شرح أخصر المختصرات [18]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الحج والعمرة.

يجبان على المسلم الحر المكلف المستطيع في العمر مرة على الفور، فإذا زال مانع حج بعرفة وعمرة قبل طوافها وفعلا إذن وقعا فرضا، وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا، ويجزئانه ما لم يبرأ قبل إحرام نائب، وشُرِطَ لامرأة محرم أيضاً، فإن أيست منه استنابت، وإن مات من لزماه أُخرجا من تركته.

وسن لمريد إحرام غسل أو تيمم لعذر، وتنظف، وتتطيب في بدن، وكره في ثوب، وإحرامٌ بإزار ورداء أبيضين عقب فريضة أو ركعتين في غير وقت نهي، ونيته شرط، والاشتراط فيه سنة.

وأفضل الأنساك التمتع، وهو أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم به في عامه، ثم الإفراد، وهو أن يحرم بحج ثم بعمرة بعد فراعه منه، والقران: أن يحرم بهما معاً أو بها ثم يدخله عليها قبل الشروع في طوافها، وعلى كل من متمتع وقارن إذا كان أفقياً دم نسك بشرطه، وإن حاضت متمتعة فخشيت فوات الحج أحرمت به وصارت قارنة، وتسن التلبية، وتتأكد إذا علا نشزاً، أو هبط وادياً، أو صلى مكتوبة، أو أقبل ليل أو نهار، أو التقت الرفاق، أو ركب، أو نزل، أو سمع ملبياً، أو رأى البيت، أو فعل محظورا ناسياً، وكره إحرام قبل ميقات وبحج قبل أشهره.

فصل: ميقات أهل المدينة الحليفة، والشام ومصر والمغرب الجحفة، واليمن يلملم، ونجد قرن، والمشرق ذات عرق، ويحرم من بمكة لحج منها، ولعمرة من الحل، وأشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

ومحظورات الإحرام تسعة: إزالة شعر، وتقليم أظفار، وتغطية رأس ذكر، ولبس المخيط إلا سراويل لعدم إزار وخفين لعدم نعلين، والطيب، وقتل صيد البر، وعقد نكاح، وجماعٌ، ومباشرة فيما دون فرج.

ففي أقل من ثلاث شعرات وثلاثة أظفار في كل واحد فأقل طعام مسكين، وفي الثلاث فأكثر دم، وفي تغطية الرأس بملاصق ولبس مخيط وتطيب في بدن أو ثوب أو شم أو دهن الفدية.

وإن قتل صيداً مأكولاً برياً أصلاً فعليه جزاؤه، والجماع قبل التحلل الأول في حج وقبل فراغ سعي في عمرة مفسد لنسكهما مطلقاً، وفيه لحج بدنة ولعمرة شاة، ويمضيان في فاسده ويقضيانه مطلقاً إن كانا مكلفين فوراً وإلا بعد التكليف وبعد حجة الإسلام فوراً.

ولا يفسد النسك بمباشرة ويجب بها بدنة إن أنزل وإلا شاة، ولا بوطء في حج بعد التحلل الأول وقبل الثاني، لكن يفسد الإحرام فيحرم من الحل ليطوف للزيارة في إحرام صحيح ويسعى إن لم يكن سعى وعليه شاة.

وإحرام امرأة كرجل إلا في لبس مخيط، وتجتنب البرقع والقفازين وتغطية الوجه، فإن غطته بلا عذر فدت].

حكم الحج والعمرة

الركن الخامس من أركان الإسلام: الحج والعمرة، ولا خلاف في وجوب الحج بشروطه واختلف في فرضية العمرة، فأكثر الفقهاء على أن العمرة فريضة كالحج، واستدلوا بذكرها مع الحج، قال الله تعالى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] فقرنها مع الحج، وقال تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] وورد ذكر فضلها في قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل على النساء جهاد؟ قال: (عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وهو دليل على أن العمرة واجبة عليهن فعلى الرجال أولى، وللذين أوجبوها أدلة أخرى موسعة.

والذين ذهبوا إلى أنها غير واجبة وأنها سنة استدلوا بالحديث الذي فيه أن رجلاً سأل: (هل تجب العمرة عليَّ؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك)، ولكن الحديث فيه مقال وفيه احتمال، ثم وردت العمرة في حديث جبريل في السنن للدارقطني لما فسر الإسلام: (أن تشهد أن لا إله إلا الله -إلى قوله-: وأن تحج وتعتمر)، والإسناد صحيح صححه الدارقطني وغيره، وإن كانت الرواية شاذة حيث لم تذكر في أكثر الأحاديث، فالراجح أن العمرة فريضة على القادر، كما أن الحج فريضة على القادر.

شروط وجوب الحج والعمرة

يشترط لوجوب الحج والعمرة شروط:

الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على الكافر ولا يجوز، بل لا يمكن الكافر من دخول مكة، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً في حجة أبي بكر أن ينادي: لا يحج بعد العام مشرك.

الشرط الثاني: الحرية؛ لأن المملوك مملوكة عليه منافعه؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف لنفسه، فالسيد يملك عليه منافعه، ففي ذهابه إلى الحج تفويت ما للسيد عليه، فلذلك لا يجب عليه.

وقد ورد في حديث: (أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام).

الشرط الرابع: البلوغ. يخرج بذلك الصغير، فلا يجب عليه الحج لعدم تكليفه، ولكن مع ذلك يصح حجه ولو كان صغيراً، ففي الحديث الصحيح: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً لها، فقالت : ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) والمعنى أنه يصح حج الصغير ولو كان ابن خمس سنين أو أربع سنين. أي: يعقل. ووليه هو الذي يحرم به فينوي عنه إداخله في النسك، وكذلك يلبسه إذا كان ذكراً لباس الإحرام، ويكمل به مناسك الحج، فيطوف به ويسعى به ويقف به في المواقف التي يجب الوقوف بها ويلبي عنه ويرمي عنه وهكذا، وينوي حجه، أي: أحد أقاربه؛ لقوله: (ولك أجر).

الشرط الرابع: العقل، فلا يجب الحج على المجنون، وذلك لعدم فهمه وإدراكه، فهو لا يفهم ما يقال ولا يقدر على التصرف، ولا يعرف الأحكام، ولا يقدر أن يمتنع عن المحظورات، والقلم عنه مرفوع.

الشرط الخامس: القدرة، فإن قوله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] فسر فيه السبيل بأنه الزاد والراحلة، أي: من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء حوائج أهله، وبعد قضاء ما يحتاجون إليه في غيبته، وكذلك أن يقدر على الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها في السفر.

وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة).

وفي هذه الأزمنة معلوم أنه لا يحتاج إلى أن يملك راحلة -أي: سيارة- لكن إذا كان يملك أجرة ركوبه في السيارة فقد صار مستطيعاً إذا توافرت فيه بقية الشروط، من امتلاك النفقة في ذهابه وإيابه، وامتلاك النفقة التي تكفي لأهله حتى يرجع، فإذا كان محترفاً وغاب توقفت حرفته وتوقفت صنعته وعمله، فلابد من أن يؤمن لأسرته ما يكفيهم مدة غيابه.

وكانت الغيبة قديماً -أي: قبل خمسين أو ستين سنة- نحو شهرين ذهاباً وإياباً، فيكون الرجل بناء أو حفاراً يحفر بالأجرة، أو عاملاً في حرث يعمل بالأجرة، وقد تكون له حرفة يدوية كأن يكون خرازاً أو دباغاً أو خياطاً أو غسالاً أو حداداً أو نجاراً، فإذا غاب توقف كسبه، فمن أين يطعم أهله؟

نقول: لا يجب عليه إلا إذا توافر عنده من كسبه ما يكفي أهله في مدة غيبته، وفي هذه الأزمنة قلت أو قصرت المسافة، فبدل أن كانوا يغيبون لشهرين أصبحوا يغيبون لمدة أسبوع أو ثمانية أيام، ففي هذه المدة التي هي ثمانية أيام أو نحوها إذا كان عند أهله ما يكفيهم مدة ذهابه وإيابه، وحصل على النفقة التي تكفيه لذهابه وإيابه، وحصل على أجرة الركوب ذهاباً وإياباً فإنه قادر، فإذا عجز عن ذلك فإنه غير مستطيع، فالمستطيع هو الذي يملك ما يوصله إلى مكة ويرده وما يكفي أهله مدة غيبته.

وأما ما يذكره الفقهاء في هذا الباب عند تفسير قوله: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] أن السبيل هو من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله، وأن يملك العدة التي يحتاج إليها كخطام البعير ورحله وفرشه، ومتاعه الذي يحتاج إليه، وأوانيه التي يطبخ فيها وقربته التي يحمل الماء فيها، وما أشبه ذلك فهذه قد خفت في هذه الأزمنة.

والحاصل أنه لابد من أن يكون مستطيعاً.

إذاً الإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة، فلو حج الكافر لم يصح منه.

وأما الصغير والعبد فإنه يصح الحج منه ولكن لا يجب عليه، ولا يكلف به، فحجه صحيح ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام.

وأما العاجز فإن الاستطاعة شرط للوجوب، فلو أنه تكلف وحج فهل يجب عليه حجة أخرى؟ نقول: صح حجك وأجزأك.

لو تكلف وقال: أنا أحج راكباً. أو تبرع له أحد وحج به صح حجه، وكذلك أجزأه عن حجة الإسلام.

يجب الحج في العمر مرة

وجوب الحج على الفور

ثم هل الحج على الفور أو على التراخي؟

نختار أنه على الفور، فساعة أن تتم الشروط وساعة أن يتمكن فالزمن الذي تتم فيه الشروط ويتمكن يجب عليه بحيث يعد مفرطاً إذا أخره، وبحيث يعد ملوماً إذا تغيرت حالته بعد ذلك، فمثلاً: لو أنه في عام ثمانية عشر تمت الشروط في حقه واستطاع أن يحج ولكنه أهمل الحج وتركه بغير عذر، ثم في عام تسعة عشر عجز، تلف ماله أو خسر في تجارته وأصبح عاجزاً مالياً، نقول: إنه ملوم حيث تمكن وفرط، إن عليه إثماً بتأخيره وبتفريطه، ونقول: لو مات بعد أن قدر ولم يحج لزم إخراج نفقة الحج من رأس المال كما سيأتي، وذلك لأنه قدر وفرط حتى مات.

وذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر، والجواب: أنه لم يتمكن إلا تلك السنة؛ فإنه في سنة ثمان لما فتحت مكة كان مشتغلاً بالوفود، ولم تكن مكة قد طهرت من عادات المشركين، ولما كان في سنة تسع أرسل أبا بكر ومن معه من الحجاج ليطهروا مكة فصاروا ينادون بأول سورة براءة: بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:1-2] إلى قوله: وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] فكانوا ينادون: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وذلك لأنهم كانوا في عاداتهم الجاهلية يطوفون وهم عراة، ولما طهر البيت في سنة تسع حج سنة عشر، وكمل الله تعالى له الدين، وهو دليل على أن الحج على الفور؛ لأنه ما تمكن إلا في سنة عشر.

إذا زال مانع الحج بعرفة صح الحج

قال المصنف رحمه الله: (فإن زال مانع الحج بعرفة أو مانع عمرة قبل طوافها وفعلاً إذن وقعا فرضاً).

عرفنا أن من موانع الحج الرق والصغر، فإذا أحرم العبد بالحج وأحرم الصغير بالحج، ولما أحرما قدما مكة وطافا طواف القدوم وذهبا إلى منى مع أهليهم ووقفا بعرفة، وفي يوم عرفة عتق الرقيق وبلغ الصغير -وهما بعرفة- وأكملا حجهما أجزأهما عن حجة الإسلام، هذا معنى زوال المانع.

وكذلك لو أسلم الكافر بعرفة ثم أحرم وكمل المناسك صح حجه، أو عقل المجنون بعرفة وأحرم وكمل المناسك صح حجه عن الفريضة.

وقد عرفنا أن العمرة فريضة، فلو قدر أن العبد أحرم بالعمرة وعتق قبل بدئه بالطواف، ثم طاف وسعى بعد العتق صحت عمرته فريضة، وكذلك الصبي إذا احتلم، والمرأة إذا حاضت قبل أن تطوف ثم طافت للعمرة بعدما طهرت وكملت النسك صحت عمرتها وأجزأتها عن الفريضة.

حكم من عجز عن أداء الحج أو العمرة لمرض لا يرجى برؤه

قال المصنف رحمه الله: (وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا).

العاجز لكبر كالذي لا يستطيع الركوب أو الحركة ونحو ذلك يقيم من يحج عنه، فقد ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي من خثعم أنها قالت: (يا رسول الله ! إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) وقاس ذلك بالدين. أي أنها عرفت أن الفريضة قد وجبت عليه، وذلك لأنه عاقل وفاهم ومكلف، ولكن لكبره لا يستطيع أن يثبت على البعير، ولا يستطيع أن يتماسك، ويحتاج إلى من يمسكه، فأمرها بأن تحج عنه بعد حجتها.

وفي هذه الأزمنة قد يوجد من هذه حالته، ويمكن أن يقال: إن البعير ليس مثل السيارة؛ فالسيارة مركبها مريح وكذلك الطائرة، ولكن يوجد بعض كبار السن إذا ركب السيارة أغمي عليه فلا يستطيع أن يركبها، وكذلك الطائرة ونحوها، يغمى عليه فلا يستطيع أن يفيق ولا يتمكن من الثبات، فهذا معذور وعليه أن يقيم من يحج عنه.

واشترطوا في المرض أنه لا يرجى برؤه، فإذا قرر الأطباء أن هذا المرض يستمر معه إلى الموت وليس هناك أمل في الشفاء فعليه -والحال هذه- أن يقيم من يحج عنه، وكذلك العمرة.

ثم قوله: [من حيث وجبا]، أي: يقيم من يحج عنه ويكون ذلك من ماله [من حيث وجبا] يعني: من بلاده التي وجب عليه أن يحج منها، ولا يجوز من أقرب منها؛ لأن تكلفة الحج تختلف باختلاف البلاد، فتكلفة الحج من الرياض -مثلاً- ثلاثة آلاف ريال سعودي ذهاباً وإياباً بما في ذلك الفدية ونحوها، وتكلفة الحج من جدة أو من الطائف ألف أو نحوه، فإذا كان الذي عجز عن الحج لمرض أو لكبر من أهل الرياض أقاموا من يحج عنه من الرياض، ولا يجوز أن يكون من يحج عنه من الطائف ولا من المدينة ولا من جدة، وذلك لأن التكلفة أقل، وهو مكلف بأن يحج من هذه البلاد، ونقول كذلك أيضاً فيمن هو من خارج المملكة، فإذا وجب عليه الحج وهو من أهل قطر أو من أهل الكويت، والتكلفة هناك قد تكون أكثر، قد تبلغ مثلاً خمسة آلاف أو ستة، فلا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الرياض ولا من المدينة؛ لأنها أقل، إلا إذا لم يخلف إلا تركة قليلة فإنه يحج عنه من حيث بلغت تلك التركة.

وكذلك لو قدر أن إنساناً سافر للحج، فلما وصل -مثلاً- إلى الطائف أو قريباً منها توفي قبل الإحرام، ففي هذه الحال يقام من يحج عنه من أهل الطائف؛ لأنه قد قطع هذه المسافة، هذا إذا كان الحج فرضاً، أما إذا كان تطوعاً فيجوز أن يحج عنه ولو من أهل مكة؛ لأن التطوع تبرع.

فإن برئ هذا المريض قبل إحرام النائب لم يجزئه الحج عنه، ولزمه -والحال هذه- أن يحج بنفسه؛ لأنه زال عذره.

إما إذا لم يبرأ إلا بعد أن أحرم نائبه فإن حجة النائب عنه مجزئه.

فالحاصل أنه إذا وكل من يحج عنه ويعتمر عنه ثم برأ قبل أن يحرم النائب بالحج أو بالعمرة بطلت النيابة ولزمه أن يحج بنفسه، وأما إذا أحرم النائب قبل برئه ثم برأ بعد ذلك فإن حج النائب يكفي.

حكم أخذ المال في حج الإنابة وتساهل الناس في ذلك

هنا نتكلم على الإنابة؛ لأنه وقع فيها تساهل، وذلك لأن كثيراً من الناس اتخذوها حرفة وأرادوها للتجارة، ويسمونها حج البدل، فيأتي كثير من الناس إلى الرياض يقولون: أعطونا حج بدل. فنقول لهم: إن النائب إنما يحج من البلد التي منها المحجوج عنه، فأنتم الآن حججتم إلى الرياض والحج إلى مكة، فكيف تأتون لأجل هذا؟ وبهذا نعرف أنهم ما أرادوا بذلك إلا المال، والدليل على ذلك: أنهم يماكسون، فإذا قيل لهم: نعطيكم ألفين؛ لأن حجكم إلى مكة ولا ترجعون إلى الرياض قالوا: إن فلاناً يعطي ثلاثة، وفلاناً يعطي أربعة. وهكذا، فهذا يدل على أنهم ما قصدوا إلا المال، فنقول لك: لا تنب إلا من يريد الحج لا من يريد المال.

وصورة ذلك: إنسان فقير يحب أن يحج بنفسه ويشارك الحجاج في تلك المواسم ويكون ممن تنزل عليهم الرحمة، وممن يباهي الله تعالى بهم الملائكة، ولكنه فقير ليس عنده ما يبلغه وما يرده، ويتمنى أن يحج ولكن ليس بقادر مع أنه قد حج فريضة الإسلام، فهذا أخذ المال لأجل الحج، فمثل هذا يعطى نيابة، وعليه أن ينفق منها في حجه نفقة ذهابه وإيابه وفديته وتنقلاته وما بقي منها يرده على أهل الحاج إلا إذا سمحوا، هذا هو الأصل، وقليل الذين يعملون بذلك.

وقبل خمس وعشرين سنة كان الحاج تكفيه مائة ريال أجرة ركوب ذهاباً وإياباً، ويكفيه للنفقة ذهاباً وإياباً خمسون ريالاً أو سبعون ريالاً، ثم ما زالوا يزيدون ويزيدون إلى أن صاروا يطلبون ألوفاً، فعرفنا بذلك أن مثل هؤلاء يتخذون الحج حرفة وتجارة يريدون بها المال، فلا يجوز إعطاؤهم؛ لأن من عمل عملاً لأجل مال بطل أجره؛ لقول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، ولقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20]، وفي الحديث: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم).

يشترط في حج المرأة أن يكون معها محرم

ويشترط في وجوب الحج على المرأة أن يكون معها محرم، وهذا هو قول الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم)، وفي حديث آخر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسير مسيرة يومين إلا ومعها ذو محرم) وأقل ما ورد في ذلك مسيرة يوم، هذه أدلة الجمهور.

وذهب المالكية إلى أنه يجوز أن تحج مع نسوة ثقات، ذكر مالك ذلك في الموطأ، وقال: إن الحج فريضة، وهذه مستطيعة من حيث المال، والمحرم إنما هو شرط، والفرض يقدم على الشرط، فإذا علم أن سبب المحرم إنما هو الخوف عليها من الوقوع في الفاحشة ونحوها فإذا أمنت بأن كانت مع نسوة ثقات فلا حرج ولا خوف عليها. هكذا يعلل المالكية، وفي زمانهم كان المالكية يأتون من أقصى المغرب، من بلاد المغرب ومن بلاد أفريقيا ومن الأندلس ونحو ذلك، وهؤلاء كلهم على مذهب مالك ، فكانوا يرسلون نساءهم بدون محرم في السفن، ويشترطون أن يكون معها ثقات من النساء، ومع ذلك فإن الخطر موجود.

ويمكن أن يتساهل في هذه الأزمنة إذا أيست ولم تجد محرماً، وسافرت في السيارات الكبار (الحافلات) التي يفصل فيها بين النساء والرجال بحاجز ولا يحصل الاختلاط، وإذا نزلوا تكون النساء جميعاً في خيام والرجال في خيام والمدة قصيرة، مثلاً: ستة أيام أو سبعة أيام، وهذا للتي لا تجد محرماً، مثل الخادمات، وكثيراً ما يشترط أهلها على من استقدمها تمكينها من أداء الحج؛ لأن أهلها في بلادهم لا يقدرون لفقرهم وعجزهم، فإذا شرط على المستقدم فالوسيلة أن يرسلها مع الحملات التي فيها نساء موثوقات ويفصلون النساء عن الرجال، فأما إذا وجدت محرماً فليس لها أن تحج إلا مع محرم.

قوله: [فإن أيست منه استنابت] يعني: إذا أيست من وجود محرم فإنها تنيب من يحج عنها. وهذا في الأزمنة القديمة التي تكون فيها مدة الحج شهرين كما ذكرنا، أما في هذه الأزمنة فلعل الأمر أخف.

حكم من مات ولم يحج مفرطاً وله تركة

قال المصنف رحمه الله: [وإن مات من لزماه أخرجا من تركته].

الضمير يرجع إلى الحج والعمرة، فإذا مات من كان قادراً وفرط حتى مات قبل أن يحج ويعتمر لزم إخراج نفقتهما من تركته، أو يحج عنه أحد أولاده ذكوراً أو إناثاً، فإذا لم يوجد من يحج عنه أخرج من التركة، وتخرج من رأس المال، وتكون كأنها دين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه ذلك بالدين في قوله: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟) فدل على أنها تخرج من رأس المال لا من الثلث، فتخرج من رأس المال كأنها ديون للآدميين، وإذا كان قد أوصى بالثلث أخرج ذلك الثلث، ثم يقسم الباقي على الورثة.

والفقهاء أيضاً يذكرون ما يلزم من سافر إلى الحج من أحكام السفر، كما ذكر ذلك النووي رحمه الله في رسالته التي في مناسك الحج، ولكن تغيرت الأحوال؛ لأن السفر قديماً كان يستغرق أشهراً وفي هذه الأزمنة لا يستغرق إلا أياماً.

استحباب الاغتسال عند الإحرام لأجل النظافة

قال المصنف رحمه الله: [ويسن لمريد إحرام غسل أو تيمم لعذر].

أي: إذا وصل إلى الميقات، وذلك أنهم كانوا لا يصلون إلى المواقيت إلا بعد مدة، بعد عشرين يوماً أو بعد خمسة وعشرين يوماً، فلا يصلون إلى الميقات إلا وقد اتسخت أبدانهم واتسخت ثيابهم، فهم بحاجة إلى أن يتنظفوا ويغتسلوا، إلا أهل المدينة؛ فإن ميقاتهم بجانب المدينة ما بينهم وبينها إلا ثلاث ساعات بالرواحل أو نحوها، ولكن ميقاتهم بعيد عن مكة؛ لأنهم يبقون محرمين عشرة أيام، فما بين مكة وميقات أهل المدينة عشرة أيام، فهم بحاجة إلى الاغتسال وإلى النظافة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النفساء أن تغتسل للإحرام مع أنها لا تصلي، فدل ذلك على مشروعيته.

نقول: إذا قدر أن الإنسان في بيته تنظف واغتسل وأزال ما في بدنه من الأوساخ ثم ركب سيارته، وبعد خمس ساعات أو ست ساعات أو نحوها وصل إلى الميقات، فهذه الساعات لا يتسخ فيها بدنه عادة، فيكتفي باغتساله في منزله، ويعمل ما يعمله من مقدمات الإحرام ويحرم.

أما شرعية التيمم فالتيمم لعدم الماء، والصحيح أنه ليس بمشروع، إلا إذا أراد أن يصلي ركعتين ولم يجد ماء فإنه يكتفي بالتيمم، فأما إذا كان الماء موجوداً فإنه يتوضأ ويصلي ركعتين، وأما غسل الإحرام فلا حاجة إلى أن يتيمم بدله، وذلك لأننا عرفنا أن الاغتسال شرع لأجل النظافة، ومعلوم أن التيمم لا ينظف ولا تحصل به نظافة البدن ولا نظافة أعضاء الوضوء.

استحباب تعاهد خصال الفطرة قبيل الإحرام

ويستحب أن يتنظف عند الإحرام، والمراد بالتنظف هنا تعاهد خصال الفطرة، فيقص من شعره، ويقلم أظفاره، وينتف شعر الإبط، ويحلق عانته مخافة أن يطول الشعر بعد ذلك فيتأذى به وهو ممنوع من أخذه بعد عقد الإحرام؛ لأنهم كانوا إذا أحرموا مفردين بقوا خمسة عشر يوماً، ففي هذه الخمسة عشر يمكن أن تطول الأظافر، ويطول الشارب، ويطول الشعر فيتأذى به، فأمر أن يتعاهده قبيل عقد الإحرام حتى لا تؤذيه بعد ذلك، وهذا هو السبب في تعاهد الشعر.

وفي هذه الأزمنة لا تبقى مدة الإحرام إلا قليلاً، فالإحرام بالعمرة لا يمكث إلا ساعتين أو ثلاث ساعات، والإحرام بالحج لا يمكث إلا يومين أو ثلاثة أيام، فنقول: إذا كانت أظافره أو شعره ليس طويلاً فلا حاجة إلى التعهد، حتى الذين يحرمون من المدينة بدل أن كانوا يبقون محرمين عشرة أيام أصبحوا يبقون ثلاث أو أربع أو خمس ساعات ثم يصلون إلى مكة.

فالتنظف إزالة شعر العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، وإزالة الرائحة الكريهة ونحو ذلك، ولا شك أنه إذا كانت فيه رائحة كريهة فإن عليه أن يزيلها ويحرص على إزالتها.

استحباب الطيب للمحرم قبيل إحرامه

ويتطيب في بدنه قبل الإحرام؛ لأنه ممنوع من الطيب بعد ذلك، وقد تطول مدة منعه من الطيب فيتأذى بالرائحة؛ لأنه يبقى عشرة أيام أو نصف شهر وهو ممنوع من الطيب، فلذلك سن له أن يتطيب قبيل عقد الإحرام، أما إذا كانت مدة الإحرام لا تطول فلا حاجة إلى أن يتطيب، وإن تطيب فلا بأس ولكن يكون الطيب في البدن، أي: في شعر الرأس أو في الخدين، أو في اليدين، ولا يجوز أن يطيب ثيابه.

ففي قصة ذلك الرجل الذي أحرم في جبة وقد تضمخ بالطيب في ثيابه قال صلى الله عليه وسلم: (انزع عنك الجبة، واغسل عنك أثر الطيب) فأمره بأن يغسل أثر الطيب عن ثيابه، فهذا دليل على أنه إذا طيب بدنه فلا بأس، فإن طيب ثيابه أو وقع عليها طيب من غير اختيار سن أن يغسل أثر الطيب عن ثيابه.

صفة إحرام الرجل

قال المصنف رحمه الله: [وإحرام بإزار ورداء أبيضين] هذا في حق الرجل، والإزار: ما يشد به عورته من السرة إلى ما تحت الركبة، والرداء يجعله على ظهره يتظلل به من حر الشمس ومن البرد ونحوه، أي: يضع على ظهره رداءً يلتف به. هذا هو إحرام الرجل.

ليس للإحرام صلاة سنة وإنما هي للوضوء

ويسن أن يحرم عقب صلاة، فإن كان وقت فريضة صلاها ثم عقد الإحرام بعدها، وإن لم يكن في وقت صلاة كالضحى مثلاً صلى ركعتين ينويها سنة الوضوء وليست سنة إحرام؛ لأنه لم ترد في الإحرام سنة خاصة، ولكن ينوي أنها سنة وضوء بشرط أن لا يكون في وقت نهي كبعد العصر وبعد الفجر، فإذا كان وقت إحرامه بعد العصر فلا يصلي بل يتوضأ ويحرم ويركب سيارته، وكذلك بعد الفجر إن لم يمكث حتى تطلع الشمس.

وليس مجرد لباس الإحرام هو النية، فلو رأيت رجلاً في الرياض لابساً إزاراً ورداء كلباس المحرم فلا تنكر عليه ولا تقل: هذا خاص بالإحرام. لأن هذا لباس جائز لكل زمان ولكل مكان.

إذاً: فمتى يكون الإنسان محرماً؟

إذا نوى وعزم على الدخول في النسك، إذا نوى بقلبه، فلو أنه لبس الإحرام -الإزار والرداء- عند الميقات، ومكث وعليه لباس الإحرام ساعة أو نصف يوم قبل أن ينوي وقبل أن يعزم على الإحرام، ففي هذه الساعات يجوز أن يقص من شعره، ويجوز أن يتطيب، بل يجوز أن يطأ امرأته؛ لأنه ما نوى الإحرام، فلا تحرم المحظورات إلا إذا نوى بقلبه الدخول في النسك.

إذاً فالإحرام نية، وليس الإحرام مجرد اللباس.

حكم الاشتراط في الحج والعمرة

ما حكم الاشتراط في الحج والعمرة؟

ذكر أنه سنة، وصفته أن يقول: اللهم! إني أريد العمرة فيسرها لي، وتقبلها مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. إذ كانوا يستحبونه لكل محرم بحج أو بعمرة، سواء في أشهر الحج أو في غير أشهر الحج.

وذهب بعضهم إلى أنه لا يستحب -ومنهم شيخ الإسلام- وقالوا: لا يستحب إلا إذا خاف على نفسه عدم التمكن، بأن خاف على نفسه من أن يصده عدو، أو خاف على نفسه أن يمنعه مرض، أو كان هناك خطر، ففي هذه الحال له أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي -أي: موضع إحلالي- حيث حبستني.

يقول شيخ الإسلام : إن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به الصحابة، وإنما أمر به امرأة واحدة وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب لما جاءته فقالت: (إني أريد الحج وأجدني شاكية -أي: مريضة. فخشيت أن مرضها يحول بينها وبين إتمام المناسك- فقال: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني؛ فإن لك على الله ما استثنيت) هذا سبب شرعية الاشتراط، ولما لم يعلمه بقية الصحابة دل على أنه لمن خاف أن لا يتمكن فقط.

وقد يقول قائل: إن الحوادث موجودة في هذه الأزمنة بكثرة، حوادث الاصطدام، وحوادث الانقلاب وما أشبه ذلك، نقول: هي موجودة ولكن المسافة قليلة، والعادة أنها نادرة في هذه المسافات التي هي مسافة ساعة أو ثلاث ساعات، وبالجملة فإن اشترط فلا بأس، وإن لم يشترط فلا بأس، وإن خاف لمرض أو عجز أو نحو ذلك أو عدم تمكن فيستحب له أن يشترط.

ويحدث كثيراً أن المرأة تأتي إلى الميقات وعليها الحيض، وتخاف أن أهلها لا يقيمون حتى تطهر، فهل تحرم معهم وتشترط، أو لا تحرم، أو تحرم ولا تشترط؟ نقول: إن جزمت بأن أهلها سيمكثون إلى أن تطهر فإنها لا تشترط، فتحرم ولا تشترط، فإن خافت أنهم لا ينتظرونها بل قد ينصرفون قبل أن تطهر فلها أن تشترط، فإن علمت وجزمت بأنهم لا ينتظرونها فليس لها أن تحرم، بل تبقى وتدخل معهم مكة بدون إحرام؛ لأنها تحققت أنهم لا يبقون إلا ساعتين أو ثلاث ساعات ثم يرحلون وهي لا تطهر إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، فإذا اشترطت تقول: اللهم! إني نويت بعمرة -مثلاً- فإن حبسني حابس أو منعني مانع فمحلي حيث حبستني. هذه مقدمات يعملها عند الميقات.

الركن الخامس من أركان الإسلام: الحج والعمرة، ولا خلاف في وجوب الحج بشروطه واختلف في فرضية العمرة، فأكثر الفقهاء على أن العمرة فريضة كالحج، واستدلوا بذكرها مع الحج، قال الله تعالى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158] فقرنها مع الحج، وقال تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] وورد ذكر فضلها في قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: هل على النساء جهاد؟ قال: (عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة) وهو دليل على أن العمرة واجبة عليهن فعلى الرجال أولى، وللذين أوجبوها أدلة أخرى موسعة.

والذين ذهبوا إلى أنها غير واجبة وأنها سنة استدلوا بالحديث الذي فيه أن رجلاً سأل: (هل تجب العمرة عليَّ؟ قال: لا، وأن تعتمر خير لك)، ولكن الحديث فيه مقال وفيه احتمال، ثم وردت العمرة في حديث جبريل في السنن للدارقطني لما فسر الإسلام: (أن تشهد أن لا إله إلا الله -إلى قوله-: وأن تحج وتعتمر)، والإسناد صحيح صححه الدارقطني وغيره، وإن كانت الرواية شاذة حيث لم تذكر في أكثر الأحاديث، فالراجح أن العمرة فريضة على القادر، كما أن الحج فريضة على القادر.

يشترط لوجوب الحج والعمرة شروط:

الشرط الأول: الإسلام، فلا يجب الحج على الكافر ولا يجوز، بل لا يمكن الكافر من دخول مكة، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28] وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً في حجة أبي بكر أن ينادي: لا يحج بعد العام مشرك.

الشرط الثاني: الحرية؛ لأن المملوك مملوكة عليه منافعه؛ لأنه لا يستطيع أن يتصرف لنفسه، فالسيد يملك عليه منافعه، ففي ذهابه إلى الحج تفويت ما للسيد عليه، فلذلك لا يجب عليه.

وقد ورد في حديث: (أيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة الإسلام).

الشرط الرابع: البلوغ. يخرج بذلك الصغير، فلا يجب عليه الحج لعدم تكليفه، ولكن مع ذلك يصح حجه ولو كان صغيراً، ففي الحديث الصحيح: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً لها، فقالت : ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر) والمعنى أنه يصح حج الصغير ولو كان ابن خمس سنين أو أربع سنين. أي: يعقل. ووليه هو الذي يحرم به فينوي عنه إداخله في النسك، وكذلك يلبسه إذا كان ذكراً لباس الإحرام، ويكمل به مناسك الحج، فيطوف به ويسعى به ويقف به في المواقف التي يجب الوقوف بها ويلبي عنه ويرمي عنه وهكذا، وينوي حجه، أي: أحد أقاربه؛ لقوله: (ولك أجر).

الشرط الرابع: العقل، فلا يجب الحج على المجنون، وذلك لعدم فهمه وإدراكه، فهو لا يفهم ما يقال ولا يقدر على التصرف، ولا يعرف الأحكام، ولا يقدر أن يمتنع عن المحظورات، والقلم عنه مرفوع.

الشرط الخامس: القدرة، فإن قوله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] فسر فيه السبيل بأنه الزاد والراحلة، أي: من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله بعد قضاء حوائج أهله، وبعد قضاء ما يحتاجون إليه في غيبته، وكذلك أن يقدر على الحوائج الأصلية التي يحتاج إليها في السفر.

وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] ما السبيل؟ قال: (الزاد والراحلة).

وفي هذه الأزمنة معلوم أنه لا يحتاج إلى أن يملك راحلة -أي: سيارة- لكن إذا كان يملك أجرة ركوبه في السيارة فقد صار مستطيعاً إذا توافرت فيه بقية الشروط، من امتلاك النفقة في ذهابه وإيابه، وامتلاك النفقة التي تكفي لأهله حتى يرجع، فإذا كان محترفاً وغاب توقفت حرفته وتوقفت صنعته وعمله، فلابد من أن يؤمن لأسرته ما يكفيهم مدة غيابه.

وكانت الغيبة قديماً -أي: قبل خمسين أو ستين سنة- نحو شهرين ذهاباً وإياباً، فيكون الرجل بناء أو حفاراً يحفر بالأجرة، أو عاملاً في حرث يعمل بالأجرة، وقد تكون له حرفة يدوية كأن يكون خرازاً أو دباغاً أو خياطاً أو غسالاً أو حداداً أو نجاراً، فإذا غاب توقف كسبه، فمن أين يطعم أهله؟

نقول: لا يجب عليه إلا إذا توافر عنده من كسبه ما يكفي أهله في مدة غيبته، وفي هذه الأزمنة قلت أو قصرت المسافة، فبدل أن كانوا يغيبون لشهرين أصبحوا يغيبون لمدة أسبوع أو ثمانية أيام، ففي هذه المدة التي هي ثمانية أيام أو نحوها إذا كان عند أهله ما يكفيهم مدة ذهابه وإيابه، وحصل على النفقة التي تكفيه لذهابه وإيابه، وحصل على أجرة الركوب ذهاباً وإياباً فإنه قادر، فإذا عجز عن ذلك فإنه غير مستطيع، فالمستطيع هو الذي يملك ما يوصله إلى مكة ويرده وما يكفي أهله مدة غيبته.

وأما ما يذكره الفقهاء في هذا الباب عند تفسير قوله: مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97] أن السبيل هو من يملك زاداً وراحلة صالحين لمثله، وأن يملك العدة التي يحتاج إليها كخطام البعير ورحله وفرشه، ومتاعه الذي يحتاج إليه، وأوانيه التي يطبخ فيها وقربته التي يحمل الماء فيها، وما أشبه ذلك فهذه قد خفت في هذه الأزمنة.

والحاصل أنه لابد من أن يكون مستطيعاً.

إذاً الإسلام والعقل شرطان للوجوب والصحة، فلو حج الكافر لم يصح منه.

وأما الصغير والعبد فإنه يصح الحج منه ولكن لا يجب عليه، ولا يكلف به، فحجه صحيح ولكن لا يكفيه عن حجة الإسلام.

وأما العاجز فإن الاستطاعة شرط للوجوب، فلو أنه تكلف وحج فهل يجب عليه حجة أخرى؟ نقول: صح حجك وأجزأك.

لو تكلف وقال: أنا أحج راكباً. أو تبرع له أحد وحج به صح حجه، وكذلك أجزأه عن حجة الإسلام.

ثم هل الحج على الفور أو على التراخي؟

نختار أنه على الفور، فساعة أن تتم الشروط وساعة أن يتمكن فالزمن الذي تتم فيه الشروط ويتمكن يجب عليه بحيث يعد مفرطاً إذا أخره، وبحيث يعد ملوماً إذا تغيرت حالته بعد ذلك، فمثلاً: لو أنه في عام ثمانية عشر تمت الشروط في حقه واستطاع أن يحج ولكنه أهمل الحج وتركه بغير عذر، ثم في عام تسعة عشر عجز، تلف ماله أو خسر في تجارته وأصبح عاجزاً مالياً، نقول: إنه ملوم حيث تمكن وفرط، إن عليه إثماً بتأخيره وبتفريطه، ونقول: لو مات بعد أن قدر ولم يحج لزم إخراج نفقة الحج من رأس المال كما سيأتي، وذلك لأنه قدر وفرط حتى مات.

وذهبت الشافعية إلى أنه على التراخي، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى سنة عشر، والجواب: أنه لم يتمكن إلا تلك السنة؛ فإنه في سنة ثمان لما فتحت مكة كان مشتغلاً بالوفود، ولم تكن مكة قد طهرت من عادات المشركين، ولما كان في سنة تسع أرسل أبا بكر ومن معه من الحجاج ليطهروا مكة فصاروا ينادون بأول سورة براءة: بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة:1-2] إلى قوله: وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة:3] فكانوا ينادون: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وذلك لأنهم كانوا في عاداتهم الجاهلية يطوفون وهم عراة، ولما طهر البيت في سنة تسع حج سنة عشر، وكمل الله تعالى له الدين، وهو دليل على أن الحج على الفور؛ لأنه ما تمكن إلا في سنة عشر.

قال المصنف رحمه الله: (فإن زال مانع الحج بعرفة أو مانع عمرة قبل طوافها وفعلاً إذن وقعا فرضاً).

عرفنا أن من موانع الحج الرق والصغر، فإذا أحرم العبد بالحج وأحرم الصغير بالحج، ولما أحرما قدما مكة وطافا طواف القدوم وذهبا إلى منى مع أهليهم ووقفا بعرفة، وفي يوم عرفة عتق الرقيق وبلغ الصغير -وهما بعرفة- وأكملا حجهما أجزأهما عن حجة الإسلام، هذا معنى زوال المانع.

وكذلك لو أسلم الكافر بعرفة ثم أحرم وكمل المناسك صح حجه، أو عقل المجنون بعرفة وأحرم وكمل المناسك صح حجه عن الفريضة.

وقد عرفنا أن العمرة فريضة، فلو قدر أن العبد أحرم بالعمرة وعتق قبل بدئه بالطواف، ثم طاف وسعى بعد العتق صحت عمرته فريضة، وكذلك الصبي إذا احتلم، والمرأة إذا حاضت قبل أن تطوف ثم طافت للعمرة بعدما طهرت وكملت النسك صحت عمرتها وأجزأتها عن الفريضة.

قال المصنف رحمه الله: (وإن عجز لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر من حيث وجبا).

العاجز لكبر كالذي لا يستطيع الركوب أو الحركة ونحو ذلك يقيم من يحج عنه، فقد ثبت في الصحيح في قصة المرأة التي من خثعم أنها قالت: (يا رسول الله ! إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم) وقاس ذلك بالدين. أي أنها عرفت أن الفريضة قد وجبت عليه، وذلك لأنه عاقل وفاهم ومكلف، ولكن لكبره لا يستطيع أن يثبت على البعير، ولا يستطيع أن يتماسك، ويحتاج إلى من يمسكه، فأمرها بأن تحج عنه بعد حجتها.

وفي هذه الأزمنة قد يوجد من هذه حالته، ويمكن أن يقال: إن البعير ليس مثل السيارة؛ فالسيارة مركبها مريح وكذلك الطائرة، ولكن يوجد بعض كبار السن إذا ركب السيارة أغمي عليه فلا يستطيع أن يركبها، وكذلك الطائرة ونحوها، يغمى عليه فلا يستطيع أن يفيق ولا يتمكن من الثبات، فهذا معذور وعليه أن يقيم من يحج عنه.

واشترطوا في المرض أنه لا يرجى برؤه، فإذا قرر الأطباء أن هذا المرض يستمر معه إلى الموت وليس هناك أمل في الشفاء فعليه -والحال هذه- أن يقيم من يحج عنه، وكذلك العمرة.

ثم قوله: [من حيث وجبا]، أي: يقيم من يحج عنه ويكون ذلك من ماله [من حيث وجبا] يعني: من بلاده التي وجب عليه أن يحج منها، ولا يجوز من أقرب منها؛ لأن تكلفة الحج تختلف باختلاف البلاد، فتكلفة الحج من الرياض -مثلاً- ثلاثة آلاف ريال سعودي ذهاباً وإياباً بما في ذلك الفدية ونحوها، وتكلفة الحج من جدة أو من الطائف ألف أو نحوه، فإذا كان الذي عجز عن الحج لمرض أو لكبر من أهل الرياض أقاموا من يحج عنه من الرياض، ولا يجوز أن يكون من يحج عنه من الطائف ولا من المدينة ولا من جدة، وذلك لأن التكلفة أقل، وهو مكلف بأن يحج من هذه البلاد، ونقول كذلك أيضاً فيمن هو من خارج المملكة، فإذا وجب عليه الحج وهو من أهل قطر أو من أهل الكويت، والتكلفة هناك قد تكون أكثر، قد تبلغ مثلاً خمسة آلاف أو ستة، فلا يجوز أن يقيم من يحج عنه من الرياض ولا من المدينة؛ لأنها أقل، إلا إذا لم يخلف إلا تركة قليلة فإنه يحج عنه من حيث بلغت تلك التركة.

