شرح زاد المستقنع - كتاب الوقف [5]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة، إلا الأب، وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه، فإن تصرف في ماله ولو فيما وهبه له ببيع، أو عتق، أو إبراء، أو أراد أخذه قبل رجوعه، أو تملكه بقول، أو نية، وقبض معتبر، لم يصح، بل بعده، وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه، إلا نفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها، وحبسه عليها.

فصل: في تصرفات المريض.

من مرضه غير مخوف، كوجع ضرس، وعين، وصداع يسير، فتصرفه لازم كالصحيح ولو مات منه، وإن كان مخوفًا كبرسام، وذات الجنب، ووجع قلب، ودوام قيام، ورعاف، وأول فالج، وآخر سل، والحمى المطبقة، والربع، وما قال طبيبان مسلمان عدلان: إنه مخوف، ومن وقع الطاعون ببلده، ومن أخذها الطلق، لا يلزم تبرعه لوارث بشيء، ولا بما فوق الثلث إلا بإجازة الورثة لها إذا مات منه، وإن عوفي فكصحيح، ومن امتد مرضه بجذام، أو سل، أو فالج، ولم يقطعه بفراش، فمن كل ماله، والعكس بالعكس، ويعتبر الثلث عند موته، ويسوى بين المتقدم والمتأخر في الوصية، ويبدأ بالأول فالأول في العطية، ولا يملك الرجوع فيها].

تقدم تعريف الهبة في اللغة والاصطلاح، وذكرنا أيضاً بعض المسائل المتعلقة بالهبة، وذكرنا من ذلك هل تصح هبة المجهول أو لا؟ وهل تصح هبة المعدوم أو لا؟ وكذلك أيضاً: ما لا يقدر على تسليمه، وذكرنا أن مثل هذه الأشياء أو أن هبة هذه الأشياء صحيحة، وأن باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات، وتكلمنا أيضاً عن صيغة الهبة، وكذلك أيضًا ما يتعلق بالتعديل بين الأولاد في الهبة، وهل يجب أو لا يجب؟ وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله في هذه المسألة.

رجوع الوالد عن هبته

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب). يقول المؤلف رحمه الله: الواهب لا يجوز له أن يرجع في هبته اللازمة، وتقدم لنا متى تلزم الهبة؟ وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنها لا تلزم إلا بالقبض.

والرأي الثاني: أنها تلزم بمجرد العقد.

والمؤلف رحمه الله تعالى يرى أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فيقول: لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت لازمة، ويفهم منه أنه إذا كانت غير لازمة أن له أن يرجع، ودليلهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه )، وهذا يدل على أنه لا يجوز الرجوع في الهبة؛ لأن الهبة أخرجها الواهب لله عزّ وجل، فلا يجوز له أن يرجع فيها.

واستثنى المؤلف رحمه الله الأب، فقال: إن الأب يجوز له أن يرجع، ودليل ذلك: حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبشير بن سعد لما خصص النعمان بالهبة، قال: ( فارجع )، وقال: ( اردده )، وأيضاً جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده )، وهذا صححه الترمذي من حديث عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والحديث ظاهر في أن الأب له أن يرجع في هبته، وهذا قول جمهور العلماء، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم الحديث، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الثوري أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالكلب )، وهذا يشمل الأب؛ لكن الجواب عن هذا سهل، فنقول: هذا الحديث مخصص، نعم خصص بحديث عمر وابن عباس : ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد ).

وأيضاً نفهم أن الأب فيما يتعلق بالولد له أحكام خاصة، خصوصاً فيما يتعلق بالمال فإن له أحكاماً خاصة، ولهذا سيأتينا أن الأب له أن يتملك من مال ولده، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (إلا الأب)، أن الأم ليس لها أن ترجع، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الأم لها أن ترجع، وهو قول الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلا الوالد )، فإن الوالد يشمل الأب والأم.

موانع رجوع الأب في الهبة

ورجوع الأب في الهبة يذكر العلماء رحمهم الله له موانع كثيرة، أي: أن الأب له أن يرجع فيما وهبه لولده ما لم يوجد مانع من الموانع التي تمنع الرجوع، والفقهاء رحمهم الله يعددون موانع كثيرة تصل إلى أكثر من عشرين مانعاً، هذه تمنع من رجوع الأب في هبته، بعضها مسلَّم وبعضها غير مسلَّم، فمن هذه الموانع: أن تكون الهبة باقية في ملك الولد، فإن نقل الملك فيها بأن باعها، أو وهبها، أو وقفها ونحو ذلك، فليس للأب أن يرجع.

