شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [47]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه، والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما، ومن ترك حيوانًا بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه، ومن أخذ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة.

باب اللقيط: وهو طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نُبذ أو ضل، وأخذه فرض كفاية، وهو حر، وما وجد معه أو تحته ظاهرا، أو مدفوناً طرياً، أو متصلاً به كحيوان وغيره، أو قريباً منه فله، وينفق عليه منه، وإلا فمن بيت المال، وهو مسلم، وحضانته لواجده الأمين، وينفق عليه بغير إذن حاكم، وميراثه وديته لبيت المال، ووليه في العمد الإمام يخير بين القصاص والدية، وإن أقر رجل أو امرأة ذات زوج مسلم أو كافر أنه ولده لحق به ولو بعد موت اللقيط، ولا يتبع الكافر في دينه إلا ببينة تشهد أنه ولد على فراشه].

تقدم لنا شيء من أحكام اللقطة، وذكرنا أن اللقطة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما يباح التقاطه ولا يجب تعريفه، وذكرنا ضابطه أنه ما لا تتبعه همة أوساط الناس، وذكرنا أنه يترتب عليه أربعة أحكام.

القسم الثاني: ما يحرم التقاطه، وذكرنا أنه نوعان:

النوع الأول: ما يمتنع من صغار السباع من الحيوانات.

والنوع الثاني: ما يتحفظ بنفسه مما تتبعه همة أوساط الناس كالآلات الكبيرة والقدور ونحو ذلك، فهذا يحرم التقاطه؛ لأنه يتحفظ بنفسه فيُترك حتى يجده ربه.

القسم الثالث: ما يلتقط ويعرف، وذكرنا أيضاً أنه نوعان:

النوع الأول: ما لا يمتنع من صغار السباع من الحيوانات، وذكرنا ضابط ذلك ودليله.

والنوع الثاني: ما تتبعه همة أوساط الناس مما لا يتحفظ بنفسه.

وذكرنا أيضاً أن اللقطة لا يجوز التصرف فيها قبل الحول إلا أن العلماء استثنوا أمرين:

الأمر الأول: الحيوان، فملتقط الحيوان مخير فيه بين ثلاثة أمور.

والأمر الثاني: الطعام الذي يتسارع إليه الفساد ملتقطه مخير بين ثلاثة أمور.

وأيضاً تقدم لنا هل اللقطة من التمليكات القهرية أو أنها ليست من التمليكات القهرية؟ فالمشهور من المذهب: أنها من التمليكات القهرية؛ بمعنى أنه إذا تم الحول فإن اللقطة تدخل في ملك الملتقط قهرًا عليه كالميراث فالشخص إذا مات له ميت فإن مال هذا الميت يدخل في ملك الوارث قهرًا عليه.

وذكرنا الرأي الثاني: رأي الشافعية أنه لا يدخل؛ لأن هذه اللقطة لا تدخل في ملك الملتقط إلا باختياره، فإن اختار التملك فله ذلك، وإذا لم يختر التملك فله ذلك، ويترتب عليه كما ذكرنا مسائل فيما يتعلق بالتلف، منها: لو تلفت اللقطة فالضمان على من يكون؟ وكذلك أيضاً النفقات على من تكون؟

قال المؤلف رحمه الله: (فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه).

إذا جاء طالبها فوصفها فإنه يجب عليك أن تدفعها إليه؛ ويدل لذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن جاء صاحبها فأعطها إياه ). وظاهر كلام المؤلف رحمه الله: أنه متى جاء صاحبها حتى ولو بعد الحول -وهذا ما عليه أكثر أهل العلم- فإنك تدفعها له؛ ويدل لذلك ما تقدم من الحديث: ( فإن جاء صاحبها فأعطها إياه ). وهذا يشمل حتى ما لو جاء بعد الحول، وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني: أنه إذا جاء بعد الحول فإنها لا تدفع إليه وهذا قال به الظاهرية، فيرون أنه إذا جاء بعد الحول فإنها لا تدفع إليه؛ ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فهي كسبيل مالك فاستنفقها ).

والصواب في هذه المسألة هو الرأي الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( متى جاء طالبها فأعطها إياه ). وهذا يشمل ما إذا جاء في الحول أو بعد الحول.

وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فهي كسبيل مالك فاستنفقها، فهي لك )، فالمقصود أنه لا بأس أن يتصرف فيها بعد الحول أما قبل الحول فإنه لا يتصرف فيها، فالصحيح في ذلك أنه إذا جاء صاحبها سواء كان في الحول أو بعد الحول فوصفها فإنها تدفع إليه.

وأيضاً: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه سواء وصفها ببينة أو وصفها بغير بينة فإنها تدفع إليه وهذا هو المشهور من المذهب ومذهب المالكية؛ ودليل ذلك أن كونه يصفها فهذه بينة، يقول مثلاً: الدراهم عددها كذا وكذا، وعفاصها كذا وكذا، ووكاؤها كذا وكذا أو معها البطاقة الفلانية فكونه يصفها هذه بينة، فلا حاجة للبينة.

والرأي الثاني: مذهب الحنفية والشافعية أنه لا بد أن يأتي بالبينة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ).

والصواب في ذلك: هو الرأي الأول وهو ما ذهب إليه المؤلف وهو المذهب أنه لا حاجة إلى البينة بمعنى الشهود، فإن وصف المالك هذه اللقطة فهذه بينة على أنها له، وهذا مما يرجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم -كما سيأتينا في باب القضاء- أن البينة هي: كل ما يبين الحق ويظهره من الشهود، والوثائق، والقرائن، والعادات، يعني: كل ما يبين الحق وأن البينة ليست خاصة بالشهود؛ لأن كثيراً من العلماء يخص البينة بالشهود.

والصحيح: أن اسم البينة أعم من الشهود، وأن البينة هي: كل ما يبين الحق ويظهره من الشهود، والعادات، والقرائن، والوثائق، والكتابات، والآن بسبب ترقي العلم وتطور الطب أصبحت القرائن كثيرة، فالحكم بالقرائن من البينة وسيأتينا إن شاء الله.

لقطة الصبي والسفيه

قال رحمه الله: (والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما).

يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يشترط في الملتقط أن يكون بالغاً، ولا يشترط أيضاً في الملتقط أن يكون حراً، ولا يشترط أن يكون عاقلاً، ولا يشترط أن يكون رشيداً؛ لأن الالتقاط هذا كسائر التمليكات، مثل: الاحتطاب، والاحتشاش، والصيد ونحو ذلك، وهذه الأشياء تصح من الصبي، فالصبي يصح أن يحتش وأن يحتطب، والمجنون كذلك يصح أن يحتطب وأن يجمع الحشيش، فنقول: يؤخذ من قوله: (السفيه)، لا نشترط أن يكون رشيدًا، وقوله: (الصبي) لا يشترط في الملتقط أن يكون مكلفاً، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: رأي المالكية أنه يشترط في الملتقط أن يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً مكلفاً؛ لأنهم يرون أن اللقطة ولاية، والولاية يشترط لها الإسلام ويشترط لها التكليف.

والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وأما القول: بأن اللقطة ولاية فهذا لا يسلم، بل اللقطة مثل سائر التمليكات كالاحتشاش والاحتطاب ونحو ذلك، وإن كان الحنفية يستثنون المجنون، فالمجنون لا يرون التقاطه، لكن الصواب في ذلك: أنه لا فرق بين المجنون وبين العاقل، وبين الرقيق وبين الحر، وبين البالغ وبين الصبي، فالصبي يعرف لقطته وليه أو من يقوم مقامه.

التفريط في التعريف باللقطة

بقي عندنا مسألة مهمة وهي: إذا فرط في التعريف أو أخل فيه فإنه لا يملك اللقطة، يعني لو أن الشخص أخذ اللقطة وفرط في التعريف فلم يعرف، مثلاً: مضى يومان أو ثلاثة أو خمسة ولم يعرف، فنقول: هنا فرط في واجب؛ لأن التعريف واجب، وربما أن صاحبها قد أيس منها، فإذا فرط في التعريف فإنه لا يتملك اللقطة إذا مر عليها حول، وعلى هذا يجب عليه أن يتصدق بها، وهذه تحصل كثيراً فيلتقط اللقطة ومع ذلك يفرط في التعريف، أو يخل بالتعريف... إلخ، فنقول في هذه الحالة: لا يتمكن من التملك.

إرجاع اللقطة إلى مكانها بعد أخذها

كذلك أيضاً مسألة أخرى وهي: لو أنه أخذ اللقطة ثم بعد ذلك أراد أن يردها إلى محلها ورأى المشقة في التعريف ونحو ذلك فهل يملك أن يردها إلى محلها مرة أخرى أو نقول: بأنه لا يملك ذلك؟ نقول: بأنه لا يملك ذلك؛ لأنه لما أخذها أصبحت أمانة في يده، وكونه يرميها مرة أخرى فهذا تفريط في حفظ الأمانة.

فالفقهاء يقولون: بأنه لا يملك ذلك، بل إذا أخذ اللقطة فإنه تترتب عليها أحكام اللقطة، فإذا لم يكن قد أخذها فله أن يتركها، وكما تقدم لنا حكم الالتقاط متى يكون واجبًا؟ ومتى يكون محرمًا؟ ومتى يستحب؟ فإذا أخذها فإن العلماء رحمهم الله يرون أنه لا يملك أن يردها إلى مكانها؛ لأنها لما وقعت في يده أصبحت أمانة، فهو قبض المال بإذن الشارع، فهو أمانة، وإذا كانت أمانةً فكونه يرميها مرة أخرى فإن هذا تفريط في حفظ الأمانة فيكون ضامنًا لها.

لقطة حرم مكة والمدينة

أيضاً بقي لنا مسألة أخرى تتعلق باللقطة وهي: لقطة حرم مكة والمدينة؛ أما حرم المدينة فلقطته كسائر البلاد فلا فرق بين حرم المدينة وبين سائر البلاد.

وأما ما يتعلق بحرم مكة فللعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وهو قول جمهور أهل العلم أن لقطة حرم مكة كسائر البلاد وأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، وإلا فهي لك )، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية وكذلك أيضاً الحنابلة؛ لعموم حديث زيد بن خالد رضي الله تعالى عنه.

والرأي الثاني: رأي الشافعية أن لقطة حرم مكة لا يجوز أن تؤخذ إلا لمن يريد أن يعرفها أبداً، يعني الذي يريد أن يعرفها دائماً ولا يمتلكها، أما الذي يريد أن يعرفها لكي يمتلكها فهذا لا يجوز له إلا إذا أراد أن يأخذها لكي يعرفها دائماً فتكون عنده أمانة ويعرفها دائماً سنة أو سنتين... إلخ، حتى يجدها صاحبها ليأخذها، أما الذي لا يريد ذلك فإنه يتركها؛ ويستدلون على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) يعني لمن أراد أن يعرفها دائماً وأبداً، والحديث خرجاه في الصحيحين.

وفي صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لقطة الحاج)، وهذا من تمام أمن حرم مكة؛ فحرم مكة يؤمن فيه على الدماء، وكذلك أيضاً الأعراض، وكذلك أيضاً الأموال حتى اللقطة التي تسقط، فهذا من تمام الأمن وحتى الأشجار والحيوان يؤمن فيه، فمن تمام أمن حرم مكة أن لقطته تترك إلا لشخص يريد أن يعرفها دائماً، وهذا شاق، لكن إذا كان هناك أماكن مسئولة تستقبل هذه اللقط فهنا لا بأس أن يأخذها ويعطيها من يستقبل هذه الأموال، وإذا لم يوجد ذلك فهنا لا يجوز أن تلتقط إلا لمن يريد أن ينشدها دائماً، فلا تحل ساقطتها إلا لمنشد، وهذا كما ذكرنا هو تمام الأمن في حرم مكة شرفها الله.

التقاط ما تمتنع من صغار السباع إذا ظن هلاكها

أيضاً تقدم لنا أن ما يمتنع من صغار السباع إما لكبر جثته أو لسرعة عدوه ونحو ذلك فهذا يحرم التقاطه، لكن استثنى العلماء رحمهم الله فقالوا: يجوز التقاطه إذا كان في مهلكة، مثلاً: إذا كان هذا البعير في أرض مسبعة كلها سباع، والبعير يمتنع من الذيب، ويمتنع من ولد الأسد، ويمتنع من الثعلب، لكن إن اجتمعت عليه الذئاب أكلته، فإذا كان في أرض مسبعة فيها أسود أو فيها ذئاب تجتمع عليه فهذا لا يمكن منه.

فنقول: هذه الأشياء التي يحرم التقاطها إذا كان هناك أناس يسرقونها ونحو ذلك فإنها تلتقط في هذه الحالة، لكن إذا لم يكن شيء من ذلك فإنها لا تلتقط.

تسييب الحيوان ونحوه وحكم آخذه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن ترك حيواناً بفلاة لانقطاعه أو عجز ربه عنه ملكه آخذه).

إذا ترك حيواناً بفلاة، يعني بصحراء، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا بأس أن تسيب الحيوان إذا عجزت عنه إما لمرضه، أو عجزت عن النفقة عليه ونحو ذلك فإنه لا بأس أن تسيبه وأن تتركه؛ ويدل لذلك حديث جابر في صحيح مسلم أنه أراد أن يسيب جمله لما أعيا، فاشتراه منه النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا الحيوان إذا سيبه صاحبه فيقول لك المؤلف رحمه الله: لا بأس، فمن أراد أن يأخذه فله أن يأخذه، وبهذا نعرف أيضاً ما يوجد اليوم من الأمتعة المسيَّبة إذا قامت القرينة على أن صاحبها تركها رغبة وأنه لا يريدها، مثلاً: تأتي بعض الشركات وتعمل أعمالًا ثم بعد ذلك تذهب، وقد تترك شيئاً من الأخشاب أو تترك شيئاً من الحديد ونحو ذلك، فهل يجوز أخذ مثل هذه الأشياء أو لا يجوز؟

نقول: إذا قامت القرينة أنها تركتها رغبة عنها وأنها لا تريدها كما لو طالت مدة بقاء هذه الأشياء في هذا المكان فنقول: لا بأس، فمن أراد أن يأخذ هذا فله أن يأخذه وأن ينتفع به، ومثل ذلك أيضاً: ما يوجد من السيارات التي تقع عليها حوادث، فتجد أن السيارة قد تكون لسنة أو سنتين وهي في الطريق، فهل يجوز أن ينتفع بها؟ نقول: إذا قامت القرينة على أن صاحبها تركها رغبة عنها ولا يريدها فلا بأس أنه يأخذها وينتفع بها كما ذكر المؤلف رحمه الله.

من أُخذ نعله ووجد موضعه غيره

قال رحمه الله: (ومن أخذ نعله ونحوه ووجد موضعه غيره فلقطة).

وهذه تحصل كثيراً، يعني يخرج الإنسان من المسجد أو من مكان الاجتماع ثم بعد ذلك يجد أن نعله قد أُخذ، وأن مكان هذا النعل نعل آخر، فهنا يغلب على الظن -والله أعلم- أن من سبقه غلط وأنه بدلاً من أن يأخذ نعله أخذ نعل غيره وترك نعله، فما الحكم هنا؟

يقول المؤلف رحمه الله: حكمه حكم اللقطة، وعلى هذا تأتينا أحكام اللقطة السابقة، فإذا كان هذا النعل لا تتبعه همة أوساط الناس لكونه بريال أو بريالين، وإن كانت تتبعه همة أوساط الناس فيحتاج إلى تعريف ونحو ذلك، وهذا فيه مشقة، يعني كوننا نجري عليه أحكام اللقطة هذا فيه مشقة.

وكما ذكرنا أن الذي يظهر ويغلب على الظن -والله أعلم- أن من أخذ النعل أنه غلط في هذا النعل، وعلى هذا نقول: ينتظر شيئاً يسيراً فإن جاء وإلا له أن يأخذه، وهذا هو الأحسن، وإن تركه ورجع إليه مرة أخرى لعله يرجع فهذا أحسن.

والمهم نقول: بأنه ينتظر شيئاً فإن جاء وإلا فله أن يأخذه، وإن تركه فترة يسيرة حتى يرجع كأن يتركه وقتاً أو وقتين فهذا أحوط، لكن لو أخذه فإن كان هذا النعل أغلى ثمناً من نعله فإنه يتصدق بالزائد، ولنفرض أن هذا النعل مثلاً يساوي مائة ونعله يساوي خمسين، أو يساوي سبعين فإن هذا الزائد نقول: بأنه يتصدق به.

والخلاصة في هذه المسألة: كوننا نجري عليه أحكام اللقطة نقول: هذا فيه شيء من المشقة والبعد، وكوننا لا نجري عليه أحكام اللقطة فنقول: مادام أنه غلط وأخذ نعلك فلك أن تأخذ نعله فهو الذي أخطأ فلا بأس أن تأخذه، لكن -كما قلنا- ينتظر يسيراً لعله يرجع، وإن تركه وقتاً أو وقتين فهذا أحسن لعله أن يعود، وإذا أخذ هذا النعل فإن كان ثمنه زائداً فإنه يتصدق بالزائد، أما إذا كان مساوياً أو أنقص فالأمر في ذلك ظاهر.

قال رحمه الله: (والسفيه والصبي يعرف لقطتهما وليهما).

يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يشترط في الملتقط أن يكون بالغاً، ولا يشترط أيضاً في الملتقط أن يكون حراً، ولا يشترط أن يكون عاقلاً، ولا يشترط أن يكون رشيداً؛ لأن الالتقاط هذا كسائر التمليكات، مثل: الاحتطاب، والاحتشاش، والصيد ونحو ذلك، وهذه الأشياء تصح من الصبي، فالصبي يصح أن يحتش وأن يحتطب، والمجنون كذلك يصح أن يحتطب وأن يجمع الحشيش، فنقول: يؤخذ من قوله: (السفيه)، لا نشترط أن يكون رشيدًا، وقوله: (الصبي) لا يشترط في الملتقط أن يكون مكلفاً، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم وهو الرأي الأول.

والرأي الثاني: رأي المالكية أنه يشترط في الملتقط أن يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً مكلفاً؛ لأنهم يرون أن اللقطة ولاية، والولاية يشترط لها الإسلام ويشترط لها التكليف.

والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وأما القول: بأن اللقطة ولاية فهذا لا يسلم، بل اللقطة مثل سائر التمليكات كالاحتشاش والاحتطاب ونحو ذلك، وإن كان الحنفية يستثنون المجنون، فالمجنون لا يرون التقاطه، لكن الصواب في ذلك: أنه لا فرق بين المجنون وبين العاقل، وبين الرقيق وبين الحر، وبين البالغ وبين الصبي، فالصبي يعرف لقطته وليه أو من يقوم مقامه.

بقي عندنا مسألة مهمة وهي: إذا فرط في التعريف أو أخل فيه فإنه لا يملك اللقطة، يعني لو أن الشخص أخذ اللقطة وفرط في التعريف فلم يعرف، مثلاً: مضى يومان أو ثلاثة أو خمسة ولم يعرف، فنقول: هنا فرط في واجب؛ لأن التعريف واجب، وربما أن صاحبها قد أيس منها، فإذا فرط في التعريف فإنه لا يتملك اللقطة إذا مر عليها حول، وعلى هذا يجب عليه أن يتصدق بها، وهذه تحصل كثيراً فيلتقط اللقطة ومع ذلك يفرط في التعريف، أو يخل بالتعريف... إلخ، فنقول في هذه الحالة: لا يتمكن من التملك.

كذلك أيضاً مسألة أخرى وهي: لو أنه أخذ اللقطة ثم بعد ذلك أراد أن يردها إلى محلها ورأى المشقة في التعريف ونحو ذلك فهل يملك أن يردها إلى محلها مرة أخرى أو نقول: بأنه لا يملك ذلك؟ نقول: بأنه لا يملك ذلك؛ لأنه لما أخذها أصبحت أمانة في يده، وكونه يرميها مرة أخرى فهذا تفريط في حفظ الأمانة.

فالفقهاء يقولون: بأنه لا يملك ذلك، بل إذا أخذ اللقطة فإنه تترتب عليها أحكام اللقطة، فإذا لم يكن قد أخذها فله أن يتركها، وكما تقدم لنا حكم الالتقاط متى يكون واجبًا؟ ومتى يكون محرمًا؟ ومتى يستحب؟ فإذا أخذها فإن العلماء رحمهم الله يرون أنه لا يملك أن يردها إلى مكانها؛ لأنها لما وقعت في يده أصبحت أمانة، فهو قبض المال بإذن الشارع، فهو أمانة، وإذا كانت أمانةً فكونه يرميها مرة أخرى فإن هذا تفريط في حفظ الأمانة فيكون ضامنًا لها.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع