خطب ومحاضرات
شرح أخصر المختصرات [15]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف رحمه الله: [كتاب الصيام.
يلزم كل مسلم مكلف قادر، برؤية الهلال ولو من عدل، أو بإكمال شعبان، أو وجود مانع من رؤيته ليلة الثلاثين منه كغيم وجبل وغيرهما، وإن رؤي نهاراً فهو للمقبلة.
وإن صار أهلاً لوجوبه في أثنائه، أو قدم مسافر مفطراً، أو طهرت حائض أمسكوا وقضوا. ومن أفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكيناً.
وسن الفطر لمريض يشق عليه ومسافر يقصر، وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما قضتا فقط، أو على ولديهما فمع الإطعام ممن يمون الولد. ومن أغمي عليه، أو جن جميع النهار لم يصح صومه، ويقضي المغمى عليه.
ولا يصح صوم فرض إلا بنية معينة بجزء من الليل، ويصح نفل ممن لم يفعل مفسداً بنية نهاراً مطلقاً].
صيام رمضان هو الركن الرابع، وقبله ركن الشهادة وركن الصلاة والزكاة، وقد أجمع المسلمون على أنه فريضة على كل مسلم، ولا يلزم إلا المسلم، فلا يلزم الكافر ولا يصح منه، ولا يلزم إلا المكلف، فلا يلزم المجنون ولا الصغير، لكن الصغير يدرب عليه حتى يألفه إذا كلف، ولا يلزم العاجز كالمريض ونحوه ممن يشق عليه.
كيفية ثبوت دخول رمضان وانتهاؤه
الأكثرون على أنه يكفي واحد لرؤية هلال رمضان، وأما هلال شوال فلا يكفي إلا اثنان عدلان، فقد ورد أنه جاء أعرابي فقال: (إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، فأمر بلالاً أن يؤذن للصوم).
ثم هناك سبب ثالث ذكره بقوله: أو وجود مانع في الرؤية ليلة الثلاثين منه كغيم وجبل وغيرهما، هذه المسألة مختلف فيها، فإذا كانت ليلة الثلاثين وحال دونه غيم أو قتر أو مانع كجبل فهل يصومون أم لا؟
المشهور عند الإمام أحمد أنهم يصومون، والراجح من حيث الدليل أنه لا يصام؛ واستدل الإمام أحمد بحديث عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له)قالوا: اقدروا له يعني: ضيقوا عليه، واستدلوا على أن القدر بمعنى التضييق بقوله تعالى: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7]، واستدلوا أيضاً بأن ابن عمر كان إذا كان ليلة الثلاثين أرسل من ينظر إليه، أرسل أربعة أو عشرة وقال: انظروا إلى الهلال، فإن كانت صحواً ولم يروه أصبح مفطراً يوم الثلاثين، فإن رأوا الهلال صام، فإن كان هناك غيم أو قتر حال دون أن يروه أصبح صائماً، فجعلوا فعل ابن عمر تفسيراً لقوله: (فاقدروا له) ولكن إذا نظرنا إلى بقية الأحاديث رأينا أن أكثر الروايات تبين أن القدر بمعنى الإتمام، فقد ورد في رواية: (فاقدروا له ثلاثين) وفي رواية: (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)، وفي رواية: (فأكملوا العدة) وهذا هو الصحيح.
قوله: (وإن رؤي نهاراً فهو لليلة المقبلة) لكن لا يعتد به إلا إذا رؤي متأخراً عن الشمس، فأما إذا رؤي أمام الشمس فإنه لا يعتبر هلالاً، وإنما يكون هلالاً إذا رؤي بعد غروب الشمس، أو رؤي في النهار وقد سبقته الشمس، وعرف بأنها تغيب قبله.
