أرشيف المقالات

تفسير: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم.....)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
تفسير
(ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم.....)

♦ الآية: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: آل عمران (154).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نعاساً ﴾ وذلك أنَّهم خافوا كرَّة المشركين عليهم وكانوا تحت الحَجَف مُتأهِّبين للقتال فأمَّنهم الله تعالى أمناً ينامون معه وكان ذلك خاصا بالمؤمنين وهو قوله ﴿ يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمَّتهم ﴾ وهم المنافقون كان همَّهم خلاص أنفسهم ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ أَيْ: يظنون أن أمر محمد عليه السلام مضمحل وأنه لا ينصر ﴿ ظنّ الجاهلية ﴾ أَيْ: كظنِّ أهل الجاهليَّة وهم الكفَّار ﴿ يَقُولُونَ: هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ ليس لنا من النصر والظَّفَر شيء كما وُعدنا يقولون ذلك على جهة التكذيب فقال الله تعالى: ﴿ إنَّ الأمر كلّه لله ﴾ أَيْ: النصر والشهادة والقدر والقضاء ﴿ يخفون في أنفسهم ﴾  من الشك والنفاق ﴿ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لنا من الأمر شيء ﴾ أَيْ: لو كان الاختيار إلينا ﴿ ما قتلنا هاهنا ﴾ يعنون: أنَّهم أخرجوا كُرهاً ولو كان الأمر بيدهم ما خرجوا وهذا تكذيبٌ منهم بالقدر فردَّ الله عليهم بقوله: ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ﴾ مصارعهم ولم يكن لِيُنجيهم قعودُهم ﴿ وليبتلي الله ما في صدوركم ﴾ أيُّها المنافقون فعلَ الله ما فعلَ يوم أُحدٍ ﴿ وليمحِّص ﴾ ليظهر ويكشف ﴿ ما في قلوبكم ﴾ أيُّها المؤمنون من الرِّضا بقضاء الله ﴿ والله عليمٌ بذات الصدور ﴾ بضمائرها.
 
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ ﴾، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، ﴿ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً ﴾ يعني: أمنا، والأمن الأمنة بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيلَ: الْأَمْنُ يَكُونُ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَالْأَمَنَةُ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وَكَانَ سبب الخوف هاهنا قَائِمًا، ﴿ نُعاساً ﴾، بَدَلٌ مِنَ الْأَمَنَةِ ﴿ يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «تَغْشَى» بِالتَّاءِ رَدًّا إِلَى الْأَمَنَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدًّا إلى النُّعَاسِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَمَّنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ بِنُعَاسٍ يَغْشَاهُمْ، وَإِنَّمَا يَنْعَسُ مَنْ يَأْمَنُ، وَالْخَائِفُ لَا يَنَامُ، عَنْ قَتَادَةَ أَخْبَرَنَا أَنَسٌ.
أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي فآخذه ويسقط فآخذه، وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: رَفَعْتُ رَأْسِي يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلْتُ مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ الْقَوْمِ إِلَّا وَهُوَ يَمِيلُ تَحْتَ جُحْفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قال: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشتدّ علينا الخوف، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا النَّوْمَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْمَعُ قَوْلَ مُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَالنُّعَاسُ يَغْشَانِي مَا أَسْمَعُهُ إِلَّا كَالْحُلْمِ، يَقُولُ:﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿ يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ ﴾ يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، ﴿ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾، يَعْنِي: المنافقين: قيل: أراد تَمْيِيزَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَوْقَعَ النُّعَاسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى أَمِنُوا، وَلَمْ يُوقِعْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَبَقُوا في الخوف قد أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، أَيْ: حَمَلَتْهُمْ عَلَى الْهَمِّ يُقَالُ: أَمْرٌ مُهِمٌّ ﴿ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾ أَيْ: لَا يَنْصُرُ مُحَمَّدًا، وَقِيلَ: ظَنُّوا أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ، ﴿ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ ﴾ أَيْ: كَظَنِّ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكِ، ﴿ يَقُولُونَ هَلْ لَنا ﴾، مَا لَنَا لَفْظُهُ استفهام ومعناه: الجحد، مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يَعْنِي: النَّصْرَ، ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ﴾، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِرَفْعِ اللَّامِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ فِي لِلَّهِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ، وَقِيلَ: عَلَى النَّعْتِ، ﴿ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا ﴾، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ كَانَ لَنَا عُقُولٌ لَمْ نَخْرُجْ مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى قِتَالِ أَهْلِ مَكَّةَ وَلَمْ يُقْتَلْ رُؤَسَاؤُنَا، وَقِيلَ: لَوْ كُنَّا عَلَى الْحَقِّ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا، قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ، يَعْنِي: التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا، ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ ﴾، قُضِيَ، ﴿ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ ﴾، مَصَارِعِهِمْ، ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ﴾، وَلِيَمْتَحِنَ اللَّهُ، ﴿ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ﴾، يُخْرِجَ وَيُظْهِرَ ﴿ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ﴾، بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
 
تفسير القرآن الكريم

شارك الخبر

المرئيات-١