من أحكام الحوالة في الفقه الإسلامي
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
من أحكام الحَوالة في الفقه الإسلاميالمرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (لا تصح إلا على دين مستقر...) إلى آخره[1].
قال في ((الإفصاح)): ((واتفقوا على جواز الإحالة[2]).
واتفقوا على براءة ذِمَّة المُحِيل إذا كان للمُحِيل على المُحَالِ عليه دين ورضي المُحْتَال والمُحَال عليه[3].
وقال مالك[4]: إنما يُستثنى صحة هذا الباب، وهو الحَوَالَة مما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بيع الكَالِئ بالكَالِئ[5]، أي: الدَّين بالدَّينِ، فكان هذا مستثنىً من ذلك، كما استُثْنِيَت العَرَايَا من بيعِ التمرِ بالرطبِ.
ثم اختلفوا إذا لم يرضَ المُحْتَال:
فقال أبو حنيفة[6] ومالك[7] والشافعي[8]: يُعتبر رضاه.
وعن أحمد روايتان:
إحداهما[9]: لا يُعتبر رضاه.
والأخرى[10]: يُعتبر كمذهب الباقين.
واختلفوا في رضا المُحَالِ عليه، هل يُعتبر؟
فقال أبو حنيفة[11]: يُعتبر رضاه.
وقال مالك[12]: إن كان عدوًّا له اعتبِر رضاه، وإلا لم يعتبر.
وقال الشافعي[13] وأحمد[14]: لا يُعتبر على الإطلاق.
واختلفوا فيما إذا تَوِيَ[15] المالُ المُحَالُ به بجحود المُحَال عليه أو فَلَسِه، فهل يرجع به على المُحِيل أم لا؟
فقال أبو حنيفة[16]: يرجع على المُحِيل إذا مات المُحَالُ عليه مُفلسًا، أو جَحَدَ الحق وخلف ولم يكن للمُحْتَالِ بيِّنَة.
وقال مالك[17]: إذا كان المُحَالُ عليه مَليئًا في الظاهر، ولا يعلم المُحِيل منه فَلَسًا، فإنه يصير المُحْتَالُ كالقابض، ولا يرجع على المُحِيلِ بحال.
وإن كان المُحَالُ عليه مُفلسًا وقت الحَوالَة والمُحِيل عالم بذلك [عادَ أصحاب][18] الحق من ذمة المُفْلِس فإنه يرجع عليه.
وإن كان المُحْتَالُ عالمًا بذلك ورضي به لم يكن له الرجوع، وهو اختيار أبي العباس بن سُريج[19].
وإن حدث الفَلَس بعد ذلك لم يرجع.
وقال الشافعي[20] وأحمد[21]: لا يرجع على المُحِيلِ بحال))[22].
وقال البخاري: (((باب: الحَوَالَة، وهل يَرجِع في الحَوَالَة؟
وقال الحسن وقتادة: إذا كان يوم أَحَالَ عليه مَلِيًّا جاز، وقال ابن عباس: يتخارج الشَّرِيكَان وأهل الميراث، فيأخُذُ هذا عَيْنًا وهذا دَيْنًا، فإن تَوِيَ لأحدهما لم يَرجِع على صاحبه.
وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَطْلُ الغني ظلم، فإذا أُتْبع أحدُكُم على مَلِيءٍ فَليَتبع)[23]))).
قال الحافظ: ((والحَوَالَة عند الفقهاءِ نقل دين من ذمة إلى ذمة[24].
واختلفوا هل هي دينٍ بدينٍ رُخِّصَ فيه فاسْتُثْنِيَ من النهي عن بيع الدينِ بالدينِ، أو هي استيفاء؟
وقيل: هي عقد إرفاق مُستقل، ويشترط في صحتها رضا المُحِيلِ بلا خلاف والمُحْتَال عند الأكثر والمُحَال عليه عند بعض شذَّ.
ويشترط أيضًا: تماثل الحَقِّين في الصفات، وأن يكون في شيءٍ معلومٍ، ومنهم من خصَّها بالنقدين ومنعها في الطعام؛ لأنه بيع طعامٍ بطعامٍ قبل أن يُستوفى.
قوله: (وهل يُرجع في الحَوَالَة)، هذا إشارة إلى خلافٍ فيها، هل هي عقد لازم أو جائز؟
قوله: (وقال الحسن وقتادة: إذا كان - أي: المُحَال عليه - يوم أَحَالَ عليه مليًا جاز) أي: بلا رجوع، ومفهومه: أنه إذا كان مُفلِسًا فله أن يرجع.
وقيَّده أحمد[25] بما إذا لم يعلم المُحْتَال بإفلاسِ المُحَالِ عليه.
وعن الحَكَم: لا يرجع إلا إذا مات المُحَالُ عليه.
وعن الثوري: يرجع بالموت، وأما بالفلس فلا يرجع إلا بمحضر المُحِيل والمُحْتَال والمُحَالُ عليه.
وقال أبو حنيفة[26]: يرجع بالفَلَس مُطلقًا، سواء عاش أو مات، ولا يرجع بغير الفَلَس.
وقال مالك[27]: لا يرجع إلا إن غرَّه كأن علم فَلَس المُحَالِ عليه ولم يُعلِمه بذلك.
وقال الحسن وشريح وزُفَر[28]: الحَوَالَة كالكَفَالَة فيرجع على أيهما شاء وبه يشعر إدخال البخاري أبواب الكَفَالَة في كتابِ الحوَالَة.
