خطب ومحاضرات
شرح متن الورقات [15]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف رحمه الله: [فعل صاحب الشريعة لا يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة أو غير ذلك، فإن دل دليل على الاختصاص به فيحمل على الاختصاص، وإن لم يدل لا يخصص به؛ لأن الله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، ومن أصحابنا من قال: يحمل على الندب، ومنهم من قال: يتوقف عنه. فإن كان على وجه غير القربة والطاعة فيحمل على الإباحة في حقه عليه الصلاة والسلام وحقنا].
أفعال النبي عليه الصلاة والسلام من أقسام السنة؛ لأن السنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القول، والفعل، والتقرير. أما القول فهو داخل فيه الألفاظ والأوامر والنواهي والمطلق والمقيد، وبالنسبة للأفعال هذا قسم من أقسام السنة، وسيعقبه المؤلف رحمه الله بالتقرير، كما سيأتي إن شاء الله بعد ذلك.
ومعرفة أقسام أفعال النبي عليه الصلاة والسلام لكي تنزلها على المشروع وغير المشروع هذا مبحث مهم جداً، والأصوليون أفردوا ذلك بمؤلفات مستقلة تتعلق بأفعال النبي عليه الصلاة والسلام.
حجية أفعال النبي عليه الصلاة والسلام
ثانياً: أدلة خاصة تتعلق بأفعال النبي عليه الصلاة والسلام، من ذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وأيضاً قول الله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف:158].
ثالثاً: من الأدلة على ذلك اتفاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم على اتباع أفعال النبي عليه الصلاة والسلام.
أقسام فعل النبي عليه الصلاة والسلام
القسم الأول من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام أن يفعله النبي عليه الصلاة والسلام على وجه القربة والطاعة، فما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على وجه القربة والطاعة فهذا ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يدل دليل على كونه مختصاً به، فهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، مثال ذلك المواصلة في الصيام، فكون النبي عليه الصلاة والسلام يواصل الصيام هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن ( النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الوصال، ولما قيل له: إنك تواصل قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ).
الأمر الثاني: إذا لم يدل دليل على أنه خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام فالأصل في ذلك التأسي، وقد ذكر المؤلف رحمه الله في حكم هذا التأسي ثلاثة أقوال، قال: (وإن لم يدل لا يخصص به؛ لأن الله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، ومن أصحابنا من قال: يحمل عن ندب، ومنهم من قال: يتوقف عنه)، فذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة أقوال إذا لم يدل دليل على التخصيص:
القول الأول: أنه يجب؛ عملاً بالأحوط.
القول الثاني: أنه محمول على الندب؛ لرجحان الفعل على الترك، وكذلك أيضاً أن هذا الفعل الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام يتطرق إليه الاحتمال والأصل براءة الذمة، فلا يصار إلى الوجوب، وإنما يكتفى بالندب؛ لأن الأصل هو التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام.
القول الثالث الذي ذكره المؤلف رحمه الله: التوقف؛ لعدم معرفة المراد ولتعارض الأدلة.
وأرجح الأقوال في ذلك أنه يحمل على الندب، وأن الفعل المجرد عن القرائن إذا لم يدل على الوجوب فإنه يحمل على الندب، وهذا أقرب الأقوال، ومن أمثلته حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل بيته يستاك، وإذا استيقظ من النوم أيضاً يستاك عليه الصلاة والسلام )، فالأدلة عليه كثيرة، وأرجح الأقوال في ذلك أنه للندب؛ لأن مجرد الفعل هذا لا يسوقه إلى الإيجاب، ولا يقال: بالتوقف؛ لأن الأصل هو التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. إذاً: هذا ما فعله على سبيل القربة.
القسم الثاني: ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الجبلة البشرية والخلقة وما شابه طبائع النفوس، فهذا لا حكم له، مثل النوم والأكل والشرب واللباس ونحو ذلك؛ فهنا نقول: هذا لا حكم له، لكن مثل هذه الأشياء التي تكون من قبيل المباحات إذا نوى بها الإنسان الاستعانة على أمر الله عز وجل فإنه يكون مثاباً عليها.
ولكن أحوال الأكل والشرب وأحوال اللباس وأحوال النوم هذا أمر به الشارع، فإنه في هذه الحالة ينتقل، لكن أمور لم يأمر بها الشارع مجرد أنه أكل، أو شرب، أو نكح، أو نام، أو تحرك، أو مشى، فهذه أشياء لم يأمر بها الشارع وإنما فعلها على سبيل الجبلة والخلقة فنقول: هذه الأشياء لا حكم لها، ولا يلزم بأن يتأسى بها، بل فعلها النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بشر، وكل بشر يحتاج إلى مثل هذه الأمور، لكن لو أن الإنسان نوى بهذه الأشياء الاستعانة على طاعة الله عز وجل فإنه يكون مأجوراً، وهذه الأحوال قد ورد في السنة التقييد لكثير منها، يعني: في المنام، في الأكل، في الشرب فإنها تنتقل في هذه الحالة، لكن أصل الكلام هو في ذات العمل.
القسم الثالث: ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل العادة، وهذا كلبسه الإزار والرداء، والعمامة، وركوبه الخيل، ونحو ذلك، فهذا النوع أيضاً لا يقال: بأنه يتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام به، بل التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام هو موافقة العادة؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام، إنما فعل ذلك موافقةً لأهل بلده، ولم يغير النبي عليه الصلاة والسلام اللباس الذي كان يلبسه قبل النبوة، وإنما اللباس ورد في الشريعة له بعض الأحوال وبعض الهيئات، ولذلك ما كان من قبيل العادات فإنه لا يتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام، بل المشروع أن يوافق الإنسان أهل بلده. والقاعدة في ذلك: أن كل شيء قدر أن النبي عليه الصلاة والسلام وافق أهل بلده في ذلك الزمن وهو من قبيل العادات، ثم خالف أهل بلده فإنه يتأسى به، أما إذا فعله موافقةً لأهل بلده فالأسوة باتباع أهل البلد.
القسم الرابع: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل، فهذا له حكم المجمل، فإن كان واجباً فيأخذ حكم الوجوب، وإذا كان مندوباً فإنه يأخذ حكم الندب:
مثال الواجب: قول الله عز وجل: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6]، فهذا أمر، وبينه النبي عليه الصلاة والسلام بمسحه جميع رأسه، فهذا بيان للواجب وهو مسح الرأس.
ومثال بيان المندوب: قول الله عز وجل: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فهذا أمر -اتخاذ مقام إبراهيم مصلى- وبينه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أتى المقام وقرأ قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فصلى ركعتين خلف المقام.
القسم الخامس: ترك النبي عليه الصلاة والسلام للفعل، فنقول: بأن ترك النبي عليه الصلاة والسلام للفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يترك الفعل؛ لعدم وجود المقتضي له، وهذا كتركه عليه الصلاة والسلام قتال مانعي الزكاة لعدم وجود المقتضي لذلك في عهده عليه الصلاة والسلام، فهذا نقول: بأنه ليس سنة، بل إذا وجد المقتضي كان فعل ما تركه هو السنة.
القسم الثاني: أن يترك الفعل -مع وجود المقتضي له- لسبب من الأسباب كقيام مانع من الموانع، وهذا من أمثلته ترك النبي عليه الصلاة والسلام جماعة التراويح، فقد وجد المقتضي وهو دخول شهر رمضان، لكن تركه النبي عليه الصلاة والسلام لسبب خشية الفرضية.
القسم الثالث: أن يترك الفعل مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فنقول هنا: ترك النبي عليه الصلاة والسلام هو السنة، وهذا له أمثلة كثيرة، وشيخ الإسلام أيضاً يعلل به، ومن أمثلته السواك عند دخول المسجد هل يشرع أو لا يشرع؟ فالمقتضي هو دخول المسجد، وانتفى المانع وهو عدم وجود مانع يمنع من السواك، ومع ذلك لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: بأن تركه هو السنة، ومثال ذلك أيضاً الأذان للعيدين أو المناداة لصلاة العيدين، كما ذكر الحنابلة لا ينادى لصلاة العيدين، فقد وجد المقتضي -وهو وجود الصلاة- وانتفى المانع ومع ذلك لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: بأن الترك هو سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
أفعال النبي عليه الصلاة والسلام حجة، ويستدل على حجيتها: أولاً: الأدلة العامة على حجية السنة، فمن ذلك قول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وأيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59]، وأيضاً قول الله عز وجل: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور:54]، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته: ( وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ).
