خطب ومحاضرات
شرح العقيدة الطحاوية [36]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [قوله: (ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين).
هذه الأمور من أركان الإيمان. قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] الآيات. وقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] الآية.
فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة، بقوله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته حديث جبريل وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).
فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل.
وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع، فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، وأعظم الناس لها إنكاراً الفلاسفة المسمون عند من يعظمهم بالحكماء، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر، فإن مذهبهم أن الله سبحانه موجود لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً، وإن سموه مفعولاً له، فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته! فهذا إيمانهم بالله.
وأما كتبه عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته، لينال من العلم أعظم ما يناله غيره، وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم يقلب صورة إلى صورة، وقوة التخييل، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم، وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.
وأما اليوم الآخر، فهم أشد الناس تكذيباً وإنكاراً له في الأعيان، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب، ولا تنشق السماوات ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكور الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل، فهذا إيمان هذه الطائفة - الذليلة الحقيرة - بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذه هي أصول الدين الخمسة].
قد ذكرنا أن الإيمان له أركان ستة، وأنها ذكرت في القرآن، قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177] هذه بعض أركان الإيمان، وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة:285] وهذه أيضاً من أركان الإيمان، ولقد مدح الله المؤمنين بها، وقال تعالى في ذم الذين يكذبون بها في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [النساء:137]والمراد بإيمانهم هو تصديقهم بشيء ثم تكذيبهم به، وإيمانهم بشيء آخر أو نحو ذلك، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً [النساء:136]أمرنا أن نؤمن بالله، وأن نؤمن برسله، ونؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء قبلنا، وبالكتاب المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام، وأخبر بسوء وعاقبة من كذب بهذه الأركان الخمسة.
ولا شك أن الإيمان بها يستلزم اعتقادها واعتقاد صحتها، وإذا كنا نؤمن بالله تعالى، فمن أي شيء نأخذ صفات ربنا؟ نأخذها من كلامه ومن كلام رسوله، فنؤمن بما جاء في صفاته سبحانه من صفات الكمال، وننزهه عما نزه نفسه عنه من صفات النقص، هذا كمال الإيمان بالله تعالى.
الإيمان بالله عند الفلاسفة
ولا شك أن هؤلاء وإن سموا فلاسفة إسلاميين فإنهم أبعد عن الصواب، وبالأخص في الإيمان بالغيب، فهم أبعد الناس عنه، فلا يغتر بمن يمدحهم ومن يثني عليهم ومن يزعم أنهم علماء إسلاميون أجلاء، وأن لهم منزلة رفيعة، ولهم مكانة عند المسلمين، لا يغتر أحد بذلك.
الإيمان بالرسل عند الفلاسفة
الإيمان بالكتب عند الفلاسفة
الإيمان بالملائكة عند الفلاسفة
وعندهم أن الروح التي في الإنسان عبارة عن حياة عامة في هذا الكون، إذا اتصلت بالمخلوق حس بالحياة، وإذا انفصلت عنه انتقل إلى الوفاة، هذه حقيقة الروح عندهم.
وعندهم أن الملائكة ليس لهم حقيقة وجود، وليس لهم أجنحة يصعدون بها وينزلون، فإذاً ليس للملائكة عندهم وجود.
الإيمان باليوم الآخر عند الفلاسفة
الفلاسفة ونحوهم لم يؤمنوا بالله حقيقة، إنما يؤمنون بوجود مجرد ليس له وجود في الخارج، وإنما هو وجود في الذهن يرجع في الحقيقة إلى العدم، حيث وصفوه بصفات العدم، مما يجل عن أن يوصف به، هذا إيمانهم بالله وهم مع ذلك يسمون بالحكماء وبالعلماء، والفلسفة عندهم هي نوع من الحكمة، هي علم المعتقد الذي يدور على الأدلة، فهو عندهم علم له أهميته، هذا إيمانهم بالله تعالى، ويوجد هذا التفسير في مؤلفات أكابرهم كمؤلفات عالمهم الكبير المشهور بـابن سيناء ، وعالم آخر يقال له: الفارابي ، وعالم آخر منهم يقال له: الطوسي ، وأشباههم، وهؤلاء علماء إسلاميون كما يقال لهم، وهم معظمون عند الكثير في هذه الأزمنة ومقدسون، وكتبهم لها ثمن رفيع، ولها منزلة عالية عند الكثير في هذه الأزمنة؛ وذلك لما فيها بزعمهم من الأفكار، ولما فيها من الابتكارات والاختراعات والعلوم العقلية كما يسمونها، فلذلك صارت محل تقدير عندهم، وكتب ابن سيناء تتعلق بالطب أو تتعلق بالكلام أو تتعلق بالعلوم التي يسمونها علوماً، أو تتعلق بالأحكام وغير ذلك، وكذلك كتب الفارابي .
ولا شك أن هؤلاء وإن سموا فلاسفة إسلاميين فإنهم أبعد عن الصواب، وبالأخص في الإيمان بالغيب، فهم أبعد الناس عنه، فلا يغتر بمن يمدحهم ومن يثني عليهم ومن يزعم أنهم علماء إسلاميون أجلاء، وأن لهم منزلة رفيعة، ولهم مكانة عند المسلمين، لا يغتر أحد بذلك.
الرسل عند الفلاسفة لم ينزل عليهم الوحي، ولكن الرسل عندهم أناس أذكياء لهم فطنة استطاعوا بفطنتهم وبذكائهم أن يلبسوا على الناس وأن يقولوا: إنما أنزل علينا، وإننا مشرعون، وجاءنا الشرع، وإننا رسل من الله، ولم يكن هناك رسالة، ولم يكن هناك شرع، وإنما أرادوا أن يكون لهم أتباع، فصار لهم أتباع بهذه الفكرة، هذه عقيدتهم في الرسل، ويسمون ذلك: تخييلاً، ولا شك أنهم ما آمنوا بالرسل حقيقة الإيمان.
الفلاسفة لا يعتقدون أن لله تعالى كلاماً، ولا أن الله تعالى يتكلم، ولا أن له صفات حقيقة ما دام أنهم يجعلون وجوده وجود في الأذهان لا في الأعيان؛ فإذاً ليس لله كلام عندهم، وهذا القرآن ليس هو كلامه، وإنما هو إما من نظم البشر وإما من تركيب الملك أو نحو ذلك، فليس لله عندهم كتب منزلة متضمنة لشرع الله.
استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح العقيدة الطحاوية [87] | 2715 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [60] | 2631 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [1] | 2591 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [79] | 2565 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [93] | 2473 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [77] | 2409 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [53] | 2387 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [99] | 2374 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [71] | 2337 استماع |
شرح العقيدة الطحاوية [31] | 2301 استماع |