أرشيف المقالات

فضيلة القناعة

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
فضيلة القناعة

القناعة كنز لا يفنى، وتتجلى فضيلة القناعة في المواقف الصعبة التي تزل فيها الأقدام، فعندما يدخل بعض الناس على الأغنياء مثلاً تفتن عقولهم، وتطيش أحلامهم، ولا يخرجون من عندهم إلا وهم يلعنون حظهم النحس في دنياهم السوداء كما يزعمون، فيكون حال هؤلاء كما قال عمر بن الخطاب: (من دخل على الأغنياء خرج وهو ساخط على الله).[1]
 
والسبب في ذلك أن النفس الإنسانية مليئة بالرغبات والتطلعات لتحقيق أقصى درجات المتاع في هذه الحياة، فعندما تجد أن ثمة عوائق تقف دون تطلعاتها فإنها سرعان ما تيأس وتضجر، وقد تكفر بقدر الله عز وجل إذا لم ترزق نعمة القناعة، كما فعل ابن الراوندي حين قال: [2]






كم عاقلٍ عاقلٍ أعيتْ مذاهبهُ
وجاهلٍ جاهلٍ قد باتَ مرزوقا


هذا الذي تركَ الأوهامَ حائرةً
وصيرَ العالمَ النحريرَ زنديقا






 
وحب المال من الفطرة، قال تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾ (الفجر:20)، ولكن الأرزاق تتفاوت، والفرص تتفاوت، والطاقات تتفاوت، مما يجعل الناس مختلفين في أرزاقهم، ولذلك فرض الدين الحق على الأغنياء زكاة يؤدونها للفقراء، وذلك من أجل سد حاجات الفقراء، ودفعاً لجريمتي: السرقة والسطو، وردماً للهوة الكبيرة بين فئات المجتمع.
 
وماذا لو دخل الإنسان بيوت الأغنياء ومجالسهم فرأى الخدم والحشم، والستائر الحريرية الموشاة بالذهب، ومختلف أنواع الأطعمة، وخيل إليه في تلك الأجواء الحالمة أنه في جنة الخلد؟ بل لقد بلغ حمق بعض المترفين من أهل المال أن جعلوا صنابير المياه ونحوها مما يُستحى من ذكره من الذهب الخالص! ومثل هذا الإسراف من شأنه أن يخلع قلوب الفقراء، فالحسد داء قائم بين الناس، والنفس ترغب وتتمنى، وتسعى نحو عاجل اللذات، مما يولد صراعاً في داخلها، قد يوصلها إلى ازدراء نعم الله تعالى، متناسية أن هنالك من النعم التي ترفل فيها ما هو فوق نعمة المال، فالعقل والدين، والصحة وسلامة الحواس، والأمن وسلامة الأهل والأبناء، نعم لا تقدر بثمن أبداً.
 
ما أحوج النفوس إلى التربية والتهذيب! وما أحوج الفقراء إلى الرضا والقناعة، وما أحوج الأغنياء إلى الكرم والإنفاق!



[1] عيون الأخبار، (3 /247).


[2] التلخيص للخطيب القزويني، بشرح البرقوقي، ص (91) دار الفكر العربي.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