ثانياً: أدلة خاصة تتعلق بأفعال النبي عليه الصلاة والسلام، من ذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وأيضاً قول الله عز وجل: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف:158].
ثالثاً: من الأدلة على ذلك اتفاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم على اتباع أفعال النبي عليه الصلاة والسلام.
بالنسبة لأفعال النبي عليه الصلاة والسلام قال المؤلف رحمه الله: (إما أن يكون على وجه القربة والطاعة) هنا بيان لأقسام أفعال النبي عليه الصلاة والسلام، وهي خمسة أقسام:
القسم الأول من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام أن يفعله النبي عليه الصلاة والسلام على وجه القربة والطاعة، فما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على وجه القربة والطاعة فهذا ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يدل دليل على كونه مختصاً به، فهذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، مثال ذلك المواصلة في الصيام، فكون النبي عليه الصلاة والسلام يواصل الصيام هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن ( النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الوصال، ولما قيل له: إنك تواصل قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ).
الأمر الثاني: إذا لم يدل دليل على أنه خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام فالأصل في ذلك التأسي، وقد ذكر المؤلف رحمه الله في حكم هذا التأسي ثلاثة أقوال، قال: (وإن لم يدل لا يخصص به؛ لأن الله تعالى يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فيحمل على الوجوب عند بعض أصحابنا، ومن أصحابنا من قال: يحمل عن ندب، ومنهم من قال: يتوقف عنه)، فذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة أقوال إذا لم يدل دليل على التخصيص:
القول الأول: أنه يجب؛ عملاً بالأحوط.
القول الثاني: أنه محمول على الندب؛ لرجحان الفعل على الترك، وكذلك أيضاً أن هذا الفعل الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام يتطرق إليه الاحتمال والأصل براءة الذمة، فلا يصار إلى الوجوب، وإنما يكتفى بالندب؛ لأن الأصل هو التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام.
القول الثالث الذي ذكره المؤلف رحمه الله: التوقف؛ لعدم معرفة المراد ولتعارض الأدلة.
وأرجح الأقوال في ذلك أنه يحمل على الندب، وأن الفعل المجرد عن القرائن إذا لم يدل على الوجوب فإنه يحمل على الندب، وهذا أقرب الأقوال، ومن أمثلته حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل بيته يستاك، وإذا استيقظ من النوم أيضاً يستاك عليه الصلاة والسلام )، فالأدلة عليه كثيرة، وأرجح الأقوال في ذلك أنه للندب؛ لأن مجرد الفعل هذا لا يسوقه إلى الإيجاب، ولا يقال: بالتوقف؛ لأن الأصل هو التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]. إذاً: هذا ما فعله على سبيل القربة.
القسم الثاني: ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل الجبلة البشرية والخلقة وما شابه طبائع النفوس، فهذا لا حكم له، مثل النوم والأكل والشرب واللباس ونحو ذلك؛ فهنا نقول: هذا لا حكم له، لكن مثل هذه الأشياء التي تكون من قبيل المباحات إذا نوى بها الإنسان الاستعانة على أمر الله عز وجل فإنه يكون مثاباً عليها.
ولكن أحوال الأكل والشرب وأحوال اللباس وأحوال النوم هذا أمر به الشارع، فإنه في هذه الحالة ينتقل، لكن أمور لم يأمر بها الشارع مجرد أنه أكل، أو شرب، أو نكح، أو نام، أو تحرك، أو مشى، فهذه أشياء لم يأمر بها الشارع وإنما فعلها على سبيل الجبلة والخلقة فنقول: هذه الأشياء لا حكم لها، ولا يلزم بأن يتأسى بها، بل فعلها النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه بشر، وكل بشر يحتاج إلى مثل هذه الأمور، لكن لو أن الإنسان نوى بهذه الأشياء الاستعانة على طاعة الله عز وجل فإنه يكون مأجوراً، وهذه الأحوال قد ورد في السنة التقييد لكثير منها، يعني: في المنام، في الأكل، في الشرب فإنها تنتقل في هذه الحالة، لكن أصل الكلام هو في ذات العمل.
القسم الثالث: ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام على سبيل العادة، وهذا كلبسه الإزار والرداء، والعمامة، وركوبه الخيل، ونحو ذلك، فهذا النوع أيضاً لا يقال: بأنه يتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام به، بل التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام هو موافقة العادة؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام، إنما فعل ذلك موافقةً لأهل بلده، ولم يغير النبي عليه الصلاة والسلام اللباس الذي كان يلبسه قبل النبوة، وإنما اللباس ورد في الشريعة له بعض الأحوال وبعض الهيئات، ولذلك ما كان من قبيل العادات فإنه لا يتأسى بالنبي عليه الصلاة والسلام، بل المشروع أن يوافق الإنسان أهل بلده. والقاعدة في ذلك: أن كل شيء قدر أن النبي عليه الصلاة والسلام وافق أهل بلده في ذلك الزمن وهو من قبيل العادات، ثم خالف أهل بلده فإنه يتأسى به، أما إذا فعله موافقةً لأهل بلده فالأسوة باتباع أهل البلد.
القسم الرابع: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بياناً لمجمل، فهذا له حكم المجمل، فإن كان واجباً فيأخذ حكم الوجوب، وإذا كان مندوباً فإنه يأخذ حكم الندب:
مثال الواجب: قول الله عز وجل: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة:6]، فهذا أمر، وبينه النبي عليه الصلاة والسلام بمسحه جميع رأسه، فهذا بيان للواجب وهو مسح الرأس.
ومثال بيان المندوب: قول الله عز وجل: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فهذا أمر -اتخاذ مقام إبراهيم مصلى- وبينه النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أتى المقام وقرأ قوله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فصلى ركعتين خلف المقام.
القسم الخامس: ترك النبي عليه الصلاة والسلام للفعل، فنقول: بأن ترك النبي عليه الصلاة والسلام للفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يترك الفعل؛ لعدم وجود المقتضي له، وهذا كتركه عليه الصلاة والسلام قتال مانعي الزكاة لعدم وجود المقتضي لذلك في عهده عليه الصلاة والسلام، فهذا نقول: بأنه ليس سنة، بل إذا وجد المقتضي كان فعل ما تركه هو السنة.
القسم الثاني: أن يترك الفعل -مع وجود المقتضي له- لسبب من الأسباب كقيام مانع من الموانع، وهذا من أمثلته ترك النبي عليه الصلاة والسلام جماعة التراويح، فقد وجد المقتضي وهو دخول شهر رمضان، لكن تركه النبي عليه الصلاة والسلام لسبب خشية الفرضية.
القسم الثالث: أن يترك الفعل مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فنقول هنا: ترك النبي عليه الصلاة والسلام هو السنة، وهذا له أمثلة كثيرة، وشيخ الإسلام أيضاً يعلل به، ومن أمثلته السواك عند دخول المسجد هل يشرع أو لا يشرع؟ فالمقتضي هو دخول المسجد، وانتفى المانع وهو عدم وجود مانع يمنع من السواك، ومع ذلك لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: بأن تركه هو السنة، ومثال ذلك أيضاً الأذان للعيدين أو المناداة لصلاة العيدين، كما ذكر الحنابلة لا ينادى لصلاة العيدين، فقد وجد المقتضي -وهو وجود الصلاة- وانتفى المانع ومع ذلك لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول: بأن الترك هو سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح متن الورقات [3] | 2755 استماع |
شرح متن الورقات [11] | 2360 استماع |
شرح متن الورقات [23] | 2273 استماع |
شرح متن الورقات [7] | 2071 استماع |
شرح متن الورقات [2] | 2042 استماع |
شرح متن الورقات [18] | 2027 استماع |
شرح متن الورقات [17] | 1972 استماع |
شرح متن الورقات [20] | 1945 استماع |
شرح متن الورقات [25] | 1925 استماع |
شرح متن الورقات [26] | 1814 استماع |