من صار أهلاً للصيام أثناء نهار رمضان
الكبير والمريض الميئوس يطعمان عن كل يوم مسكيناً
واختلف العلماء فيما إذا كان قد ذهب عنه التمييز، يعني: خرف فأصبح لا يعقل ولا يفهم ولا يميز، يقولون له: أمسك وصم فيقول: أمسكت، ثم بعد ذلك يشرب أو يأكل، فصار أقل حالة من الطفل، ففي هذه الحال من العلماء من يقول: يسقط عنه التكليف كالمجنون؛ لأنه فاقد العقل، والأكثرون على أنه يطعم عنه؛ لأنه لم يزل تحت ولايتهم؛ ولأنه قد تجاوز سن التكليف.
بيان الأفضل للمريض والمسافر من الصوم والإفطار
الأفضل أن يفطر مع المشقة، وهذه رخصة، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، فإذا كان الصوم يتعبه فالفطر أفضل له، وكذلك المسافر الذي يقصر الصلاة، هل الأفضل له أن يفطر ويقضي أو الأفضل له أن يصوم؟
في ذلك تفصيل: إذا كانت عليه مشقة في الصيام في السفر بحيث إنه يسقط، ويحتاج إلى من يخدمه، ومن يفرش له الفراش، ومن يرشه، ومن يحمله؛ ففي هذه الحال الأفضل له الفطر، ولو صام وصبر على الكلفة أجزأه الصيام عن أيام رمضان، هذا قول الجمهور، يعني: أن الأفضل له الفطر مع المشقة الإفطار، وأنه لو تكلف وتجشم وصام فإن ذلك يجزئه، ويسقط عنه الفرض، واستدلوا بحديث أبي الدرداء قال: سافرنا في حر شديد حتى إن أحدنا ليجعل يده فوق رأسه من حر الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ، ففي هذا مشقة وصبر على الصوم.
وأما إذا لم تكن عليه مشقة، والصيام لا يكلفه ولا يعوقه عن حاجته، فيخدم نفسه ويصلح شئونه: يصلح طعامه ويفرش فراشه، ويصلح مركبه، ولا يحوجه إلى أحدٍ يخدمه؛ ففي هذه الحال الصوم أفضل، وإن أفطر جاز، فعن أنس قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فكانوا يرون أن من به قوة وقدرة فإنه يصوم، وفي حديث جابر المشهور: أنهم كانوا في سفر، قال : (فمنا الصائم ومن المفطر، فنزلنا منزلاً، فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب المفطرون اليوم بالأجر) وذلك لأن الصوام سقطوا تحت الظل، ولم تكن عندهم قدرة على أن يخدموا أنفسهم، ولا أن يخدموا رفقتهم من شدة الجهد، ومن شدة الضمأ، ومن شدة التعب، فإذا كانوا بهذه الحال بحيث إنهم يسقطون إذا نزلوا منزلاً، ولا يستطيعون أن يخدموا أنفسهم، فالفطر والحال هذه أفضل، وعليه يحمل حديث أبي موسى وغيره: (أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر، فرأى زحاماً، ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ قالوا: صائم، فقال: ليس من البر الصيام في السفر) فهذا محمول على ما إذا كان هذا الصائم محتاجاً إلى من يظلل عليه، وإلى من يخدمه، وإلى من يرشه، وإلى من يبل مكانه الذي ينزل فيه، ففي هذه الحالة: صيامه ليس من البر، فكونه يغني نفسه، ويخدم نفسه، أولى من كونه يصوم ويحتاج إلى من يخدمه، وفي حديث آخر: أن قوماً جاءوا من سفر، فأخذوا يمدحون صاحبهم فلان، وقالوا: ما كنا في نهار إلا وهو صائم، وما كان في ليل إلا وهو قائم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ومن يصلح حاله؟ من يحمل رحله؟ ومن ينزل رحله؟ ومن يصلح طعامه؟ ومن يصلح فراشه؟ فقالوا: نحن الذين نخدمه، فقال: أنتم خير منه) وذلك لأنه يحتاج إلى من يخدمه؛ لأن الصيام أقعده وأتعبه، وحال بينه وبين أن يغني نفسه، فإذا كان كذلك فالصوم والحالة هذه ليس بفاضل بل مفضول.
