أرشيف المقالات

سعادتك عند المكروبين!

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
سعادتك عند المكروبين!

 
في ظلِّ ما تشهده دول المنطقة من اضطرابات وتهجير، كثرت معاناة ملايين الناس، وللأسف فإننا لكثرة متابعتنا للأخبار والبرامج السياسية والتحليلية، انصرفت أذهاننا لربط ما تعرض له هؤلاء بالسياسات الدولية والمؤامرات الخارجية، مع شبه غياب للنظرة الشرعية إلى هؤلاء من واجب إغاثتهم وإعانتهم، وتفريج كرباتهم، وقضاء حوائجهم.
 
ومما ينكأ الجراح أن ترى الضجر، وتسمع عبارات السخط ليس على ما حلَّ باللاجئين؛ بل لأنهم حلُّوا في دياره، قائلًا: متى يعودون؟ من أين جاؤونا؟
 
في هذا المقال لن نذهب إلى ذكر أشكال المعاناة، وصورها، وإحصاءات المهجَّرين، والمنكوبين والمكلومين، فهذا ظاهر معروف؛ لكننا نسلط الضوء على عِظَم أجر قضاء حوائج الناس، وما يلحق الساعي عليها مِن خيرٍ في الدنيا والآخرة.
 
لا يقتصر مفهوم العبادة في الإسلام على الشعائر التعبُّدية كالصلاة والحج والزكاة؛ بل هي اسم جامع لما يحبُّه الله ويرضاه، حتى إن الرجل ليكسب أجرًا في قضاء شهوته، وإطعام امرأته إن قصد بذلك وجه الله.
 
وجراء غياب مفهوم العبادة عند البعض، تراه يقصر عباداته على العبادات التي ذكرنا، غير أن أناسًا قطعوا في طريق السعادة أشواطًا طويلة، ومفازات كبيرة، يتلذَّذون، ويتنعَّمون بالعطاء وبقضاء حاجات غيرهم، فالمُنصف مع الحياة يجد أن لذة العطاء هي أكبر من لذة الأخذ بخلاف ما كنا نظنُّ ونحن صغار.
 
مَن يَمشي في قضاء حاجات الناس يتنعَّم بموعود الله في الدنيا قبل الآخرة، ومن ذلك النعيم اللذة التي يجدها، وإعانة الله له؛ فـ((الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، و((مَن يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة)).
 
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن في قضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا من جرَّبها، فافعل الخير مهما استصغرتَه؛ فإنك لا تدري أي حسنة تدخلك الجنة"، "وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها، ومِلَلها، ونِحَلها، على أن التقرب إلى رب العالمين، والبر والإحسان إلى خلقه، من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجلبت نِعَم الله واستُدفعت نقمه، بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه" ا.
هـ.
 
ويَكفيك أيها الفاضل لتعلم عِظم أجر قضاء حوائج الناس وتنفيس كرباتهم، حديث عظيم حسَّنه الألباني قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يُثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يُفسد الخل العسل)).
 
فانظر - يا رعاك الله - في أحوال جيرانك، وسكان حيِّك ومدينتك، والمسلمين في كل مكان، وانظر أي العمل تستطيع أن تنفعهم به، فاقْض حوائجهم، فلا يؤمن مَن نام شبعان وجاره إلى جنبه جائع، وتذكر أن ((أحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم))، والجزاء من جنس العمل، فتكون سعادتك هناك عند المكروبين.

شارك الخبر

المرئيات-١