شرح زاد المستقنع - كتاب الديات [6]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل في كفارة القتل:

من قتل نفساً محرمةً خطأً مباشرة أو تسبباً فعليه الكفارة.

باب القسامة: وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم، ومن شرطها اللوث: وهو العداوة الظاهرة كالقبائل التي يطلب بعضها بعضاً بالثأر، فمن ادعي عليه القتل من غير لوث حلف يميناً واحدةً وبرئ، ويبدأ بأيمان الرجال من ورثة الدم فيحلفون خمسين يميناً، فإن نكل الورثة أو كانوا نساءً حلف المدعى عليه خمسين يميناً وبرئ].

تقدم لنا ما يتعلق بالعاقلة، وذكرنا من هي العاقلة، ومن الذي يتحمل العقل -أي: الدية- وما شرطه، وكذلك هل العاقلة تحمل العمد؟ وهل تحمل الصلح؟ وهل تحمل الاعتراف مع الإنكار؟ وهل تحمل ما دون الثلث أو لا تحمل شيئاً من ذلك؟

كذلك تقدم ما يتعلق بكفارة القتل، وأن الكفارة في اللغة: الستر، والتغطية، والجحود.

وأما في الاصطلاح: فهي ما يخرجه من قتل خطأً أو شبه عمد من إعتاق أو صيام. يعني: ما يفعله من قتل خطأً أو شبه عمد من إعتاق أو صيام.

وتقدم شروط وجوب الكفارة في قتل الخطأ أو شبه العمد، وأما العمد فتقدم لنا أيضاً أن أكثر أهل العلم يرون أن العمد لا تجب فيه الكفارة، خلافاً للشافعي رحمه الله تعالى، فإنه يرى أن الكفارة واجبة فيه.

وتقدم أن من شروط وجوب الكفارة أن تكون النفس المقتولة معصومة، وهل إذا قتل نفسه تجب الكفارة في تركته أو لا تجب؟

وكذلك سبق لنا هل يشترط لوجوب الكفارة أن يكون المقتول مسلماً أو أنها تجب حتى في قتل الكافر؟ وهل يشترط أن يكون حراً أو لا يشترط بل تجب الكفارة في قتل الرقيق؟

كفارة القتل إذا كان عن طريق التسبب

قال رحمه الله: (من قتل نفساً محرمة مباشرة أو تسبباً).

القتل إما أن يكون مباشرة أو تسبباً، فإن كان مباشرةً فهذا تجب فيه الكفارة، لكن إذا كان عن طريق التسبب، فهل تجب الكفارة أو لا تجب؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو قول جمهور أهل العلم: أن الكفارة تجب في القتل، سواء كان مباشرة أو تسبباً؛ لعموم الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92].

والرأي الثاني رأي الحنفية: وهو قتل التسبب لا تجب فيه الكفارة؛ لأنهم يرون أن قتل التسبب أدنى من القتل مباشرة .. إلخ. والصحيح في هذا هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لعموم الآية.

الكفارة على القاتل الكافر

الشرط الثامن من شروط وجوب الكفارة: هل يشترط أن يكون القاتل مسلماً، أو تجب حتى على الكافر؟

المسلم تقدم أن الكفارة تجب عليه بالإجماع، لكن هل الكافر تجب عليه الكفارة أو لا تجب عليه؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو المشهور من المذهب ومذهب الشافعية: أنه لا فرق بين المسلم والكافر، فالكافر تجب عليه الكفارة لعموم الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، ولأن الحدود تجب على الكافر الملتزم لأحكام الشريعة، فإذا كانت الحدود تجب عليه وهي عقوبات فكذلك تجب عليه الكفارة أيضاً.

والرأي الثاني: رأي الحنفية والمالكية: أن الكافر لا تجب عليه الكفارة؛ لأن الكفارة عبادة خالصة فلا تجب على الكافر كالصوم والصلاة.

والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أن الكفارة تجب على الكافر كما أنها تجب على المسلم، وهي داخلة في العمومات.

صحيح أنه لا يكفر بالصيام؛ لأن الصيام عبادة بدنية لا تصح منه، لكن يكفر بالإعتاق وأروش الجنايات والديات وكذلك ما يتعلق بالكفارة.

الكفارة على القاتل غير مكلف

الشرط التاسع: هل يشترط أن يكون القاتل مكلفاً أو لا يشترط؟ فلو قتل المجنون أو قتل الصبي عن طريق هذه الحوادث فهل تجب عليه الكفارة، أو نقول: بأن الكفارة لا تجب عليه؟ الحنفية يقولون: يشترط التكليف لوجوب الكفارة فلا تجب على الصبي ولا على المجنون؛ لأن القلم مرفوع عنهم، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (رفع القلم عن ثلاثة)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم: (المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يبلغ). ولأن الكفارة شرعت لمحو الذنب، وغير المكلف لا ذنب عليه.

والرأي الثاني وهو قول أكثر أهل العلم: أن الكفارة تجب على الصبي والمجنون؛ لعموم الآية، ولأن الكفارة حق مالي فكما أن الزكاة تجب في أموالهم وكذلك أيضاً ما يتعلق بالنفقات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، والزكوات فكذلك أيضاً ما يتعلق بالكفارة تجب في أموالهم.

والذي يظهر والله أعلم: أن ما ذهب إليه الحنفية هو الأقرب في هذه المسألة وأنه يشترط لوجوب الكفارة أن يكون مكلفاً، وعلى هذا إذا قتل الصبي أو المجنون فإنه لا كفارة في قتلهما؛ لأن القلم مرفوع عنهما، صحيح أن الواجبات المالية تجب عليهما من الزكوات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات وغير ذلك إلا أن الكفارة مركبة فليست مالاً محضاً، بل هي مركبة من المال والبدن، فهي مركبة من الإعتاق والصيام، فيظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه الحنفية أقرب.

الكفارة في قتل الجنين

الشرط العاشر: هل يشترط أن يكون المقتول متحقق الحياة أو ليس شرطاً؟

عند المالكية يشترط أن يكون المقتول متحقق الحياة، وعلى هذا لا تجب الكفارة في قتل الجنين، وهذا مذهب المالكية وكذلك أيضاً هو مذهب الحنفية؛ لأن الجنين حياته ليست متحققة، ويستدلون بحديث أبي هريرة في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن هذه المرأة قتلت هذه المرأة وما في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالغرة -دية الجنين- إلا أنه لم يقضِ بالكفارة.

والرأي الثاني: رأي الحنابلة والشافعية وهذا أيضاً هو قول الظاهرية، قالوا: بأن الكفارة تجب في قتل الجنين؛ لعموم الآية؛ ولأن هذا وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه.

لكن من هو الجنين التي تجب الكفارة في قتله؟

للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنه من تبين فيه خلق إنسان، بمعنى أنه إذا جني على المرأة فأسقطت وتبين فيه خلق إنسان وجبت الكفارة والدية بقتله كما سلف، أما الدية فتقدم لنا أقسام الجنين.

الرأي الثاني: أن الجنين التي تجب الكفارة بقتله هو من نفخت فيه الروح، وعلى هذا إذا لم تنفخ الروح فيه فإنه لا تجب الكفارة بقتله، فلو أسقطت دماً مجتمعاً، أو مضغة لم يتبين فيها خلق إنسان، أو تبين فيها خلق الإنسان إلا أنه لم ينفخ فيها الروح فهنا لا تجب الكفارة؛ لأنه إذا لم تنفخ فيه الروح فليس هناك إزهاق للنفس، والكفارة إنما وجبت حرمة للنفس والمناط إنما هو في نفخ الروح، فإذا نفخت فيه الروح وجبت الكفارة بقتله، وإذا لم تنفخ فيه الروح فإن الكفارة لا تجب في قتله، وهذا القول هو أحسن الأقوال في هذه المسألة وهو رأي الظاهرية.

الكفارة على الرقيق إذا قتل

الرقيق إذا قتل كالحر تجب الكفارة عليه، لكن هل يكفر بالإعتاق؟ الرقيق يكفر بالصيام بالاتفاق؛ لأن الصيام عبادة بدنية محضة يتمكن منها الرقيق.

أما بالنسبة للعتق: إذا لم يأذن له سيده فإنه لا مال له، وحينئذٍ لا يكفر بالعتق، لكن إن أذن له سيده في العتق، بمعنى أن سيده ملكه رقيقاً يعتقه، أو أنه أعتقه السيد عن رقيقه، فهل هذا مجزئ أو ليس مجزئاً؟

بمعنى: هل يصح من الرقيق أن يعتق في الكفارة، أو نقول: بأنه لا يصح منه والواجب عليه هو الصيام لتمكنه من الصيام؟

الرأي الأول: جمهور العلماء أن الرقيق لا يتمكن من الإعتاق؛ لأن الإعتاق يترتب عليه الولاء والميراث والولاية، وهذه الأشياء لا تمكن من الرقيق، فقالوا: بأن الرقيق لا يكفر إلا بالصيام، ولأن الرقيق لا يملك ولو ملك فإن ملكه ضعيف.

الرأي الثاني: أنه يمكن أن يكفر الرقيق بالإعتاق، فإذا أذن له سيده في ذلك ومكنه من الرقبة التي يعتقها عن الكفارة فإن هذا مجزئ؛ لأن الأصل في ذلك -كما سلف لنا- هو تساوي الأحرار والأرقة في الأحكام البدنية المحضة، وهنا أذن له سيده في ذلك فما المحذور من ذلك؟

وأما كون الرقيق لا يرث فلأن الرقيق إذا أعتق فإنه يترتب عليه الولاء للمعتق، وسيترتب عليه الميراث، ويترتب عليه الولاية ونحو ذلك، والرقيق لا يملك مثل هذه الأشياء، نقول: كونه تمتنع عليه بعض الأحكام فهذا لا يلزم منه امتناع كافة الأحكام.

فيظهر -والله أعلم- أنه إذا أذن له سيده في الإعتاق وأعتق فإنه يجزئه ذلك عن الكفارة، وإن امتنعت بعض الأحكام، مثلاً: الميراث يشترط عدم المانع في الميراث.

ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث

رق وقتل واختلاف دين

فكونه رقيق هنا لا يرث.

والخلاصة في ذلك -والذي يظهر والله أعلم- أنه إذا أذن له سيده في ذلك ومكنه من الإعتاق فإنه يجزئه ذلك، وكونه يمتنع عليه بعض الأحكام لا يلزم من ذلك أن تكون جميع الأحكام ممتنعة عليه.

قال رحمه الله: (من قتل نفساً محرمة مباشرة أو تسبباً).

القتل إما أن يكون مباشرة أو تسبباً، فإن كان مباشرةً فهذا تجب فيه الكفارة، لكن إذا كان عن طريق التسبب، فهل تجب الكفارة أو لا تجب؟ للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو قول جمهور أهل العلم: أن الكفارة تجب في القتل، سواء كان مباشرة أو تسبباً؛ لعموم الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92].

والرأي الثاني رأي الحنفية: وهو قتل التسبب لا تجب فيه الكفارة؛ لأنهم يرون أن قتل التسبب أدنى من القتل مباشرة .. إلخ. والصحيح في هذا هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لعموم الآية.

الشرط الثامن من شروط وجوب الكفارة: هل يشترط أن يكون القاتل مسلماً، أو تجب حتى على الكافر؟

المسلم تقدم أن الكفارة تجب عليه بالإجماع، لكن هل الكافر تجب عليه الكفارة أو لا تجب عليه؟ للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول وهو المشهور من المذهب ومذهب الشافعية: أنه لا فرق بين المسلم والكافر، فالكافر تجب عليه الكفارة لعموم الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ [النساء:92]، ولأن الحدود تجب على الكافر الملتزم لأحكام الشريعة، فإذا كانت الحدود تجب عليه وهي عقوبات فكذلك تجب عليه الكفارة أيضاً.

والرأي الثاني: رأي الحنفية والمالكية: أن الكافر لا تجب عليه الكفارة؛ لأن الكفارة عبادة خالصة فلا تجب على الكافر كالصوم والصلاة.

والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة أن الكفارة تجب على الكافر كما أنها تجب على المسلم، وهي داخلة في العمومات.

صحيح أنه لا يكفر بالصيام؛ لأن الصيام عبادة بدنية لا تصح منه، لكن يكفر بالإعتاق وأروش الجنايات والديات وكذلك ما يتعلق بالكفارة.

الشرط التاسع: هل يشترط أن يكون القاتل مكلفاً أو لا يشترط؟ فلو قتل المجنون أو قتل الصبي عن طريق هذه الحوادث فهل تجب عليه الكفارة، أو نقول: بأن الكفارة لا تجب عليه؟ الحنفية يقولون: يشترط التكليف لوجوب الكفارة فلا تجب على الصبي ولا على المجنون؛ لأن القلم مرفوع عنهم، وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: (رفع القلم عن ثلاثة)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم: (المجنون حتى يفيق، والصبي حتى يبلغ). ولأن الكفارة شرعت لمحو الذنب، وغير المكلف لا ذنب عليه.

والرأي الثاني وهو قول أكثر أهل العلم: أن الكفارة تجب على الصبي والمجنون؛ لعموم الآية، ولأن الكفارة حق مالي فكما أن الزكاة تجب في أموالهم وكذلك أيضاً ما يتعلق بالنفقات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، والزكوات فكذلك أيضاً ما يتعلق بالكفارة تجب في أموالهم.

والذي يظهر والله أعلم: أن ما ذهب إليه الحنفية هو الأقرب في هذه المسألة وأنه يشترط لوجوب الكفارة أن يكون مكلفاً، وعلى هذا إذا قتل الصبي أو المجنون فإنه لا كفارة في قتلهما؛ لأن القلم مرفوع عنهما، صحيح أن الواجبات المالية تجب عليهما من الزكوات، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات وغير ذلك إلا أن الكفارة مركبة فليست مالاً محضاً، بل هي مركبة من المال والبدن، فهي مركبة من الإعتاق والصيام، فيظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه الحنفية أقرب.

الشرط العاشر: هل يشترط أن يكون المقتول متحقق الحياة أو ليس شرطاً؟

عند المالكية يشترط أن يكون المقتول متحقق الحياة، وعلى هذا لا تجب الكفارة في قتل الجنين، وهذا مذهب المالكية وكذلك أيضاً هو مذهب الحنفية؛ لأن الجنين حياته ليست متحققة، ويستدلون بحديث أبي هريرة في قصة المرأتين اللتين اقتتلتا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوجب الكفارة فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن هذه المرأة قتلت هذه المرأة وما في بطنها، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالغرة -دية الجنين- إلا أنه لم يقضِ بالكفارة.

والرأي الثاني: رأي الحنابلة والشافعية وهذا أيضاً هو قول الظاهرية، قالوا: بأن الكفارة تجب في قتل الجنين؛ لعموم الآية؛ ولأن هذا وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه.

لكن من هو الجنين التي تجب الكفارة في قتله؟

للعلماء رحمهم الله تعالى في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنه من تبين فيه خلق إنسان، بمعنى أنه إذا جني على المرأة فأسقطت وتبين فيه خلق إنسان وجبت الكفارة والدية بقتله كما سلف، أما الدية فتقدم لنا أقسام الجنين.

الرأي الثاني: أن الجنين التي تجب الكفارة بقتله هو من نفخت فيه الروح، وعلى هذا إذا لم تنفخ الروح فيه فإنه لا تجب الكفارة بقتله، فلو أسقطت دماً مجتمعاً، أو مضغة لم يتبين فيها خلق إنسان، أو تبين فيها خلق الإنسان إلا أنه لم ينفخ فيها الروح فهنا لا تجب الكفارة؛ لأنه إذا لم تنفخ فيه الروح فليس هناك إزهاق للنفس، والكفارة إنما وجبت حرمة للنفس والمناط إنما هو في نفخ الروح، فإذا نفخت فيه الروح وجبت الكفارة بقتله، وإذا لم تنفخ فيه الروح فإن الكفارة لا تجب في قتله، وهذا القول هو أحسن الأقوال في هذه المسألة وهو رأي الظاهرية.

الرقيق إذا قتل كالحر تجب الكفارة عليه، لكن هل يكفر بالإعتاق؟ الرقيق يكفر بالصيام بالاتفاق؛ لأن الصيام عبادة بدنية محضة يتمكن منها الرقيق.

أما بالنسبة للعتق: إذا لم يأذن له سيده فإنه لا مال له، وحينئذٍ لا يكفر بالعتق، لكن إن أذن له سيده في العتق، بمعنى أن سيده ملكه رقيقاً يعتقه، أو أنه أعتقه السيد عن رقيقه، فهل هذا مجزئ أو ليس مجزئاً؟

بمعنى: هل يصح من الرقيق أن يعتق في الكفارة، أو نقول: بأنه لا يصح منه والواجب عليه هو الصيام لتمكنه من الصيام؟

الرأي الأول: جمهور العلماء أن الرقيق لا يتمكن من الإعتاق؛ لأن الإعتاق يترتب عليه الولاء والميراث والولاية، وهذه الأشياء لا تمكن من الرقيق، فقالوا: بأن الرقيق لا يكفر إلا بالصيام، ولأن الرقيق لا يملك ولو ملك فإن ملكه ضعيف.

الرأي الثاني: أنه يمكن أن يكفر الرقيق بالإعتاق، فإذا أذن له سيده في ذلك ومكنه من الرقبة التي يعتقها عن الكفارة فإن هذا مجزئ؛ لأن الأصل في ذلك -كما سلف لنا- هو تساوي الأحرار والأرقة في الأحكام البدنية المحضة، وهنا أذن له سيده في ذلك فما المحذور من ذلك؟

وأما كون الرقيق لا يرث فلأن الرقيق إذا أعتق فإنه يترتب عليه الولاء للمعتق، وسيترتب عليه الميراث، ويترتب عليه الولاية ونحو ذلك، والرقيق لا يملك مثل هذه الأشياء، نقول: كونه تمتنع عليه بعض الأحكام فهذا لا يلزم منه امتناع كافة الأحكام.

فيظهر -والله أعلم- أنه إذا أذن له سيده في الإعتاق وأعتق فإنه يجزئه ذلك عن الكفارة، وإن امتنعت بعض الأحكام، مثلاً: الميراث يشترط عدم المانع في الميراث.

ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث

رق وقتل واختلاف دين

فكونه رقيق هنا لا يرث.

والخلاصة في ذلك -والذي يظهر والله أعلم- أنه إذا أذن له سيده في ذلك ومكنه من الإعتاق فإنه يجزئه ذلك، وكونه يمتنع عليه بعض الأحكام لا يلزم من ذلك أن تكون جميع الأحكام ممتنعة عليه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2727 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2640 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2637 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2555 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع