Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

شرح أخصر المختصرات [10]


الحلقة مفرغة

لاحظ علينا بعض الإخوة أننا ذكرنا أن الحنفية لا يرون أن الطمأنينة ركن، ونقل من كلام الكاساني ومن كلام ابن عابدين وهما من علماء الحنفية ما يأتي: فصل في بيان الواجبات الأصلية في الصلاة، ثم يقول: ومنها الطمأنينة، والقرار في الركوع والسجود، يعني: أنها من الواجبات وليست من الفروض.

الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، وكذلك أيضاً غيرهم، كالحنابلة فإنهم يفرقون بين الركن والواجب، فالركن عندهم فرض ولا تتم الصلاة إلا به، والواجب يجبر بسجود السهو، فهذا الكاساني عدّ الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود من الواجبات، ثم أجاب عن حديث المسيء صلاته لأنه وارد عليهم، يقول: أما حديث الأعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب، ولكن يصلح مكملاً، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً) يحمل على الوجوب ويحمل نفيه الصلاة على نفي الكمال، أي في قوله: (فإنك لم تصل)، يعني أن الصلاة مجزئة ولكن فيها نقص.

وتمكن النقص الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب؛ جبراً للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله.

بكل حال هذا دليل على أنهم ما عملوا بحديث المسيء صلاته وجعلوه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب، وجعلوه مكملاً فيحمل الأمر بالاعتدال على الوجوب.

نحن ما قلنا: إن الحنفية يكرهون الطمأنينة، ولا أنهم يحرمونها، ولكنهم لا يرونها ركناً، أما غيرهم فإنهم يقولون إنها ركن، وإن من صلى بلا طمأنينة فإنها لا تصح صلاته؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع فصل فإنك لم تصل) كلمة: (لم تصل) دليل على الإبطال، لا على نفي الكمال كما يقوله الكاساني.

وبكل حال لعل هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة رحمه الله، وإلا فـأبو حنيفة كان ممن يطمئن في صلاته ويخشع فيها، بل كان يقوم الليل أو أغلب الليل، وليس عليه نقصان ولا عليه طعن.

فالحاصل أنه يقول: الطمأنينة في الركوع واجبة حتى لو تركها ساهياً يلزمه سجود السهو، الآخرون يقولون: إنها ركن والأركان لا تجبر بسجود السهو.

وأما الوتر فيرون أنه واجب، والواجب عندهم أقل رتبة من الفرض، فالواجب ما ثبت بدليل ظني، والركن ما ثبت بدليل قطعي، وأدلتهم مذكورة في كتبهم ولكلٍ اجتهاده.

ذكرنا وجوب صلاة الجماعة، أي: الاجتماع على الصلاة في المساجد على الرجال الأحرار القادرين، وعرفنا بأي شيء تدرك الجماعة، وبأي شيء تدرك الركعة؟ ومتى تجزئ الركعة تكبيرة واحدة، وما يتحمله الإمام عن المأموم وهي ثمانية أشياء، وحكم قراءة من خلف الإمام، وأنه يستحب أن يقرأ في سكتاته وفي السرية، وحكم التخفيف الذي استحبوه وأنه ليس هو النقر.

وكذلك ذكرنا أنه يقدم في الإمامة الأقرأ الأفقه، وحكم الصلاة خلف الفاسق ومتى تصح، وإمامة الأمي أو من يلحن لحناً يحيل المعنى، أو صاحب السلس أو العاجز عن الركوع والسجود أو القعود، أو العاجز عن القيام، ومتى يصلي المأمومون خلف الإمام جلوساً، وحكم إمامة المميز، والمرأة، والمحدث النجس، واللحان، والفأفاء، وأين يقف المأمومون من الإمام، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف رجلاً كان أو امرأة، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه، ومتى يصح اقتداء المأمومين بالإمام، والفرق بين ما إذا كانوا خارج المسجد أو داخل المسجد، ومتى يشترط رؤية الإمام أو سماع صوته، وكذلك انصراف الإمام بعد السلام مباشرة، والصف بين السواري، وحضور المسجد بشيء فيه رائحة كريهة، ومن يعذر بترك الجمعة والجماعة، وصلاة المريض كيف يصلي قائماً ثم قاعداً، ومتى يصلي مستلقياً، وكيف يومئ بالركوع والسجود، وذكر بعض المحققين أنه تسقط عنه الصلاة إذا وصل إلى حالة لا يستطيع فيها الحركة إلا بطرفه؛ وذلك لعجزه، والجمهور على أنها لا تسقط ما دام العقل معه.

وكذلك قصر المسافر للرباعية وأن الصحيح أن السفر يقدر بالزمان لا بالمسافة، وتقدير الفقهاء بالزمان حيث قدروه بمسيرة يومين قاصدين، والذين قدروه بالمساحة؛ لأن تلك المساحة كانت لا تقطع إلا في يومين قاصدين، وحكم من نوى الإقامة إقامة مطلقة، أو عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أن الجميع يتمون، وأما إذا حبس ظلماً ولم ينو إقامة فإنه يقصر، وحكم الجمع بين الظهرين والعشاءين، وكذلك جمع المسافر والمريض، وحكم الجمع في المطر، وكذلك للريح الشديدة في الليلة الباردة، وهل الأفضل أن يقدم أو يؤخر، وحكم الجمع في البيوت بلا ضرورة، ومتى يبطل الجمع بين الصلاتين بالفاصل بينهما.

وصلاة الخوف صحت من ستة أوجه أو من سبعة، استوفى طرقها ابن جرير في تفسير قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ [النساء:102]، وكذلك غيره من الذين ألفوا في الأحاديث كـالبيهقي وغيره، والإمام أحمد يختار حديث صلاة ذات الرقاع، وهو أنه صفهم عليه الصلاة والسلام، فطائفة صفت خلفه وطائفة تجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماًوأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة، ثم ثبت جالساً فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم، وقال: إنها أقرب لموافقة الآية الكريمة، ولكن الكل جائز إذا كان هناك مناسبة.

قال رحمه الله تعالى: [فصل: تلزم الجمعة كل مسلم مكلف ذكر حر مستوطن ببناء، ومن صلى الظهر ممن عليه الجمعة قبل الإمام لم تصح، وإلا صحت، والأفضل بعده، وحرم سفر من تلزمه بعد الزوال، وكره قبله ما لم يأت بها في طريقه أو يخف فوت رفقة، وشرط لصحتها الوقت، وهو أول وقت العيد إلى آخر وقت الظهر، فإن خرج قبل التحريمة صلوا ظهراً وإلا جمعة.

وحضور أربعين بالإمام من أهل وجوبها، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً، فمن أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة، وتقديم خطبتين من شرطهما: الوقت، وحمد الله، والصلاة على رسوله عليه السلام، وقراءة آية، وحضور العدد المعتبر، ورفع الصوت بقدر إسماعه، والنية، والوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، وأن تكونا ممن يصح أن يؤم فيها لا ممن يتولى الصلاة، وتسن الخطبة على منبر أو موضع عال، وسلام خطيب إذا خرج وإذا أقبل عليهم، وجلوسه إلى فراغ الأذان وبينهما قليلاً، والخطبة قائماً معتمداً على سيف أو عصا، قاصداً تلقاءه، وتقصيرهما والثانية أكثر، والدعاء للمسلمين، وأبيح لمعين كالسلطان.

وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الجمعة والثانية المنافقين، وحرم إقامتها وعيد في أكثر من موضع ببلد إلا لحاجة، وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست، وسن قبلها أربع غير راتبة، وقراءة الكهف في يومها وليلتها، وكثرة دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغسل وتنظف وتطيب، ولبس بياض، وتبكير إليها ماشياً، ودنو من الإمام، وكره لغيره تخطي الرقاب إلا لفرجة لا يصل إليها إلا به، وإيثار بمكان أفضل لا قبول، وحرم أن يقيم غير صبي من مكانه فيجلس فيه، والكلام حال الخطبة على غير خطيب، ومن كلمه لحاجة، ومن دخل والإمام يخطب صلى التحية فقط خفيفة.

فصل: وصلاة العيدين فرض كفاية، ووقتها كصلاة الضحى وآخره الزوال، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده صلوا من الغد قضاء، وشرط لوجوبها شروط جمعة، ولصحتها استيطان وعدد جمعة، لكن يسن لمن فاتته أو بعضها أن يقضيها وعلى صفتها أفضل، وتسن في صحراء، وتأخير صلاة فطر، وأكل قبلها، وتقديم أضحى وترك أكل قبلها لمضحٍ، ويصليها ركعتين قبل الخطبة يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً، وفي الثانية قبل القراءة خمساً، رافعاً يديه مع كل تكبيرة، ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، أو غيره، ثم يقرأ بعد الفاتحة بالأولى سبح، والثانية الغاشية، ثم يخطب كخطبتي الجمعة، لكن يستفتح في الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، ويبين لهم في الفطر ما يخرجون، وفي الأضحى ما يضحون.

وسن التكبير المطلق ليلتي العيدين، والفطر آكد، ومن أول ذي الحجة إلى فراغ الخطبة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة من فجر عرفة لمحل، ولمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.

فصل: وتسن صلاة كسوف ركعتين، كل ركعة بقيامين وركوعين، وتطويل سورة وتسبيح، وكون أول كل أطول، واستسقاء إذا أجدبت الأرض وقحط المطر، وصفتها وأحكامها كعيد، وهي والتي قبلها جماعة أفضل، وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التشاحن، والصيام، والصدقة، ويعدهم يوماً يخرجون فيه، ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً متنظفاً لا مطيباً، ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ومميزو الصبيان، فيصلي ثم يخطب واحدة، يفتتحها بالتكبير كخطبة عيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويرفع يديه وظهورهما نحو السماء، فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً .) إلى آخره.

وإن كثر المطر حتى خيف سُنَّ قول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.. [البقرة:286] الآية)].

في هذا حكم صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، أما الجمعة فمعروف أنها كل أسبوع، أي: في اليوم السابع من الأسبوع وهو يوم الجمعة، وأما العيد فإنه في كل سنة، عيد الفطر مرة في السنة، وعيد الأضحى مرة في السنة.

الحكمة من مشروعية صلاة الجمعة

الحكمة في شرعية صلاة الجمعة جمع أهل البلد كل أسبوع وتذكيرهم وتأليفهم، ومعلوم أن مساجد الجماعة يجتمع فيها أهل كل حي، فأهل هذا الحي يجتمعون مثلاً في هذا المسجد، وأهل الحي الثاني يجتمعون في مسجدهم كل يوم خمس مرات، فإذا جاء يوم الجمعة اجتمع أهل البلد في مسجد واحد، يحصل تقابلهم، وتعارفهم، وتآلفهم فيما بينهم، وتباحثهم في الأمور ذات الأهمية، فلأجل ذلك لا يجوز تكرار الجمعة في البلد إلا لحاجة، ولا تقام في البلد إلا في مسجد واحد.

في العهد النبوي ما كان هناك إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي، يأتي إليه أهل قباء وأهل العوالي وأهل الأماكن التي هي بعيدة عن المدينة، يأتون كلهم ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعضهم يأتي من الصباح، ويرجع إلى أهله فلا يصل إليهم إلا مساءً؛ ذلك لأن القصد جمع أهل البلد في مسجد واحد، ولذلك روي عن ابن عباس أو غيره من الصحابة قالوا: (الجمعة على من آواه المبيت إلى أهله)، ومعناه: أن الجمعة واجبة على الإنسان الذي إذا صلى الجمعة ثم رجع إلى أهله أدركهم قبل الليل، ولو سار ثلاث أو أربع ساعات، وهذا دليل على أنهم كانوا يسيرون قبل الصلاة نحو ثلاث ساعات أو أربع متوجهين إلى المسجد، وبعد الصلاة يتوجهون إلى أهليهم فيسيرون نحو ثلاث أو أربع ساعات؛ وذلك لأنه ليس هناك إلا مسجد واحد.

ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع عيد وجمعة في يوم رخص لمن صلى العيد أن لا يرجعوا إلى صلاة الجمعة؛ وذلك للمشقة عليهم؛ لأنهم أتوا إلى صلاة العيد مبكرين، يمكن أنهم ساروا من آخر الليل، فقطعوا مسيرة ساعتين أو نحوها حتى وصلوا إلى مصلى العيد، ثم لابد أنهم يرجعوا إلى أهليهم بعد صلاة العيد، فيسيرون أيضاً مسيرة ساعتين حتى يصلوا إلى أهليهم، فلو كلفوا أن يأتوا إلى صلاة الجمعة لأتوا أيضاً مسيرة ساعتين قبل الزوال، ثم يرجعون بعد صلاة الجمعة أيضاً مسيرة ساعتين، فيتكلفون ثمان ساعات مشياً، ولا شك أن في ذلك مشقة، فأسقطت عنهم صلاة الجمعة إذا أدركوا صلاة العيد، حيث إنهم قد حصلوا على خير، فيصلون في أماكنهم ظهراً، والقريبون يصلون جمعة، ولذلك قال في الحديث: (وإنا لمجمعون) فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بمن كان قريباً، فأما البعيدون فأسقطها عنهم لأجل المشقة، فهذا هو السبب.

إذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن بينه وبين المسجد مسيرة ساعتين، فأما من كان دون ذلك فلا تسقط على الصحيح.

يتساهل كثير من الناس فيصلون ظهراً ويتركون صلاة الجمعة يوم العيد، وربما يصلون في بيوتهم، وليس بينهم وبين المسجد إلا عشر دقائق أو ربع ساعة على السيارات التي يسرها الله وسخرها، فنقول: إن هذا تفريط وإهمال، ما شرعت الجمعة إلا لمصلحة، شرعت لأجل الاجتماع، ولأجل التذاكر، ولأجل التعارف والتباحث في الأمور المهمة، وشرعت لأجل الفوائد التي يستمعونها من الخطباء، ولأنهم قد يكونون جهلة بالقراءة وجهلة بالأحكام، فيتعلمون القراءة ويتعلمون الأحكام التي يلقيها الخطباء عليهم فيرجعون بفائدة.

من تجب عليهم صلاة الجمعة

وتجب صلاة الجمعة على كل مسلم، فلا تجب على الكافر كما لا تجب عليه الصلوات الخمس حتى يسلم.

وتجب على مكلف، فلا تجب على الصغير الذي دون سن التكليف، ولا تجب على فاقد العقل كما لا تجب عليه الصلاة أصلاً.

وتجب على ذكر، فلا تجب على النساء، وإن حضر النساء أجزأتهن.

وتجب على حر، فلا تجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، ولأن الجمعة غير واجبة عليه بنص الحديث، فإذا كان بينه وبين المسجد ساعتين فوّت على سيده مثلاً خدمة أربع ساعات ذهاباًوإياباً، أما إذا كان قريباً ليس بينه وبين المسجد إلا ربع ساعة أو نصف ساعة فلا تسقط عن الرقيق.

وتجب على مستوطن، فلا تجب على أهل البوادي، وهم البدو الرحّل الذين يتنقلون من مكان إلى مكان وليسوا مستقرين.

ذكروا أن المستوطن لابد أن يكون مستوطناً ببناء، والصحيح أنه إذا كان ساكناً في مكان لا يذهب عنه فإنها لا تسقط عنه ولو كان في خيمة كالمرابط من العساكر ونحوهم، والذين في الحدود فإنها تجب عليهم، ولو كانوا يسكنون في صنادق أو في خيام أو بيوت شعر أو ما أشبه ذلك.

حكم صلاة الظهر ممن تلزمه الجمعة قبل الإمام

قال: (ومن صلى الظهر ممن عليه الجمعة قبل الإمام لم تصح) أي: كيف يصلي الظهر وهو ممن تلزمه الجمعة؟!

فيلزمه أن يصلي مع الإمام، فإن لم يفعل أعادها جمعة أو أعادها ظهراً، أما إذا فاتته صلاة الجمعة مع الإمام فإنه يصليها ظهراً، بعد صلاة الإمام، وإذا كان عاجزاً عن الإتيان إلى المسجد لمرض أو بعدٍ أو نحو ذلك فمتى يصلي الظهر؟

يتحرى فراغ الإمام من صلاة الجمعة فيصلي بعده، وإن صلى وقت صلاة الجمعة فلا بأس؛ لأن الخطباء قد يطيلون مثلاً فيفرغ الذي يصلي ظهراً وحده قبلهم.

حكم إنشاء السفر يوم الجمعة

حكم السفر يوم الجمعة: السفر بعد الزوال لا يجوز، وذلك لأنه دخل وقتها، فلا يجوز أن يسافر بعد دخول الوقت وهو النداء لها، قال تعالى: إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] دليل على أنهم مخاطبون بالسعي إليها إلى أن تنقضي، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا [الجمعة:10].

أما السفر قبل الزوال فإنه مكروه إذا علم بأنه لا يصليها في الطريق، أما إذا تحقق بأنه سيدركها في الطريق فلا بأس؛ لأن بعض الطرق قد يكون فيها عدة قرى في كل قرية مسجد، فإذا سافر مثلاً إلى الحجاز فإنه يمر بعدة مساجد قبل صلاة الجمعة، لو سافر مثلاً في الضحى أو سافر في الصباح فقد يمر بعشرة جوامع أو أكثر، فعليه إذا مر وقت الصلاة أن يصلي في أحدها.

فالحاصل أنه إذا سافر يوم الجمعة قبل الزوال فسفره مكروه إذا لم يعلم أنه يؤديها في الطريق، وكان بعض المشايخ يقول: وجدنا بالتجربة أن المسافر يوم الجمعة حري أن لا يوفق، ويقول: من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة فأصابه بلوى فلا يلومن إلا نفسه.

ويرخص له إذا كان تبعاً لرفقة بحيث إذا لم يسافر معهم بقي منقطعاً فيخشى فوت رفقته، ولو لم يكن في الطريق مساجد، فيسقط عنه إذا كان السفر قبل الزوال.

وقت صلاة الجمعة واشتراط العدد لها

يشترط لها الوقت، فلا تصلى قبل الوقت، والمشهور عند الفقهاء أنه يدخل بوقت صلاة العيد، أي: بخروج وقت النهي، والقول الثاني: أنه لا يدخل إلا بالزوال، فيؤذن لها الأذان الأول قبل الزوال، ووقت أدائها بعد الزوال مباشرة، وهذا هو المستحب والذي عليه العمل، وأما آخر وقتها فهو آخر وقت الظهر بالاتفاق، يعني: صيرورة ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال.

قوله: (إذا خرج قبل التحريمة صلوها ظهراً)، إذا خرج الوقت قبل أن يكبر التحريمة بقوله: الله أكبر، كما لو أطال الخطبة فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر فإنهم يصلونها ظهراً قضاءً، وأما إذا أحرم قبل أن يخرج الوقت فإنهم يصلونها جمعة.

الشرط الثاني: العدد واختلف فيه، فالمشهور عند الفقهاء الحنابلة اشتراط أربعين من أهل وجوبها، أي: من المكلفين الأحرار المسلمين المقيمين، واستدلوا بأن في حديث كعب بن مالك أن أول جمعة أقيمت في المدينة كان عددهم أربعين، وكان جمعهم أسعد بن زرارة صلى بهم بعض الصحابة، ولكن هذا ليس دليلاً على اشتراط هذا العدد، فلذلك ذهب المالكية إلى أنها تجزئ باثني عشر، واستدلوا بأن في حديث جابر في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] ذكر أن أهل المسجد خرجوا لما سمعوا بتلك التجارة ولم يبق إلا اثنا عشر، والجواب: أنهم خرجوا ونظروا ثم رجعوا، لا شك أنهم رجعوا وأكملوا صلاتهم، ولكن خروجهم دليل على الاكتفاء بهذا العدد وهو اثنا عشر، وقد ذكر عن بعض العلماء أنها تصح بثلاثة، إمام ومؤذن ومستمع، وأن الثلاثة أقل العدد، وبكل حال الاحتياط والاجتهاد في إتمام العدد، فإن نقص عددهم وهم مقيمون في بلادهم عن هذا العدد فالصحيح أنها تجزئهم.

هنا يقول: (فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً) إذا نقصوا قبل إتمامها انتظروا حتى يجيء عدد يكملهم، فإذا علم بأنهم لا يتمون صلوها ظهراً، يعني: على هذا القول.

ما تدرك به صلاة الجمعة

قال: (من أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة)، أي: أما إذا جاء والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فإنها قد فاتت، فعليه أن يصليها ظهراً، هذا هو القول الصحيح، وإن كان هناك من العلماء من يجيزون أن يصليها جمعة ولو لم يدرك إلا التشهد، يقولون: إنه أدرك ما يسمى بجمعة، ولكن الجمهور على أنه إذا فاتته الركعتان فإنه يدخل معهم بنية الظهر إذا كان قد دخل وقت الظهر، فيصلي معهم ويقوم ويأتي بأربع.

اشتراط خطبتي الجمعة وذكر شروطهما

الشرط الثالث: تقديم خطبتين، أي: لابد يوم الجمعة من خطبتين، وفي هذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في خطبته، فمن طولها فإنه يفصل بينهما بجلسة، يخطب فإذا تعب جلس ثم استأنف وخطب، فهو دليل على أنه كان يطيل الخطبة، فيمكن أن الخطبة تستغرق ساعة أو على الأقل نصف ساعة لكل واحدة من الخطبتين. ولو كان لا يطيل وكانت خطبته عشر دقائق أو عشرين دقيقة لما احتاج إلى الجلسة بين الخطبتين، ولما احتاج إلى هذا الفاصل، وهو الجلوس، وكان في إمكانه أن يواصل خطبته نصف ساعة أو ثلثي ساعة ثم ينزل ويصلي، فلما فصل بينهما دل على أنه كان يطيل، فلا ينكر على من أطال الخطبة بقدر نصف ساعة أو نحوها.

وأما الحديث الذي فيه: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) فإن الطول والقصر نسبي، فيقال مثلاً لمن خطبته أربعون دقيقة: هذه خطبة قصيرة، ويقال لمن خطبته ساعتان مثلاً أو ساعة ونصف: هذه طويلة، فقصر خطبته يعني: أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته بحيث يخطب مثلاً نصف ساعة ولا تكون خطبته أكثر من ساعة هذه هي الخطبة القصيرة. قوله: (مئنة) يعني: علامة من فقهه.

للخطبتين شروط: قيل إنها تشترط في مجموعهما، وقيل: في كل واحدة من الخطبتين.

الشرط الأول: الوقت، فلا يخطب قبل دخول الوقت، سواء قلنا: إن الوقت يدخل بدخول وقت صلاة العيد، أو بدخول وقت صلاة الظهر، لابد أن تكون الخطبتان بعد الوقت.

الشرط الثاني: حمد الله، لابد أن يبدأ الخطبة بالحمد لله؛ لأن هذا هو المعتاد من النبي صلى الله عليه وسلم.

الشرط الثالث: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أُثر من أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدعاء موقوف حتى يصلى عليه، ولعموم الآية وهي قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، ولما ورد من أنهم قالوا: (كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...) إلخ.

وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليّ فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله؟ كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ -يقول: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهذا يؤكد أن يوم الجمعة أحق أن تكثر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الخطبة أولى.

الشرط الرابع: قراءة آية من القرآن، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات في خطبته، وربما قرأ سورة، فثبت أنه كان يقرأ سورة (ق) كاملة في خطبته، فأقل شيء آية، ولكن لابد أن تكون الآية طويلة، يعني: لها فائدة ولها عمل، فلا يجزئ آية تتكون من كلمة أو من كلمتين، ويستحب أن تكون الآية في الموضوع الذي يتطرق إليه في أثناء الخطبة، فإذا خطب عن التقوى قرأ آية تتعلق بالأمر بالتقوى، وإذا خطب عن الصلاة قرأ آية تتعلق بذكر الصلاة، وهكذا في كل المواضيع.

الشرط الخامس: حضور العدد المعتبر الذي هو الأربعون على قول الفقهاء، فلابد أن يحضر الأربعون فيها من أول الخطبة إلى آخرها.

الشرط السادس: رفع الصوت بقدر إسماعه، فالخطيب لابد أن يكون صيتاً بحيث يسمع المصلين، وبعد وجود المكبر لا يلزمه رفع الصوت؛ لأن المكبر يرفع الصوت ويدفعه.

الشرط السابع: النية، لابد أن ينوي لهذه الخطبة أنها الخطبة المشترطة، التي هي وظيفة هذه الصلاة.

الشرط الثامن: الوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، ولا يتعين أن يقول: اتقوا الله، ولكن يوصيهم بشيء يحرك القلوب، فيوصيهم بالخوف من الله، أو تقوى الله، أو عبادته، أو رجائه، أو التوكل عليه، أو دعائه، ويبسط القول في ذلك حتى يكون للخطبة معنى، يتوسع في ذكر الأدلة التي تتعلق بالموضوع الذي اختاره.

الشرط التاسع: (أن تكون ممن يصح أن يؤم فيها) وفي بعض النسخ: (أن يؤم فيما)، والصواب: (أن يؤم فيها) أي: أن تكون من الخطيب الذي يصح أن يكون إماماً فيها، أي: في هذه الصلاة، وهو الذكر الحر العاقل البالغ، فلا تصح من غيره.

والإقامة ليست شرطاً على الصحيح، فيجوز أن يصلي بهم المسافر إذا كان أفضل منهم.

قوله: (ممن يصح أن يؤم فيها، لا ممن يتولى الصلاة)، معناه: أنه يصح أن يتولى الخطبة واحد ويتولى الصلاة غيره، فإن الصلاة عبادة والخطبة عبادة أيضاً فلا يلزم أن يتولاهما واحد، ولكن لابد أن يتولى كلاً منهما من هو أهل ممن تنطبق عليه هذه الصلاة.

سنن خطبة الجمعة

أما سنن الخطبة: فالسنة الأولى: أن يكون على منبر، أو موضع عال حتى يشرف على المأمومين، كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع نخلة معروف في قبلة المسجد، ثم صنع له المنبر وجعل ثلاث درجات، فكان يخطب عليه، فيتأكد أن يكون الإمام أعلى من المأمومين في حالة إلقاء الخطبة.

السنة الثانية: سلام الخطيب، إذا خرج فإنه يبدؤهم بالسلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسلم إذا دخل سلاماً عادياً، ويسلم سلاماً عاماً إذا أقبل عليهم.

السنة الثالثة: الجلوس إلى فراغ الأذان؛ يجلس حال الأذان على كرسي أو نحوه، فإذا فرغ الأذان ابتدأ، وكذلك يجلس بين الخطبتين، يفصل بينهما بجلوس ليستريح فيه.

اختلف في خطبة القاعد هل تصح أم لا؟

كثير من العلماء يقولون: القيام سنة، لو خطب وهو جالس لأجزأ ذلك، فيذكرون أن عثمان رضي الله عنه كان يخطب جالساً، وكذا بعض خلفاء بني أمية، ولكن عذر عثمان العجز والكبر، لأنه كان قد تجاوز الثمانين من عمره، فكان يشق عليه إطالة القيام، وإلا فالصحيح القيام في الخطبة لقوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِماً [الجمعة:11].

ومن السنن أيضاً: أن يعتمد بيده على سيف أو عصا، يعني: أي شيء يعتمد عليه بجنبه، كانت عادة الخطباء أن يرتجلوا الخطبة، فيمسكون بأيديهم عصاً أو قوساً أو سيفاً أو نحو ذلك، فالأفضل أن يمسك عصاً معتادة، وكونه صلى الله عليه وسلم أمسك مرة سيفاً لعله لم يتيسر له إلا هو.

ومن السنن أيضاً: أن يقبل بوجهه على من أمامه، يقصد بتلقاء وجهه، لكن إذا احتاج إلى أن يلتفت يميناً ويساراً ليسمع من هاهنا ومن هاهنا، بحيث لا يكون هناك مكبر فلا بأس، وأما تقصيرهما فقد عرفنا أنه تقصير نسبي، والثانية أكثر تقصيراً، يعني: يطيل الأولى ويقصر الثانية، وتقصيره الخطبتين تقصيراً نسبياً.

ومن السنن أيضاً: أن يدعو للمسلمين، كان المجاهدون في تلك السنين يتحرون وقت الخطبة فيبدءون في القتال، ويقولون: هذا الوقت الذي يدعو فيه الخطباء للمجاهدين، فيدعو للمسلمين عموماً، ومن جملتهم المجاهدون.

وهل يباح الدعاء لمعين؟

أباحوا ذلك للسلطان؛ لأن صلاحه صلاح للرعية، ولو ذكر باسمه أو بصفته أو بكنيته أو بلقب يتميز به، أو بلفظه الذي يختص به كأن يقول: اللهم وفق سلطاننا أو إمامنا أو نحو ذلك، وذلك لأن صلاح الأئمة أمر مقصود للأمة، وفيه مصلحة عظيمة.

الحكمة في شرعية صلاة الجمعة جمع أهل البلد كل أسبوع وتذكيرهم وتأليفهم، ومعلوم أن مساجد الجماعة يجتمع فيها أهل كل حي، فأهل هذا الحي يجتمعون مثلاً في هذا المسجد، وأهل الحي الثاني يجتمعون في مسجدهم كل يوم خمس مرات، فإذا جاء يوم الجمعة اجتمع أهل البلد في مسجد واحد، يحصل تقابلهم، وتعارفهم، وتآلفهم فيما بينهم، وتباحثهم في الأمور ذات الأهمية، فلأجل ذلك لا يجوز تكرار الجمعة في البلد إلا لحاجة، ولا تقام في البلد إلا في مسجد واحد.

في العهد النبوي ما كان هناك إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي، يأتي إليه أهل قباء وأهل العوالي وأهل الأماكن التي هي بعيدة عن المدينة، يأتون كلهم ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعضهم يأتي من الصباح، ويرجع إلى أهله فلا يصل إليهم إلا مساءً؛ ذلك لأن القصد جمع أهل البلد في مسجد واحد، ولذلك روي عن ابن عباس أو غيره من الصحابة قالوا: (الجمعة على من آواه المبيت إلى أهله)، ومعناه: أن الجمعة واجبة على الإنسان الذي إذا صلى الجمعة ثم رجع إلى أهله أدركهم قبل الليل، ولو سار ثلاث أو أربع ساعات، وهذا دليل على أنهم كانوا يسيرون قبل الصلاة نحو ثلاث ساعات أو أربع متوجهين إلى المسجد، وبعد الصلاة يتوجهون إلى أهليهم فيسيرون نحو ثلاث أو أربع ساعات؛ وذلك لأنه ليس هناك إلا مسجد واحد.

ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع عيد وجمعة في يوم رخص لمن صلى العيد أن لا يرجعوا إلى صلاة الجمعة؛ وذلك للمشقة عليهم؛ لأنهم أتوا إلى صلاة العيد مبكرين، يمكن أنهم ساروا من آخر الليل، فقطعوا مسيرة ساعتين أو نحوها حتى وصلوا إلى مصلى العيد، ثم لابد أنهم يرجعوا إلى أهليهم بعد صلاة العيد، فيسيرون أيضاً مسيرة ساعتين حتى يصلوا إلى أهليهم، فلو كلفوا أن يأتوا إلى صلاة الجمعة لأتوا أيضاً مسيرة ساعتين قبل الزوال، ثم يرجعون بعد صلاة الجمعة أيضاً مسيرة ساعتين، فيتكلفون ثمان ساعات مشياً، ولا شك أن في ذلك مشقة، فأسقطت عنهم صلاة الجمعة إذا أدركوا صلاة العيد، حيث إنهم قد حصلوا على خير، فيصلون في أماكنهم ظهراً، والقريبون يصلون جمعة، ولذلك قال في الحديث: (وإنا لمجمعون) فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بمن كان قريباً، فأما البعيدون فأسقطها عنهم لأجل المشقة، فهذا هو السبب.

إذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن بينه وبين المسجد مسيرة ساعتين، فأما من كان دون ذلك فلا تسقط على الصحيح.

يتساهل كثير من الناس فيصلون ظهراً ويتركون صلاة الجمعة يوم العيد، وربما يصلون في بيوتهم، وليس بينهم وبين المسجد إلا عشر دقائق أو ربع ساعة على السيارات التي يسرها الله وسخرها، فنقول: إن هذا تفريط وإهمال، ما شرعت الجمعة إلا لمصلحة، شرعت لأجل الاجتماع، ولأجل التذاكر، ولأجل التعارف والتباحث في الأمور المهمة، وشرعت لأجل الفوائد التي يستمعونها من الخطباء، ولأنهم قد يكونون جهلة بالقراءة وجهلة بالأحكام، فيتعلمون القراءة ويتعلمون الأحكام التي يلقيها الخطباء عليهم فيرجعون بفائدة.

وتجب صلاة الجمعة على كل مسلم، فلا تجب على الكافر كما لا تجب عليه الصلوات الخمس حتى يسلم.

وتجب على مكلف، فلا تجب على الصغير الذي دون سن التكليف، ولا تجب على فاقد العقل كما لا تجب عليه الصلاة أصلاً.

وتجب على ذكر، فلا تجب على النساء، وإن حضر النساء أجزأتهن.

وتجب على حر، فلا تجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، ولأن الجمعة غير واجبة عليه بنص الحديث، فإذا كان بينه وبين المسجد ساعتين فوّت على سيده مثلاً خدمة أربع ساعات ذهاباًوإياباً، أما إذا كان قريباً ليس بينه وبين المسجد إلا ربع ساعة أو نصف ساعة فلا تسقط عن الرقيق.

وتجب على مستوطن، فلا تجب على أهل البوادي، وهم البدو الرحّل الذين يتنقلون من مكان إلى مكان وليسوا مستقرين.

ذكروا أن المستوطن لابد أن يكون مستوطناً ببناء، والصحيح أنه إذا كان ساكناً في مكان لا يذهب عنه فإنها لا تسقط عنه ولو كان في خيمة كالمرابط من العساكر ونحوهم، والذين في الحدود فإنها تجب عليهم، ولو كانوا يسكنون في صنادق أو في خيام أو بيوت شعر أو ما أشبه ذلك.

قال: (ومن صلى الظهر ممن عليه الجمعة قبل الإمام لم تصح) أي: كيف يصلي الظهر وهو ممن تلزمه الجمعة؟!

فيلزمه أن يصلي مع الإمام، فإن لم يفعل أعادها جمعة أو أعادها ظهراً، أما إذا فاتته صلاة الجمعة مع الإمام فإنه يصليها ظهراً، بعد صلاة الإمام، وإذا كان عاجزاً عن الإتيان إلى المسجد لمرض أو بعدٍ أو نحو ذلك فمتى يصلي الظهر؟

يتحرى فراغ الإمام من صلاة الجمعة فيصلي بعده، وإن صلى وقت صلاة الجمعة فلا بأس؛ لأن الخطباء قد يطيلون مثلاً فيفرغ الذي يصلي ظهراً وحده قبلهم.

حكم السفر يوم الجمعة: السفر بعد الزوال لا يجوز، وذلك لأنه دخل وقتها، فلا يجوز أن يسافر بعد دخول الوقت وهو النداء لها، قال تعالى: إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] دليل على أنهم مخاطبون بالسعي إليها إلى أن تنقضي، فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا [الجمعة:10].

أما السفر قبل الزوال فإنه مكروه إذا علم بأنه لا يصليها في الطريق، أما إذا تحقق بأنه سيدركها في الطريق فلا بأس؛ لأن بعض الطرق قد يكون فيها عدة قرى في كل قرية مسجد، فإذا سافر مثلاً إلى الحجاز فإنه يمر بعدة مساجد قبل صلاة الجمعة، لو سافر مثلاً في الضحى أو سافر في الصباح فقد يمر بعشرة جوامع أو أكثر، فعليه إذا مر وقت الصلاة أن يصلي في أحدها.

فالحاصل أنه إذا سافر يوم الجمعة قبل الزوال فسفره مكروه إذا لم يعلم أنه يؤديها في الطريق، وكان بعض المشايخ يقول: وجدنا بالتجربة أن المسافر يوم الجمعة حري أن لا يوفق، ويقول: من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة فأصابه بلوى فلا يلومن إلا نفسه.

ويرخص له إذا كان تبعاً لرفقة بحيث إذا لم يسافر معهم بقي منقطعاً فيخشى فوت رفقته، ولو لم يكن في الطريق مساجد، فيسقط عنه إذا كان السفر قبل الزوال.

يشترط لها الوقت، فلا تصلى قبل الوقت، والمشهور عند الفقهاء أنه يدخل بوقت صلاة العيد، أي: بخروج وقت النهي، والقول الثاني: أنه لا يدخل إلا بالزوال، فيؤذن لها الأذان الأول قبل الزوال، ووقت أدائها بعد الزوال مباشرة، وهذا هو المستحب والذي عليه العمل، وأما آخر وقتها فهو آخر وقت الظهر بالاتفاق، يعني: صيرورة ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال.

قوله: (إذا خرج قبل التحريمة صلوها ظهراً)، إذا خرج الوقت قبل أن يكبر التحريمة بقوله: الله أكبر، كما لو أطال الخطبة فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر فإنهم يصلونها ظهراً قضاءً، وأما إذا أحرم قبل أن يخرج الوقت فإنهم يصلونها جمعة.

الشرط الثاني: العدد واختلف فيه، فالمشهور عند الفقهاء الحنابلة اشتراط أربعين من أهل وجوبها، أي: من المكلفين الأحرار المسلمين المقيمين، واستدلوا بأن في حديث كعب بن مالك أن أول جمعة أقيمت في المدينة كان عددهم أربعين، وكان جمعهم أسعد بن زرارة صلى بهم بعض الصحابة، ولكن هذا ليس دليلاً على اشتراط هذا العدد، فلذلك ذهب المالكية إلى أنها تجزئ باثني عشر، واستدلوا بأن في حديث جابر في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] ذكر أن أهل المسجد خرجوا لما سمعوا بتلك التجارة ولم يبق إلا اثنا عشر، والجواب: أنهم خرجوا ونظروا ثم رجعوا، لا شك أنهم رجعوا وأكملوا صلاتهم، ولكن خروجهم دليل على الاكتفاء بهذا العدد وهو اثنا عشر، وقد ذكر عن بعض العلماء أنها تصح بثلاثة، إمام ومؤذن ومستمع، وأن الثلاثة أقل العدد، وبكل حال الاحتياط والاجتهاد في إتمام العدد، فإن نقص عددهم وهم مقيمون في بلادهم عن هذا العدد فالصحيح أنها تجزئهم.

هنا يقول: (فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً) إذا نقصوا قبل إتمامها انتظروا حتى يجيء عدد يكملهم، فإذا علم بأنهم لا يتمون صلوها ظهراً، يعني: على هذا القول.