أيضاً من الموانع: ألا يتعلق بها حق للغير، فإن تعلق بالهبة حق للغير كرهن، مثلاً: الولد اقترض ورهن الهبة، فالأب ليس له أن يرجع؛ لما في ذلك من إبطال حق الغير، حتى ينفك التعلق، فإذا تعلق بها حق للغير ليس له أن يرجع.

ومن الموانع: الزيادة، والزيادة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون الزيادة منفصلة، فهذه لا تمنع الرجوع، فمثلاً: لو وهب ولده شاة وولدت الشاة، فهل للأب أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ نقول: له أن يرجع في الشاة؛ لكن ولد الشاة للولد، وتبقى الشاة له أن يرجع فيها.

القسم الثاني: أن تكون الزيادة متصلة، فهل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والمشهور من المذهب: أنه ليس له أن يرجع، مثلاً: لو وهبه شاةً وسمنت هذه الشاة، فهل للأب أن يرجع بعد أن سمنت؟ المذهب ليس له أن يرجع، والصواب: له أن يرجع حتى ولو سمنت وزادت زيادة متصلة، وتكون الزيادة المتصلة لمن؟ تكون للولد، مثلاً: لو فرضنا أن الشاة كانت قيمتها أربعمائة، ثم زادت عند الولد سمنت، وأصبحت تساوي خمسمائة، الأب والولد يشتركان في الشاة، هذا له أربعة أخماس، وهذا له خمس.

كذلك أيضاً: من الموانع التي ذكرها الإمام مالك رحمه الله، وكذلك أيضًا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يشترط ألا يتعلق بالولد رغبةٌ بسبب الهبة، فمثلاً: لو أن أباً وهب ولده مائة ألف، فلما كان الولد عنده مائة ألف رغب الناس في معاملته، بايعوه، واشتركوا معه، وزوجوه؛ لأن عنده مالاً فتعلق بالولد رغبة من الناس، وبسبب هذه الرغبة حصلت المعاملة، فهل للوالد أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ فهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله:

الرأي الأول: أنه ليس له أن يرجع، وهذا رأي الإمام مالك رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد، لما في ذلك من الإضرار بالناس؛ لأن الناس تعاملوا معه.

الرأي الثاني: رأي ابن حزم وهو أيضاً رواية عن الإمام أحمد أن له أن يرجع لعموم الأدلة.

والرأي الثالث: التفصيل وهو رأي شيخ الإسلام : أنه ليس له أن يرجع بمقدار تلك الرغبة، وهذا القول وسط وهو العدل، ولنفرض أن الأب وهب ولده مليون ريالٍ فالناس لو وهب مائة ألف رغبوا في معاملته، يرجع بتسعمائة ألف، هذا هو العدل، المائة التي تعلق بها رغبة الناس وعاملوه من أجلها هذا ليس له أن يرجع، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب). يقول المؤلف رحمه الله: الواهب لا يجوز له أن يرجع في هبته اللازمة، وتقدم لنا متى تلزم الهبة؟ وأن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

الرأي الأول: أنها لا تلزم إلا بالقبض.

والرأي الثاني: أنها تلزم بمجرد العقد.

والمؤلف رحمه الله تعالى يرى أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فيقول: لا يجوز للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت لازمة، ويفهم منه أنه إذا كانت غير لازمة أن له أن يرجع، ودليلهم على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه )، وهذا يدل على أنه لا يجوز الرجوع في الهبة؛ لأن الهبة أخرجها الواهب لله عزّ وجل، فلا يجوز له أن يرجع فيها.