وكذلك لو قدر أن إنساناً سافر للحج، فلما وصل -مثلاً- إلى الطائف أو قريباً منها توفي قبل الإحرام، ففي هذه الحال يقام من يحج عنه من أهل الطائف؛ لأنه قد قطع هذه المسافة، هذا إذا كان الحج فرضاً، أما إذا كان تطوعاً فيجوز أن يحج عنه ولو من أهل مكة؛ لأن التطوع تبرع.

فإن برئ هذا المريض قبل إحرام النائب لم يجزئه الحج عنه، ولزمه -والحال هذه- أن يحج بنفسه؛ لأنه زال عذره.

إما إذا لم يبرأ إلا بعد أن أحرم نائبه فإن حجة النائب عنه مجزئه.

فالحاصل أنه إذا وكل من يحج عنه ويعتمر عنه ثم برأ قبل أن يحرم النائب بالحج أو بالعمرة بطلت النيابة ولزمه أن يحج بنفسه، وأما إذا أحرم النائب قبل برئه ثم برأ بعد ذلك فإن حج النائب يكفي.

هنا نتكلم على الإنابة؛ لأنه وقع فيها تساهل، وذلك لأن كثيراً من الناس اتخذوها حرفة وأرادوها للتجارة، ويسمونها حج البدل، فيأتي كثير من الناس إلى الرياض يقولون: أعطونا حج بدل. فنقول لهم: إن النائب إنما يحج من البلد التي منها المحجوج عنه، فأنتم الآن حججتم إلى الرياض والحج إلى مكة، فكيف تأتون لأجل هذا؟ وبهذا نعرف أنهم ما أرادوا بذلك إلا المال، والدليل على ذلك: أنهم يماكسون، فإذا قيل لهم: نعطيكم ألفين؛ لأن حجكم إلى مكة ولا ترجعون إلى الرياض قالوا: إن فلاناً يعطي ثلاثة، وفلاناً يعطي أربعة. وهكذا، فهذا يدل على أنهم ما قصدوا إلا المال، فنقول لك: لا تنب إلا من يريد الحج لا من يريد المال.

وصورة ذلك: إنسان فقير يحب أن يحج بنفسه ويشارك الحجاج في تلك المواسم ويكون ممن تنزل عليهم الرحمة، وممن يباهي الله تعالى بهم الملائكة، ولكنه فقير ليس عنده ما يبلغه وما يرده، ويتمنى أن يحج ولكن ليس بقادر مع أنه قد حج فريضة الإسلام، فهذا أخذ المال لأجل الحج، فمثل هذا يعطى نيابة، وعليه أن ينفق منها في حجه نفقة ذهابه وإيابه وفديته وتنقلاته وما بقي منها يرده على أهل الحاج إلا إذا سمحوا، هذا هو الأصل، وقليل الذين يعملون بذلك.

وقبل خمس وعشرين سنة كان الحاج تكفيه مائة ريال أجرة ركوب ذهاباً وإياباً، ويكفيه للنفقة ذهاباً وإياباً خمسون ريالاً أو سبعون ريالاً، ثم ما زالوا يزيدون ويزيدون إلى أن صاروا يطلبون ألوفاً، فعرفنا بذلك أن مثل هؤلاء يتخذون الحج حرفة وتجارة يريدون بها المال، فلا يجوز إعطاؤهم؛ لأن من عمل عملاً لأجل مال بطل أجره؛ لقول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ [هود:15]، ولقوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20]، وفي الحديث: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم).

ويشترط في وجوب الحج على المرأة أن يكون معها محرم، وهذا هو قول الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث إلا ومعها ذو محرم)، وفي حديث آخر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسير مسيرة يومين إلا ومعها ذو محرم) وأقل ما ورد في ذلك مسيرة يوم، هذه أدلة الجمهور.

وذهب المالكية إلى أنه يجوز أن تحج مع نسوة ثقات، ذكر مالك ذلك في الموطأ، وقال: إن الحج فريضة، وهذه مستطيعة من حيث المال، والمحرم إنما هو شرط، والفرض يقدم على الشرط، فإذا علم أن سبب المحرم إنما هو الخوف عليها من الوقوع في الفاحشة ونحوها فإذا أمنت بأن كانت مع نسوة ثقات فلا حرج ولا خوف عليها. هكذا يعلل المالكية، وفي زمانهم كان المالكية يأتون من أقصى المغرب، من بلاد المغرب ومن بلاد أفريقيا ومن الأندلس ونحو ذلك، وهؤلاء كلهم على مذهب مالك ، فكانوا يرسلون نساءهم بدون محرم في السفن، ويشترطون أن يكون معها ثقات من النساء، ومع ذلك فإن الخطر موجود.

ويمكن أن يتساهل في هذه الأزمنة إذا أيست ولم تجد محرماً، وسافرت في السيارات الكبار (الحافلات) التي يفصل فيها بين النساء والرجال بحاجز ولا يحصل الاختلاط، وإذا نزلوا تكون النساء جميعاً في خيام والرجال في خيام والمدة قصيرة، مثلاً: ستة أيام أو سبعة أيام، وهذا للتي لا تجد محرماً، مثل الخادمات، وكثيراً ما يشترط أهلها على من استقدمها تمكينها من أداء الحج؛ لأن أهلها في بلادهم لا يقدرون لفقرهم وعجزهم، فإذا شرط على المستقدم فالوسيلة أن يرسلها مع الحملات التي فيها نساء موثوقات ويفصلون النساء عن الرجال، فأما إذا وجدت محرماً فليس لها أن تحج إلا مع محرم.

قوله: [فإن أيست منه استنابت] يعني: إذا أيست من وجود محرم فإنها تنيب من يحج عنها. وهذا في الأزمنة القديمة التي تكون فيها مدة الحج شهرين كما ذكرنا، أما في هذه الأزمنة فلعل الأمر أخف.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2739 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2607 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2348 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2339 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2332 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2318 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2269 استماع