أعطاك نصفه بالغة ما بلغت، إذا كان النصف أصبح لا يساوي إلا مائتين وخمسة وعشرين، والجنيه كان بالأمس ما يساوي إلا أربعمائة وخمسين، وعندي لك نصف جنيه، والنصف الأول قد قبضت قيمته، فأعطيك قيمة النصف الباقي الذي هو مائتان وخمسة وعشرون، وهكذا لو ارتفع السعر وأصبح يساوي ستمائة، فإنك تقول: عندك لي ستمائة، وقد وصلني منك مائتان وخمسون، قيمة النصف، والنصف الباقي كم قيمته؟ ثلاثمائة، فيحاسبك على ثلاثمائة، ولا يحاسبك على النصف الأول، فأنت قبضت نصف الجنيه مائتين وخمسين، والنصف الباقي زاد قيمته فأصبح يساوي ثلاثمائة، يعني صرف الجنيه بستمائة، فيعطيك قيمة النصف الذي عنده؛ فيصح ذلك.

ربا النساء في بيع الذهب واستبداله

يدخل الربا في بيع الذهب، ومعروف أن الذهب علته الوزن، وأن الفضة علتها الوزن، فاتفقا في العلة، فلذلك لا يباع ذهب بفضة إلا يداً بيد، فعلى هذا إذا احتجت -مثلاً- إلى شراء ذهب، وطلبت من أصحاب الذهب ما قيمته -مثلاً- مائتا جرام من الذهب مصوغة -قلائد أو ما أشبهها- فحسب الجرام -مثلاً- بمائة، والمائتا جرام بعشرين ألفاً، وما وجدت إلا عشرة آلاف، والعشرة الآلاف قيمة خمسين جراماً، والخمسون الباقية يكتبها في ذمتك ذهباً، فيقول: في ذمة فلان خمسون جراماً ذهباً مصوغة من عيار كذا وكذا، ولا يقول: عشرة آلاف، بل يقول: خمسون جراماً، فإذا أتيته بعد غد أو بعد خمسة أيام وإذا السعر قد انخفض فإنك تحاسبه خمسين جراماً على سعرها وقت القضاء، ولو ارتفع تحاسبه على سعرها وقت تسليم الثمن، لا على سعرها بالأمس أو قبل الأمس، ويسمى هذا صرفاً بعين وذمة، بمعنى أن في ذمتك أو عندك له خمسين جراماً معروفة، وتريد الآن أن تقضيه ثمنها، وكأنك تشتريها منه الآن، تقول: أشتري منك خمسين جراماً الآن بقيمتها بعين وذمة، ولا تحسبها على ثمنها بالأمس؛ وذلك لأنه يصير بيع ذهب بفضة وأحدهما غائب؛ ولهذا يقول: وإذا افترق المتصارفان بطل العقد فيما لم يقبض، فإذا افترق المتصارفان، بطل العقد فيما لم يقبض، كما مثلنا أنك قبضت مائتين وخمسين نصف الجنيه، وبقي النصف الذي هو مائتان وخمسون، لا تكتب في ذمتك مائتان وخمسون، بل اكتب: في ذمتك نصف جنيه، أو عندي لفلان نصف جنيه.

فإذا كنت بحاجة إلى أن تشتري عشرين جراماً أو مائة جرام، وكل جرام بمائة، ولم تجد إلا نصف القيمة، فالباقي تكتبه عندك جرامات، فتقول: عندي لفلان عشرة جرامات من الذهب، فالذي لم يقبض ثمنه تعده أمانة عندك، فإذا أتيته غداً تحاسبه على سعر الغد، أي: على سعر وقت إحضار الثمن لا على سعرها بالأمس، هذا معنى قوله: بطل العقد فيما لم يقبض.

أما الذين يستبدلون الذهب القديم بذهب جديد فلابد في هذه الحال أن يبيعوا الذهب القديم بدراهم، ثم يشترون بالدراهم ذهباً جديداً، والعادة أن أهل الذهب يفرقون بينهما، فيشترون -مثلاً- الجرام من الذهب القديم بخمسة وأربعين، ويبيعون الجرام من الذهب الجديد بخمسين أو بخمسة وخمسين، وفي هذه الحال صاحب الذهب يشتري منك الذهب القديم، فيقول: هذا الذهب القديم اشتريته الجرام بخمسة وأربعين، قيمته أربعة آلاف، وأنت تريد ذهباً جديداً، عندي لك الآن أربعة آلاف، تشتري مني الجديد؟ فإذا قلت: نعم، أشتري منك هذا الذهب الجديد، فوزنه، وإذا قيمته خمسة آلاف، فحاسبك على الأربعة الآلاف التي في ذمته ثمن الذهب القديم، وتزيده الألف الذي هو ثمن الذهب الجديد، فتكون قد حاسبته على ما في ذمته من ثمن قديم وعلى ثمن جديد.

وأما أن يكون ذهب بذهب ومعه زيادة فلا يجوز، فإذا قال -مثلاً-: أنا أشتري منك هذا الذهب بهذا الذهب، مع ألف ريال زيادة، هذا -مثلاً- وزنه مائة جرام ولكنه مستعمل، وهذا وزنه مائة جرام ولكنه جديد، فيأخذ القديم ويعطيك الجديد، ويقول: أعطني زيادة مع الذهب ألفاً أو خمسة آلاف. هل يجوز هذا؟ لا يجوز، ذهب بذهب وزيادة لا يجوز، بل يشتري الذهب القديم بدراهم، إما أن يدفعها لك وتشتري منه أو من غيره، وإما أن يبيعك وتحاسبه على ما في ذمته لك من ثمن الذهب القديم، ويقع الناس في أخطاء في مثل هذا، والفضة لا يتعامل بها الناس الآن، وإنما يتعاملون بالأوراق النقدية.

النقود: هي الدراهم التي تصنع من الفضة أو الدنانير التي تصنع من الذهب، فالدرهم قطعة صغيرة من الفضة كانوا يتعاملون بها، والنصاب منها مائتا درهم كما هو معروف، وتساوي بالريال الفضي السعودي ستة وخمسين ريالاً، وتساوي بالريال الفرنسي اثنين وعشرين ريالاً فرنسياً، والريالات الفرنسي والسعودية موجودة عند الصيارفة، فهذا مقدار الدرهم العربي، وأما الدينار فهو قطعة من الذهب صغيرة أيضاً، وتساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي المصنوع من الذهب، فالجنيه السعودي الموجود الآن عند الصيارفة أربعة أسباعه دينار؛ ولذلك قالوا: نصاب الذهب بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهاً وثلاثة أخماس الجنيه، مع أنها بالدينار عشرين ديناراً، فيعرف بذلك الفرق بين الجنيه السعودي وبين الدينار العربي.

ومن النقود الفلوس، وهي: قطع صغيرة من النحاس تسمى فلوساً، وهي أيضاً نقود يشترى بها الأشياء الرخيصة، وتشبه ما يسمى عندنا بالهلل، والهلل: قطع صغيرة من النحاس توجد في البنوك وعند الصيارفة، وهي أيضاً من النقود، وكانوا يتعاملون أيضاً بقطع صغيرة من النحاس اسمها دوانيق، واحدها دانق، والدرهم ستة دوانق، هذه هي النقود المضروبة.

واعلم أن الذهب أول ما يستخرج من الأرض يكون فيه أخلاط من نحاس ومن حديد ومن تراب، ويسمى قبل أن يصفى تبراً، وفي هذه الحال يجوز بيعه بفضة، ولا يجوز بيعه بذهب، وذلك لعدم تحقق المساواة؛ لأنه إذا كان ربع كيلو جرام من التبر لا ندري كم خلطه من النحاس، وكم خلطه من التراب، فلابد أن يصفى، وتسمى تصفيته سبكاً، والسباك هو الصائغ، الذي يصوغ أو يصفي، يقول الشاعر:

سبكناه ونحسبه لجيناً فألقى الكير عن خبث الحديد

السبك: هو التصفية، وتصفية التبر بأن يدخل في الكير، ثم يحمى عليه فيذوب الحديد في جانب ويتجمد، ويذوب الذهب ويتجمد، ويبقى التراب والحجارة لا تذوب، فيعرف بذلك مقدار ما فيه من النحاس، ومقدار ما فيه من التراب، وما فيه من الذهب، واللجين: اسم للذهب، والعرب تسميه (لجيناً) كما في قول الشاعر:

عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك

فإذا صفي الذهب من هذا الخلط يسمى مسبوكاً، وقوله: (سبكناه ونحسبه لجيناً) يعني: أدخلناه الكير حتى نسبكه، فإذا صار قطعاً من ذهب سمي سبائك، يقولون: سبائك الذهب، يعني: قطع الذهب الخالصة من الخلط، ففي هذه الحال إذا كان مسبوكاً صافياً من الأخلاط، فإذا بيع بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا بيع بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، وكذلك إذا بيع وهو سبائك بحديد أو بقطن أو بنحاس فلابد أن يكون يداً بيد، وذلك لأن العلة واحدة، وهي كون هذا موزوناً وهذا موزوناً، فالصائغ يأخذ هذه السبائك ثم يصوغها، يجعلها صوغاً، والصوغ: هو ما يلبس، يصوغها خواتيم في الأصابع، أو يصوغها أسورة في الأيدي، أو يصوغها قلائد في الرقاب، أو يصوغها أقراطاً في الأذن، ففي هذه الحال إذا كان مصوغاً فإنه أيضاً -على المشهور- لا يباع إلا مثلاً بمثل، يعني: وزن ذهب بوزن ذهب، يعني هذا مصوغ وهذا مسبوك، لا يباع إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وإذا بيع وهو مصوغ بدراهم فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يجوز فيه النسأ؛ وذلك لأن العلة واحدة، وهي أن هذا موزون وهذا موزون. وقد يضرب بعد ذلك دنانير أو يضرب جنيهات، وفي هذه الحال يسمى مضروباً، وتجدون مكتوباً على الريال: ضرب في مكة المكرمة أو ضرب في كذا وكذا، يعني: جعل على هذه الحالة التي هي كونه نقداً، فإذا كان مضروباً سمي نقداً، وأما إذا كان مصوغاً أو مسبوكاً أو تبراً فلا يسمى نقداً، فالنقد هو الذي ضرب دراهم إذا كان من فضة أو دنانير إذا كان من ذهب مثل الجنيهات الذهبية والريالات الفضية، فبهذا يعرف الفرق بينهما.

فالحاصل أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، فإذا بيع ذهب بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، والأدلة عليه كثيرة، منها ما في حديث عبادة أنه قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، وفي حديث: أن طلحة جاءه رجل ومعه دنانير، فعرضها عليه ليشتريها بدراهم، فتفاوضا واتفقا على أن يعطيه البعض وقال: الباقي آخر النهار إذا جاءتني جاريتي أو خادمي، وسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله! لا تفارقه حتى تستلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالفضة إلا يداً بيد.

ومن الأدلة عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فإذا كان رأس المال من النقدين المضروبين جاز النسأ، والناس بحاجة إلى ذلك، فأنت -مثلاً- تشتري عشرة كيلو جرام من اللحم ، وليس معك ثمن، ومعلوم أن اللحم موزون، وأن الدراهم موزونة، فذلك موزون بموزون، ولابد أن يكون يداً بيد لأن العلة واحدة، ولكن لما كان أحد النقدين هو الثمن تسومح في ذلك، فجاز أن يكون الثمن غائباً، فجاز بمائة درهم تشتري بها عشرة كيلو جرام لحم، أو عشرة كيلو حديد أو قطن أو ما أشبه ذلك، مع التأخير.

ويأتينا أيضاً في السَلَم أنه يجوز ذلك في الموزنات، والسَلَم: هو كون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، فيجوز في الموزنات مع أن العلة واحدة، فتقول لإنسان -مثلاً-: أشتري منك في ذمتك مائة رطل حديد، كل رطل بخمسة، وأعطيك الثمن الآن، وتعطيني الأرطال بعد سنة أو نصف سنة، يسمى هذا سلماً، ومع ذلك الدراهم علتها الوزن، والحديد علته الوزن، وكذا القطن واللحم وما أشبه ذلك، فيجوز إذا كان أحد العوضين من النقدين.