واستثنى المؤلف رحمه الله الأب، فقال: إن الأب يجوز له أن يرجع، ودليل ذلك: حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـبشير بن سعد لما خصص النعمان بالهبة، قال: ( فارجع )، وقال: ( اردده )، وأيضاً جاء في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده )، وهذا صححه الترمذي من حديث عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والحديث ظاهر في أن الأب له أن يرجع في هبته، وهذا قول جمهور العلماء، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم الحديث، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ، وبه قال الثوري أن الأب ليس له أن يرجع في هبته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( العائد في هبته كالكلب )، وهذا يشمل الأب؛ لكن الجواب عن هذا سهل، فنقول: هذا الحديث مخصص، نعم خصص بحديث عمر وابن عباس : ( لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد ).

وأيضاً نفهم أن الأب فيما يتعلق بالولد له أحكام خاصة، خصوصاً فيما يتعلق بالمال فإن له أحكاماً خاصة، ولهذا سيأتينا أن الأب له أن يتملك من مال ولده، وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: (إلا الأب)، أن الأم ليس لها أن ترجع، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الأم لها أن ترجع، وهو قول الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلا الوالد )، فإن الوالد يشمل الأب والأم.

ورجوع الأب في الهبة يذكر العلماء رحمهم الله له موانع كثيرة، أي: أن الأب له أن يرجع فيما وهبه لولده ما لم يوجد مانع من الموانع التي تمنع الرجوع، والفقهاء رحمهم الله يعددون موانع كثيرة تصل إلى أكثر من عشرين مانعاً، هذه تمنع من رجوع الأب في هبته، بعضها مسلَّم وبعضها غير مسلَّم، فمن هذه الموانع: أن تكون الهبة باقية في ملك الولد، فإن نقل الملك فيها بأن باعها، أو وهبها، أو وقفها ونحو ذلك، فليس للأب أن يرجع.

أيضاً من الموانع: ألا يتعلق بها حق للغير، فإن تعلق بالهبة حق للغير كرهن، مثلاً: الولد اقترض ورهن الهبة، فالأب ليس له أن يرجع؛ لما في ذلك من إبطال حق الغير، حتى ينفك التعلق، فإذا تعلق بها حق للغير ليس له أن يرجع.

ومن الموانع: الزيادة، والزيادة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون الزيادة منفصلة، فهذه لا تمنع الرجوع، فمثلاً: لو وهب ولده شاة وولدت الشاة، فهل للأب أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ نقول: له أن يرجع في الشاة؛ لكن ولد الشاة للولد، وتبقى الشاة له أن يرجع فيها.

القسم الثاني: أن تكون الزيادة متصلة، فهل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والمشهور من المذهب: أنه ليس له أن يرجع، مثلاً: لو وهبه شاةً وسمنت هذه الشاة، فهل للأب أن يرجع بعد أن سمنت؟ المذهب ليس له أن يرجع، والصواب: له أن يرجع حتى ولو سمنت وزادت زيادة متصلة، وتكون الزيادة المتصلة لمن؟ تكون للولد، مثلاً: لو فرضنا أن الشاة كانت قيمتها أربعمائة، ثم زادت عند الولد سمنت، وأصبحت تساوي خمسمائة، الأب والولد يشتركان في الشاة، هذا له أربعة أخماس، وهذا له خمس.

كذلك أيضاً: من الموانع التي ذكرها الإمام مالك رحمه الله، وكذلك أيضًا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يشترط ألا يتعلق بالولد رغبةٌ بسبب الهبة، فمثلاً: لو أن أباً وهب ولده مائة ألف، فلما كان الولد عنده مائة ألف رغب الناس في معاملته، بايعوه، واشتركوا معه، وزوجوه؛ لأن عنده مالاً فتعلق بالولد رغبة من الناس، وبسبب هذه الرغبة حصلت المعاملة، فهل للوالد أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟ فهذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله:

الرأي الأول: أنه ليس له أن يرجع، وهذا رأي الإمام مالك رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد، لما في ذلك من الإضرار بالناس؛ لأن الناس تعاملوا معه.

الرأي الثاني: رأي ابن حزم وهو أيضاً رواية عن الإمام أحمد أن له أن يرجع لعموم الأدلة.

والرأي الثالث: التفصيل وهو رأي شيخ الإسلام : أنه ليس له أن يرجع بمقدار تلك الرغبة، وهذا القول وسط وهو العدل، ولنفرض أن الأب وهب ولده مليون ريالٍ فالناس لو وهب مائة ألف رغبوا في معاملته، يرجع بتسعمائة ألف، هذا هو العدل، المائة التي تعلق بها رغبة الناس وعاملوه من أجلها هذا ليس له أن يرجع، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

قال المؤلف رحمه الله: (وله أن يأخذ ويتملك من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه).

