شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [15]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويحرم وطؤها في الحيض والدبر، وله إجبارها ولو ذميةً على غسل حيض ونجاسة، وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره، ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة .

فصل في أحكام المبيت والجماع ولزوم المنزل: ويلزمه أن يبيت عند الحرة ليلةً من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي، ويلزمه الوطء إن قدر كل ثلث سنة مرة، وإن سافر فوق نصفها وطلبت قدومه وقدر لزمه، فإن أبى أحدهما فرق بينهما بطلبها، وتسن التسمية عند الوطء وقول الوارد، وتكره كثرة الكلام، والنزع قبل فراغها، والوطء بمرأى أحد والتحدث به، ويحرم جمع زوجتيه في مسكنٍ واحد بغير رضاهما، وله منعها من الخروج من منزله، ويستحب بإذنه أن تمرض محرمها وتشهد جنازته، وله منعها من إجارة نفسها].

تقدم لنا ما يتعلق بالعشرة بين الزوجين، وذكرنا أن المراد بالعشرة: ما يكون بين الزوجين من الانضمام والألفة والمحبة، وأن مرجع هذه العشرة إلى العرف؛ لقول الله عز وجل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ، وذكر المؤلف رحمه الله تعالى أنه يحرم على كل واحدٍ من الزوجين أن يمطل الآخر حقه، فالزوج يحرم عليه أن يمطل الزوجة حقها من النفقة والكسوة والسكن، بل يجب عليه أن يبذله طيبةً به نفسه؛ لأن هذا حق واجب عليه، فيحرم عليه أن يمطلها، أو أن يبذله بتكره وتثاقل وتبرم، وكذلك يحرم على الزوجة أن تمطل الزوج حقه من الاستمتاع، بل يجب عليها أن تبذل ذلك بنفس طيبة، ولا يجوز لها أن تمطله، أو أن تأتيه وهي متكرهة متبرمة مثاقلة، إلى آخره.

وتقدم لنا متى يجب تسليم المرأة إلى زوجها؟ وأن المرأة إما أن تكون حرةً، وإما أن تكون أمةً، وذكرنا شرط تسليم الحرة، وما يتعلق بتسليم الأمة، وهل التسليم في بيت الزوج أو في بيت الزوجة؟ وإذا طلب أحدهما المهلة في التسليم فلا يخلو ذلك من أمرين وتكلمنا عليهما.

الوطء في الحيض والدبر

ثم قال رحمه الله تعالى: (ويحرم وطؤها في الحيض).

سبق أن ذكرنا قاعدة في الاستمتاع بين الزوجين، وأن الأصل في الاستمتاع بين الزوجين الحل؛ لقول الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) فيما يتعلق بوطء الحائض، فنقول: الأصل في الاستمتاع بين الزوجين الحل، إلا ما جاء الشرع بتحريمه.

‏وذكر المؤلف رحمه الله شيئًا مما جاء الشرع بتحريمه، فقال: (ويحرم وطؤها في الحيض) ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] يعني: حتى ينقطع دم الحيض منهن، فيحرم وطء الزوجة حال الحيض ولا يجوز، بل يجب عليه أن ينتظر حتى تغتسل؛ لقول الله عز وجل: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] وتقدم لنا في باب الحيض أنه إذا وطئ في الحيض فإنه يجب عليه كفارة: دينار أو نصف دينار.

وتقدم لنا ما يتعلق بالاستمتاع بالحائض، وأن سائر الاستمتاع بها جائز إلا الوطء في الفرج، فإنه محرم ولا يجوز، لما تقدم من حديث أنس الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) .

قال رحمه الله: (ويحرم وطؤها في الحيض والدبر).

يحرم أيضًا وطؤها في الدبر، وعلى هذا عامة أهل العلم، ويدل لذلك قول الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وموضع الحرث إنما هو القبل، وأما الدبر فإنه موضع الأذى وليس موضع حرث، وفي حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا يستحي من الحق: لا تأتوا النساء في أعجازهن )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، وله شواهد، منها حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي والنسائي وعبد الرزاق والدارمي وغيرهما.

إجبار الزوجة على الغسل والنظافة

قال رحمه الله: (وله إجبارها ولو ذميةً على غسل حيضٍ ونجاسة).

يعني أن للزوج أن يجبر زوجته على غسل الحيض والنجاسة؛ لأن هذا يمنع كمال الاستمتاع، والزوجة لا تخلو من أمرين:

إما أن تكون ذميةً، وإما أن تكون مسلمةً، والذمية هي: اليهودية أو النصرانية، وهذه لا تجب عليها الصلاة، وللزوج أن يلزمها أن تغتسل عن الحيض إذا طهرت من حيضها، وإن كانت الصلاة لا تجب عليها؛ لأن عدم اغتسالها إذا طهرت من حيضها سيمنع الزوج من كمال الاستمتاع، وسيكون في نفسه شيء، فله أن يجبرها على أن تغتسل من الحيض، هذا إذا كانت ذميةً.

أما إذا كانت مسلمةً فيجبرها على الغسل من الحيض لو كان بقي وقت طويل على الصلاة، فلو طهرت بعد طلوع الشمس، فالوقت إلى صلاة الظهر ما يقرب من نصف نهار، فإذا لم تغتسل لم يتمكن الزوج من الاستمتاع؛ وعلى هذا فله أن يجبرها أن تغتسل عند طلوع الشمس وإن كان غير وقت صلاة؛ لكي يتمكن من الاستمتاع.

قال المؤلف رحمه الله: (ونجاسة).

يلزمها أيضًا بغسل النجاسة، وهذا ظاهر سواء كانت مسلمةً أو كانت ذميةً؛ لأن المرأة إذا كانت مصاحبةً لمثل هذه القاذورات فهذا مما يمنع الزوج من كمال الاستمتاع؛ لما يجده في نفسه من كراهة وتقزز ونحو ذلك، وله كذلك أن يمنع زوجته من سائر المحرمات، وليت المؤلف رحمه الله ذكر ذلك، فله أن يمنعها من سماع الغناء، ومن الغيبة، ومن النميمة، ومن شرب الحرام، ومن أكل الحرام، ومن التبرج إلى آخره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) .

قال رحمه الله: (وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره).

للزوج أيضًا أن يلزم زوجته بأن تأخذ ما تعافه النفس من الشعور الزائدة كشعر الإبط وشعر العانة ونحو ذلك، وغير ذلك كالأظفار، وسائر ما يتعلق بسنن الفطرة؛ لأن مثل هذه الأشياء تمنع كمال الاستمتاع؛ لما تحدثه في نفس الزوج من التقزز والكراهة، وله أيضًا أن يمنعها أن تأكل ما له رائحة خبيثة مثل: البصل، والكراث إلى آخره؛ لأن هذا يمنع الزوج من كمال الاستمتاع، ولا فرق في ذلك بين المسلمة والذمية.

قال: (ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة).

إذا كانت الزوجة يهودية أو نصرانية فلا تجبر على غسل الجنابة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى وقد خالف المذهب في هذه المسألة، فالمذهب أن للزوج أن يجبر زوجته على غسل الجنابة، وهذا القول هو الصواب، لأن عدم اغتسالها من الجنابة سيمنع الزوج من كمال الاستمتاع؛ لما سبق أن أشرنا إليه مما قد يجده الزوج في نفسه من الكراهة لهذا الصنع، ولأن نفسه قد تعاف مثل هذه الأشياء.

حكم العزل

بقي مسألة أو مسألتان من هذه المسائل: وهي: عزل الزوج عن زوجته محل خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فبعض العلماء يرى أن هذا جائز ولا بأس به، وبعض العلماء قال: بأنه لا يجوز، وبعض العلماء فصل، فقال: إذا كان بإذن الزوجة إذا كانت حرةً فإن هذا جائز، وإن كانت أمةً فلا بد من إذن السيد، وحديث جابر رضي الله تعالى عنه قد دل على الجواز، كما ورد الجواز عن بضعة عشر صحابيًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو أيوب وجابر وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم.

ولكن نقول: لا بد من إذن المرأة؛ لأن لها حقاً في الوطء ولها حق في الولد، وكذلك أيضًا الزوجة إذا كانت أمةً فله حق في الوطء ولها حق في الولد، وسيدها أيضاً له حق في الولد، فلا بد من إذن سيد الأمة، ومن إذن الأمة أيضاً، والمشهور من المذهب: أنه يشترط إذن السيد فقط، لكن الصواب في ذلك: أن نشترط إذن السيد وإذن الأمة؛ لأن الأمة لها حق في الوطء ولها حق في الولد، وسبق أن ذكرنا القاعدة فيما يتعلق بالأحكام البدنية المحضة، وأن الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في ذلك.

فالخلاصة في ذلك: أن أكثر أهل العلم على جواز العزل، وبعض أهل العلم كـابن حزم ذهب إلى تحريم العزل، والمشهور من المذهب التفصيل كما تقدم، إن كان بإذن الزوجة وكانت حرة فهذا جائز وإلا لم يجز، وإن كانت أمةً فلا بد من إذن السيد، والصواب في ذلك: أنه لا بد من إذن السيد وإذن الأمة، وإن كانت حرة فلا بد من إذن الزوجة نفسها.

خدمة المرأة لزوجها

المسألة الأخرى: حكم إجبار الزوج زوجته على الخدمة، المشهور من المذهب: أن المعقود عليه هو منفعة الاستمتاع؛ وعلى هذا فلا يجب على الزوجة أن تخدم زوجها، يعني: فيما يتعلق بغسل ثيابه، وطحن حبه، وعجن عجينه، وطبخ طعامه، وأما أن تخدم نفسها كأن تغسل ثوبها وتطبخ طعامها وتغسل ماعونها فيرجع في ذلك إلى العرف، فإن كانت هذه المرأة ممن يخدم فيجب أن يخدمها، وإن كانت ممن لا يخدم فلا يجب عليه أن يخدمها.

الرأي الثاني في هذه المسألة: أنه يجب على المرأة أن تخدم زوجها ديانةً لا قضاءً، وهذا قول الحنفية رحمهم الله.

والرأي الثالث: أنه يجب على الزوج أن يُخدم زوجته إذا كان ذا سعة، وكانت ممن يُخدم، يعني: إذا كانت هذه المرأة ممن يخدم وكان ذا سعة وغنى فإنه يجب عليه أن يخدمها وهذا قول المالكية.

والرأي الرابع: أن المرجع في ذلك إلى العرف، وأنه يجب عليه ما يجب لمثلها، ويجب عليها ما يجب لمثله، فإذا كانت المرأة من أناسٍ تُخدَم نساؤهم فإنه يجب عليه أن يأتي لها بخادمة، وإن كانت من أناسٍ نساؤهم لا يخدمن فإنه لا يجب عليه أن يأتي لها بخادم وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

وكلام المالكية في هذا جيد وكذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

ثم قال رحمه الله تعالى: (ويحرم وطؤها في الحيض).

سبق أن ذكرنا قاعدة في الاستمتاع بين الزوجين، وأن الأصل في الاستمتاع بين الزوجين الحل؛ لقول الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) فيما يتعلق بوطء الحائض، فنقول: الأصل في الاستمتاع بين الزوجين الحل، إلا ما جاء الشرع بتحريمه.

‏وذكر المؤلف رحمه الله شيئًا مما جاء الشرع بتحريمه، فقال: (ويحرم وطؤها في الحيض) ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] يعني: حتى ينقطع دم الحيض منهن، فيحرم وطء الزوجة حال الحيض ولا يجوز، بل يجب عليه أن ينتظر حتى تغتسل؛ لقول الله عز وجل: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] وتقدم لنا في باب الحيض أنه إذا وطئ في الحيض فإنه يجب عليه كفارة: دينار أو نصف دينار.

وتقدم لنا ما يتعلق بالاستمتاع بالحائض، وأن سائر الاستمتاع بها جائز إلا الوطء في الفرج، فإنه محرم ولا يجوز، لما تقدم من حديث أنس الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيءٍ إلا النكاح ) .

قال رحمه الله: (ويحرم وطؤها في الحيض والدبر).

يحرم أيضًا وطؤها في الدبر، وعلى هذا عامة أهل العلم، ويدل لذلك قول الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وموضع الحرث إنما هو القبل، وأما الدبر فإنه موضع الأذى وليس موضع حرث، وفي حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا يستحي من الحق: لا تأتوا النساء في أعجازهن )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، وله شواهد، منها حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه رواه الترمذي والنسائي وعبد الرزاق والدارمي وغيرهما.

قال رحمه الله: (وله إجبارها ولو ذميةً على غسل حيضٍ ونجاسة).

يعني أن للزوج أن يجبر زوجته على غسل الحيض والنجاسة؛ لأن هذا يمنع كمال الاستمتاع، والزوجة لا تخلو من أمرين:

إما أن تكون ذميةً، وإما أن تكون مسلمةً، والذمية هي: اليهودية أو النصرانية، وهذه لا تجب عليها الصلاة، وللزوج أن يلزمها أن تغتسل عن الحيض إذا طهرت من حيضها، وإن كانت الصلاة لا تجب عليها؛ لأن عدم اغتسالها إذا طهرت من حيضها سيمنع الزوج من كمال الاستمتاع، وسيكون في نفسه شيء، فله أن يجبرها على أن تغتسل من الحيض، هذا إذا كانت ذميةً.

أما إذا كانت مسلمةً فيجبرها على الغسل من الحيض لو كان بقي وقت طويل على الصلاة، فلو طهرت بعد طلوع الشمس، فالوقت إلى صلاة الظهر ما يقرب من نصف نهار، فإذا لم تغتسل لم يتمكن الزوج من الاستمتاع؛ وعلى هذا فله أن يجبرها أن تغتسل عند طلوع الشمس وإن كان غير وقت صلاة؛ لكي يتمكن من الاستمتاع.

قال المؤلف رحمه الله: (ونجاسة).

يلزمها أيضًا بغسل النجاسة، وهذا ظاهر سواء كانت مسلمةً أو كانت ذميةً؛ لأن المرأة إذا كانت مصاحبةً لمثل هذه القاذورات فهذا مما يمنع الزوج من كمال الاستمتاع؛ لما يجده في نفسه من كراهة وتقزز ونحو ذلك، وله كذلك أن يمنع زوجته من سائر المحرمات، وليت المؤلف رحمه الله ذكر ذلك، فله أن يمنعها من سماع الغناء، ومن الغيبة، ومن النميمة، ومن شرب الحرام، ومن أكل الحرام، ومن التبرج إلى آخره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) .

قال رحمه الله: (وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره).

للزوج أيضًا أن يلزم زوجته بأن تأخذ ما تعافه النفس من الشعور الزائدة كشعر الإبط وشعر العانة ونحو ذلك، وغير ذلك كالأظفار، وسائر ما يتعلق بسنن الفطرة؛ لأن مثل هذه الأشياء تمنع كمال الاستمتاع؛ لما تحدثه في نفس الزوج من التقزز والكراهة، وله أيضًا أن يمنعها أن تأكل ما له رائحة خبيثة مثل: البصل، والكراث إلى آخره؛ لأن هذا يمنع الزوج من كمال الاستمتاع، ولا فرق في ذلك بين المسلمة والذمية.

قال: (ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة).

إذا كانت الزوجة يهودية أو نصرانية فلا تجبر على غسل الجنابة، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى وقد خالف المذهب في هذه المسألة، فالمذهب أن للزوج أن يجبر زوجته على غسل الجنابة، وهذا القول هو الصواب، لأن عدم اغتسالها من الجنابة سيمنع الزوج من كمال الاستمتاع؛ لما سبق أن أشرنا إليه مما قد يجده الزوج في نفسه من الكراهة لهذا الصنع، ولأن نفسه قد تعاف مثل هذه الأشياء.

بقي مسألة أو مسألتان من هذه المسائل: وهي: عزل الزوج عن زوجته محل خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فبعض العلماء يرى أن هذا جائز ولا بأس به، وبعض العلماء قال: بأنه لا يجوز، وبعض العلماء فصل، فقال: إذا كان بإذن الزوجة إذا كانت حرةً فإن هذا جائز، وإن كانت أمةً فلا بد من إذن السيد، وحديث جابر رضي الله تعالى عنه قد دل على الجواز، كما ورد الجواز عن بضعة عشر صحابيًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو أيوب وجابر وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم.

ولكن نقول: لا بد من إذن المرأة؛ لأن لها حقاً في الوطء ولها حق في الولد، وكذلك أيضًا الزوجة إذا كانت أمةً فله حق في الوطء ولها حق في الولد، وسيدها أيضاً له حق في الولد، فلا بد من إذن سيد الأمة، ومن إذن الأمة أيضاً، والمشهور من المذهب: أنه يشترط إذن السيد فقط، لكن الصواب في ذلك: أن نشترط إذن السيد وإذن الأمة؛ لأن الأمة لها حق في الوطء ولها حق في الولد، وسبق أن ذكرنا القاعدة فيما يتعلق بالأحكام البدنية المحضة، وأن الأصل تساوي الأحرار والأرقاء في ذلك.

فالخلاصة في ذلك: أن أكثر أهل العلم على جواز العزل، وبعض أهل العلم كـابن حزم ذهب إلى تحريم العزل، والمشهور من المذهب التفصيل كما تقدم، إن كان بإذن الزوجة وكانت حرة فهذا جائز وإلا لم يجز، وإن كانت أمةً فلا بد من إذن السيد، والصواب في ذلك: أنه لا بد من إذن السيد وإذن الأمة، وإن كانت حرة فلا بد من إذن الزوجة نفسها.

المسألة الأخرى: حكم إجبار الزوج زوجته على الخدمة، المشهور من المذهب: أن المعقود عليه هو منفعة الاستمتاع؛ وعلى هذا فلا يجب على الزوجة أن تخدم زوجها، يعني: فيما يتعلق بغسل ثيابه، وطحن حبه، وعجن عجينه، وطبخ طعامه، وأما أن تخدم نفسها كأن تغسل ثوبها وتطبخ طعامها وتغسل ماعونها فيرجع في ذلك إلى العرف، فإن كانت هذه المرأة ممن يخدم فيجب أن يخدمها، وإن كانت ممن لا يخدم فلا يجب عليه أن يخدمها.

الرأي الثاني في هذه المسألة: أنه يجب على المرأة أن تخدم زوجها ديانةً لا قضاءً، وهذا قول الحنفية رحمهم الله.

والرأي الثالث: أنه يجب على الزوج أن يُخدم زوجته إذا كان ذا سعة، وكانت ممن يُخدم، يعني: إذا كانت هذه المرأة ممن يخدم وكان ذا سعة وغنى فإنه يجب عليه أن يخدمها وهذا قول المالكية.

والرأي الرابع: أن المرجع في ذلك إلى العرف، وأنه يجب عليه ما يجب لمثلها، ويجب عليها ما يجب لمثله، فإذا كانت المرأة من أناسٍ تُخدَم نساؤهم فإنه يجب عليه أن يأتي لها بخادمة، وإن كانت من أناسٍ نساؤهم لا يخدمن فإنه لا يجب عليه أن يأتي لها بخادم وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

وكلام المالكية في هذا جيد وكذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2723 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2638 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2553 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2547 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2523 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2517 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2492 استماع