أرشيف المقالات

فضل سورتي البقرة وآل عمران

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
فضل سورتي البقرة وآل عمران


حديث أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((اقْرَؤوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)).


المفردات:
أبو أمامة الباهليُّ: قال ابن حجر في ترجمته[1] : "هو صُدَيُّ - بالتصغير- بن عَجلان، مشهور بكنيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وغيرهم...
وروى عنه أبو سلام الأسود، ومحمد بن زياد، وخالد بن معدان، وآخرون"، وقال ابن سعد: "سكن الشام، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه باهلة، فأسلموا عن آخرهم، مات سنة ست وثمانون"[2].

اقرؤوا القرآن: اسم لما أنزله الله تعالى على خاتم النبيين من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس؛ كُلًّا أو بعضًا، فأل فيه للجنس، وأصله مصدر (قرأ) كالغفران والشكران مصدري غفر وشكر، وأصل معناه الجمع، وكل شئ جمعته فقد قرأته؛ سُمِّي به القرآن الكريم؛ لأنه جمع الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والقصص والسور والآيات بعضها إلى بعض، والأمر بالقراءة للوجوب العيني في الصلاة المفروضة لسورة الفاتحة، وللندب فيما عداها، وللوجوب الكفائي للأمة بمقدار ما يحفظ له التواتر، وما عدا ذلك، فمستحب استحبابًا مؤكدًا.

فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه: الفاء للتعليل فالجملة بعدها تعليل للأمر بقراءة القرآن، والشفيع: هو الشافع الذي يطلب الشفاعة، والشفاعة هي طلب العفو عن السيئات، أو التفضل برفع الدرجات، وأصحاب القرآن: هم أهله وحَافِظوه العاملون به المتُخَلِّقون بخُلُقِه وآدابه، والمراد من إِتْيَان القرآن: إثبات ثواب قراءته والعمل به، وسنوضح ذلك في الشرح، ونوضح شفاعته لأصحابه.

اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران: الزهراوين: تثنية الزهراء، والزهراء تأنيث الأزهر وهو الأبيض المستنير، وسُمِّيت البقرة وآل عمران بالزهراوين؛ لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما، كما قال الشارح، والبقرةَ بالنصب، بدل من الزهراوين بدل كل من بعض.

فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان...: الفاء للتعليل أيضًا والجملة بعدها تعليل للأمر بقراءة هاتين السورتين، بعد الأمر العام بقراءة القرآن.

ومعنى إِتْيَانهما: مجيء ثواب قراءتهما والعمل بهما، كما سنوضحه بالشرح.

والغمامة والغَيايَة: بمعنى واحد وهو كل شيء أظلَّ الإنسان فوق رأسه من سحابة وغيرها، كما قال الشارح، والفِرْق من الطير - بكسر الفاء وسكون الراء – هو الفريق والجماعة منه، وصَوَافُّ جمع صافَّة؛ وهي التي تصفُّ أجنحتها وتبسطها في الهواء وهي طائرة، و(أو) هنا للتنويع في التمثيل والتشبيه؛ لينجليَ وينكشف.

تحاجَّان عن أصحابهما: أي: تدافعان عنهم ليتجاوز الله عن سيئاتهم، أو يشفعان لهم ليرفع الله لهم في درجاتهم.

فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة: الفاء للتعليل أيضًا والجملة بعدها تعليل للأمر بقراءة سورة البقرة والعمل بها، والبركة: زيادة الخير ودوامه، والحسرة: الندامة والغمُّ، والبَطَلة: السَّحَرة، جمع باطل كساحر وزنًا ومعنًى.

خلاصة المعنى:
يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته أن يقرؤوا القرآن كله أو بعضه، على قدر جهدهم واستطاعتهم: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، والأمر للوجوب العيني على كل مكلف بالمقدار الضروري المفروض للصلوات الخمس، وللندب فيما عدا ذلك، وللوجوب الكفائي على الأمة كلها؛ فلا بد أن يكون فيها حفَّاظ يحفظون القرآن الكريم ويتقنونه بما يحفظ تواتره، والعمل بالقرآن واجب محتوم؛ إذِ الحفظ من غير عمل كمثل الرائحة الزكية في الريحانة، وفيه شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم بها المنافق الذي يحفظ القرآن وهو لا يعمل به؛ ريحها طيب، وطعمها مر.

ثم رغَّب صلى الله عليه وسلم أمته في حفظ القرآن والعمل به، فبيَّن أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأهله الذين حفظوه وعملوا به؛ أي: يُؤتى بثواب قراءته والعمل به، وهو ثواب عظيم جدًّا، وعظمته على قدر العناية به في الدنيا، يُؤتى بهذا الثواب فيُوضع في ميزان أصحابه، فيكون سببًا في تكفير سيئاتهم ورفع درجاتهم عند الله تعالى: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، ويجوز أن يُصَّور الثواب في صورة جميلة توضع في الميزان، أو يُنطِقها الله سبحانه وتعالى فتشفع لأهل القرآن وتكون حُجة لهم، وليس ذلك على الله ببعيد على من يقول للشيء: كن فيكون، ويجوز أن تكون الشفاعة للملائكة الذين شهدوا تلاوته والتَخلُّق بأخلاقه؛ فأُسندت الشفاعة إلى القرآن نفسه؛ لأنه سببها.

ثم يرغِّب صلى الله عليه وسلم أمته في قراءة سورتي البقرة وآل عمران؛ لِما اشتملتا عليه من أصول الدين وفروعه، وأحكامه وآدابه، فيأمر بقراءتهما والعمل بهما؛ لأنهما تشفعان وتدافعان عن أصحابهما، وأنهما تظلانه بظل كريم من رب رحيم، ثم يرغِّب صلى الله عليه وسلم أمته في قراءة سورة البقرة والعمل بها؛ لِما اختصت به من خصائص لم تجتمع في غيرها؛ فهي أطول سورة في القرآن كله، وهي أَجمَع سورة لصفات المؤمنين والكافرين والمنافقين، وهي أوْفى السور بأحكام الدين، وفيها بالمعجزة الخالدة الباقية، وهي معجزة القرآن الكريم، من أجل ذلك كانت قراءتها والأخذ بها بركة عظيمة.
 

[1] في تراجم من كنوز الصحابة في الإصابة، ج 7، ص 9، طبعة السعادة.

[2] وفي القاموس وشرحه: "وباهلة قبيلة من قيس عيلان، وهي في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر ..."؛ [ج 7، ص 239]، فنُسب والده إليها، وقولهم: باهلة بن أعصر أينما هو كقولهم: تميم بنت مرٍّ، فالتذكير للحي، والتأنيث للقبيلة، سواء كان الاسم في الأصل لرجل أو امرأة.
 

شارك الخبر

المرئيات-١