الأب هل له أن يتملك من مال ولده أو ليس له أن يتملك؟ للعلماء رأيان:

الرأي الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن الأب له أن يتملك من مال ولده، واستدلوا على هذا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم )، وهذا أخرجه الترمذي وغيره، وحسنه الترمذي . وكذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك ) وهذا مما يدل على أن له أن يتملك.

الرأي الثاني: رأي جمهور أهل العلم، أن الأب ليس له أن يتملك، واستدلوا على ذلك بالأدلة الدالة على حرمة مال المسلم فليس له أن يتملك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل مال للمسلم إلا بطيبة نفس منه) وكذلك قال الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] وقال رسول الله: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام ).

والأقرب في هذه المسألة: هو رأي الحنابلة، ما دام أنه ورد حديث صحيح في ذلك، فنقول: الصواب ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله أن الأب له أن يتملك في مال ولده؛ لكن بشروط، كما سيأتي إن شاء الله.

ويؤيد ذلك أن الولد بضعة من الأب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في فاطمة : ( فاطمة بضعة مني، يريبها ما يريبني )، فهذا هو الأقرب والصواب. لكن بشروط.

قوله: (ما لا يضره ولا يحتاجه).

هذا الشرط الأول: ألا يضر الولد، يعني: هذا التملك يضر الولد، أو يحتاجه الولد، وما زاد على الحاجة له أن يتملكه، فمثلاً: البيت الذي يسكنه، والثوب الذي يلبسه، والسيارة التي يركبها، هذا ليس له أن يتملكه، وما زاد على ذلك أي: على الحاجة له أن يتملكه، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الأول: ألا يلحق بذلك ضرر، أو يكون محتاجًا إلى هذا المال.

الشرط الثاني: ألا يتملك هذا المال ويعطيه ولداً آخر، يعني مثلاً ليس له أن يتملك سيارة ولده ويعطيه للولد الآخر، فليس له ذلك.

الشرط الثالث: ألا يكون في مرض الموت المخوف من أحدهما؛ لأنه إذا كان في مرض الموت المخوف أصبح المال للوارث، فالمريض مرض الموت المخوف ليس له إلا الثلث، فيشترط ألا يكون في مرض الموت المخوف لأحدهما.

الشرط الرابع: أن يكون ذلك بصيغة التملك.

قال المؤلف رحمه الله: (فإن تصرف في ماله، ولو فيما وهبه له ببيع، أو عتق، أو إبراء، أو أراد أخذه قبل تملكه، بقول أو نية، وقبض معتبر،لم يصح بل بعده).

يعني: لا يصح للأب أن يتصرف في مال الولد، ما دام أن ما تملكه ليس له، بل إذا أراد أن يتصرف لا بد أن يتملك، وتتوفر شروط التملك، ثم بعد ذلك يتصرف، فمثلاً: لو وهب سيارة ابنه، فهل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: لا يصح، بل تملك السيارة أولاً، ثم هبها لمن شئت.

قوله رحمه الله: (أو بيع) مثلاً: قام وباع البيت، نقول له: ليس له ذلك، نقول له: تملك أولاً، ثم بع. (أو عتق) أعتق الرقيق، أيضاً مثله، (أو إبراء) يعني: أبرء من الدين، ونحو ذلك فيقول المؤلف رحمه الله: لا يصح، بل نقول: تملك أولاً، ثم بعد ذلك تصرف، لأنك لا تملك التصرف في المال حتى تتملكه أولاً.

قوله رحمه الله: (أو أراد أخذه قبل رجوعه)، لو أنه وهب ولده هبةً، كأن وهبه هذه السيارة، وأراد أن يأخذ السيارة قبل أن يرجع، هل يصح ذلك أو لا يصح؟ نقول: لا يصح.

بل نقول له: ارجع في الهبة، قل: رجعت في الهبة، ثم خذها، أما كونه يأخذها قبل أن يرجع، فيقول المؤلف رحمه الله: (ليس له ذلك).

قوله رحمه الله: (تملكه بقول، أو نية قبل رجوعه، وقبض معتبر، لم يصح)، أي: أنه ليس للأب أن يأخذ مال ولده، إلا إذا تملكه، فإذا وهبه له ليس له أن يأخذه حتى يرجع، فإذا رجع له أن يأخذه، فإذا كان المال للولد وأراد الوالد أن يأخذه، نقول: لابد أن تتملكه.

وخلاصة القول: إن كان وهبه له، وأراد أن يأخذه، نقول: ارجع أولاً، وإن لم يهبه له وأراد أن يأخذه، نقول: تملك أولاً، تملك بالقبض مع النية، أو بالقول، أي: قل تملكت، فمثلاً: إذا أراد أن يأخذ سيارة الولد التي وهبها له، نقول له: ارجع أولاً، ثم خذها، أو أراد أن يأخذ سيارة الولد التي لم يهبها له، نقول له: تملك أولاً، ثم بعد ذلك خذها.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه ليس للأم أن تتملك؛ لأنه قال: (وله)، والضمير يعود على الأب، أما الأم فليس لها أن تتملك، وأن التملك خاص بالأب؛ لأن النص هكذا جاء: ( أنت ومالك لأبيك )، وهذا القول أقرب؛ لأن المرأة، أو الأنثى ليست كالذكر، فالذكر هو الذي يحتاج إلى مال، ومأمور بالعمل والكسب، أما الأنثى فليست كذلك، فكلام المؤلف أن التملك خاص بالأب، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أن الأم لها أن تتملك؛ لكن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله يظهر أنه هو الأقرب، وأن التملك خاص بالأب، وأن الأم ليس لها أن تتملك.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أيضاً أن الأب له أن يتملك حتى ولو كان كافراً، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام أن الكافر ليس له أن يتملك، فإذا كان الأب كافرًا، نقول: ليس له أن يتملك، لانقطاع الموالاة، وبسبب اختلاف الدين.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أيضاً أن الأب له أن يتملك ولو كان رقيقاً؛ لكن الصحيح هو ما في المذهب، من أنه يشترط أن يكون الأب حراً؛ لأن الرقيق إذا تملك سيكون المال للسيد.

قال المؤلف رحمه الله: (وليس للولد مطالبة أبيه بدين ونحوه).

يعني: ليس للولد أن يطالب أباه، فيرفع أمره للقاضي، مثلاً: لو اقترض منه أبوه عشرة آلاف ليس له أن يرفع أمره إلى القاضي يطالبه بالدين، ونحو الدين: مثل قيمة المتلف، لو أتلف أبوه عليه شيئاً، أو أرش الجناية، فليس له أن يطالبه، لما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك )؛ لكن له أن يطلبه، فيقول: أعطني الدين، فهذا لا بأس؛ لكن كونه يرفع أمره إلى القاضي، فيطالبه عند القاضي بالدين، فهل له ذلك أو ليس له ذلك؟ ليس له ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت ومالك لأبيك )، وأيضاً من الأسباب: لو طالبه فإن الأب له أن يقول: تملكته وينتهي الأمر، وأيضاً هذا فيه نوع من العقوق، يعني: كونه يطالب أباه نوع من العقوق.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا بنفقته الواجبة عليه، فإن له مطالبته بها وحبسه عليها).

يقول المؤلف رحمه الله: إلا فيما يتعلق بالنفقة الواجبة عليه، كالطعام، والشراب، والسكنى، والزواج، واللباس، فهذا له أن يطالبه؛ لضرورة حفظ النفس، فإذا قصر الوالد في النفقة الواجبة، والولد فقير فله أن يطالبه، بل ذكر المؤلف رحمه الله أن له أن يحبسه على ذلك، يعني: أن يطلب من القاضي إما أن ينفق أو أن يحبسه، له ذلك لما تقدم من ضرورة حفظ النفس.

وكذلك أيضاً: له أن يطلب من أبيه العين التي هي له بيد أبيه، مثلاً: لو أن أباً أخذ كتاب ابنه، أو أخذ ثوبه، أو سيارته، فله أن يطلبها منه ولا بأس؛ لكن كونه يطالبه عند القاضي فهل له ذلك أو ليس له ذلك؟ نقول: ليس له ذلك.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2818 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع