خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [8]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن شق اللمس أشار إليه ويقول ما ورد، ويجعل البيت عن يساره ويطوف سبعاً، يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثاً، ثم يمشي أربعاً، يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة، ومن ترك شيئاً من الطواف أو لم ينوه أو نكسه أو طاف على الشاذروان أو جدار الحجر أو عريان أو نجساً لم يصح، ثم يصلي ركعتين خلف المقام.
فصل في السعي بين الصفا والمروة وما يتعلق بذلك:
ثم يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا من بابه، فيرقاه حتى يرى البيت ويكبر ثلاثاً ويقول ما ورد، ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول، ثم يسعى شديداً إلى الآخر ثم يمشي ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا، يفعل ذلك سبعاً، ذهابه سعية ورجوعه سعية، فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول، ويسن فيه الطهارة والستارة والموالاة، ثم إن كان متمتعاً لا هدي معه قصر من شعره وتحلل، وإلا حل إذا حج، والمتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية].
تقدم لنا ما يتعلق ببعض الآداب عند دخول مكة، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بمكان الدخول، وأن المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن الأفضل أن تدخل مكة من أعلاها، وكذلك أيضاً ما يتعلق بزمان الدخول، وهو أن يدخلها نهاراً، وكذلك أيضاً ما يتعلق بحال الدخول وهو الاغتسال.
كذلك أيضاً الدخول من باب بني شيبة، وكذلك أيضاً هل هناك ذكر خاص عند دخول المسجد الحرام...؟
وتكلمنا أيضاً عن بعض السنن المتعلقة بطواف القدوم، وأن هناك سنتين خاصتين بطواف القدوم هما: الاضطباع والرمل.
كذلك -أيضاً- تقدم لنا مراتب استلام الحجر الأسود، وذكرنا أن مراتب استلام الحجر الأسود أربعة مراتب:
المرتبة الأولى: أن يستلم الحجر الأسود بأن يمسحه بيده اليمنى، ثم بعد ذلك يقبله بأن يضع شفتيه عليه، ثم بعد ذلك يسجد عليه، يضع جبهته وأنفه عليه، وذكرنا أن الإمام مالك رحمه الله خالف فيما يتعلق بالتقبيل والسجود.
المرتبة الثانية: إذا لم يتمكن من ذلك فإنه يستلم الحجر الأسود بيمينه، بمعنى أنه يمسحه بيمينه، ثم يقبل يده.
المرتبة الثالثة: أن يستلمه بشيء ثم بعد ذلك يقبل هذا الشيء.
المرتبة الرابعة: أن يشير إليه بيده اليمنى بأن يلتفت إليه ويشير إليه بيده اليمنى.
هذه هي المراتب الأربع.
الإشارة عند تعذر اللمس
إذا شق أن يستلمه، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: فإنه يشير إليه، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، فلما أتى الحجر أشار إليه بشيء في يده وكبر)، كما سلف أن ذكرنا أن البدل له حكم المبدل، وأن الإشارة لها حكم الاستلام، وعلى هذا إذا أراد أن يشير فإنه يتوجه إلى الحجر، وهكذا الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بإسناد صحيح، الالتفات إلى الحجر الأسود أثناء الإشارة.
قال: (ويقول ما ورد).
الوارد الثابت في السنة هو التكبير، هذا الذي ورد، كما تقدم في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (الله أكبر)، وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر بإسناد صحيح التسمية مع التكبير.
وأما قول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا الذكر روي مرفوعاً وموقوفاً، ولا يثبت منه شيء، مع أن العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: بأن هذا الذكر يقال في الشوط الأول، وأما بقية الأشواط فإنه يقتصر على التكبير.
على كل حال قول: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك.. إلى آخره، هذا روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي موقوفاً على بعض الصحابة كـابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وروي مرفوعاً من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذا الذكر لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شروط صحة الطواف
الطواف يشترط لصحته شروط:
الشرط الأول: أن يجعل البيت عن يساره
وأيضاً نعلم أن الطواف أخف من الصلاة، مع أنه ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن الطواف بالبيت صلاة)، وأن السعي أخف من الطواف، كما سيأتي إن شاء الله أن السعي لا يشترط فيه رفع الحدث، ولا ستر العورة، ولا إزالة النجاسة.. إلى آخره.
