شرح عمدة الفقه - كتاب الصيام [4]


الحلقة مفرغة

كنا في الدرس السابق شرعنا في أحكام صيام التطوع، وذكرنا أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التطوع ينقسم إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: تطوع حافظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

القسم الثاني: تطوع رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُحفظ عنه، كصيام يوم وإفطار يوم، وكصيام شهر الله المحرم، وكصيام الإثنين ... إلى آخره.

والقسم الثالث: تطوع أكثر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صيام شهر شعبان.

والقسم الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم، إذا وجد الفراغ سرد الصوم كما ذكرت عائشة : (كان يصوم حتى نقول: لا يُفطر، ويُفطر حتى نقول: لا يصوم)، فكان أحياناً يسرد الصوم، وأحياناً يسرد الفطر حسب ما يتعلق به عليه الصلاة والسلام من أعمال.

صوم الست من شوال

قال المؤلف رحمه الله: [ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله].

ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله)، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بشهرين، فيكون كأنه صام الدهر كله.

وهل الأفضل أن يوالي هذه الست مع رمضان أو أنه يفصلها عن رمضان؟

هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، والذي يظهر -والله أعلم- أن السنة أن يواليها؛ لظاهر الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أتبعه ستاً من شوال)، فيتمكن المسلم أن يُتبع هذه الأيام الستة برمضان مباشرة، فهذا يظهر أنه أفضل، ولأنه أسرع في الخير، وأحوط لصيام هذه الأيام.

وهل إذا كان عليه قضاء يُقدم هذه الأيام الستة على القضاء أم أنه لابد أن يقضي أولاً؟

نقول: لابد أن يقضي أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، وإذا صام هذه الأيام الستة قبل أن يقضي عليه، فإنه يكون قد أتبع هذه الأيام بعضاً من رمضان، ولم يكن مُتبعاً لرمضان، وإنما أتبع بعضاً من رمضان، فهذا هو الأقرب في هذه المسألة، وسواء صام هذه الأيام الستة متتابعة أو متفرقة.

صوم عاشوراء

قال المؤلف رحمه الله: [وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة].

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، يقول المؤلف رحمه الله: صيامه كفارة سنة، ودليل ذلك حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوم عرفة يُكفر سنتين، سنة ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يُكفر سنة ماضية)، رواه مسلم .

فيوم عاشوراء يُكفر سنة، وهو كما ذكرنا اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويُستحب أن يصوم قبله اليوم التاسع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع).

هذا أفضل شيء أن يصوم التاسع والعاشر، ولو أنه اقتصر على صيام يوم عاشوراء وأفرده فإن هذا لا يُكره، يعني لا بأس أن يُفرد عاشوراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده في أول الأمر وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، يعني مع العاشر كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم ، لكن الأفضل أن نصوم التاسع مخالفة لأهل الكتاب، والمخالفة هنا ليست واجبة وإنما هي مستحبة، المخالفة هنا مستحبة؛ لأن العمل مشروع عندهم وعندنا، فلا تجب المخالفة في هذه الحالة، فلو أفرد يوم عاشوراء بالصيام فإنه مشروع، ويؤجر ويدرك الفضل، ولا كراهة في عمله وإن خالف الأفضل.

صوم يوم عرفة

قال المؤلف رحمه الله: [وصيام يوم عرفة كفارة سنتين].

لما تقدم من حديث أبي قتادة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة يُكفر سنتين ماضية ومستقبلة).

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يُستحب لمن بعرفة أن يصومه].

لا يُستحب لمن بعرفة أن يصومه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه كما في حديث أم الفضل في الصحيحين (أنهم تماروا في يوم عرفة هل صامه الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فبعثت إليه بلبن فشرب)، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوع عرفة، فمن كان حاجاً مُحرماً في ذلك اليوم فإنه لا يُستحب له أن يصومه، أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه، وثانياً: لكي يتقوى في ذلك اليوم على الدعاء، ويُكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى.

صوم أيام البيض

قال المؤلف رحمه الله: [ويُستحب صيام أيام البيض].

أيام البيض هي اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، وسُميت بأيام البيض لابيضاض القمر فيها، ويدل لذلك حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاثة عشرة وأربعة عشرة وخمس عشرة) رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهذا الحديث في سنده اختلاف، فمن العلماء كـأبي زرعة رحمه الله تعالى رجح رفعه، ومن العلماء من لم يُرجح رفعه.

وعلى كل حال صيام ثلاثة أيام من كل شهر ثابت في الصحيحين كما في حديث عبد الله بن عمرو ، وأن صيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الدهر كله.

صوم يوم الإثنين والخميس

قال المؤلف رحمه الله: [والاثنين].

يُستحب صيام يوم الاثنين، ويدل لذلك حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن صيام يوم الإثنين فقال: ذلك يوم ولدت فيه، وأُنزل عليّ فيه، أو بُعثت فيه).

قال المؤلف رحمه الله: [والخميس].

لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الإثنين والخميس، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والنسائي ، وله شواهد وفي إسناده خلاف، لكن له شواهد كحديث أبي ذر في سنده اختلاف لكن له شواهد.

إفطار الصائم المتطوع

قال المؤلف رحمه الله: [والصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر ولا قضاء عليه].

المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر، لكن يُكره إبطال العمل الصالح؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] ، فإبطال العمل الصالح مكروه إلا لحاجة، فإن احتاج إلى ذلك فإن هذا جائز ولا بأس به.

ويدل على جواز إبطال العمل حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات يوم، قال: هل عندكم من شيء؟ قالت: فقدمت له حيساً، فقال: لقد أصبحت صائماً، فأكل منه)، رواه مسلم في صحيحه، فكون النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه هذا يدل على أنه لا بأس أن يُفطر الصائم إذا كان صيامه تطوعاً.

وقول المؤلف: (والصائم المتطوع) يُخرج من صام صوماً واجباً، كصيام نذر أو كصيام قضاء ونحو ذلك، فإنه إذا صام صوماً واجباً فإنه لا يجوز له أن يقطعه؛ لأن الواجب يجب عليه أن يُتمه، ولا يجوز له أن يخرج منه.

قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك سائر التطوع].

كذلك سائر التطوع من صلاة واعتكاف ونحو ذلك، هذا كله يجوز لمن شرع فيه أن يخرج منه، لكن كما ذكرنا يُكره أن يُبطل العمل لغير حاجة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] ، فإن كان هناك حاجة فإن الكراهة تزول بالحاجة.

قال المؤلف رحمه الله: [إلا الحج والعمرة فإنه يجب إتمامهما وقضاء ما فسد منهما].

الحج والعمرة ولو كان تطوعاً فإنه يجب إتمامهما؛ لقول الله سبحانه وتعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] ، فإذا شرع في نسك الحج أو نسك العمرة فإنه يجب عليه أن يتمهما؛ لما تقدم من الآية، ولأن الله سبحانه وتعالى قال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] ، فشبه الله سبحانه وتعالى الإحرام بالحج بالنذر، والنذر يجب الوفاء به، (من نذر أن يطيع الله فليطعه).

قال: (فيجب إتمامهما)، فإذا شرع في نسك الحج أو العمرة ما يخرج منهما إلا بواحد من أمور ثلاثة:

الأمر الأول: إتمام النسك.

الأمر الثاني: الإحصار، إذا حصل إحصار ومُنع من إتمام نسكه، فإنه يتحلل كما هو معروف عند أهل العلم رحمهم الله، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية لما حُصر ومُنع من الحرم، تحلل النبي صلى الله عليه وسلم.

والأمر الثالث: الرِدة نسأل الله السلامة بمنه وكرمه.

قال: (وقضاء ما فسد منهما)، متى يفسد الحج؟ نقول: يفسد الحج إذا جامع فيه، إذا جامع في الحج قبل التحلل الأول فإن حجه يفسد، ويجب عليه أن يقضيه، ويمضي في هذا الحج الفاسد، وكذلك أيضا إذا جامع في العمرة قبل نهاية السعي فإن عمرته تفسد عليه، ويجب عليه أن يمضي في هذا الفاسد وأن يقضيه كما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم في قضاء الحج الفاسد.

قال المؤلف رحمه الله: [ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله].

ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله)، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، وستة أيام بشهرين، فيكون كأنه صام الدهر كله.

وهل الأفضل أن يوالي هذه الست مع رمضان أو أنه يفصلها عن رمضان؟

هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، والذي يظهر -والله أعلم- أن السنة أن يواليها؛ لظاهر الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم أتبعه ستاً من شوال)، فيتمكن المسلم أن يُتبع هذه الأيام الستة برمضان مباشرة، فهذا يظهر أنه أفضل، ولأنه أسرع في الخير، وأحوط لصيام هذه الأيام.

وهل إذا كان عليه قضاء يُقدم هذه الأيام الستة على القضاء أم أنه لابد أن يقضي أولاً؟

نقول: لابد أن يقضي أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال)، وإذا صام هذه الأيام الستة قبل أن يقضي عليه، فإنه يكون قد أتبع هذه الأيام بعضاً من رمضان، ولم يكن مُتبعاً لرمضان، وإنما أتبع بعضاً من رمضان، فهذا هو الأقرب في هذه المسألة، وسواء صام هذه الأيام الستة متتابعة أو متفرقة.

قال المؤلف رحمه الله: [وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة].

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، يقول المؤلف رحمه الله: صيامه كفارة سنة، ودليل ذلك حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوم عرفة يُكفر سنتين، سنة ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يُكفر سنة ماضية)، رواه مسلم .

فيوم عاشوراء يُكفر سنة، وهو كما ذكرنا اليوم العاشر من شهر الله المحرم، ويُستحب أن يصوم قبله اليوم التاسع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع).

هذا أفضل شيء أن يصوم التاسع والعاشر، ولو أنه اقتصر على صيام يوم عاشوراء وأفرده فإن هذا لا يُكره، يعني لا بأس أن يُفرد عاشوراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفرده في أول الأمر وقال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)، يعني مع العاشر كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم ، لكن الأفضل أن نصوم التاسع مخالفة لأهل الكتاب، والمخالفة هنا ليست واجبة وإنما هي مستحبة، المخالفة هنا مستحبة؛ لأن العمل مشروع عندهم وعندنا، فلا تجب المخالفة في هذه الحالة، فلو أفرد يوم عاشوراء بالصيام فإنه مشروع، ويؤجر ويدرك الفضل، ولا كراهة في عمله وإن خالف الأفضل.

قال المؤلف رحمه الله: [وصيام يوم عرفة كفارة سنتين].

لما تقدم من حديث أبي قتادة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة يُكفر سنتين ماضية ومستقبلة).

قال المؤلف رحمه الله: [ولا يُستحب لمن بعرفة أن يصومه].

لا يُستحب لمن بعرفة أن يصومه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه كما في حديث أم الفضل في الصحيحين (أنهم تماروا في يوم عرفة هل صامه الرسول صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فبعثت إليه بلبن فشرب)، مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوع عرفة، فمن كان حاجاً مُحرماً في ذلك اليوم فإنه لا يُستحب له أن يصومه، أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه، وثانياً: لكي يتقوى في ذلك اليوم على الدعاء، ويُكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [22] 2513 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [1] 2461 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [4] 2439 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [12] 2420 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [2] 2394 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [14] 2349 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الطهارة [2] 2348 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب النكاح [1] 2310 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة [23] 2303 استماع
شرح عمدة الفقه - كتاب الزكاة [6] 2298 استماع