شرح زاد المستقنع - كتاب الجنايات [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [الثاني: اتفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به، وإن كان من بقي غائباً أو صبياً أو مجنوناً، انتظر البلوغ والقدوم والعقل.

الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني، فإذا وجب على حامل أو حائل فحملت،لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ، ثم إن وجد من يرضعه وإلا تركت حتى تفطمه، ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع، والحد في ذلك كالقصاص.

فصل: في ذكر من يستوفى القصاص بحضرته.

ولا يستوفى قصاص إلا بحضرة سلطان أو نائبه، وآلة ماضية، ولا يستوفى في النفس إلا بضرب العنق بسيف ولو كان الجاني قتله بغيره.

يجب بالعمد القود أو الدية فيخير الولي بينهما وعفوه مجاناً أفضل، فإن اختار القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها والصلح على أكثر منها، وإن اختارها، أو عفا مطلقا، أو هلك الجاني فليس له غيرها. وإذا قطع أصبعاً عمداً فعفا عنها، ثم سرت إلى الكف، أو النفس وكان العفو على غير شيء فهدر، وإن كان العفو على مال فله تمام الدية، وإن وكل من يقتص ثم عفا فاقتص وكيله ولم يعلم فلا شيء عليهما، وإن وجب لرقيق قود، أو تعزير قذف فطلبه، وإسقاطه إليه فإن مات فلسيده

باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

من أقيد بأحد في النفس أقيد به في الطرف والجروح، ومن لا فلا، ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس، وهو نوعان: أحدهما في الطرف، فتؤخذ العين، والأنف، والأذن، والسن، والجفن، والشفة، واليد، والرجل، والإصبع، والكف، والمرفق، والذكر، والخصية، والألية، والشفر كل واحد من ذلك بمثله. وللقصاص في الطرف شروط: الأول: الأمن من الحيف: بأن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو: مالان منه].

تقدم لنا ما يتعلق بشروط وجوب القصاص، وأن القصاص لا يجب على القاتل إلا إذا توفرت شروط:

الشرط الأول: أن يكون المقتول معصوم الدم، والمعصوم هو: المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، وسيأتي أيضاً ما يتعلق بالمكافأة.

الشرط الثاني: أن يكون القاتل مكلفاً، فإن كان صبياً أو مجنوناً فإن عمدهما من قبيل الخطأ.

والشرط الثالث: المكافأة بين القاتل والمقتول، وتقدم لنا أن المكافأة مصطلح، وأن هذا المصطلح يبحثه العلماء رحمهم الله في مواضع، تقدم لنا بحثه في أحكام النكاح، وكذلك أيضاً هنا في القصاص، والمكافأة تكون في ثلاث أمور:

الملك، والحرية، والدين، وذكرنا ما يتعلق بالدين، وأنه ينقسم إلى أربعة أقسام أو خمسة أقسام، وهل يقتل المسلم بالذمي أو لا؟ ذكرنا خلاف جمهور أهل العلم مع الحنفية.

والشرط الرابع والأخير: عدم الولادة، وأن الوالد لا يقتل بولده، وذكرنا أن الوالد لا يخلو من أمرين:

إما أن يكون مباشراً، وإما أن يكون غير مباشر، وتكلمنا على هذه المسائل.

ثم بعد ذلك شرعنا فيما يتعلق باستيفاء القصاص، وذكرنا تعريف استيفاء القصاص، وهو فعل المجني عليه أو وليه بالجاني كما فعل. وأن استيفاء القصاص لا يكون إلا بعد وجوب القصاص، فإذا توافرت شروط القصاص بقي عندنا ما يتعلق بتنفيذ القصاص، هذا التنفيذ يشترط له شروط:

الشرط الأول: أن يكون مستحقه مكلفاً، فإن كان المستحقون له غير مكلفين، كما لو كانوا صغاراً، أو مجانين، أو كانوا مجانين وصغاراً، فهل يستوفى أو لا يستوفى؟ ذكرنا رأيين في هذه المسألة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: الثاني: (اتفاق الأولياء المشتركين على استيفائه).

الصورة الأولى ذكرنا أن يكون جميع الأولياء غير مكلفين. وهي: إذا كان في أولياء الدم مكلفون وغير مكلفين، فقال: (اتفاق الأولياء المشتركين على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به، وإن كان من بقي غائباً أو صغيراً أو مجنوناً، انتظر القدوم والبلوغ والعقل).

الشرط الثاني: اتفاق أولياء الدم على استيفاء القصاص

الشرط الثاني من شروط استيفاء القصاص: أن يتفق الأولياء، أي: أولياء الدم على استيفاء القصاص، لأن الحق لهم جميعاً فلابد أن يتفقوا، وعلى هذا الشرط ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يعفو بعضهم عن الدم، أو عن القود، ويطالب آخرون بالقصاص، فنقول: يسقط القصاص؛ لأن القصاص لا يتبعض، فما دام أن بعضهم عفا فنقول: إن القصاص لا يتبعض فيسقط ويصار إلى الدية.

القسم الثاني: أن يكون بعضهم غير مكلف وبعضهم مكلف، فهل للمكلفين أن يستوفوا القصاص أو نقول: إنه ليس لهم أن يستوفوا القصاص حتى يكلف غير المكلفين، فينتظر الصغير حتى يبلغ، وينتظر المجنون حتى يفيق؟

المشهور من المذهب أنه ليس للمكلفين أن ينفردوا بالقصاص، ولهذا قال: (اتفاق الأولياء المشتركين على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به)، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والشافعي : أن ينتظر الصغير والمجنون.

ودليلهم على ذلك أن معاوية رضي الله عنه حبس هدبة بن خشرم حتى بلغ ابن القتيل، ولأن الحق للجميع فليس للمكلف أن ينفرد به حتى يكلف غير المكلف.

الرأي الثاني: وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله أن للمكلف أن يقتص، ودليله على ذلك فعل الحسن ، فإن الحسن رضي الله عنه لما قتل ابن ملجم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، اقتص الحسن من القاتل ابن ملجم ، مع أن في الورثة من ليس مكلفاً، ولأن المكلف أيضاً يحتاج إلى التشفي.

ويظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى في هذه المسألة هو الصواب، وأنه إذا كان هناك مكلفون من ورثة الدم فإنه يستوفى لهم، وأما بالنسبة لغير المكلفين من الصغار أو المجانين إذا لم يطالبوا، إما أن نقول: يسقط حقهم، وإما أن نقول: إذا بلغوا إن كانوا صغاراً، أو أفاقوا إن كانوا مجانين، فإن الدية تضمن لهم من المكلفين الذين استوفوا، وهذا القول هو الصواب، وفيه تتحقق حكمة القصاص، وفيه رحمة للجاني وأولياء الدم.

القسم الثالث: أن يكون بعض أولياء الدم غائباً، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ينتظر الغائب)، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم، وهذه المسألة أهون من المسألة السابقة، فإذا كان بعض أهل الدم غائباً، وبعضهم حاضراً، فجمهور العلماء أنه ينتظر الغائب حتى يقدم، وعند المالكية التفصيل؛ يقولون: إن كانت غيبته قريبة بحيث يمكن مكاتبته فإنه ينتظر، وإن كانت غيبته بعيدة بحيث لا يمكن مكاتبته فإنه لا ينتظر.

والصواب في هذه المسألة ما عليه أكثر أهل العلم؛ لأن الحق للجميع: الحاضر والغائب، وخصوصاً في وقتنا الحاضر الآن، بسبب تقدم وسائل الاتصال، فإنه مهما كان الإنسان غائباً يمكن أن يتصل عليه، وأن يطالب بالدم أو أن يعفو.

الشرط الثالث: الأمن في الاستيفاء من تعدي الجاني

قال رحمه الله تعالى: (الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني).

هذا الشرط الثالث من شروط الاستيفاء: إذا وجب القصاص، وكان في استيفائه تعدٍ إلى غير الجاني، فإنه ينتظر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنصُورًا ))[الإسراء:33]، وأيضاً قال الله عز وجل: ((وَلا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا))[النساء:29].

وفرع المؤلف رحمه الله على ذلك فقال: (فإذا وجب على حاملٍ أو حائلٍ فحملت لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ).

لأن قتل الحامل حينئذ يتعدى إلى الولد، واللبأ هو: الحليب في أول الولادة، والطفل يحتاج إلى هذا الحليب كثيراً، ويحصل به تغذي الطفل أكثر من بقية أوقات الرضاعة، فأنفع ما يكون للطفل من حليب أمه حين الولادة.

ولهذا قال المؤلف: (حتى تسقيه اللبأ)، فقتلها قبل أن تسقيه اللبأ يؤدي إلى الإضرار بالطفل، ولا ضرر ولا ضرار.

قال رحمه الله: (ثم إن وجد من يرضعه، وإلا تركت حتى تفطمه).

إن وجد من يرضع هذا الطفل فإنها تقتل إذا لم يكن هناك مضرة على الطفل، وإن لم يوجد من يرضعه فإنه أيضاً ينتظر حتى ترضع هذا الطفل وتفطمه، والآن يوجد بعض الحليب المصنع، فهل هذا الحليب يقوم مقام إرضاع الطفل؟ هذا يسأل المختصين، فإن كان ارتضاع الطفل من هذا الحليب لا يضره، فنقول: إنها تقتل، وإن كان ارتضاعه من هذا الحليب يحصل به ضرر على هذا الطفل، فنقول: إنه ينتظر حتى ترضعه وتفطمه، ويدل لذلك أيضاً ما ثبت في صحيح مسلم من قصة الغامدية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارجعي حتى تضعي ما في بطنك)، ثم قال لها: (ارجعي حتى ترضعيه).

قال رحمه الله: (ولا يقتص منها طرف).

أي: من الحامل (في طرفٍ)، كاليد أو الرجل، فلو أنها سرقت مثلاً لا يقتص من هذه الحامل؛ لأنه يخشى من أن تجهض الجنين حتى تضع، وظاهر من كلام المؤلف أنها بمجرد الوضع تقطع وإن لم تسقه اللبأ؛ لأن سقيه اللبأ ممكن بعد القطع، بخلاف القتل؛ فإنه لا يمكن بعد القتل.

قال رحمه الله: (والحد في ذلك كالقصاص).

أي: الحد في هذا الحكم كالقصاص، فلو أن امرأة زنت فإنه لا يقام عليها حد الزنا إذا حملت حتى تضع ما في بطنها، وتسقيه اللبأ كما ذكر المؤلف، ثم إن وجد من يرضعه وإلا فإنه لا يقام عليها الحد حتى تفطمه.

الشرط الثاني من شروط استيفاء القصاص: أن يتفق الأولياء، أي: أولياء الدم على استيفاء القصاص، لأن الحق لهم جميعاً فلابد أن يتفقوا، وعلى هذا الشرط ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يعفو بعضهم عن الدم، أو عن القود، ويطالب آخرون بالقصاص، فنقول: يسقط القصاص؛ لأن القصاص لا يتبعض، فما دام أن بعضهم عفا فنقول: إن القصاص لا يتبعض فيسقط ويصار إلى الدية.

القسم الثاني: أن يكون بعضهم غير مكلف وبعضهم مكلف، فهل للمكلفين أن يستوفوا القصاص أو نقول: إنه ليس لهم أن يستوفوا القصاص حتى يكلف غير المكلفين، فينتظر الصغير حتى يبلغ، وينتظر المجنون حتى يفيق؟

المشهور من المذهب أنه ليس للمكلفين أن ينفردوا بالقصاص، ولهذا قال: (اتفاق الأولياء المشتركين على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به)، وهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد والشافعي : أن ينتظر الصغير والمجنون.

ودليلهم على ذلك أن معاوية رضي الله عنه حبس هدبة بن خشرم حتى بلغ ابن القتيل، ولأن الحق للجميع فليس للمكلف أن ينفرد به حتى يكلف غير المكلف.

الرأي الثاني: وهو رأي أبي حنيفة رحمه الله أن للمكلف أن يقتص، ودليله على ذلك فعل الحسن ، فإن الحسن رضي الله عنه لما قتل ابن ملجم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، اقتص الحسن من القاتل ابن ملجم ، مع أن في الورثة من ليس مكلفاً، ولأن المكلف أيضاً يحتاج إلى التشفي.

ويظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى في هذه المسألة هو الصواب، وأنه إذا كان هناك مكلفون من ورثة الدم فإنه يستوفى لهم، وأما بالنسبة لغير المكلفين من الصغار أو المجانين إذا لم يطالبوا، إما أن نقول: يسقط حقهم، وإما أن نقول: إذا بلغوا إن كانوا صغاراً، أو أفاقوا إن كانوا مجانين، فإن الدية تضمن لهم من المكلفين الذين استوفوا، وهذا القول هو الصواب، وفيه تتحقق حكمة القصاص، وفيه رحمة للجاني وأولياء الدم.

القسم الثالث: أن يكون بعض أولياء الدم غائباً، قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ينتظر الغائب)، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم، وهذه المسألة أهون من المسألة السابقة، فإذا كان بعض أهل الدم غائباً، وبعضهم حاضراً، فجمهور العلماء أنه ينتظر الغائب حتى يقدم، وعند المالكية التفصيل؛ يقولون: إن كانت غيبته قريبة بحيث يمكن مكاتبته فإنه ينتظر، وإن كانت غيبته بعيدة بحيث لا يمكن مكاتبته فإنه لا ينتظر.

والصواب في هذه المسألة ما عليه أكثر أهل العلم؛ لأن الحق للجميع: الحاضر والغائب، وخصوصاً في وقتنا الحاضر الآن، بسبب تقدم وسائل الاتصال، فإنه مهما كان الإنسان غائباً يمكن أن يتصل عليه، وأن يطالب بالدم أو أن يعفو.

قال رحمه الله تعالى: (الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء أن يتعدى الجاني).

هذا الشرط الثالث من شروط الاستيفاء: إذا وجب القصاص، وكان في استيفائه تعدٍ إلى غير الجاني، فإنه ينتظر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ((فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنصُورًا ))[الإسراء:33]، وأيضاً قال الله عز وجل: ((وَلا تَقْتُلُوا أنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا))[النساء:29].

وفرع المؤلف رحمه الله على ذلك فقال: (فإذا وجب على حاملٍ أو حائلٍ فحملت لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ).

لأن قتل الحامل حينئذ يتعدى إلى الولد، واللبأ هو: الحليب في أول الولادة، والطفل يحتاج إلى هذا الحليب كثيراً، ويحصل به تغذي الطفل أكثر من بقية أوقات الرضاعة، فأنفع ما يكون للطفل من حليب أمه حين الولادة.

ولهذا قال المؤلف: (حتى تسقيه اللبأ)، فقتلها قبل أن تسقيه اللبأ يؤدي إلى الإضرار بالطفل، ولا ضرر ولا ضرار.

قال رحمه الله: (ثم إن وجد من يرضعه، وإلا تركت حتى تفطمه).

إن وجد من يرضع هذا الطفل فإنها تقتل إذا لم يكن هناك مضرة على الطفل، وإن لم يوجد من يرضعه فإنه أيضاً ينتظر حتى ترضع هذا الطفل وتفطمه، والآن يوجد بعض الحليب المصنع، فهل هذا الحليب يقوم مقام إرضاع الطفل؟ هذا يسأل المختصين، فإن كان ارتضاع الطفل من هذا الحليب لا يضره، فنقول: إنها تقتل، وإن كان ارتضاعه من هذا الحليب يحصل به ضرر على هذا الطفل، فنقول: إنه ينتظر حتى ترضعه وتفطمه، ويدل لذلك أيضاً ما ثبت في صحيح مسلم من قصة الغامدية بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارجعي حتى تضعي ما في بطنك)، ثم قال لها: (ارجعي حتى ترضعيه).

قال رحمه الله: (ولا يقتص منها طرف).

أي: من الحامل (في طرفٍ)، كاليد أو الرجل، فلو أنها سرقت مثلاً لا يقتص من هذه الحامل؛ لأنه يخشى من أن تجهض الجنين حتى تضع، وظاهر من كلام المؤلف أنها بمجرد الوضع تقطع وإن لم تسقه اللبأ؛ لأن سقيه اللبأ ممكن بعد القطع، بخلاف القتل؛ فإنه لا يمكن بعد القتل.

قال رحمه الله: (والحد في ذلك كالقصاص).

أي: الحد في هذا الحكم كالقصاص، فلو أن امرأة زنت فإنه لا يقام عليها حد الزنا إذا حملت حتى تضع ما في بطنها، وتسقيه اللبأ كما ذكر المؤلف، ثم إن وجد من يرضعه وإلا فإنه لا يقام عليها الحد حتى تفطمه.

قال رحمه الله: (فصل في ذكر من يستوفى القصاص بحضرته: ولا يستوفى قصاص إلا بحضرة سلطانٍ أو نائبه).

لأنه يفتقر إلى اجتهاد السلطان لخشية الحيف، وتقدم لنا من الفروق بين الحد والقصاص أن الذي يستوفي الحد هو السلطان أو نائبه، وأما القصاص فالذي يتولى استيفاءه هو ولي الدم، ويدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم من حديث صاحب النسعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دونك صاحبك فاذهب به)، يعني اذهب به فاقتله، يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ولي الدم، فإذا كان ولي الدم يحسن القصاص فإنه يمكن من ذلك؛ لأن هذا أبلغ في التشفي، ولأن الله سبحانه وتعالى قال : فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَأنًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنصُورًا [الإسراء:33]، فدل ذلك على أنه هو الذي يتولى القتل، لكن هنا لابد أن يحضر السلطان أو نائبه إقامة القصاص. والآن نائب السلطان مندوب من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع رجال الأمن، ومندوب من المحكمة، هؤلاء كلهم ينوبون عن السلطان، فالذي يتولى الاستيفاء هو أولياء الدم، لكن لابد من حضرة السلطان؛ لأنه يفتقر إلى اجتهاده لئلا يحصل حيف.

ويدل لذلك أيضاً حديث أبي هريرة في قصة امرأة العسيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحد: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)، فالذي تولى إقامة الحد هنا هو النبي صلى الله عليه وسلم بالإنابة.

فكذلك القصاص يلحق بالحد، لكن الذي يمكن من الاستيفاء هو ولي الدم.

استيفاء القصاص بآلة ماضية

قال رحمه الله: (وآلة ماضية).

لأن الآلة الكالة فيها إسراف في القتل، والله عز وجل يقول: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [الإسراء:33]، وحديث شداد بن أوس في صحيح مسلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة).

استيفاء القصاص بالسيف

قال رحمه الله: (ولا يستوفى في النفس إلا بضرب العنق بسيف، ولو كان الجاني قتله بغيره).

هذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى، بمَ يستوفى القصاص؟ فقال المؤلف رحمه الله تعالى: يستوفى القصاص بالسيف، واستدلوا على ذلك بما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قود إلا بالسيف)، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.

والرأي الثاني: مذهب المالكية والشافعية: أن القصاص يستوفى بمثل ما قتل الجاني، ودليلهم على ذلك قول الله عز وجل: ((وَإنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ))[النحل:126]، وكذلك أيضاً قول الله عز وجل: ((وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا))[الشورى:40]، وقول الله عز وجل: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))[البقرة:194].

وأيضاً حديث أنس في الصحيحين (في قصة الجارية التي رض اليهودي رأسها بين حجرين فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين)، وهذا القول هو الصواب، وعند المالكية والشافعية يستثنون مسألة يقولون: إن قتله بأمر محرم فإنه يقتل بالسيف، مثل: لو سقاه الخمر حتى مات، أو لاط به فهلك، فإنه يقتل بالسيف.

وقال بعض الشافعية: إذا قتله بأمر محرم يفعل به بمثل ما فعل من المباحات، فإذا سقاه خمراً حتى هلك فإنه يسقى ماءاً حتى يهلك أو نحو ذلك، وإذا لاط به حتى هلك فإنه يؤتى بعصا أو نحو ذلك ويدخل في دبره حتى يهلك، لما تقدم بقول الله عز وجل: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ))[البقرة:194]، والطرف يستوفى بالسكين.

وأولياء الدم كما قلنا هم: الذين يتولون استيفاء القصاص إذا كانوا يحسنون ذلك، وإذا كانوا لا يحسنون ذلك فإنهم لا يتولون الاستيفاء، وإذا كانوا يحسنون كلهم وتشاحوا في الاستيفاء كل يريد أن يتولى الاستيفاء فقال العلماء: يقرع بينهم.

قال رحمه الله: (وآلة ماضية).

لأن الآلة الكالة فيها إسراف في القتل، والله عز وجل يقول: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [الإسراء:33]، وحديث شداد بن أوس في صحيح مسلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة).




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع