شرح متن الورقات [11]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله: [ والخاص يقابل العام، والتخصيص تمييز بعض الجملة، وهو ينقسم إلى: متصل ومنفصل، فالمتصل: الاستثناء, والتقييد بالشرط, والتقييد بالصفة. والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في الكلام، وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء.

ومن شرطه: أن يكون متصلاً بالكلام، ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه، ويجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره].

تقدم لنا العام وذكرنا تعريفه وأنه في اللغة: الشامل، وأما في الاصطلاح فهو: اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر.

ثم بعد ذلك تكلمنا أن العام له صيغ تخصه وصيغ لا تخصه، ثم بعد ذلك تكلمنا عن صيغ العام، ثم بعد ذلك تكلمنا عن أقسام العام، ثم ذكرنا أن العام حجة مطلقاً سواء كان عاماً محفوظاً لم يدخله تخصيص، أو كان عاماً غير محفوظ قد دخله التخصيص.

لكن بقي من المسائل المتعلقة بالعام مسألتان:

المسألة الأولى: دخول النساء في الخطاب العام، فنقول: هذا لا يخلو من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الخطاب العام الذي يشمل الرجال والنساء، فهذا يدخلن فيه بالاتفاق، ومن أمثلة ذلك: قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، فقوله: (يا أيها الناس) هذا يشمل الرجال والنساء.

الأمر الثاني: ما يختص بالرجال، فهذا لا يدخل فيه النساء بالاتفاق، مثل: لفظ (رجل) أو لفظ (ذكر)، فهذا لا يدخل فيه النساء، وإن كانت القاعدة أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا لدليل، لكن من حيث دخول النساء في هذا الخطاب العام هل يدخلن أو لا يدخلن؟ نقول: لا يدخلن، لكن عندنا قاعدة وهي: أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء والعكس، إلا لدليل.

الأمر الثالث: لفظ الجموع المذكرة المضمرة والظاهرة، مثل قول الله عز وجل: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [الأعراف:31]. فقوله: (كلوا واشربوا) هذا من الجموع المذكرة، وقول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ [آل عمران:102] هذا أيضاً من الجموع المذكرة، فهل يدخل في ذلك النساء أو لا يدخلن؟ هذا موضع خلاف على رأيين، وإذا قلنا: بأنهن لا يدخلن فالقاعدة -كما سبق- أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا لدليل، فأصبح عندنا قسمان متفق عليهما، وقسم مختلف فيه.

أما القسمان المتفق عليهما فهما:

الأول: الشامل للذكور والنساء، مثل (يا أيها الناس) هذا شامل.

والثاني: ما دل على اختصاص الرجال به مثل: لفظ رجل هذا لا يدخل فيه النساء.

أما القسم المختلف فيه فهو: ألفاظ الجموع المذكرة الظاهرة والمضمرة، فهذا اختلف فيه الأصوليون.

كذلك الأرقاء هل هم داخلون في الخطاب العام أو ليسوا داخلين؟ هذا موضع خلاف، والصحيح دخولهم في ذلك، وكونهم تسقط عنهم بعض التكاليف المالية أو البدنية فلا يلزم من ذلك أنهم لا يدخلون، ونظير ذلك المريض فهو يدخل في الخطاب العام، والمسافر يدخل في الخطاب العام، والمرأة الحائض تدخل في الخطاب العام، ومع ذلك سقطت عنهم بعض التكاليف.

قال رحمه الله: (والخاص يقابل العام).

تعريف الخاص

الخاص في اللغة هو: ما يدل على الانفراد وقطع الاشتراك.

وأما في الاصطلاح فهو: اللفظ الدال على محصور.

فقولنا: (على محصور) هذا يخرج به العام؛ لأن العام هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر.

وقولنا: (اللفظ) تقدم الكلام عليه، فالخاص هو: اللفظ الدال على محصور، مثل: أسماء العدد؛ مائة وألف، هذا لفظ دال محصور، ومثل: اسم العلم؛ زيد وعمرو، هذا لفظ دال على محصور، ومثل: اسم الإشارة: هذا مجتهد، هذا لفظ دال على محصور.

تعريف التخصيص

قال: (والتخصيص تمييز بعض الجملة).

هكذا عرف المؤلف رحمه الله التخصيص بأنه: تمييز بعض الجملة، وقوله: (الجملة) الضمير هنا يعود على العام، يعني: إفراد بعض أفراد العام بحكم يخالف العام وذلك لدليل.

وهذا التعريف الذي عرف به المؤلف رحمه الله بقوله: (تمييز بعض الجملة) أي: تخصيص بعض الجملة.

وقوله: (بعض) يخرج به الكل، وهذا لا يسمى تخصيصاً وإنما يسمى نسخاً، و(بعض الجملة) هذا يعود إلى جملة العام، يعني: تخصيص بعض أفراد العام بحكم يخالف العام، والأحسن أن يقال في تعريف الخاص: هو قصر العام على بعض أفراده بدليل يدل على ذلك.

حكم الخاص

حكمه كحكم العام بالإجماع على أنه جائز، يعني: يجوز أن يخصص بعض أفراد العام بحكم مستقل لدليل، فشرط التخصيص وجود الدليل؛ لأن الأصل في القاعدة: أن العام يبقى على عمومه إلا لدليل يدل على قصر بعض أفراده بحكم مخالف.

وأيضاً: يشترط أن يكون الحكم مخالفاً للحكم العام، أما إذا كان موافقاً فإنه لا يدل على التخصيص، وتقدم لنا قريباً حديث أبي سعيد : ( لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس )، وحديث ابن عمر : ( لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ). فهنا النهي ( لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ) يشمل النهي من بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس، فنهى عن الوقتين: ما بعد الصبح وما بعد الطلوع حتى الارتفاع، ( ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس )، نهى عن الصلاة بعد صلاة العصر وعنها حال الغروب حتى يكتمل الغروب، أما حديث ابن عمر : ( لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها )، فهنا خصص النبي عليه الصلاة بذكر بعض أفراد العام.

فحديث أبي سعيد شمل أربعة أفراد، وحديث ابن عمر شمل فردين فقط، فهل هذا من باب التخصيص أو ليس من باب التخصيص؟ نقول: هذا ليس من باب التخصيص؛ لأنه ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام، نهى عن الصلاة في طلوع الشمس حال الطلوع وحال الغروب، ونهى عن الصلاة أيضاً.

ففي حديث أبي سعيد نهى عن الصلاة في أربعة أوقات، وفي حديث ابن عمر نهى عن الصلاة في وقتين، فنقول: بأن هذا ليس من التخصيص، فشرط التخصيص أن يكون الحكم مخالفاً، أما إن كان موافقاً فهذا ليس من التخصيص، وإنما ذكره الشارع لبيان أهميته، أو لتأكيد الأمر فيه.

مثال آخر: قال: أوقفت هذا البيت على طلبة العلم، ثم بعد ذلك قال: أوقفت هذا البيت على طلبة العلم في المسجد الفلاني، هل هذا يدل على التخصيص أو لا يدل على التخصيص؟ نقول: هذا لا يدل على التخصيص؛ لأنه لما قال: أوقفت هذا البيت على طلبة العلم هذا عام، وقوله: على طلبة المسجد الفلاني هذا خاص، فالحكم هنا أن هذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن الحكم موافق، فما دام أنه موافق فلا يقتضي التخصيص، لكن يدل على تأكيد طلبة العلم في المسجد الفلاني فنبدأ بهم، فإن فضل شيء في ذلك الوقت نصرفه على بقية طلبة العلم، أما إن كان مخالفاً فإنه يقتضي التخصيص، مثال ذلك: قول الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]. فهذا يشمل كل الأولاد الذكور والإناث، المسلم والكافر؛ لأن في قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] عموم نوعه مضاف إلى معرفة، وقلنا: بأن المضاف سواء كان جمعاً أو مفرداً إذا كان مضافاً إلى معرفة فإنه يقتضي العموم، فيشمل في الآية كل الأولاد الذكور والإناث، المسلم والكافر. ثم جاء قول النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ). فالحكم هنا مخالف, فنقول: بأنه يقتضي التخصيص، ما دام أن الحكم هنا مخالف.

وهذه القاعدة يستفاد منها في ألفاظ الموصين والموقفين، ويستفاد منها عند الاستدلال، فأنت تنظر في العموم وتنظر في الحكم الوارد هل هو موافق أو ليس موافقاً؟ فإن كان موافقاً قلت: هذا لا يقتضي التخصيص، وإن كان مخالفاً سلمت بأنه يقتضي التخصيص.

أقسام التخصيص

قال رحمه الله: (وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل).

التخصيص ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: تخصيص متصل، والمتصل هو: الذي لا يستقل بنفسه.

والقسم الثاني: المنفصل، والمنفصل هو: الذي يستقل بنفسه.

والمؤلف رحمه الله تكلم على التخصيص المتصل، أما المنفصل فلم يتكلم عليه، ويضرب الأصوليون أمثلة للتخصيص المنفصل، مثل: التخصيص بالحس، والتخصيص بالعقل، والتخصيص بالإجماع، والتخصيص بقول الصحابي إذا كان له حكم الرفع، والتخصيص بالقياس، والتخصيص بالمفهوم، والتخصيص بالنص، فهذه مخصصات منفصلة، ومن أمثلتها قول الله عز وجل: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النمل:23] فقوله: (كل شيء) من ألفاظ العموم، ونقول: خصصه الحس، فالحس يدل على أن هناك أشياء لكن لم تؤت بعض هذه الأشياء.

وأيضاً: قول الله عز وجل: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] فقوله: (تدمر كل شيء) هنا الحس خصص أنها لم تدمر كل الأشياء فلم تدمر السماء، ولم تدمر الجبال... إلى آخره، وبعض الأصوليين يقولون: بأن هذا ليس من قبيل التخصيص، وإنما هو عام أريد به الخاص، كما تقدم لنا في أقسام العام، كما في قول الله عز وجل: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]. وكما في قول الله عز وجل: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173].

والتخصيص بالعقل قالوا: من أمثلته: قول الله عز وجل: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، والعقل دل على أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق صفاته، وبعض الأصوليين يعارض ذلك فيقول: هذا ليس من العام المخصص بالعقل، وإنما هو عام أريد به الخاص، كما تقدم في قول الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم ).

المهم أن نفهم أن المخصص المنفصل هو: الذي يستقل بنفسه، وأما المخصص المتصل فهو: الذي لا يستقل بنفسه، بل يكون العام والخاص في نص واحد.

ومن أمثلة ذلك: قول الله عز وجل في الحديث القدسي: ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم ) فهنا خص الصوم، فـ(كل) هذه من ألفاظ العموم، فالله عز وجل خص منها الصوم.

وأيضاً: قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97] فقوله: (على الناس) الألف واللام استغراقية، يعني: يشمل كل الناس أو يستغرق كل الناس، وقوله: (حج البيت) خصصه بقوله: (من استطاع إليه سبيلاً).

الخاص في اللغة هو: ما يدل على الانفراد وقطع الاشتراك.

وأما في الاصطلاح فهو: اللفظ الدال على محصور.

فقولنا: (على محصور) هذا يخرج به العام؛ لأن العام هو اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر.

وقولنا: (اللفظ) تقدم الكلام عليه، فالخاص هو: اللفظ الدال على محصور، مثل: أسماء العدد؛ مائة وألف، هذا لفظ دال محصور، ومثل: اسم العلم؛ زيد وعمرو، هذا لفظ دال على محصور، ومثل: اسم الإشارة: هذا مجتهد، هذا لفظ دال على محصور.