ابن مسعود والقرآن والصيف


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة! بالأمس القريب كنت في وليمة غلام صغير أتم حفظ كتاب الله تبارك وتعالى، وهذا والله لهو الشرف العظيم، فقد أتم حفظ كتاب الله تبارك وتعالى ولم يتجاوز الخامسة عشرة من العمر.

والوليمة التي تقام لحافظ القرآن الصغير تسمى: حذاقة، من حذق الشيء، أي: مهر بالشيء، ويوم الوليمة يسمى يوم الحذاقة.

ولما انتشر نور الإسلام يمنة ويسرة وتجاوز حدود هذه الجزيرة في غضون سنوات قصيرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ أخذت فارس والروم تتحدث: ما السر العجيب الذي غير حياة هؤلاء الأعراب؟! وما السر العجيب الذي نقل هؤلاء الأعراب الذين كانوا يتقاتلون ويتناحرون فيما بينهم إلى هذه الوحدة والتآلف؟! ما الذي غير حياتهم في سنوات قليلة؟! فوجدوا أن السر هو القرآن، وجدوا أن سر قوة هذه الأمة هو كتاب الله تبارك وتعالى، هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه من التحريف والتغيير والتبديل كما قال سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

فتعال معي في دقائق معدودة لننظر كيف صنع هذا القرآن الأبطال؟ وكيف صنع هذا القرآن أولئك الرجال؟ وكيف غير مجرى حياتهم رأساً على عقب، فنقلهم من الذل إلى العزة، ومن الضياع إلى التمكين، ومن الفرقة إلى الوحدة والاتحاد.

صناعة القرآن لابن مسعود رضي الله عنه

وسأحدثكم عن حبر من أحبار الأمة، وفذ من أفذاذها، فلا يذكر أهل القرآن إلا ذكر فيهم، إنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.

كان في منأى عن سماع آيات القرآن يوم أن جهر به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد كان رويعي غنم فقيراً معدماً يرعى الغنم لـعقبة بن أبي معيط بقراريط قليلة.

يروي خبر إسلامه وبداية عهده مع الإسلام حتى أصبح سادس ستة من الذين دخلوا في الإسلام فيقول: (كنت أرعى الغنم في يوم صائف شديد الحرارة، إذ أقبل علي رجلان يظهر على سيماهما الوقار، فجاءاني فقالا لي: اسقنا من هذه الشياه، قلت: أنا مؤتمن، قال: فأعجبهم كلامي، فقال لي أحدهما: أحضر لنا شاة صغيرة لم ينز عليها فحل، فقلت في نفسي: ومتى كانت الشياه الصغيرة التي لم ينز عليها الفحول تدر لبناً؟ فجئتهم بأصغر الشياه، قال: فوضع يده على الضرع، ثم أخذ يردد كلمات، فإذا بالضرع قد انتفخ، فذهب صاحبه فأتى بحجرة مقعرة، وبدأ الحليب يدر من ذلك الضرع، وأنا أقول: كيف حدث هذا؟! فشرب الرجل وشرب صاحبه، وشربت معهم حتى ارتوينا، قال: ثم وضع يده على الضرع مرة ثانية وقرأ بكلمات فعاد الضرع إلى ما كان عليه، فلما أراد أن ينصرف قلت له: علمني من هذه الكلمات التي قلتها، قال: إنك غليم معلم)، وهذان الرجلان هما: النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ورويعي الغنم هو ابن مسعود الذي شهد تلك المعجزة ومعجزات كثيرة بعدها، بل كان هو إحدى تلك المعجزات التي رباها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومرت أيام قليلة، وخرج ابن مسعود من الظلمات إلى النور، وترك رعي الغنم، وأصبح خادماً لسيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه، بل أصبح من المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم، وما غدا النبي صلى الله عليه وسلم إلا وابن مسعود معه، وما رجع من روحته إلا وابن مسعود معه، يحمل نعله، ويحمل عصاه، ويقدم له وضوءه، بل وصل إلى درجة من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذنك علي -يا ابن مسعود - أن ترفع الحجاب وتدخل).

يقول أبو موسى الأشعري : كنا حيناً ما نرى ابن مسعود إلا من آل البيت.

وقد علمه القرآن كيف تكون الشجاعة، وكيف يكون الصدع بالحق، فلما انتقلت الدعوة من السرية إلى الجهرية اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -وأكثرهم من الضعفاء- ومن بينهم ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا فيما بينهم: ألا من رجل يخرج إلى نوادي مكة يجهر بالقرآن على مسمع وعلى مرأى من أكابر قريش؟ ألا من رجل شجاع يخرج ويصدع بالقرآن على مسامع أولئك الكفار؟ فقال ابن مسعود : أنا، قالوا: لا؛ فليست لك عشيرة تحميك، وإنا والله! نخشى عليك من بطش أولئك الكفار، فقال: والله! لا يصدع بالقرآن إلا أنا، فكان أول من صدع بالقرآن على مسمع من مكة كلها، فخرج إليهم في ناديهم، وقد اجتمع القوم كبراؤهم وساداتهم في ضحى أحد الأيام، فإذا برويعي الغنم يعتلي مكاناً قريباً منهم ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4]، فإذا هم يسمعونه، فقال قائل منهم: ماذا يقرأ هذا الرجل؟! فقالوا: إنه يتلو الكلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقاموا إليه فأوجعوه ضرباً حتى أدموه رضي الله عنه وأرضاه، ورجع إلى القوم، فلما رأوا حاله قالوا: هذا ما كنا نخشاه عليك يا ابن مسعود ! قال: والله! لهم أهون في عيني مما كانوا من قبل، ولئن أردتم لأصدعن به مرة ثانية على مسمع ومرأى من الجميع، فلا التهديد ولا الضرب ولا الوعيد يحول بينهم وبين الصدوع بالحق، وهكذا رباهم القرآن.

كان ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يتفجر علماً، كيف لا وهو أقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم؟!

فقد كان من أقرب الناس هدياً وسمتاً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصل إلى درجة من الرفعة لا يعلمها إلا الله، فقد بلغ به القرآن درجة عالية سامية.

ففي مرة من المرات، وبينما عمر في عرفة إذ جاءه رجل من الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين! جئتك من الكوفة، وفيها رجل يقرأ القرآن على الناس عن ظهر قلب، فانتفخت أوداج عمر ، وغضب من هذا، فقال: من هو؟ قال: ذاك رجل يقال له: عبد الله بن مسعود ، قال: فانفرجت أسارير عمر وتبسم في وجه الرجل، وقال له: (والله لا أعلم رجلاً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود في هذا) أي: لا أعلم أحداً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب، ثم قال عمر للرجل: (أنا سأخبرك بخبر ابن مسعود : كنا ليلة أنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتصف الليل خرجنا ومررنا بطريقنا على المسجد، فإذا برجل قائم يقرأ القرآن بصوت طري عذب مدي، فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته، ولم نميز من كان ذلك الرجل، قال: ثم قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما نزل فليسمعه عن ابن أم عبد)، رضي الله عنه وأرضاه، فما كان ذلك الذي يقرأ القرآن في ظلام الليل غضاً طرياً كما نزل إلا ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فـعمر يقول للرجل: أنا أخبرك بخبره: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا في تلك الليلة: من سره أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما نزل فليسمعه عن ابن أم عبد)، فمن الذي زكى تلاوته؟ إنه الذي ينزل عليه الوحي صلوات ربي وسلامه عليه، قال عمر : (ثم شرع ابن مسعود بالدعاء والنبي صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائه ويقول: سل ابن مسعود تعط، سل ابن مسعود تعط)، قال: فلما أصبح الصباح قلت -يعني عمر - والله! لأذهبن أبشر ابن مسعود بذلك، وكيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائه، ويقول: (سل ابن مسعود تعط)؟ قال: فلما أصبح الصباح غدوت إليه أبشره، فإذا بـأبي بكر رضي الله عنه قد سبقني إلى بشارته.

وبلغ بقراءته القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يناديه من حين إلى حين ويقول له: (اقرأ علي القرآن يا ابن مسعود !)، وهذا يدل على أنه وصل إلى درجة عالية من إتقان القرآن والخشوع عند قراءته؛ لأن النبي الذي تنزل عليه القرآن كان يقول له: (اقرأ علي القرآن يا ابن مسعود ! فكان يقول: أقرأه عليك وعليك أنزل يا رسول الله؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت من سورة النساء حتى إذا بلغت قوله تبارك وتعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، قال: حسبك يا ابن مسعود ! قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان بأبي هو وأمي).

ولك أن تتخيل ذلك الموقف والمشهد العظيم.

بل بلغ من حب النبي صلى الله عليه وسلم له أنه قال: (لو كنت مؤمراً أحداً عليكم من غير شورى لأمرت عليكم ابن مسعود)، فمن الذي صنع ابن مسعود ؟ لقد صنعه القرآن، صنع ذلك الرجل كلام الله تبارك وتعالى حين قرأ القرآن ووعاه، وتدبر آياته وعمل بمقتضاه، فأحل حلاله، وحرم حرامه، يقول ابن مسعود عن نفسه: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة، وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت)، قال هذا هو العلم الحقيقي: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة)، مباشرة فماً لفم: (وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت، ولو كنت أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله على وجه الأرض تمتطى إليه المطايا لامتطيت إليه)، إنهم رجال صنعهم القرآن ورفع قيمتهم وجعل لهم شأناً، وقد تكفل الله بحفظه وبرعايته.

وسأحدثكم عن حبر من أحبار الأمة، وفذ من أفذاذها، فلا يذكر أهل القرآن إلا ذكر فيهم، إنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.

كان في منأى عن سماع آيات القرآن يوم أن جهر به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد كان رويعي غنم فقيراً معدماً يرعى الغنم لـعقبة بن أبي معيط بقراريط قليلة.

يروي خبر إسلامه وبداية عهده مع الإسلام حتى أصبح سادس ستة من الذين دخلوا في الإسلام فيقول: (كنت أرعى الغنم في يوم صائف شديد الحرارة، إذ أقبل علي رجلان يظهر على سيماهما الوقار، فجاءاني فقالا لي: اسقنا من هذه الشياه، قلت: أنا مؤتمن، قال: فأعجبهم كلامي، فقال لي أحدهما: أحضر لنا شاة صغيرة لم ينز عليها فحل، فقلت في نفسي: ومتى كانت الشياه الصغيرة التي لم ينز عليها الفحول تدر لبناً؟ فجئتهم بأصغر الشياه، قال: فوضع يده على الضرع، ثم أخذ يردد كلمات، فإذا بالضرع قد انتفخ، فذهب صاحبه فأتى بحجرة مقعرة، وبدأ الحليب يدر من ذلك الضرع، وأنا أقول: كيف حدث هذا؟! فشرب الرجل وشرب صاحبه، وشربت معهم حتى ارتوينا، قال: ثم وضع يده على الضرع مرة ثانية وقرأ بكلمات فعاد الضرع إلى ما كان عليه، فلما أراد أن ينصرف قلت له: علمني من هذه الكلمات التي قلتها، قال: إنك غليم معلم)، وهذان الرجلان هما: النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، ورويعي الغنم هو ابن مسعود الذي شهد تلك المعجزة ومعجزات كثيرة بعدها، بل كان هو إحدى تلك المعجزات التي رباها النبي صلى الله عليه وسلم.

ومرت أيام قليلة، وخرج ابن مسعود من الظلمات إلى النور، وترك رعي الغنم، وأصبح خادماً لسيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه، بل أصبح من المقربين من النبي صلى الله عليه وسلم، وما غدا النبي صلى الله عليه وسلم إلا وابن مسعود معه، وما رجع من روحته إلا وابن مسعود معه، يحمل نعله، ويحمل عصاه، ويقدم له وضوءه، بل وصل إلى درجة من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إذنك علي -يا ابن مسعود - أن ترفع الحجاب وتدخل).

يقول أبو موسى الأشعري : كنا حيناً ما نرى ابن مسعود إلا من آل البيت.

وقد علمه القرآن كيف تكون الشجاعة، وكيف يكون الصدع بالحق، فلما انتقلت الدعوة من السرية إلى الجهرية اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم -وأكثرهم من الضعفاء- ومن بينهم ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فقالوا فيما بينهم: ألا من رجل يخرج إلى نوادي مكة يجهر بالقرآن على مسمع وعلى مرأى من أكابر قريش؟ ألا من رجل شجاع يخرج ويصدع بالقرآن على مسامع أولئك الكفار؟ فقال ابن مسعود : أنا، قالوا: لا؛ فليست لك عشيرة تحميك، وإنا والله! نخشى عليك من بطش أولئك الكفار، فقال: والله! لا يصدع بالقرآن إلا أنا، فكان أول من صدع بالقرآن على مسمع من مكة كلها، فخرج إليهم في ناديهم، وقد اجتمع القوم كبراؤهم وساداتهم في ضحى أحد الأيام، فإذا برويعي الغنم يعتلي مكاناً قريباً منهم ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن:1-4]، فإذا هم يسمعونه، فقال قائل منهم: ماذا يقرأ هذا الرجل؟! فقالوا: إنه يتلو الكلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقاموا إليه فأوجعوه ضرباً حتى أدموه رضي الله عنه وأرضاه، ورجع إلى القوم، فلما رأوا حاله قالوا: هذا ما كنا نخشاه عليك يا ابن مسعود ! قال: والله! لهم أهون في عيني مما كانوا من قبل، ولئن أردتم لأصدعن به مرة ثانية على مسمع ومرأى من الجميع، فلا التهديد ولا الضرب ولا الوعيد يحول بينهم وبين الصدوع بالحق، وهكذا رباهم القرآن.

كان ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه يتفجر علماً، كيف لا وهو أقرب الناس من النبي صلى الله عليه وسلم؟!

فقد كان من أقرب الناس هدياً وسمتاً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى وصل إلى درجة من الرفعة لا يعلمها إلا الله، فقد بلغ به القرآن درجة عالية سامية.

ففي مرة من المرات، وبينما عمر في عرفة إذ جاءه رجل من الكوفة فقال: يا أمير المؤمنين! جئتك من الكوفة، وفيها رجل يقرأ القرآن على الناس عن ظهر قلب، فانتفخت أوداج عمر ، وغضب من هذا، فقال: من هو؟ قال: ذاك رجل يقال له: عبد الله بن مسعود ، قال: فانفرجت أسارير عمر وتبسم في وجه الرجل، وقال له: (والله لا أعلم رجلاً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود في هذا) أي: لا أعلم أحداً على وجه الأرض أحق من ابن مسعود أن يقرأ القرآن عن ظهر قلب، ثم قال عمر للرجل: (أنا سأخبرك بخبر ابن مسعود : كنا ليلة أنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتصف الليل خرجنا ومررنا بطريقنا على المسجد، فإذا برجل قائم يقرأ القرآن بصوت طري عذب مدي، فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته، ولم نميز من كان ذلك الرجل، قال: ثم قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما نزل فليسمعه عن ابن أم عبد)، رضي الله عنه وأرضاه، فما كان ذلك الذي يقرأ القرآن في ظلام الليل غضاً طرياً كما نزل إلا ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، فـعمر يقول للرجل: أنا أخبرك بخبره: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا في تلك الليلة: من سره أن يسمع القرآن غضاً طرياً كما نزل فليسمعه عن ابن أم عبد)، فمن الذي زكى تلاوته؟ إنه الذي ينزل عليه الوحي صلوات ربي وسلامه عليه، قال عمر : (ثم شرع ابن مسعود بالدعاء والنبي صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائه ويقول: سل ابن مسعود تعط، سل ابن مسعود تعط)، قال: فلما أصبح الصباح قلت -يعني عمر - والله! لأذهبن أبشر ابن مسعود بذلك، وكيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائه، ويقول: (سل ابن مسعود تعط)؟ قال: فلما أصبح الصباح غدوت إليه أبشره، فإذا بـأبي بكر رضي الله عنه قد سبقني إلى بشارته.

وبلغ بقراءته القرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يناديه من حين إلى حين ويقول له: (اقرأ علي القرآن يا ابن مسعود !)، وهذا يدل على أنه وصل إلى درجة عالية من إتقان القرآن والخشوع عند قراءته؛ لأن النبي الذي تنزل عليه القرآن كان يقول له: (اقرأ علي القرآن يا ابن مسعود ! فكان يقول: أقرأه عليك وعليك أنزل يا رسول الله؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت من سورة النساء حتى إذا بلغت قوله تبارك وتعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42]، قال: حسبك يا ابن مسعود ! قال: فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان بأبي هو وأمي).

ولك أن تتخيل ذلك الموقف والمشهد العظيم.

بل بلغ من حب النبي صلى الله عليه وسلم له أنه قال: (لو كنت مؤمراً أحداً عليكم من غير شورى لأمرت عليكم ابن مسعود)، فمن الذي صنع ابن مسعود ؟ لقد صنعه القرآن، صنع ذلك الرجل كلام الله تبارك وتعالى حين قرأ القرآن ووعاه، وتدبر آياته وعمل بمقتضاه، فأحل حلاله، وحرم حرامه، يقول ابن مسعود عن نفسه: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة، وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت)، قال هذا هو العلم الحقيقي: (أخذت من فم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين سورة)، مباشرة فماً لفم: (وما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ومتى نزلت، ولماذا نزلت، ولو كنت أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله على وجه الأرض تمتطى إليه المطايا لامتطيت إليه)، إنهم رجال صنعهم القرآن ورفع قيمتهم وجعل لهم شأناً، وقد تكفل الله بحفظه وبرعايته.

وقد كان ابن مسعود يخاف من الذنوب، وهذا سر ورعه، فكان يقول: (إن العبد المؤمن يرى الذنب الصغير كأنه الجبل يوشك أن يقع على رأسه، وإن العبد المنافق الذي تمرد على العصيان والنفاق ليرى الذنب الكبير كأنه ذبابة على أنفه قال بها هكذا).

وكان لا يحب تضييع الأوقات، وهكذا شأن الرجال الأحبار، وشأن العلماء، فكان يقول: (والله! إني لأبغض الرجل أراه فارغاً لا يقضي أمراً من أمور الدنيا، أو من أمور الآخرة).

وكان عند ابن مسعود أمنية تمناها وعاش من أجلها، وحققها بإذن الله، وقبل أن أذكر الأمنية أريد أن تسأل نفسك أنت: ما هي الأمنية التي تتمناها؟ وكن صادقاً مع نفسك، فلقد تمنى ابن مسعود أمراً فناله وحققه بإذن الله، وأنا أريدك أن تسأل نفسك الآن: ما هي الأمنية التي تتمناها؟

يقول ابن مسعود : (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فلما عسكر جيش المسلمين في تلك الليلة بتنا على أحسن حال، فاستيقظت في منتصف الليل، وكنت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بفراش النبي صلى الله عليه وسلم خالٍ من صاحبه، فحسست فراش صاحبيه أبي بكر وعمر فإذا هو خالٍ من أصحابه، فنظرت في آخر المعسكر فإذا بنار قد أوقدت، والمعسكر نيام، إلا من تلك النار التي هناك وأقوام في الحراسة، يقول: فانطلقت إلى النار، فلما جئت إلى النار إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر قد حفروا قبراً وكفنوا شخصاً وأوشكوا على إنزاله في القبر، قلت: يا رسول الله! من هذا المكفن؟ قال: هذا أخوك عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ليلة البارحة)، وهل تدري -بارك الله فيك- من هو عبد الله ذو البجادين ؟ عبد الله ذو البجادين كان من أترف وأنعم شباب مكة، أسلم شاباً، وخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخرج من الظلمات إلى النور، فآذاه قومه، فما زاده ذلك إلا تمسكاً بدينه، حتى إنهم لم يجدوا حيلة معه إلا أن يجردوه من ثيابه ويحبسوه في وسط الدار حتى لا يفر من سجنه ومن داره، فما وجد إلا قطعة قماش ستر بها عورته وفر هارباً بدينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسمي بـذي البجادين .

قال: (فلما أنزله النبي صلى الله عليه وسلم في قبره قال: اللهم إني أمسيت عنه راضٍ فارض عنه)، يعني: عن عبد الله ذي البجادين .

فاسمع الأمنية، وقل: أين هي أمانينا من تلك الأماني؟ يقول ابن مسعود : (فوالله ما تمنيت إلا أن أكون صاحب تلك الحفرة)، تلك هي أمنياتهم: أن يحققوا رضا الله ورضا رسوله، صدقوا مع الله، وصدقوا مع كلام الله تبارك وتعالى، فصدق الله معهم، ورفع شأنهم، وشرح صدورهم، ويسر أمورهم، فحققوا في سنوات قليلة ما لم يحققه أقوام في عشرات بل في مئات السنين؛ إنهم رجال صنعهم القرآن، نفعنا الله بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد:

أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله! وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].

خرج عمر مرة من المرات من المدينة يريد مكة للعمرة، وفي طريقه التقى بـعمرو بن نافع واليه على مكة، فقال له عمر : من وليت على أهل الوادي؟ أي: من خلفت بعدك على إمارة أهل الوادي؟ يعني: على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى ، قال عمر : ومن ابن أبزى ؟ قال: مولى من موالينا، قال: تولي على أهل الوادي مولى من مواليكم؟! قال: أما والله! إنه عالم بكتاب الله وبالفرائض، فقال عمر : أما والله! إني قد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).

فـابن أبزى كان مولى من الموالي، وكان ابن مسعود رويعي غنم، فلم يؤت سعة من المال، ولا سعة في الجسم، ولا سعة في الجاه، ولم يكن حسبه ولا نسبه سبباً في رفعته عند الله تبارك وتعالى، لكنه القرآن.

إنه ابن الإسلام صنعة القرآن، فكيف أصبح عالماً، حبراً، زاهداً، مجاهداً في سبيل الله؟ لقد وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن، وتدبر آياته، وعمل بمقتضياته، وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن وعمل بآياته، وتدبر في مراد الله منه، وعمل بمقتضى كلام الله تبارك وتعالى، فأسألك بالله العظيم: أين نحن من القرآن اليوم؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:278]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]؟! أين نحن من آيات الجنة وآيات النار؟! فإن لم تحرك تلك الآيات فينا المشاعر والأحاسيس فمن الذي يحركها؟!

اعلم أن قيمتك عند ربك بقيمة كلام الله في حياتك، فإذا أردت أن تعرف قيمتك عند الله فانظر إلى قيمة كلام الله وأوامره ونواهيه في حياتك، وإذا أردت أن تعرف ماذا لك عند الله فانظر ماذا لله عندك في حياتك، فقيمتك بذلك القرآن الذي تقرأه وتعمل بمقتضاه.

وانظر إلى ما صنع القرآن بـابن مسعود ؟ فقد ارتقى شجرة يوماً فجاءت الريح فأطارت ثوبه وكشفت ساقيه، فإذا بالساقين دقيقتين نحيلتين، فلا سعة في المال ولا في الجاه ولا في الجسم، فقد كان كالعصفور الصغير، فضحك الصحابة لما كشفت الريح ساقي ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه لدقتهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تضحكون من دقة ساقي ابن مسعود ؟! والله! لساقا ابن مسعود أثقل عند الله في الميزان من جبل أحد)، لماذا؟ هل ذلك لنسبه؟ أو لأنه ابن فلان، أو ابن فلان، أو من يملك من الأرصدة المالية كذا وكذا؟ إنما ذلك بما وعاه صدره من القرآن، وبنصره لدين الله تبارك وتعالى.

قال صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فقيمة الناس عند الله بما وقر في قلوبهم من إيمان، يقول علي رضي الله تعالى عنه عن ابن مسعود : (لقد ملئ فقهاً وعلماً).

ويقول أبو موسى : (لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم).

ولما أرسل عمر سلمان والياً على العراق جعل ابن مسعود معيناً ومستشاراً له، قال لأهل العراق: (والله! إني آثرتكم على نفسي بـابن مسعود ).

وكان من كلام ابن مسعود قوله: (من كان متأسياً فليتأس بمن مات، فإن الحي تخشى عليه الفتنة).

فهذه بعض من أخبارهم، وبعض من تلك الصور التي سطروها، وبعض من آثار القرآن التي ظهرت عليهم يوم أن صدقوا مع الله تبارك وتعالى، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، ونحن الآن في الإجازات الصيفية ينبغي أن يكون أعظم ما تملأ به الأوقات قراءة القرآن، فإن أشرف ما تملأ به الأوقات حفظ كتاب الله تبارك وتعالى.

واعلم أن القرآن الذي صنع الجيل الماضي والذي صنع ابن مسعود وأولئك الرجال لا يزال يصنع أبطالاً.

وسأروي لك خبراً صغيراً عن شاب صغير في العاشرة من عمره، وكيف أثر القرآن على مسامعه، إنه طالب صغير في حلقة من حلقات القرآن، وكان يداوم على حفظ الكتاب يوماً بعد يوم، وكانت أمه بارك الله فيها هي التي تتعهده في البيت بالحفظ والمراجعة، فليت كل الأمهات كهذه الأم، فجاءها الصغير ابن العاشرة يوماً حزيناً منكسراً مهموماً مغموماً، فقالت الأم: صغيري! أنت صغير على الهموم والغموم، فقال لها: أماه! دعيني فوالله! إني مشغول، وانظر ماذا شغله، وقل: ما الذي شغل صغارنا اليوم؟ فما زالت الأم تلح عليه حتى يقول ما في نفسه، فقال لها: أماه! لقد قرأنا اليوم في الحلقة سورة الإنسان، فسمعت من أخبار الجنة العجب العجاب! يقول ابن العاشرة لأمه: أماه! سمعت من خبر الجنة اليوم العجب العجاب! يقول الله: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان:12-14]، إلى أن بلغ قول الله تعالى: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:22]، ثم يقول الصغير لأمه: أماه! أسألك بالله! ما هو السعي الذي كانوا يسعونه حتى يقول الله لهم: إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [الإنسان:22]؟! إنها آية أوقفت الصغير وجعلته مهموماً مغموماً؛ يتدبر في كتاب الله تبارك وتعالى.


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3543 استماع
بر الوالدين 3427 استماع
أحوال العابدات 3412 استماع
يأجوج ومأجوج 3349 استماع
البداية والنهاية 3336 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3271 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3255 استماع
أين دارك غداً 3205 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3099 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3097 استماع