والخلاصة: إذا كنت في سفر، وليس عليك مشقة، والصوم لا يعوقك عن خدمة نفسك، فالصوم أفضل، حتى توقع الصيام في زمانه الذي فرض فيه وهو أيام رمضان، وحتى لا يكلفك القضاء، فإن كثيراً من الذين يفطرون يصعب عليهم القضاء، فلا يقضون ما عليهم إلا قرب رمضان الثاني، ففي هذه الحالة: الصوم مع عدم المشقة أفضل، والفطر مع وجود المشقة أفضل، والصوم مع وجود المشقة جائز، والفطر مع عدم المشقة جائز ولكنه مفضول.
حكم إفطار المرضع والحامل
إذا أفطرت حامل خوفاً على نفسها، فليس عليها إلا القضاء؛ لأنها كالمريض، خافت على نفسها من الألم، فإن كان خوفها على الجنين أو على الرضيع، فهي خائفة على غيرها فعليها مع القضاء الإطعام، هكذا روي عن ابن عباس وغيره، وحمل على ذلك قول الله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184].
والإطعام على من يلزمه مؤنة الولد؛ لأنها أفطرت لأجل هذا الولد، فلذلك يكون عليه الإطعام، وإن أطعمت هي من مالها أجزأ.
قوله: (ومن أغمي عليه أو جن جميع النهار لم يصح صومه) فإذا أغمي عليه قبل الفجر بساعة وما أفاق إلا بعد غروب الشمس وما أكل ولا شرب فهل يجزئه هذا الصوم؟
لا يجزئه؛ لأنه ما نوى، وكذلك من أصابه جنون قبل طلوع الفجر وأفاق بعد غروب الشمس ولو لم يأكل فلا يكون صياماً، لأن الصيام يحتاج إلى نية.
أما النوم، فلو قدر أنه عازم على الصيام في رمضان ثم غلبه النوم قبل الفجر، واستغرق في النوم ولم يستيقظ إلا في الليل، ففي هذه الحال نقول: يجزئه الصيام؛ وذلك لأن النوم ليس كالجنون، وإذا نبه انتبه، ولأنه ناو.
وإذا أغمي عليه جميع النهار فإن عليه القضاء، وأما المجنون فلا قضاء عليه؛ لأن من شرط التكليف العقل.
وجوب النية في الصيام
من أراد السفر فلا ينوي الإفطار إلا بعد أن يجد به السير
لا يجزئه؛ لأنه أصبح بنية الإفطار، فقد عزم على الإفطار ونواه، ونقول له: إنك أخطأت بهذه النية، كان عليك أن تنوي الصوم، ولا تعزم على الإفطار إلا إذا جدّ بك السير، فأما قولك: نويت الإفطار وأنت ما جدّ بك السير فإنك مخطئ؛ وذلك لأنه قد لا يتيسر لك السفر، فلذلك ينتبه لمثل هذا.
حكم النية في صيام النافلة
الشرط الأول: ألا يكون قد أكل أو شرب في أول النهار، فإن ذلك ينافي الصوم.
الشرط الثاني: أن ينوي قبل الزوال، ليكون صومه أكثر النهار، وليس له أجر إلا على ما نواه، أما نهاره الذي ما نوى فيه فإنه لا أجر له فيه؛ لأنه أصبح بنية الإفطار.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح أخصر المختصرات [21] | 2741 استماع |
شرح أخصر المختصرات [28] | 2718 استماع |
شرح أخصر المختصرات [72] | 2609 استماع |
شرح أخصر المختصرات [87] | 2572 استماع |
شرح أخصر المختصرات [37] | 2486 استماع |
شرح أخصر المختصرات [68] | 2350 استماع |
شرح أخصر المختصرات [81] | 2342 استماع |
شرح أخصر المختصرات [58] | 2334 استماع |
شرح أخصر المختصرات [9] | 2321 استماع |
شرح أخصر المختصرات [22] | 2271 استماع |