يقول: إذا بيع مكيل بموزون جاز مطلقاً، وذلك لعدم الاتفاق في العلة، فيجوز أن تقول -مثلاً-: أشتري منك عشرة آصع براً بخمسة كيلو جرام لحماً، ولكن لابد أن يكون أحد العوضين حاضراً؛ لئلا يكون بيع دين بدين، فإنه لا يجوز بيع الدَين بالدِين، فإذا قلت -مثلاً-: أعطني عشرة آصع بر ثمنها خمسة كيلو جرام من لحم، فقال: خمسة كيلو جرام لحماً ليست لدي الآن، آتيك بها غداً أو بعد خمسة أيام أو بعد شهر، يجوز ذلك؛ لأن هذا مكيل وهذا موزون، اللحم موزون والبر مكيل، فلما اختلفت العلة جاز النسأ، لكن لا يجوز أن يكون العوضان غائبين؛ لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أي: الغائب بالغائب، فلابد أن يكون أحد العوضين حاضراً، فإذا كان -مثلاً- البر حاضراً واللحم غائباً، أو بالعكس جاز.

وكذلك صرف ذهب بفضة، فالذهب جنس، والفضة جنس، ولكن العلة فيهما ما هي؟

العلة عندنا كونهما موزوني جنس، فصرف الدراهم بالدنانير أو بيع الذهب بالفضة اتفقا في علة واحدة وهي الوزن، فلا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، ومعلوم أن الذهب أغلى من الفضة، فإذا صرفت -مثلاً- جنيه بمائة ريال فضة، فلابد من التقابض قبل التفرق؛ لأن العلة فيهما واحدة؛ وهي: أن هذا موزون وهذا موزون، وعند الأئمة الآخرين أن هذا ثمن وهذا ثمن، أي: نقد، فهما من النقود التي تستعمل قيماً للسلع، وتقدر بهما السلع.

قد يحتاج الإنسان إلى صرف، ولا يجد الصيرفي الثمن كاملاً، والحيلة في ذلك إذا قال -مثلاً-: أشتري منك هذا الجنيه بخمسمائة، ولكن ما وجد الآن إلا مائتين وخمسين، ففي هذه الحال لا يجوز التفرق إلا بعد التقابض، لكن إذا كنت محتاجاً إلى هذه المائتين والخمسين حاجة ضرورية، فتترك الجنيه عنده وتقول: الجنيه عندك أمانة، وهذه المائتين والخمسين اعتبرها قرضاً منك، واعتبر الجنيه رهناً عندك، وإذا أتيتك بعد غد وقد وجدت الدراهم أحاسبك على ما في ذمتي من المائتين والخمسين، وتعطيني بقية قيمة الجنيه، فصار تصارفاً جديداً، فإذا جئت غداً وإذا الجنيه قد رخص، لا يساوي إلا أربعمائة وخمسين، فيقول: الآن يساوي أربعمائة وخمسين، وعندك لي مائتان وخمسون، فالباقي لك مائتان، فخذ هذه المائتين بقيتها، فنتصارف من الآن، وتصارفنا بالأمس لا يعتبر؛ وذلك لأنه لم يحصل التقابض من الطرفين، حصل من طرف واحد، يمكن أن يعتبر هذا، ويمكن أن يعتبر شيء آخر وهو أن تقول: الآن صارفتني على نصف الجنيه، والنصف الثاني أمانة عندك، ولا تتصرف فيه، فإذا جئت بعد غد وإذا السعر قد انخفض فإنه يعطيك قيمة نصف الجنيه الذي قد أعطاك نصفه بالغة ما بلغت، إذا كان النصف أصبح لا يساوي إلا مائتين وخمسة وعشرين، والجنيه كان بالأمس ما يساوي إلا أربعمائة وخمسين، وعندي لك نصف جنيه، والنصف الأول قد قبضت قيمته، فأعطيك قيمة النصف الباقي الذي هو مائتان وخمسة وعشرون، وهكذا لو ارتفع السعر وأصبح يساوي ستمائة، فإنك تقول: عندك لي ستمائة، وقد وصلني منك مائتان وخمسون، قيمة النصف، والنصف الباقي كم قيمته؟ ثلاثمائة، فيحاسبك على ثلاثمائة، ولا يحاسبك على النصف الأول، فأنت قبضت نصف الجنيه مائتين وخمسين، والنصف الباقي زاد قيمته فأصبح يساوي ثلاثمائة، يعني صرف الجنيه بستمائة، فيعطيك قيمة النصف الذي عنده؛ فيصح ذلك.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2739 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2607 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2348 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2339 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2332 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2318 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2269 استماع