شرح متن الورقات [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيما يتعلق بأصول الفقه، أي: ما يتعلق بتعريفه وموضوعه واستمداده وفائدته, هذا الشيء تكلم عليه المؤلف رحمه الله، فمثل هذه المقدمات سنرجئ الكلام عليها إن شاء الله، والمؤلف رحمه الله سيتكلم عن تعريف أصول الفقه باعتباره فناً أو باعتباره علماً على هذا الفن، وسيتكلم أيضاً عن تعريف أصول الفقه باعتباره مفردين، لكن المقدمة التي سنبدأ بها الآن سنشير فيها إشارة إلى المراحل التي مر بها أصول الفقه في التأليف، وأما بقية المقدمات فهذه نرجئها إلى مواضعها كما سيأتي إن شاء الله.

نقول: كتاب الورقات لـعبد الملك بن عبد الله الجويني رحمه الله أحد المؤلفات في أصول الفقه أو أحد المتون والمبتكرات في أصول الفقه.

واعلم أن التدوين في أصول الفقه مر بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تأليف الشافعي رحمه الله لكتاب الرسالة

المرحلة الأولى: تبدأ من عصر الشافعي رحمه الله وتنتهي بنهاية القرن الرابع الهجري تقريباً، فإن الشافعي رحمه الله هو أول من كتب في أصول الفقه، وجمعه كفن مستقل، مع أن الحنفية رحمهم الله ينازعون في ذلك ويقولون: أول من كتب في أصول الفقه هو محمد بن الحسن ، لكن المشهور والمعروف والذي عليه أكثر أهل العلم أن أول من ألف في أصول الفقه وجمعه كفن مستقل هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة خمسين ومائة للهجرة.

والذي أهَّل الشافعي رحمه الله للكتابة في أصول الفقه، أنه أخذ من مدرسة الحديث ومدرسة الرأي ومدرسة أهل مكة، فإن الشافعي رحمه الله وجد في وقته مدرسة أهل الحديث والأثر، وذلك في المدينة النبوية، فتتلمذ على يد الإمام مالك رحمه الله صاحب الموطأ، وأيضاً وجد في وقته مدرسة أهل الرأي، وهذه شيوخها أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، وغلب على مدرسة أهل الحديث والأثر جانب الرواية؛ لأن موطنها هو المدينة النبوية، والمدينة النبوية هي موطن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وغلب على جانب مدينة الرأي، الرأي والقياس؛ لأن موطنها هو الكوفة، ولم تتوفر لهم الرواية كما توفرت لأهل المدينة، بل كثرت فيها الفتن، وكثر فيها وضع الحديث.

وكلتا المدرستين -مدرسة أهل المدينة ومدرسة أهل العراق- تتفقان على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة، فـالشافعي رحمه الله استطاع أن يجمع بين هاتين المدرستين، فقد تتلمذ على يد الإمام مالك رحمه الله في المدينة، وحفظ الموطأ، وتتلمذ أيضاً على يد محمد بن الحسن الحنفي رحمه الله وأخذ منه، فجمع بين منهج الحديث والأثر ومنهج أهل الرأي.

كما أن الشافعي رحمه الله استفاد من مدرسة أهل مكة المكرمة، والمدرسة المكية عنيت فيما يتعلق بالقرآن الكريم وتفسيره، وأسباب نزوله، ولغة العرب وعاداتهم، كما أن الشافعي رحمه الله خرج إلى هذيل وهي من أفصح قبائل العرب لكي يتعلم أو لكي يأخذ عنها لغتها، فأخذ عنها لغتها وحفظ عنها كثيراً من أشعارها، فبهذه الأمور استطاع الشافعي رحمه الله أن يصنع من خلالها أصول الفقه، يعني أن يصنع للفقهاء أصولاً للاستنباط، وقواعد للاستدلال، وضوابط للاجتهاد، فصنف كتاب الرسالة.

قال الإمام أحمد رحمه الله: كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الشافعي ، وقال: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث.

وكتاب الرسالة ألفه الشافعي رحمه الله وكتبه مرتين، وكان له مذهبان: المذهب القديم والمذهب الجديد، فالمذهب القديم كان في العراق قبل دخول مصر، والمذهب الجديد كان بعد دخول مصر، فـالشافعي رحمه الله كتب الرسالة مرتين: الرسالة القديمة، والرسالة الجديدة، والمطبوع الآن والمتعارف عليه هو الرسالة الجديدة.

وسبب كتابة الشافعي رحمه الله للرسالة أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله كتب للشافعي يطلب منه كتاباً يذكر فيه شرائط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوص، فكتب الرسالة، وأوصلها إليه، فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال: ما ظننت أن الله تعالى خلق مثل هذا الرجل، ثم قال: ما أصلي صلاةً إلا دعوت للشافعي .

ويقال في الرسالة: بأن الشافعي رحمه الله كتبها من حفظه، وأراد فيها الاختصار.

وتشتمل مواضيع الرسالة على حجية السنة، وحجية خبر الآحاد، ومنزلة السنة من الكتاب، ومنزلة الإجماع والقياس، والناسخ والمنسوخ، وصفة النهي، والمجمل والمبين والعام والخاص، وكذلك أيضاً التعارض.. إلى آخره.

المرحلة الثانية: ظهور الخطيب البغدادي وابن عبد البر وظهور بعض كتب المتكلمين

المرحلة الثانية: وهذه المرحلة تبدأ من أوائل القرن الخامس إلى نهاية القرن السابع، وقد برز في هذه الفترة أو المرحلة شيخان كبيران: أما الأول: فهو الخطيب البغدادي صاحب كتاب الفقيه والمتفقه في الأصول الذي جعله نصيحةً لأهل الحديث، ويعتبر كتاب الخطيب البغدادي رحمه الله امتداداً لكتاب الرسالة للشافعي ، لكنه أضاف إليه بعض المسائل المتعلقة بأدلة الفقه.

وأما الإمام الثاني: فهو ابن عبد البر رحمه الله صاحب كتاب جامع بيان العلم وفضله، وهذا الكتاب يشتمل على أمرين:

أما الأمر الأول: فهو فضل العلم وآداب أهله.

وأما الأمر الثاني: فهو فيما يتعلق بالمباحث الأصولية، مثل أدلة الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وكذلك أيضاً ما يتعلق بالتخريج، والاجتهاد، والفتوى.

وكذلك أيضاً من الكتب التي كتبت في هذه المرحلة تقويم النظر لـأبي زيد الدبوسي وهو من علماء الحنفية، وتوسع رحمه الله فيما يتعلق بالقياس، وأدخل في كتابه كثيراً من كلام المتكلمين، وكذلك أيضاً الغزالي رحمه الله ألف كتابه المستصفى، وأيضاً أدخل فيه كثيراً من كلام المتكلمين، والمستصفى هذا اختصره ابن قدامة رحمه الله في كتابه روضة الناظر.

وفي هذه الفترة من مراحل التدوين كثرت كتب المتكلمين الأصوليين، ودخل علم الكلام في أصول الفقه، مثل: كتب الباقلاني والجويني والغزالي والرازي ، كما ظهرت كتب في أصول الفقه للمعتزلة، مثل: القاضي عبد الجبار ، وأبي الحسين البصري في كتابه المعتمد.

المرحلة الثالثة: اتساع جهود المتكلمين الأصوليين وبروز ابن تيمية وابن القيم

المرحلة الثالثة من كتابة أصول الفقه: وتبدأ من بداية القرن الثامن إلى نهاية القرن العاشر، وفي هذه الفترة اتسعت جهود المتكلمين الأصولية، وتوفرت كتبهم من المختصرات، وكذلك أيضاً الشروح، مثل المحصول للرازي ، ومثل إحكام الأحكام للآمدي ، ومثل كتاب منهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب ، وهذه الكتب لم تقتصر على أصول الفقه وإنما دخلها علم الكلام والمنطق.

وفي هذه المرحلة برز شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وكذلك أيضاً ابن القيم ، وكانت لهم جهود تتلخص فيما يلي:

أولاً: تأصيل قواعد أهل السنة والجماعة، والرجوع إلى ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل الصحيح والفطرة، وعدم الالتفات إلى المناهج الكلامية والطرق الفلسفية، وهذا يظهر في كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تحكيم النقل عند تعارض العقل والنقل.

والأمر الثاني: الرد على الباطل وكشف بطلانه، وهذا يظهر كما تقدم في الكتب السابقة، وفي هذه المرحلة وجدت بعض المؤلفات لبعض أهل السنة والجماعة، لكن شابها علم الكلام الموجود فيها، ومن مؤلفات الحنابلة في أصول الفقه كتاب روضة الناظر، وتحرير المنقول وتهذيب علم الأصول للمرداوي صاحب الإنصاف، ثم جاء ابن النجار واختصر كتاب المرداوي في كتاب مختصر التحرير وهو موجود الآن، ثم بعد ذلك شرح مختصر التحرير في كتاب اسمه الكوكب المنير وهو موجود الآن أيضاً.

وكذلك أيضاً من كتب أصول الفقه عند الحنابلة مختصر ابن اللحام وشرح مختصر ابن اللحام .

وأيضاً من كتب الحنابلة قواعد الأصول ومعاقد الفصول لـعبد المؤمن الحنبلي .

والمشهور عند الحنابلة هو روضة الناظر لـابن قدامة رحمه الله، وتقدم أن ابن قدامة رحمه الله استقاه في كتاب المختصر، وكذلك أيضاً من المشهور عندهم الآن مختصر التحرير لـابن النجار وشرحه الكوكب المنير.

المرحلة الأولى: تبدأ من عصر الشافعي رحمه الله وتنتهي بنهاية القرن الرابع الهجري تقريباً، فإن الشافعي رحمه الله هو أول من كتب في أصول الفقه، وجمعه كفن مستقل، مع أن الحنفية رحمهم الله ينازعون في ذلك ويقولون: أول من كتب في أصول الفقه هو محمد بن الحسن ، لكن المشهور والمعروف والذي عليه أكثر أهل العلم أن أول من ألف في أصول الفقه وجمعه كفن مستقل هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة خمسين ومائة للهجرة.

والذي أهَّل الشافعي رحمه الله للكتابة في أصول الفقه، أنه أخذ من مدرسة الحديث ومدرسة الرأي ومدرسة أهل مكة، فإن الشافعي رحمه الله وجد في وقته مدرسة أهل الحديث والأثر، وذلك في المدينة النبوية، فتتلمذ على يد الإمام مالك رحمه الله صاحب الموطأ، وأيضاً وجد في وقته مدرسة أهل الرأي، وهذه شيوخها أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، وغلب على مدرسة أهل الحديث والأثر جانب الرواية؛ لأن موطنها هو المدينة النبوية، والمدينة النبوية هي موطن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وغلب على جانب مدينة الرأي، الرأي والقياس؛ لأن موطنها هو الكوفة، ولم تتوفر لهم الرواية كما توفرت لأهل المدينة، بل كثرت فيها الفتن، وكثر فيها وضع الحديث.

وكلتا المدرستين -مدرسة أهل المدينة ومدرسة أهل العراق- تتفقان على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة، فـالشافعي رحمه الله استطاع أن يجمع بين هاتين المدرستين، فقد تتلمذ على يد الإمام مالك رحمه الله في المدينة، وحفظ الموطأ، وتتلمذ أيضاً على يد محمد بن الحسن الحنفي رحمه الله وأخذ منه، فجمع بين منهج الحديث والأثر ومنهج أهل الرأي.

كما أن الشافعي رحمه الله استفاد من مدرسة أهل مكة المكرمة، والمدرسة المكية عنيت فيما يتعلق بالقرآن الكريم وتفسيره، وأسباب نزوله، ولغة العرب وعاداتهم، كما أن الشافعي رحمه الله خرج إلى هذيل وهي من أفصح قبائل العرب لكي يتعلم أو لكي يأخذ عنها لغتها، فأخذ عنها لغتها وحفظ عنها كثيراً من أشعارها، فبهذه الأمور استطاع الشافعي رحمه الله أن يصنع من خلالها أصول الفقه، يعني أن يصنع للفقهاء أصولاً للاستنباط، وقواعد للاستدلال، وضوابط للاجتهاد، فصنف كتاب الرسالة.

قال الإمام أحمد رحمه الله: كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الشافعي ، وقال: لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث.

وكتاب الرسالة ألفه الشافعي رحمه الله وكتبه مرتين، وكان له مذهبان: المذهب القديم والمذهب الجديد، فالمذهب القديم كان في العراق قبل دخول مصر، والمذهب الجديد كان بعد دخول مصر، فـالشافعي رحمه الله كتب الرسالة مرتين: الرسالة القديمة، والرسالة الجديدة، والمطبوع الآن والمتعارف عليه هو الرسالة الجديدة.

وسبب كتابة الشافعي رحمه الله للرسالة أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله كتب للشافعي يطلب منه كتاباً يذكر فيه شرائط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوص، فكتب الرسالة، وأوصلها إليه، فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال: ما ظننت أن الله تعالى خلق مثل هذا الرجل، ثم قال: ما أصلي صلاةً إلا دعوت للشافعي .

ويقال في الرسالة: بأن الشافعي رحمه الله كتبها من حفظه، وأراد فيها الاختصار.

وتشتمل مواضيع الرسالة على حجية السنة، وحجية خبر الآحاد، ومنزلة السنة من الكتاب، ومنزلة الإجماع والقياس، والناسخ والمنسوخ، وصفة النهي، والمجمل والمبين والعام والخاص، وكذلك أيضاً التعارض.. إلى آخره.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح متن الورقات [3] 2755 استماع
شرح متن الورقات [11] 2360 استماع
شرح متن الورقات [23] 2273 استماع
شرح متن الورقات [15] 2234 استماع
شرح متن الورقات [7] 2071 استماع
شرح متن الورقات [2] 2042 استماع
شرح متن الورقات [18] 2027 استماع
شرح متن الورقات [17] 1971 استماع
شرح متن الورقات [20] 1945 استماع
شرح متن الورقات [25] 1925 استماع