وذهب الجمهور[29] إلى عدم الرجوع مطلقًا.
قوله: (وقال ابن عباس: يتخارج الشريكان...) إلى آخره، وَصَله ابن أبي شيبة بمعناه[30]، وقال ابن التين: محله ما إذا وقع ذلك بالتراضي مع استواء الدين.
وقوله: (تَوِيَ)، أي: هلك، والمراد: أن يُفلِس من عليه الدين، أو يموت، أو يجحد فيحلف حيث لا بينة، ففي كل ذلك لا رجوع لمن رضي بالدين.
قال ابن المنير[31]: ووجهه: أن من رضي بذلك فهلك فهو في ضمانه، كما لو اشترى عينًا فتلفت في يده، وألحق البخاري الحَوَالَة بذلك.
وقال أبو عبيد: إذا كان بين ورثة أو شركاء مال وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه بينهم...
إلى أن قال: والأمر في قوله: (فليتبع) للاستحباب عند الجمهور[32]، وحمله أكثر الحنابلة[33] وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر[34] على ظاهره.
واستُدل بالحديثِ على أن الحَوَالَة إذا صحَّت ثم تعذَّر القبض بحدوث حادث كموتٍ أو فَلَسٍ لم يكن للمُحتَال الرجوع على المُحِيل؛ لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة، فلما شرطت عُلم أنه انتقل انتقالاً لا رجوع له، كما لو عوضه عن دينه بعوضٍ ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع.
وقال الحنفية[35]: يرجع عند التعذُّر، وشبَّهوه بالضمان، واستدل به على اعتبار رضا المُحِيلِ والمُحْتَال دون المُحَال عليه؛ لكونه لم يُذْكَر في الحديث، وبه قال الجمهور[36]))[37] انتهى مُلخصًا.
وقال الشوكاني: ((كتاب الحَوالة، من أُحِيلَ على مَليءٍ فَليَحْتَل، وإذا مَطَل المُحَال عليه أو أفلس كان للمُحال أن يُطالب المُحِيل بدَينه))[38].
[1] الروض المربع ص279.
[2] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 359، والشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325، وتحفة المحتاج 5/ 226، ونهاية المحتاج 4/ 421، وشرح منتهى الإرادات 3/ 398، وكشاف القناع 8/ 262.
[3] فتح القدير 5/ 445، وحاشية ابن عابدين 5/ 359، والشرح الصغير 2/ 154، وحاشية الدسوقي 3/ 328، وتحفة المحتاج 5/ 233، ونهاية المحتاج 4/ 426، وشرح منتهى الإرادات 3/ 401، وكشاف القناع 8/ 269.
[4] الشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325.
[5] تقدم تخريجه 4/ 337.
[6] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 360.
[7] الشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325.
[8] تحفة المحتاج 5/ 227 و228، ونهاية المحتاج 4/ 423.
[9] شرح منتهى الإرادات 3/ 400، وكشاف القناع 8/ 269.
[10] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 13/ 102- 103.
[11] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 360.
[12] الشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325.
[13] تحفة المحتاج 5/ 228، ونهاية المحتاج 4/ 423.
[14] شرح منتهى الإرادات 3/ 400، وكشاف القناع 8/ 269.
[15] تَوِيَ المالُ: أي هلك، وسوف يأتي شرح الكلمة من كلام الحافظ ابن حجر.
[16] فتح القدير 5/ 447- 448، وحاشية ابن عابدين 5/ 364- 365.
[17] الشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 327- 328.
[18] كذا في الأصل، وفي الإفصاح: ((عارا صاحب)).
[19] المهذب 1/ 445.
[20] تحفة المحتاج 5/ 235، ونهاية المحتاج 4/ 428.
[21] شرح منتهى الإرادات 3/ 402، وكشاف القناع 8/ 263.
[22] الإفصاح 2/ 198- 202.
[23] البخاري (2287).
[24] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 359، والشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325، وتحفة المحتاج 5/ 226، ونهاية المحتاج 4/ 421، وشرح منتهى الإرادات 3/ 398، وكشاف القناع 8/ 262.
[25] شرح منتهى الإرادات 3/ 402، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 13/ 106.
[26] فتح القدير 5/ 447- 448، وحاشية ابن عابدين 5/ 364- 365.
[27] الشرح الصغير 2/ 154، وحاشية الدسوقي 3/ 328.
[28] فتح القدير 5/ 445.
[29] تحفة المحتاج 5/ 235، ونهاية المحتاج 4/ 428، وشرح منتهى الإرادات 3/ 402، وكشاف القناع 8/ 263.
[30] ابن أبي شيبة 7/ 349.
[31] المتواري على أبواب البخاري 1/ 118.
[32] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 360، والشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325، وتحفة المحتاج 5/ 226، ونهاية المحتاج 4/ 421.
[33] شرح منتهى الإرادات 3/ 400، وكشاف القناع 8/ 269.
[34] المحلى 6/ 392 (1227).
[35] فتح القدير 5/ 447، وحاشية ابن عابدين 5/ 364.
[36] فتح القدير 5/ 444، وحاشية ابن عابدين 5/ 360- 361، والشرح الصغير 2/ 153، وحاشية الدسوقي 3/ 325، وتحفة المحتاج 5/ 227 و228، ونهاية المحتاج 4/ 423.
[37] فتح الباري 4/ 464- 466.
[38] الدراري المضية شرح الدرر البهية 2/ 362.