شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [16]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ الثالث: ذكر قدره بكيل، أو وزن، أو ذرع يعلم، فإن أسلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً، لم يصح. الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، فلا يصح حالاً، ولا إلى الجذاذ والحصاد، ولا إلى يوم، إلا في شيء يأخذه منه كل يوم كخبز ولحم ونحوهما. الخامس: أن يوجد غالباً في محلِه ومكان الوفاء، لا وقت العقد، فإن تعذر، أو بعضه فله الصبر، أو فسخ الكل أو البعض، ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه. السادس: أن يقبض الثمن تاماً معلوماً قدره ووصفه قبل التفرق، وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما عداه، وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو عكسه صح إن بين كل جنس وثمنه وقسط كل أجل. السابع: أن يسلم في الذمة فلا يصح في عين، ويجب الوفاء موضع العقد، ويصح شرطه في غيره، وإن عقد ببر أو بحر شرطاه ].

تقدم لنا جملة من أحكام السلم، فمن ذلك: تعريفه في اللغة والاصطلاح، وأنه: عقد على موصوف في الذمة مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد. كذلك ذكرنا من الضوابط المتعلقة بباب السلم: أن كل ما أمكن ضبطه بالوصف صح السلم فيه.

كذلك أيضاً من الضوابط: أن كل ما يختلف فيه الثمن من الصفات فإنه يجب بيانه، وأما الصفات التي لا يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً فلا يشترط بيانها؛ لأن ذلك قد يتعذر، أو يندر.

وتقدم أن تكلمنا على ما إذا جاء المسلم إليه بالمسلم فيه قبل محله، أي: قبل وقت حلوله، هل يجب على المسلم أن يقبضه، أو نقول: لا يجب عليه أن يقبضه؟

ذكرنا أنه يجب عليه أن يقبضه ما لم يكن هناك ضرر.

والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه لو خشي أن يلحقه منةٌ؛ فإنه لا يجب عليه أن يقبضه.

وذكرنا أن المسلم إليه إذا جاء للمسلم بشيء يخالف ما اتفقا عليه فإن هذا لا يخلو من أقسام:

القسم الأول: أن يأتيه بما اتفقا عليه جنساً، ونوعاً، ووصفاً، ووقتاً، فهذا يجب عليه أن يقبله.

القسم الثاني: أن يأتيه بما اتفقا عليه جنساً، ونوعاً ووصفاً؛ لكن يخالف في الوقت، فيأتيه بالمسلم فيه قبل وقته، وهذه أيضاً تقدم الكلام عليها.

والقسم الثالث: أن يأتيه بما اتفقا عليه جنساً، ونوعاً؛ لكن يخالف في الوصف، فإن خالف إلى أردأ فإنه لا يجب على المسلم أن يقبله، وإن خالف إلى أعلى؛ فالمشهور من المذهب أنه يجب على المسلم أن يقبله، وذكرنا أنهم يذكرون قاعدة: وهي أن هبة الأوصاف والمعاني يجب قبولها، وهنا زاده خيراً.

اتفقا مثلاً: على برٍ متوسط، فجاءه ببرٍ جيد، فإنه يجب عليه أن يقبل ذلك.

القسم الرابع: أن يأتيه بما اتفقا عليه جنساً؛ لكنه يخالف في النوع، فمثلاً: يتفقان على تمر ونوعه من السكري، أو من البرحي، ونحو ذلك، فيأتيه بنوع آخر، اتفقا على تمرٍ من السكري فأتاه بنوع آخر، فهل يجب عليه أن يقبله، أو نقول: بأنه لا يجب عليه أن يقبله؟ فالمشهور من المذهب: أنه يجوز له أن يقبله ولا يلزمه؛ لأن الحق له قد أسقطه ولا يجب عليه؛ لأنه خلاف ما اتفقا عليه، خلافاً للشافعية، فالشافعية رحمهم الله يرون أنه لا يجوز له أن يقبله، والصواب في هذه المسألة: أنه يجوز له أن يقبله لكن لا يجب عليه.

القسم الخامس: أن يأتيه بخلاف ما اتفقا عليه جنساً، مثلاً: اتفقا على تمرٍ فجاءه بشعير، أو اتفقا على شعير فجاءه برز، أو اتفقا على أرز فجاءه بدخن أو نحو ذلك، المهم أتاه بجنس آخر غير ما اتفقا عليه فالمذهب أنه لا يجوز له أن يقبله، وهم يعتمدون في ذلك على حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره )، وعلى هذا سيأتينا أنهم لا يجوزون بيع المسلم فيه، فهذا لا يجوز بيعه، وهذا الحديث مع أنه ضعيف يبنون عليه كثيراً من الأحكام المتعلقة بالسلم، وهذا سيأتينا إن شاء الله.

إذاً هذا الحديث ضعيف، والصحيح في ذلك: أنه إذا جاءه بغير الجنس أنه يجوز له أن يقبله، ويكون هذا من بيع دين السلم على من عليه الدين، هذا سيأتينا في كلام المؤلف، وأن المؤلف رحمه الله لا يرى جوازه، والصحيح هو اختيار شيخ الإسلام كما سيأتينا إن شاء الله، والمؤلف لا يرى جوازه بما ذكرنا في هذا الحديث: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره ) .

الشرط الثالث: بيان قدر المسلم فيه

قال رحمه الله تعالى: ( الثالث: ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع يعلم ).

هذا الشرط الثالث من شروط المسلم فيه: وهو أنه لا بد من ذكر قدر المسلم فيه، ودليل ذلك ما سلف من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ) فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في كيل ووزن) مما يدل على أنه لا بد من ذكر القدر بالنسبة للمسلم فيه؛ ولأن هذا أدعى إلى عدم النزاع والخلاف والشقاق، قال تعطيني مثلاً: هذه الألف ريال، أو تعطيني كذا وكذا من الأقلام، أما أن تعطيني مجموعة أقلام فلا يصح هذا؛ لأنه لا بد أن يُضبط عدد هذه الأقلام، أو مثلاً قال: تعطيني أصوعاً من البر، أو أصوعاً من الأرز، أو الدخن، أو نحو ذلك، فنقول: إن هذا لا يجوز، لا بد -كما ذكر المؤلف- من ذكر قدره بكيل، أو وزن، أو ذرع يعلم.

وقوله: (يعلم) أي: لا بد أن تكون الآلة التي يكال بها، أو يوزن بها، أو يزرع بها آلة معلومة، وعلى هذا لو جاء بإناء مثلاً من الأواني، وقال: هذه ألف ريال لتعطيني ملء هذا الإناء من الأرز، أو من البر، أو من كذا. فيقول المؤلف رحمه الله: إن هذا لا يصح، لماذا؟ لأن هذا الإناء غير معروف، فربما أنه يفقد هذا الإناء! فلا بد أن يكون معروفاً، ولو أتى بإناء مثلاً من هذه الأواني المعلبة، فقال تعطيني ملء هذا الإناء كذا وكذا من التمر، أو من البر، أو نحو ذلك؛ فلا يصح أيضاً؛ لأن هذا الإناء ليس معلوماً عند عامة الناس، فلا بد أن يكون معلوماً عند عامة الناس دفعاً للخلاف والشقاق؛ لأنهما قد يختلفان في هذا الإناء، فقوله رحمه الله: (يعلم)، أي: عند عامة الناس؛ لأنه إذا كان ليس معلوماً عند عامة الناس قد يتلف، وقد يجهل مثل هذا الإناء، وخصوصاً إذا كانت المدة طويلة كسنة أو سنتين، فقد يتعذر الحفاظ على هذا الإناء، فدفعاً للخلاف والشقاق لا بد أن الإناء معلوم.

قال رحمه الله: (وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح).

في هذه العبارة المؤلف رحمه الله اشترط المعيار الشرعي، وأنك إذا أسلمت فلا بد من المعيار الشرعي كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات، وعلى هذا: لو أسلمت المكيل وزناً، أو الموزون كيلاً، هل يصح، أو لا يصح؟ قال المؤلف رحمه الله: ( لم يصح )، مثلاً: لو قلت لك: هذه ألف ريال تعطيني بعد سنة ألف صاع من اللحم -من لحم البعير- من موضع كذا وكذا أو من لحم الإبل، فهل يصح أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن اللحم معياره الشرعي الوزن، كما تقدم في باب الربا، ولو أنه مثلاً قال: أسلفتك ألف ريال تعطيني ألف كيلو من البر الذي صفته كذا وكذا، يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن البر مكيل، وربطه الآن بالوزن لا يجوز، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني: رأي جمهور العلماء: أن المعيار الشرعي ليس شرطاً، وإنما نحتاج المعيار الشرعي عند اشتراط المساواة، وهنا المساواة ليست شرطاً، فعندما نُبادل ربوياً بجنسه نحتاج المعيار الشرعي: تمر بتمر، بر ببر، لكي نحقق المساواة نشترط المعيار الشرعي، هذا هو المكان الذي يشترط فيه المعيار الشرعي، أما هنا فلا حاجة إلى المعيار الشرعي، فالمعيار الشرعي متى نحتاجه؟ نحتاجه في باب الربا عند اشتراط المساواة، ومتى نشترط المساواة؟ نشترط المساواة إذا بادلنا ربوياً بجنسه فقط، ما عدا ذلك لا تشترط المساواة، ولا نحتاج إلى المعيار الشرعي، فهنا الصواب في ذلك ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله: أن المعيار الشرعي ليس شرطاً.

الشرط الرابع: بيان الأجل

قال رحمه الله: ( الرابع: ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن، فلا يصح حالاً، ولا إلى الحصاد والجذاذ، ولا إلى يوم، إلا في شيء يأخذه منه كل يوم كخبز، ولحم، ونحوهما ).

هذا الشرط الرابع من شروط صحة السلم، قال المؤلف رحمه الله: ( ذكر أجل معلوم له وقع في الثمن ) وهذه العبارة اشتملت على ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: اشتراط الأجل.

والمسألة الثانية: أن يكون هذا الأجل معلوماً.

والمسألة الثالثة: قدر الأجل.

اشتراط الأجل

فقال المؤلف رحمه الله: (أنه إن قدر الأجل أن يكون: له وقع في الثمن) أي: يكون فيه مجال لرخص السلعة، فعندنا المسألة الأولى: هل يشترط الأجل، أو لا يشترط الأجل؟

جمهور العلماء على أن الأجل لا بد منه؛ لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282] وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم ) ولأنه إذا لم يكن هناك أجل فهناك حاجة إلى أن نعقد عليه عقد بيع، ولا حاجة إلى أن نعقد عليه عقد سلم.

الرأي الثاني: رأي الشافعية أنه لا يشترط الأجل، ويصح السلم في الحال، مثلاً لو قال: أسلفتك ألف ريال، تعطيني الآن كذا وكذا من الثياب، فعندهم أن هذا صحيح ولا بأس به، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أنه يصح السلم في الحال؛ لكن يشترط أن يكون موجوداً في ملكه، فإذا كان موجوداً في ملكه فإن هذا صحيح، أي: لو كان غير موجود في ملكه فلا يصح.

مثلاً لو قال: أسلمتك ألف ريال، وهو وقت الشتاء، تعطيني الآن رطباً، لا يصح؛ لأنه غير موجود الآن، فإن كان غير موجود في ملكه فإنه لا يصح، فالآراء في هذه المسألة ثلاثة:

الجمهور على أنه يشترط أن يكون مؤجلاً.

وعند الشافعية لا يشترط؛ لأنه إذا جاز في المؤجل جاز في الحال من باب أولى؛ لأن الحال أقل غرراً.

وشيخ الإسلام ابن تيمية يختار أيضاً مذهب الشافعية، إلا أنه يقول: يشترط أن يكون موجوداً في ملكه.

أن يكون الأجل معلوماً

والمسألة الثانية: قال: ( إلى أجل معلوم ).

لابد أن يكون الأجل معلوماً؛ لأن هذا أدعى إلى دفع النزاع والخصام والشقاق، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم )، على هذا رتب المؤلف لو قال: أعطيك وقت الحصاد، أو وقت الجذاذ، أو وقت إنتاج المصنع، أو نحو ذلك، فهل يجوز أو لا يجوز؟ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: إن هذا لا يجوز، وقد ورد هذا عن ابن عباس ، وورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يبتاع إلى العطاء، أي: كان يشتري إلى أن يأتيه المال من بيت المال، فكونه يعطى من بيت المال هذا ربما يتأخر وربما يتقدم.

فالذي يظهر -والله أعلم- في مثل هذه المسائل: أنه إذا حُد بالجذاذ والحصاد، إذا كان هذا الشيء معلوماً عند الناس، أو مثلاً حُد بإنتاج المصنع أو باستيراد البضاعة ونحو ذلك، فإذا حد بشيء معلوم عند الناس -أي وقته معلوم عند الناس- فهذا جائز ولا بأس به، أما إن لم يكن شيئاً من ذلك، وكانت العادة مضطربة في الجذاذ والحصاد، فدفعاً للنزاع لا بد أن يضبط الأجل فيقال مثلاً: في يوم كذا.

قدر الأجل

المسألة الثالثة: تقدم أن جمهور العلماء رحمهم الله تعالى يشترطون أن يكون المسلم فيه مؤجلاً، فما هو حد الأجل؟ هل هناك حد أو لا؟ المؤلف رحمه الله يقول: ( له وقعٌ في الثمن )، أي: أن يشترط أن يكون له وقع في الثمن، أي: تأثير في الثمن كرخص السلعة، وعلى هذا مثلاً لو قال: أسلفتك ألف ريال لتعطيني بعد أسبوع ألف قلم، هل هذا الأجل له أثر في رخص السلعة أو ليس له أثر؟ أو كأنه أسلف في شيء حال؟ الذي يظهر عند الناس أن مثل هذه الآجال القصيرة لا تؤثر؛ والحكمة من السلم: أن المسلم يستفيد رخص السلعة، والمسلم إليه يتوسع في المال، فمثلاً لو قال: مدة أسبوع، أو أسبوعين، أو نحو ذلك؛ فهذه لا أثر لها في الثمن يعني لا تكون مؤثرة في الثمن، إلا أنه استثنى المؤلف رحمه الله، وعلى هذا لا بد أن يكون الأجل له أثر في الثمن، مثل: إذا كان الأجل لمدة ستة أشهر، أو لمدة سنة ونحو ذلك، بحيث يكون ذلك سبباً في رخص السلعة.

الرأي الثاني: الحنفية يحدونه بشهر، أما ابن حزم رحمه الله فيحد الأجل بساعة؛ لكن تحديده هذا يرجع إلى قول الشافعية رحمهم الله تعالى، والمالكية يقولون: حسب ما تختلف به الأسواق، ويظهر والله أعلم -إذا اشترطنا الأجل- ما ذكره المؤلف رحمه الله: أن يكون هذا الأجل له أثر في الثمن.

أمور تستثنى من اشتراط الأجل

استثنى المؤلف رحمه الله تعالى فقال: (ولا إلى يوم إلا في شيء يأخذه منه كل يوم كخبزٍ، ولحمٍ، ونحوهما) قال: إنه يشترط في الأجل أن يكون له وقع في الثمن، أي: تأثير في الثمن، إلا أنه استثنى الأشياء التي يأخذها الإنسان كل يوم؛ فهذه لا بأس أن يكون الأجل قريباً؛ لأن الحاجة دعته إلى ذلك، فمثلاً: يعطي الخباز أربعمائة ريال ويقول: آخذ منك كل يوم بريال خبزاً، فإذا أعطاه أربعمائة ريال، إذا كان يشتري كل يوم بيومه؛ سيشتري في أربعمائة يوم، لكن إذا قدم سيشتري في أربعمائة وخمسين يوماً، فهذا لا بأس، أو مثلاً: يعطي الجزار دراهم أو يعطي صاحب اللبن دراهم، ويقول: آخذ منك كل يوم كذا وكذا من اللبن، أو آخذ منك كذا وكذا من اللحم ونحو ذلك.

هذه التي يأخذها كل يوم قال المؤلف رحمه الله: إن هذا لا بأس به، مع أن الأجل قريب! أن يعطيه أربعمائة ويأخذ منه اليوم وغداً وبعد غدٍ... إلى آخره، فالأجل قريب!

الشرط الخامس: وجود المسلم فيه غالباً في محله

قال المؤلف رحمه الله: (الخامس: أن يوجد غالباً في محله ).

أي: أن يوجد المسلم غالباً في محله، أي: في وقت حلوله؛ لأن زمن الحلول هو وقت التسليم، فيجب التسليم حينئذ، فيشترط أن يكون موجوداً في زمن حلوله، وعلى هذا: إذا كان لا يوجد في وقت الحلول، فمثلاً لو قال: هذه ألف ريال لتعطيني ألف صاع من الرطب في وقت الشتاء، أو من العنب في وقت الشتاء، هل يصح هذا، أو لا يصح؟ هذا لا يصح، اللهم إلا إذا كان قصده من الرطب المحفوظ في البرادات الموجودة؛ لكن إذا كان قصده الرطب نتاج ذلك العام فإنه لا يصح؛ لأن الرطب لا يكون نتاجه في وقت الشتاء!

قال رحمه الله: ( ومكان الوفاء ).

أي: يشترط أن يكون موجوداً في مكان الوفاء، وهذه العبارة: (ومكان الوفاء) ليست موجودة في الكتب المعتمدة عند المتأخرين، ككتاب الإقناع، وكتاب المنتهى وهما الكتابان المعتمدان عند المتأخرين، وكذلك أيضاً في الفروع والإنصاف ليست موجودة، فقوله: يوجد ( في مكان الوفاء ) هذا فيه نظر، والصحيح: أنه ليس بلازم أن يوجد المسلم فيه في مكان الوفاء، أي: قد يوجد في مكان آخر، ويأتي يجلبه من ذلك البلد فليس بلازم! قد يسلم في هذا البلد وهذا البلد ليس فيه أصلاً مزارع، أو أصلاً لا تُنبت الأرض وهما اتفقا في هذا المكان الذي ليس فيه نبات أصلاً، وليس فيه أشجار أصلاً، وتجلب الثمار والصناعات والحبوب ونحو ذلك، فالصحيح أن قوله: ( في مكان الوفاء ) هذه العبارة لا مكان لها هنا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( لا وقت العقد ).

أي: ليس بشرط أن يكون المسلم فيه موجوداً وقت العقد؛ لأن السلم بيع للمعدوم، هو في الحقيقة بيع للمعدوم؛ لكن أجازه الشارح رفعاً للحرج والمشقة، وقد أتى المؤلف رحمه الله بهذه الجملة لرد خلاف الحنفية، فالحنفية يخالفون؛ لأن جمهور العلماء يقولون: لا يشترط أن يكون المسلم فيه موجوداً في وقت العقد، والحنفية يقولون: إنه يشترط أن يكون موجوداً في وقت العقد، والصحيح: أنه لا يشترط؛ لعموم حديث ابن عباس : ( يسلفون في الثمار السنة والسنتين ) بل قوله: ( السنتين ) يدل أنه غير موجود؛ لأنهم يسلفون في الثمار، فالثمار التي يأخذها بعد سنتين هي حتى الآن ما أطلعت، فهذا يرد على رأي الحنفية رحمهم الله.

قال رحمه الله: ( فإن تعذر أو بعضه، فله الصبر، أو فسخ الكل، أو البعض ).

قوله: ( فإن تعذر ) المسلم فيه، فمثلاً: جاء وقت التسليم، حل وقت التسليم، وقد اتفق على أن يعطيه ثوباً من الصناعة، أو الشركة الفلانية؛ لكن الشركة في ذلك الزمن تأخرت، أو ما أنتجت فالمسلم فيه تعذر، فنقول للمسلم: لك الخيار إما تصبر حتى تنتج هذه الشركة أو ذلك المصنع، وتأخذ ما اتفقتم عليه أو تفسخه، الكل، إن كان التعذر للكل، أو البعض، إن كان التعذر للبعض، فقد يتفق على ألف ثوب، ويتمكن من خمسمائة، والخمسمائة الباقية قد لا يتمكن منها، فإذا تعذر الكل فسخ في الكل، وإذا تعذر في البعض فسخ في البعض المتعذر، وإن شاء صبر فله ذلك الخيار هنا للمسلم، وهذا ما عليه جماهير العلماء رحمهم الله خلافاً لما ذهب إليه بعض الفقهاء؛ من أن العقد ينفسخ! والصحيح: أن العقد لا ينفسخ بالتعذر؛ لأن الأصل بقاء العقد وصحته، والخيار للمسلم.

قال رحمه الله: ( ويأخذ الثمن الموجود أو عوضه ).

يأخذ الثمن الموجود إذا أراد أن يفسخ، فلو قال المسلم: أنا لم أصبر أعطني ثمني! فنقول للمسلم إليه: أعطه أيها المسلم إليه ثمنه الذي أعطاك، فإن كان الثمن معه أعطاه إياه، وإن لم يكن الثمن معه يرضيه عوضاً؛ المثل في المثليات، والقيمي في المقومات، إن كان الثمن غير موجود -وهو مثلي- فإنه يعطيه مثله، وإن كان قيمياً فإنه يعطيه قيمته.

الشرط السادس: قبض الثمن تاماً معلوماً

قال رحمه الله: (السادس: أن يقبض الثمن تاماً معلوماً قدره ووصفه قبل التفرق، وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما عداه ).

هذا الشرط السادس من شروط صحة السلم: أن يقبض الثمن تاماً، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، ويدل لذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : ( من أسلف في شيء فليسلم ) أي: فليعطِ، ولأنه إذا لم يقبض الثمن دخل في بيع الدين بالدين، يعني: أن يقبض الثمن؛ لأن الثمن موصوف في الذمتين، والمسلم فيه مؤجل مؤخر (دين)! فيدخل في بيع الدين في الدين.

والرأي الثاني: رأي المالكية، فهم يجوزون التأخير إلى ثلاثة أيام، أما أكثر من ثلاثة أيام فإنهم لا يجوزونه، يقولون: لأن مدة الأيام الثلاثة قريبة من مجلس العقد، وهذه قاعدة عند المالكية، فهم دائماً يستثنون الأشياء اليسيرة، أي: يتسامحون في الأشياء اليسيرة.

ومن أمثلة ذلك: ما سيأتينا في كتاب الرضاع، ما هو الرضاع المحرم؟ هل الرضاع المحرم له مدة أو ليست له مدة؟ المشهور من المذهب: أن الرضاع المحرم إنما يكون في حولين، وما زاد عن حولين هل هو محرم أو ليس محرماً؟ يقولون: إنه ليس محرماً إلا في حولين، لكن نجد المالكية يقولون: الأشياء اليسيرة لها حولان، وزيادة على حولين، إذا كان ذلك يسيراً كشهر ونحو ذلك؛ فإنهم يرون أن هذا محرم فالمهم أن نفهم أن المالكية رحمهم الله في الأشياء اليسيرة يتعافون.

قال المؤلف رحمه الله: ( معلوم قدره ووصفه ) قياساً لرأس المال على المسلم فيه.

أي: لا بد أن يكون معلوماً قدره ووصفه، فلا تكفي فيه المشاهدة كبيوع الأعيان التي تكفي فيها المشاهدة، لكن بيوع السلم لا تكفي فيها المشاهدة، فرأس المال في بيوع الأعيان تكفي فيه المشاهدة، مثلاً: لو اشتريت منك السيارة بمجموعة هذه الكتب، أو بهذا القطيع من الغنم، فتكفي فيه المشاهدة، هذا في بيوع الأعيان.

لكن بيع السلم لا بد أن تضبطه؛ لأن السلم هناك فترة بين رأس مال السلم، وبين المسلم فيه، ربما تعذر المسلم فيه فيفسخ المسلم، يحتاج إلى رأس المال، كم رأس المال؟ إذا ما ضبط لا ندري، لا بد أن يضبط، فيقول المؤلف رحمه الله: إنه لا بد أن يضبطه، لكن بيوع الأعيان تكفي فيها المشاهدة ولا يحتاج للضبط بالعد، حتى أنه لو قلت مثلاً: اشتريت منك السيارة برزمة هذه الدراهم -عشرة آلاف أو عشرين ألفاً- يقولون: يصح في بيوع الأعيان، لكن الصحيح في مثل الأشياء التي تتفاوت -كالدراهم- أنه لا بد من ضبطها، أما الأشياء التي لا تتفاوت، مثل قولك: أشتري منك السيارة، أو قطيع هذا الغنم، أو مجموعة هذا الثوب، هذه الأمور لا يحصل فيها تفاوت، لكن مثل الدراهم تتفاوت، قد تظنها عشرة، فيتبين لك خمسة فيدخل الإنسان في الغرر.

المهم أن نفهم أن بيوع الأعيان يكفي فيها رأس المال بالمشاهدة، أما بيوع السلم فلا بد أن يكون معلوماً قدره، ووصفه، وهذا هو المشهور في المذهب.

والرأي الثاني: هو رأي جمهور العلماء: المالكية، والشافعية، وأيضاً الحنفية في الجملة يقولون: يكفي فيه المشاهدة كبيوع الأعيان؛ لكن ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أحسن أي: أنه لا بد أن يضبط رأس مال السلم، لماذا؟

أولاً: قياساً لرأس مال السلم على المسلم فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في المسلم فيه: ( كيل معلوم، ووزن معلوم ).

وثانياً: أنه قد يتعذر المسلم فيه فيفسخ العقد، فنحتاج إلى أن نرجع لرأس المال، إذا قال مسلم: أنا لم أصبر! أريد رأس المال! فإذا اكتفينا بالمشاهدة قد يتعذر علينا أن نعرف القدر؛ فيقع الغرر والنزاع والشقاق.

قال المؤلف رحمه الله: ( قبل التفرق ) أي: لا بد من القبض قبل التفرق.

قال رحمه الله: ( وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما عداه ).

أي: إذا قبض بعض الثمن، مثلاً: اتفقا على ألف ريال بألف قلم أو ألف ثوب، فقبض خمسمائة، نقول: صح في الخمسمائة التي قبضت بقسطها من المسلم فيه وهي خمسمائة ثوب، وأما ما عدا ذلك من الذي لم يقبض فإنه يكون باطلاً.

السلم في جنس إلى أجلين

قال رحمه الله: ( وإن أسلم في جنس إلى أجلين، أو عكسه، صح، إن بين كل جنس وثمنه وقسط كل أجل ).

هاتان مسألتان:

المسألة الأولى: قال المؤلف رحمه الله: ( إذا أسلم في جنس ) كَبُر مثلاً فأسلم جنس ألف صاع بر إلى أجلين، خمسمائة إلى شعبان، وخمسمائة إلى رجب، نصف هذا البر تسلمني إياه في شعبان، والنصف الآخر تسلمني إياه في رجب، ما حكم ذلك؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: ( صح )، لكنه اشترط رحمه الله تعالى فقال: ( وقسط كل أجل ) يقول المؤلف: إنه لا بد أن يبين قسط كل أجل، فلا بد أن تقول مثلاً: خمسمائة ريال، وخمسمائة صاع في رجب، والخمسمائة الباقية في شعبان، فلا بد أن تبين قسط كل أجل أي: ثمن كل أجل، والآن الأجل أجلان: شعبان، ورجب، فلا بد أن تبين قسط شعبان، وقسط رجب، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني: أن هذا ليس شرطاً، وهذا اختيار الشيخ السعدي رحمه الله؛ لأنه لا يجب بيان قسطه من الثمن، وعلى هذا يصح أن يقول: أسلفتك ألف ريال، تعطيني ألف صاع من البر، ولو لم يبين فيقول: ثمن القسط الأول كذا، وثمن القسط الثاني كذا، بل يقول: الجميع ألف ريال، ولا يجب بيان القسط من الثمن، هذا اختيار الشيخ السعدي رحمه الله تعالى؛ لأنه لا يترتب عليه غرر.

السلم في جنسين إلى أجل واحد

المسألة الثانية: قال: ( أو عكسه ) أي: عكس هذه المسألة، كأن أسلم في جنسين إلى أجل واحد، فقال: هذه ألف ريال تعطيني براً وشعيراً في رجب، فأسلم في جنسين إلى أجل واحد، فيقول المؤلف: ( صح، لو بين قدر كل جنس وثمنه ) لا بد أن تبين قدر كل جنس وثمنه، فهذه ألف ريال لألف صاع من البر والشعير، خمسمائة صاع من البر في رجب، وخمسمائة صاع من الشعير في شعبان.

فعلى كلام المؤلف رحمه الله لا بد أن تبين، فتقول: ألف ريال لخمسمائة صاع من البر، وخمسمائة صاع من الشعير.

والرأي الثاني: رأي مالك رحمه الله، وهو قول الشافعي : أن هذه المسألة ليست شرطاً، فلو قال: هذه ألف ريال تعطيني خمسمائة صاع من الشعير، وخمسمائة صاع من البر في رجب، صح ذلك؛ وإن لم يبين ثمن الشعير، وإن لم يبين ثمن البر، المهم أنه قال: ألف ريال لألف صاع، وخمسمائة من البر، وخمسمائة من الشعير في رجب، هذا الرأي الثاني: أن هذا صحيح، وهو الأقرب.

الشرط السابع: أن يكون في الذمة

قال المؤلف رحمه الله: ( السابع: أن يسلم في الذمة، فلا يصح في عين ).

أي: لا يصح في معين، وهذا باتفاق الفقهاء، وقد جاء في حديث عبد الله بن سلام في سنن ابن ماجه ( أن يهودياً أسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم دنانير في تمر مسمى، فقال: من حائط بني فلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما حائط بني فلان فلا، ولكن كيلٌ مسمى إلى أجل مسمى ) لكن هذا الحديث من أفراد ابن ماجه وهو ضعيف.

فالمعنى أن السلم ليس موضوعاً لبيع الأعيان، وإنما موضوع لبيع ما في الذمة؛ أي: الموصوف في الذمة، وعلى هذا فإنه لا بد أن يكون موصوفاً في الذمة، فلو قال: أسلفتك ألف ريال تعطيني من هذا البر، فهل يصح، أو لا يصح؟ نعقد عليه عقد سلم أو لا نعقد عليه عقد سلم؟ أو تعطيني من هذه الثياب ونحو ذلك؛ نعقد عليه عقد بيع، لا حاجة أن نعقد عليه عقد سلم.

قوله رحمه الله: ( فلا يصح في عين ) فلو قال: تعطيني من تمر البلد الفلاني، هل يجوز أو لا يجوز؟ نقول: هذا جائز، لو قال: تعطيني من المصنع الفلاني أقلاماً صفتها كذا وكذا، فهذا أيضاً صحيح وجائز، ولا بأس به إن شاء الله؛ لأنه لم يعين، لم يقل: هذه الأقلام! وإنما موصوف، واشترط أن تكون من هذا المصنع الفلاني، لكن لو قال: الثمر أو البر من المزرعة الفلانية، تعطيه مثلاً تمراً صفته كذا وكذا، لكن هل يشترط أن يكون التمر أو هذا البر من مزرعة زيد من الناس، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟

على كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه لا يجوز؛ لأن هذا قريب من التعيين.

والرأي الثاني: وهو اختيار الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن الغالب أن مثل هذه الأشياء تنتج، فإذا قال من البستان الفلاني ونحو ذلك، فهذا ليس فيه غرر، المهم أنه وصفه فقال: تعطيني ألف صاع من البستان الفلاني، هذا الرأي الثاني: أن هذا جائز ولا بأس به، وهذا اختيار الشيخ السعدي رحمه الله.

قال رحمه الله تعالى: ( الثالث: ذكر قدره بكيل أو وزن أو ذرع يعلم ).

هذا الشرط الثالث من شروط المسلم فيه: وهو أنه لا بد من ذكر قدر المسلم فيه، ودليل ذلك ما سلف من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ) فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في كيل ووزن) مما يدل على أنه لا بد من ذكر القدر بالنسبة للمسلم فيه؛ ولأن هذا أدعى إلى عدم النزاع والخلاف والشقاق، قال تعطيني مثلاً: هذه الألف ريال، أو تعطيني كذا وكذا من الأقلام، أما أن تعطيني مجموعة أقلام فلا يصح هذا؛ لأنه لا بد أن يُضبط عدد هذه الأقلام، أو مثلاً قال: تعطيني أصوعاً من البر، أو أصوعاً من الأرز، أو الدخن، أو نحو ذلك، فنقول: إن هذا لا يجوز، لا بد -كما ذكر المؤلف- من ذكر قدره بكيل، أو وزن، أو ذرع يعلم.

وقوله: (يعلم) أي: لا بد أن تكون الآلة التي يكال بها، أو يوزن بها، أو يزرع بها آلة معلومة، وعلى هذا لو جاء بإناء مثلاً من الأواني، وقال: هذه ألف ريال لتعطيني ملء هذا الإناء من الأرز، أو من البر، أو من كذا. فيقول المؤلف رحمه الله: إن هذا لا يصح، لماذا؟ لأن هذا الإناء غير معروف، فربما أنه يفقد هذا الإناء! فلا بد أن يكون معروفاً، ولو أتى بإناء مثلاً من هذه الأواني المعلبة، فقال تعطيني ملء هذا الإناء كذا وكذا من التمر، أو من البر، أو نحو ذلك؛ فلا يصح أيضاً؛ لأن هذا الإناء ليس معلوماً عند عامة الناس، فلا بد أن يكون معلوماً عند عامة الناس دفعاً للخلاف والشقاق؛ لأنهما قد يختلفان في هذا الإناء، فقوله رحمه الله: (يعلم)، أي: عند عامة الناس؛ لأنه إذا كان ليس معلوماً عند عامة الناس قد يتلف، وقد يجهل مثل هذا الإناء، وخصوصاً إذا كانت المدة طويلة كسنة أو سنتين، فقد يتعذر الحفاظ على هذا الإناء، فدفعاً للخلاف والشقاق لا بد أن الإناء معلوم.

قال رحمه الله: (وإن أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً لم يصح).

في هذه العبارة المؤلف رحمه الله اشترط المعيار الشرعي، وأنك إذا أسلمت فلا بد من المعيار الشرعي كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات، وعلى هذا: لو أسلمت المكيل وزناً، أو الموزون كيلاً، هل يصح، أو لا يصح؟ قال المؤلف رحمه الله: ( لم يصح )، مثلاً: لو قلت لك: هذه ألف ريال تعطيني بعد سنة ألف صاع من اللحم -من لحم البعير- من موضع كذا وكذا أو من لحم الإبل، فهل يصح أو لا يصح؟ لا يصح؛ لأن اللحم معياره الشرعي الوزن، كما تقدم في باب الربا، ولو أنه مثلاً قال: أسلفتك ألف ريال تعطيني ألف كيلو من البر الذي صفته كذا وكذا، يجوز أو لا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن البر مكيل، وربطه الآن بالوزن لا يجوز، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني: رأي جمهور العلماء: أن المعيار الشرعي ليس شرطاً، وإنما نحتاج المعيار الشرعي عند اشتراط المساواة، وهنا المساواة ليست شرطاً، فعندما نُبادل ربوياً بجنسه نحتاج المعيار الشرعي: تمر بتمر، بر ببر، لكي نحقق المساواة نشترط المعيار الشرعي، هذا هو المكان الذي يشترط فيه المعيار الشرعي، أما هنا فلا حاجة إلى المعيار الشرعي، فالمعيار الشرعي متى نحتاجه؟ نحتاجه في باب الربا عند اشتراط المساواة، ومتى نشترط المساواة؟ نشترط المساواة إذا بادلنا ربوياً بجنسه فقط، ما عدا ذلك لا تشترط المساواة، ولا نحتاج إلى المعيار الشرعي، فهنا الصواب في ذلك ما عليه جمهور العلماء رحمهم الله: أن المعيار الشرعي ليس شرطاً.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2817 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2731 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2677 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2644 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2558 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2528 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2521 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2498 استماع