والحكمة في كونه يجعل البيت عن يساره أنه يستلم الحجر الأسود ثم بعد ذلك ينصرف عن يمينه، ويجعل البيت عن يساره، وحينئذ يكون قدم وجه البيت على دبره، وأيضاً قال العلماء رحمهم الله تعالى: الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى.
الشرط الثاني: الطواف سبعة أشواط
الشرط الثاني: يشترط أن يطوف سبعة أشواط كاملة، فإن أخل بشوط من الأشواط فإنه لا يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعة أشواط كاملة، وأمر بذلك أيضاً، وكما في حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه، وغير ذلك من الأحاديث، فلا بد أن يطوف سبعةً كاملة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود.
الرمل
الرمل هذا هو السنة الثانية من سنن طواف القدوم، والرمل هو: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، والرمل تحته مسائل:
المسألة الأولى: هل يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، أو أنه يرمل ويمشي ما بين الركنين؟
النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية أمر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن يرملوا في جميع الشوط، وأن يمشوا مشياً ما بين الركن الأسود والركن اليماني؛ وذلك أنهم يختفون عن كفار قريش، هذا كان في عمرة القضية كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين.
وأما في حجة الوداع فإن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وعلى هذا نقول: المشروع أن يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ، ويكون المشي بين الركنين منسوخاً لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من رمله ما بين الحجر إلى الحجر في حجة الوداع.
والحكمة من الرمل أن يتذكر المسلم بهذا الرمل نعمة الله عليه، حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف.
وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (يرمل الأفقي).
يفهم من كلامه أن المكي لا يرمل، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة وكذلك أيضاً المالكية.
والرأي الثاني رأي الشافعية والحنفية: أن المكي يرمل، والصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحنابلة والمالكية: أن الرمل لا يكون لأهل مكة؛ لأن أهل مكة ليس عليهم طواف قدوم، فطواف القدوم هذا خاص بالآفاقيين، يعني غير أهل مكة الذين يقدمون مكة، ويدل لذلك حديث ابن عمر ، قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة)، وهذا الحديث في الصحيحين، وقد ورد عن ابن عمر وابن عباس أن أهل مكة لا رمل عليهم، ابن عباس يقول: إنما الرمل على أهل الآفاق، وكذلك أيضاً ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: لا يرمل من أحرم من مكة.
كذلك أيضاً يستثنى من الرمل النساء، فبالإجماع أن المرأة لا ترمل؛ وذلك لأن أمر المرأة مبني على الستر والحشمة والصيانة.
كذلك أيضاً يستثنى من ذلك كما قال العلماء: من كان حاملاً لمعذور، كما لو كان حاملاً لصبي ونحو ذلك؛ لما يترتب على ذلك من المشقة.
وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (في هذا الطواف). يؤخذ من هذا أن الرمل خاص بطواف القدوم، وأن غيره من الأطوفة لا يشرع فيه الرمل، وهذا الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى هو الذي دل له حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، خلافاً لمن ذهب إلى أن الرمل مشروع في كل طواف، والصواب في ذلك ما ذهب إليه المؤلف، وأن الرمل خاص بطواف القدوم.
وقول المؤلف رحمه الله: (ثلاثاً ثم يمشي أربعاً).
إذا نسي الرمل في الأشواط الثلاثة الأول أو في بعضها فهل يقضيه في الأربعة، أو نقول: بأنه لا يقضيه؟ نقول: لا يقضيه؛ لأن هذه سنة فات محلها، ولأن السنة في الأشواط الأربعة الباقية هو المشي.
كذلك أيضاً مسألة أخرى وهي ما إذا تعارض عند الطائف إما أن يقرب من البيت ولا يتمكن من الرمل، أو يبتعد عن البيت ويتمكن من الرمل، فنقول: يبتعد ويتمكن من الرمل؛ لأن عندنا قاعدة وهي: أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بزمانها أو مكانها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويستلم الحجر والركن اليماني كل مرة).
يعني في كل مرة إذا تمكن أن يستلم الحجر والركن اليماني، ودليل ذلك حديث ابن عمر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في طوافه)، فإن شق أن يستلمهما فإنه يشير إلى الحجر الأسود. وبالنسبة للركن اليماني إذا شق عليه أن يستلمه، فهل يشير إليه أو لا يشير إليه؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه يشير إليه.
والرأي الثاني: أنه لا يشير إليه، وهذا القول هو الصواب؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو استلام الركن اليماني، أما الإشارة إلى الركن اليماني فهذا لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أما بالنسبة للركنين الشاميين فإنه لا يشرع أن يستلمهما؛ ولهذا (أنكر
قال: (ومن ترك شيئاً من الطواف أو لم ينوه).
تقدم الكلام على هذه المسألة، وذكرنا أن الشرط الثاني من شروط صحة الطواف أن يطوف سبعة أشواط كاملة، وهذا كما ذكرنا دل له فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (خذوا عني مناسككم)، والإجماع قائم على ذلك.
الشرط الثالث: النية للطواف
والطواف تحته نيتان:
النية الأولى: النية العامة، وهذه شرط بالإجماع ولا إشكال فيها، فلو أنه دار على البيت لكي يرافق أحداً، أو لكي يلحق غريماً ونحو ذلك فهذا لا يجزئه بلا إشكال، فلا بد من نية الطواف، لكن هل تشترط النية الخاصة، أو نقول: بأن النية الخاصة ليست شرطاً؟ يعني: هل يشترط أن ينوي أن هذا الطواف هو طواف الإفاضة، أو أن هذا الطواف هو طواف الوداع؟ ولا بد أن ينوي أنه يطوف تعبداً لله عز وجل بالطواف، لكن النية الخاصة وهي نية التعيين، فهل هي شرط أو ليست شرطاً؟ فهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله تعالى.
والصواب في هذه المسألة كما ذكر بعض الشافعية أنه لا يفتقر شيء من أعمال الحج إلى نية، يعني النية الخاصة وأنها ليست شرطاً، وهذا هو الذي رجحه الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى: أن الطواف لا يفتقر إلى نية خاصة؛ لأن نية الحج تكفي فيه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أو نسكه].
يعني: إذا أحرم مطلقاً يصح أن يحرم مطلقاً، يعني في الميقات يصح أن يقول: لبيك اللهم لبيك، ولا يعين لا تمتعاً، ولا إفراداً، ولا قراناً، فيصح أن يحرم وأن يطلق، ثم إذا جاء إلى مكة عين النسك الذي يريد هل يريد التمتع، أم هل يريد الإفراد، أم هل يريد القران. فلو أنه طاف وهو لم يعين النسك، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: لا يصح طوافه فلا بد أن يعين أولاً، وهذا هو الشرط الرابع، أن يعين النسك قبل أن يشرع في الطواف.
الشرط الرابع: الطواف بجميع البدن خارج البيت
الشاذروان هو: ما فضل عن جدار الكعبة. فهل يصح الطواف عليه أو لا يصح الطواف عليه؟
هذا الكلام كان في الزمن السابق، فالشاذروان كان مسطحاً، بإمكانك أنك تصعد عليه وتمشي عليه، أما الآن فإنه الآن مسنم، ولا تتمكن أن تصعد عليه، فقد جاء بعض الخلفاء وجعله مسنماً، يعني الآن الخلاف هذا كان في الزمن السابق، وهذا الخلاف في أن الطواف على الشاذروان يصح أو لا يصح مبني على أن هذا الشاذروان هل هو من البيت أو أنه عماد للبيت وليس منه، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: بأنه ليس من الكعبة، وإنما بني عماداً لجدار الكعبة، وعلى هذا يقول: لو أنه طاف عليه فإن الطواف صحيح.
والرأي الثاني الذي ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله: يجعلونه من البيت، يقولون: أن ما فضل عن جدار الكعبة هو من البيت، وإذا كان كذلك فإنه لا يصح لك أن تطوف عليه.
إذاً: شيخ الإسلام لا يرى أن الشاذروان من البيت، بخلاف الفقهاء رحمهم الله تعالى فإنهم يرون أنه من البيت.
قال: (أو جدار الحجر).
إذا طاف على جدار الحجر، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: لا يصح؛ لأن (النبي صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر، وقال: خذوا عني مناسككم)، ويدل لذلك أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، نعم وإذا طاف من داخل الحجر لم يطف بالبيت العتيق.
لكن قول المؤلف رحمه الله تعالى: (أو جدار الحجر..) فما هو حد الحجر؟ الفقهاء يقولون: بأن حد الحجر ما يقرب من سبعة أذرع، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضبط المسألة فقال: بأن الجدار داخل الكعبة حتى يبدأ الانحناء، فإذا بدأ انحناء الجدار فإنه خارج من الكعبة.
وسبب وجود الحجر أن قريشاً لما بنت الكعبة جمعت ما طاب من أموالها ولم تتمكن من إكمال جميع البيت، فجعلوا هذا الجدار القصير المحجر علامة على ما فضل من البيت ولم يبن، وأما تسميته بحجر إسماعيل، فهذه التسمية ليس عليها دليل، ولا أصل لها، وإنما لما فضل هذا الجزء من البيت ولم يبن، جعل هذا الجدار علامة على ما تبقى من البيت، والنبي صلى الله عليه وسلم هم أن يهدم الكعبة وأن يبنيها على قواعد إبراهيم، لكنه خشي من افتتان الناس؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بإسلام، وهذا من رحمة الله عز وجل، والآن الذي يريد أن يصلي في الكعبة ويصلي في الحجر فالمجال مفتوح، وكانت الكعبة في زمن مضى مفتوحة والناس يدخلون يصلون، ولهذا ذكر ابن جماعة رحمه الله في كتابه هداية الناسك إلى المناسك على المذاهب الأربعة، وهو كتاب كبير يقع في أربعة مجلدات، ذكر ذلك فقال: لا يستحب دخول الكعبة.. لماذا؟ قال: لأن في ذلك اختلاط الرجال بالنساء ويحصل بذلك الزحام.. إلى آخره، فلا ينبغي أن من ذهب أنه لا بد أن يدخل، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في حجة الوداع ما دخل البيت، والنبي عليه الصلاة والسلام دخل البيت في فتح مكة فقط، فليس من سنن الحج أنك تدخل البيت في الحج، لكن لو أراد الإنسان أنه يصلي في الكعبة، فالحمد لله يصلي في الحجر والباب مفتوح.
الشرط الخامس: ستر العورة
هذا الشرط الخامس من شروط صحة الطواف أن يطوف مستتراً، والستر هنا كالستر في الصلاة، يعني يستر ما بين سرته وركبته، ودليل ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، وسبب نزول الآية: أن المرأة كانت تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت هذه الآية: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول: من يعيرني تطوافاً تجعله على فرجها، فنزلت هذه الآية.
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه ينادي: (ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان)، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.
والرأي الثاني: أن ستر العورة ليس شرطاً، وهذا مذهب الحنفية رحمهم الله تعالى؛ لعموم قول الله عز وجل: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، والحنفية عندهم قاعدة ردوا بها كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: بأن اشتراط السترة زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، والله عز وجل قال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وأطلق، ولو قلنا: بأن ستر العورة شرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يطوفن بالبيت عريان)، لكان في ذلك زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، والآحاد لا ينسخ المتواتر، وهذه القاعدة باطلة وقد رد عليها العلماء رحمهم الله، والشوكاني رحمه الله أطال في نقض هذه القاعدة، وكذلك أيضاً ابن القيم رحمه الله وذكروا أن الحنفية ردوا بهذه القاعدة كثيراً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
والصواب أن العورة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يطوف كما يطوف المشركون عراة، فهذا لا شك أنه لا يصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يطوفن بالبيت عريان)، فالمقصود بذلك ما كان يفعله المشركون، أما إذا طاف بالبيت وقد انشق ثوبه وظهر بعض العورة أو نحو ذلك، أو نزل بعض الإزار ونحو ذلك، فنقول: بأن طوافه لا يصح كالصلاة.
أما ما عدا ذلك إذا كان ساتراً للعورة، لكن حصل خروج شيء من العورة أثناء الطواف ونحو ذلك كأن يكون الإزار قصيراً أو ينزل عن محل ما يجب ستره، أو يكون فيه شق أو خرق ونحو ذلك، فالأشياء هذه كلها يتسامح بها، ونحن قررنا قاعدة قبل أن نبدأ فيما يتعلق بشروط الطواف، وقلنا: بأن الطواف أخف من الصلاة، مع أن ابن عباس قال: الطواف بالبيت صلاة، ففرق بين المسألتين.
الشرط السادس: الطهارة من الخبث
هذا الشرط السادس، الشرط السادس: يشترط أن يكون متطهراً من الخبث، وعلى هذا لو كان على بدنه أو على ثوبه نجاسة فإن طوافه لا يصح، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، ويستدلون بما يروى مرفوعاً وورد عن ابن عباس موقوفاً: (الطواف بالبيت صلاة)، قالوا: ما دام أنه صلاة فالصلاة أيضاً لا بد فيها من اجتناب النجاسة، فكذلك أيضاً الطواف، وعند الحنفية رحمهم الله أن إزالة الخبث أنه ليس شرطاً، فإن طاف وعليه خبث يكره، وما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله يظهر -والله أعلم- أنه الأقرب في هذه المسألة؛ لأن رفع الحدث وهو أشد من إزالة الخبث هو موضع خلاف قوي كما سيأتينا إن شاء الله.
الشرط: الطهارة من الحدث
وعند الحنفية: أنه إذا طاف وهو محدث فإن كان في مكة أعاد، فإنه يعيد ولا شيء عليه، لكن لو خرج فإن كان حدثه أصغر فعليه شاة، وإن كان حدثه أكبر فعليه بدنة.
وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الطواف بالبيت لا تشترط له الطهارة، وقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم حج معه خلق عظيم، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طواف إلا بطهارة)، كما قال في الصلاة: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، الذي حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم بدأ فتوضأ ثم طاف، فنقول: يستحب للمسلم أن يبدأ وأن يتوضأ وأن يطوف.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله تعالى عنها: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري..)، فقال شيخ الإسلام : هذا لأن الحائض ممنوعة من دخول المسجد، يرى أن الحائض إنما منعت لكونها حائضة، لا لكون رفع الحدث من شروط صحة الطواف، والأحوط للمسلم أنه يتطهر اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وخروجاً من الخلاف، لكن قد يسبقه الحدث، خصوصاً في أوقات الزحام، وقد ينسى رفع الحدث. فهل يرجع ويعيد؟ إن قلنا يرجع فهذا فيه كلفة وفيه مشقة. فلا يظهر أنه يرجع ويعيد، والله أعلم.
الشرط الثامن: التوالي بين الأشواط
والرأي الثاني: أنه يكفي حتى لو طاف راكباً أن هذا جائز ولا بأس به، لكن يظهر والله أعلم أن الطواف راكباً إنما هو عند الحاجة، لكن إذا كان الإنسان لا يحتاج فإنه يمشي على رجليه، هذا هو الأقرب في هذه المسألة، ويظهر أن المسألة فيها سعة، يعني إذا كان الإنسان عنده حاجة، وليس بشرط أن تكون حاجة شاقة، المهم أنه يحتاج لتعب أو مرض أو نحو ذلك فإنه لا بأس، لكن إذا لم يكن محتاجاً فإنه لا بد أن يمشي، والحنابلة يعتبرونه شرطاً من شروط صحة الطواف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فإن شق اللمس أشار إليه).
إذا شق أن يستلمه، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: فإنه يشير إليه، ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، فلما أتى الحجر أشار إليه بشيء في يده وكبر)، كما سلف أن ذكرنا أن البدل له حكم المبدل، وأن الإشارة لها حكم الاستلام، وعلى هذا إذا أراد أن يشير فإنه يتوجه إلى الحجر، وهكذا الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم بإسناد صحيح، الالتفات إلى الحجر الأسود أثناء الإشارة.
قال: (ويقول ما ورد).
الوارد الثابت في السنة هو التكبير، هذا الذي ورد، كما تقدم في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (الله أكبر)، وكذلك أيضاً ورد عن ابن عمر بإسناد صحيح التسمية مع التكبير.
وأما قول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا الذكر روي مرفوعاً وموقوفاً، ولا يثبت منه شيء، مع أن العلماء رحمهم الله تعالى يقولون: بأن هذا الذكر يقال في الشوط الأول، وأما بقية الأشواط فإنه يقتصر على التكبير.
على كل حال قول: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك.. إلى آخره، هذا روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي موقوفاً على بعض الصحابة كـابن عمر رضي الله تعالى عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وروي مرفوعاً من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذا الذكر لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: [ويجعل البيت عن يساره].
الطواف يشترط لصحته شروط:
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] | 2816 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] | 2730 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] | 2676 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] | 2643 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] | 2638 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] | 2556 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] | 2553 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] | 2526 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] | 2520 استماع |
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] | 2497 استماع |