شرح زاد المستقنع - كتاب الزكاة [9]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [السابع: في سبيل الله، وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم.

الثامن: ابن السبيل المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده، فيعطى قدر ما يوصله إلى بلده، ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم، ويجوز صرفها إلى صنف واحد، ويسن إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم.

فصل: ولا تدفع إلى هاشمي ومطلبي ومواليهما، ولا إلى فقيرة تحت غني منفق، ولا إلى فرعه وأصله، ولا إلى عبد وزوج، وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل فبان أهلاً أو بالعكس لم يجزئ، إلا غنياً ظنه فقيراً].

تقدم لنا في الدرس السابق أهل الزكاة، وأن الله سبحانه وتعالى حصرهم في ثمانية أصناف:

الصنف الأول: الفقراء وهم الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون أقل من نصف الكفاية.

والصنف الثاني: المساكين وهم الذين يجدون أكثر كفايتهم، أو يجدون نصف الكفاية فأكثر؛ لكنهم لا يجدون تمام الكفاية، فهذان الصنفان يعطيان من الزكاة تمام الكفاية، أو الكفاية التامة، فإذا كان مرتبه في السنة عشرة آلاف ريال، وكفايته هو وأهله تساوي عشرين ألف ريال من النفقات والحوائج الأصلية فيبقى عليه عشرة آلاف، فهذا نعطيه من الزكاة عشرة آلاف، ثم بعد ذلك العاملون على الزكاة، وذكرنا أنهم الذين يبعثهم الإمام لجباية الزكاة والقيام عليها، فهؤلاء يعطون حتى ولو كانوا أغنياء؛ لأن أخذهم بسبب العمل لا بسبب الحاجة، فيعطون قدر أجرتهم، وذكرنا أيضاً أن العاملين لهم شروط، وذكرنا كذلك المؤلفة قلوبهم، وهل سهم المؤلفة لا يزال باقياً، أم أنه انقطع؟ وذكرنا أيضاً صور المؤلفة قلوبهم، وكذلك الرقاب، وذكرنا أن الرقاب يشمل المكاتبين، يعني: الرقيق الذي كاتبه سيده، فهذا نعطيه من الزكاة ما يسدد دين الكتابة، ويشمل أن نشتري بأموال الزكاة رقاب الأرقة، ثم نقوم بإعتاقهم، ويشمل كذلك أن نفك أسارى المسلمين الذين عند الكفار بأموال الزكاة.

وكذلك ذكرنا الغارمين، ومن هم الغارمون؟ وذكرنا أن الغرم ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: غرم لإصلاح ذات البين.

والقسم الثاني: غرم للنفس، بمعنى: أن يقترض الشخص أموالاً من أجل نفقاته الشخصية، أو حوائجه الأصلية ونحو ذلك، وذكرنا الصور الداخلة تحت صنف الغارمين.

وكذلك أيضاً في سبيل الله، وما المراد في سبيل الله؟ وجمهور العلماء على أن المراد في سبيل الله هم الجند الغزاة الذين لا رواتب لهم الذين يخرجون للجهاد في سبيل الله.

والرأي الثاني: رأي المالكية أن المراد بسبيل الله: هو كل ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله من رواتب الجند، ومن شراء الأسلحة والذخائر، وآلات الجهاد، وما يحتاج إلى الجهاد في سبيل الله، وذكرنا أن هذا أشمل. ‏

صرف الزكاة في طرق الخير

بقينا في مسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى، وهي هل قول الله عز وجل: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] خاص بالجهاد في سبيل الله، أو أنه يشمل كل طرق الخير؟ وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على أقوال؛ لكن أشهر هذه الأقوال ثلاثة:

القول الأول: أن المراد في سبيل الله: هو الجهاد على حسب الخلاف السابق، هل هو خاص بالجند، أو أنه شامل لكل ما يحتاج إليه الجهاد، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله تعالى.

القول الثاني: أنه يشمل كل طرق الخير فيصح أن تطبع كتب من الزكاة، وكذلك أيضاً أن تعبد الطرق، وأن تبنى المصحات، وأن تحفر الآبار ونحو ذلك، فالمراد بسبيل الله كل أبواب الخير.

القول الثالث: أن المراد به الجهادان: جهاد السيف والسنان، وجهاد العلم والبيان، فتعطى الزكاة في جهاد السيف والسنان، وكذلك تعطى في جهاد العلم والبيان، يعني: تصرف الزكاة على الدعاة الذين يعلمون الناس، وعلى المعلمين، وطلاب العلم، والعلماء، ونحو ذلك، ولكل منهم دليل.

أما الذين قالوا بأن المراد بها الجهاد فقط: فاستدلوا بالحصر في الآية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، فالله سبحانه وتعالى حصر مصرف هذه الزكاة بهذه الأصناف، ولو قلنا: بأنه شاملٌ لكل طرق الخير لم يكن لهذا الحصر فائدة، هذا من وجه، ومن وجه آخر لضاعت كثير من الحكم التي من أجلها شرعت الزكاة، فما يتعلق بمواساة الفقراء والمساكين والمحاويج، ورعايتهم ونحو ذلك، فهذا كله أو كثير منه يذهب؛ لأن كون الإنسان يصرف ماله في صدقة جارية أحب إليه من أن يصرفه في طعام يأكله الفقير، أو دراهم يعطيها له يشتري بها طعاماً، أو لباساً، ثم بعد ذلك ينتهي.

والذين قالوا بأنه شاملٌ لكل طرق الخير استدلوا على ذلك بحديث أم معقل رضي الله تعالى عنها وفيه: ( فإن الحج في سبيل الله )، وهذا رواه أبو داود ، قالوا: هذا دليل على أنه يجوز صرف الزكاة في الحج، وذلك لأن لهذا الحديث قصة: أن أبا معقل كان له جمل، فجعل هذا الجمل في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم معقل: ( فهلا خرجت عليه؟ )، يعني: حججت عليه، فذكرت أن أبا معقل جعله في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن الحج في سبيل الله ) فهذا يدل على أن لفظة وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] ليست محصورة في الجهاد، وأنها أعم من مسألة الجهاد في سبيل الله؛ ولكن حديث أم معقل أصله في صحيح مسلم ، وهذه اللفظة لم ترد في صحيح مسلم، ولهذا ضعفها كثير من العلماء، فلا ينتهض لكي يكون حجة في مقابل ظاهر القرآن.

وأما الذين قالوا: بأنه شامل للجهادين: جهاد العلم والبيان، وجهاد والسيف والسنان، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاهد الجهادين، ففي المرحلة المكية كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد بالعلم والبيان، وفي المرحلة المدنية جاهد بالعلم والبيان، والسيف والسنان، ويدل لذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ).

والذي يظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه جماهير العلماء رحمهم الله هو أقرب في هذه المسألة، ولو قلنا بأن طرق الخير تدخل لزاحمت حاجة هؤلاء الفقراء، والمساكين، والعاملين، والمؤلفة قلوبهم، والرقاب، والغارمين، وابن السبيل، والجهاد في سبيل الله، لزاحمت هؤلاء الأصناف؛ لما ذكرنا من التعليل، وأيضاً لأدت إلى تضييق مصارف التطوعات والإحسان والبر، فكون الإنسان يدفع الزكاة مثلاً: في تعبيد طريق، أو في بناء مستشفى أو مسجد، هذا يجعله لا يتصدق من ماله على هذا المصح، ولكن لو قيل له: ادفع الزكاة للفقراء والمساكين، وإذا أردت أن تبني مسجداً فلك طرق البر الأخرى، لدفع الزكاة، وبنى المسجد من خالص ماله، فهذا الذي يظهر والله أعلم، مع أن الحصر في الآية واضح، وليس هناك أدلة ظاهرة في صرف الزكاة في سائر طرق الخير، فيبقى على ما ذهب إليه جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى، فهذا هو الأصل؛ لكن ربما في بعض البلاد يحتاج إلى شيء من ذلك، وخصوصاً فيما يتعلق بأمر الدعوة وتعليم الناس، فنقول: إذا ظهرت الحاجة الظاهرة فيما يتعلق بأمر الدعوة، وأن الدعوة لا يمكن أن تسير إلا بمال، وقد لا نجد مالاً إلا من الزكاة ففي هذه الحالة عند الحاجة لا بأس، والضرورة تقدر بقدرها.

المصرف الثامن: ابن السبيل

قال رحمه الله: (الثامن ابن السبيل: المسافر المنقطع به).

ابن السبيل دليله قول الله عز وجل: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] ومن هو ابن السبيل؟

قال المؤلف رحمه الله: (المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده فيعطى ما يوصله إلى بلده).

ابن السبيل الذي يعطى من الزكاة: هو المسافر الذي انقطع به سفره، فإذا سافر مثلاً: إلى مكة، ثم بعد ذلك سرقت دراهمه، أو ضاعت نفقته فهذا نعطيه من الزكاة ما يوصله إلى حاجته، ويرجعه إلى بلده، وليس المراد أن نعطيه من الزكاة ما يرجعه إلى بلده، بل نعطيه من الزكاة ما يوصله إلى حاجته، فهو الآن يحتاج إلى أن يذهب إلى مكة لأجل العمرة، أو لأجل العلاج، فهذا نعطيه ما يوصله إلى الغرض الذي قصده، وما يرجعه إلى بلده، وهذا هو قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى.

والرأي الثاني: المراد به المسافر الذي انقطع به سفره، وكذلك أيضاً الذي ينشئ السفر، وهذا قول الشافعية، فالمنشئ للسفر يرون أنه يدخل في صنف ابن السبيل، والصحيح: أن المنشئ للسفر ليس مسافراً، وإنما هو على نية السفر، ففرق بين المسافر الذي تلبس بالسفر، وبين الشخص الذي يريد سفراً، فهذا على نية السفر، فهذا نقول: إن كان محتاجاً لسفر فنعطيه على أنه من صنف الفقراء والمساكين، ولا نعطيه على أنه من صنف ابن السبيل، وإن لم يكن محتاجاً وكان سفره كمالياً، فهذا لا يأخذ، لا من هذا الصنف ولا من هذا الصنف.

وكم يعطى ابن السبيل من الزكاة؟ نعطيه على قدر حاله، فإذا كان فقيراً نعطيه ما يركب الفقراء، وإن كان متوسطاً نعطيه ما يركب المتوسطون، وكما تقدم لنا أنه إذا انقطع به السفر فإننا نعطيه ما يوصله إلى غرضه ويرجعه إلى بلده مادام أنه محتاج إلى ذلك السفر، أما إذا كان غير محتاج إلى ذلك السفر الذي سافر إليه فإننا نعطيه ما يرجعه إلى بلده.

ثم قال رحمه الله تعالى: (ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم).

هذا تقدم الكلام عليه وبيننا ما يأخذه الفقير، وكذلك ما يأخذه المسكين، وأن كلاً منهم يأخذ الكفاية التامة، أو تمام الكفاية.

صرف الزكاة إلى صنف واحد

قال رحمه الله: (ويجوز صرفها إلى صنف واحد).

يقول المؤلف رحمه الله: يجوز أن تصرف الزكاة إلى صنف، ولا يجب أن تجزأ ثمانية أجزاء. وذكر هذا القول مع ظهوره رداً لخلاف الشافعية، فإن الشافعية رحمهم الله يرون أن الزكاة تجزأ إلى ثمانية أصناف فيصرف صنفاً للفقراء، وصنفاً للمساكين، وصنفاً للعاملين كما جاء في الآية، وجمهور العلماء على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، ودليل ذلك: حديث ابن عباس لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وفيه: ( فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )، وكذلك أيضاً: حديث قبيصة في صحيح مسلم : ( أقم عندنا يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ).

وأما الشافعية رحمهم الله تعالى فيستدلون بقول الله عز وجل: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، فقالوا: بأن الله سبحانه وتعالى ذكر الأصناف الثمانية، فكون الله عز وجل أتى بلام التمليك هذا يدل على أن هؤلاء جميعاً يملكون، فلا بد أن تقسم عليهم، والجواب: كونه أتى بلام التمليك هذا لا يلزم منه أن تجزأ الزكاة لما تقدم من أدلة الجمهور.

دفع الزكاة إلى الأقارب

قال رحمه الله تعالى: (ويسن إلى أقاربه الذين لا تلزمهم نفقته).

يقول المؤلف رحمه الله: يسن أن تدفع الزكاة إلى أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم كما في حديث زينب امرأة ابن مسعود كما ثبت في الصحيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لها أجر الصدقة، وأجر القرابة )، ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله: أنه إذا كان القريب يجب عليك أن تنفق عليه فإنه لا يجوز لك أن تعطيه من الزكاة؛ لأنه مستغنٍ بنفقتك عليه؛ ولأنك إذا أعطيته الزكاة مع أنه يجب عليك أن تنفق عليه تكون حميت مالك بالزكاة، فإذا كان هذا الفقير يجب عليك أن تنفق عليه، فإنه لا يجوز لك أن تعطيه من الزكاة:

أولا: لأنه مستغنٍ بالنفقة، ولاحظ في الزكاة لغني، ولا لقوي مكتسب.

وثانياً: أنك تكون قد وقيت مالك بزكاتك؛ لأنك إذا أعطيته الزكاة فيستغني بالزكاة عن نفقتك فتكون وقيت مالك بزكاتك.

ومن هم الفقراء الذين يجب على الشخص أن ينفق عليهم؟ هذا سنتكلم عليه إن شاء الله في باب النفقات.

فالمهم أن نفهم هذه المسألة، وأنه إذا كان الشخص يجب عليك أن تنفق عليه، فإنه لا يجوز لك أن تعطيه من الزكاة.

بقينا في مسألة اختلف فيها العلماء رحمهم الله تعالى، وهي هل قول الله عز وجل: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] خاص بالجهاد في سبيل الله، أو أنه يشمل كل طرق الخير؟ وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على أقوال؛ لكن أشهر هذه الأقوال ثلاثة:

القول الأول: أن المراد في سبيل الله: هو الجهاد على حسب الخلاف السابق، هل هو خاص بالجند، أو أنه شامل لكل ما يحتاج إليه الجهاد، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله تعالى.

القول الثاني: أنه يشمل كل طرق الخير فيصح أن تطبع كتب من الزكاة، وكذلك أيضاً أن تعبد الطرق، وأن تبنى المصحات، وأن تحفر الآبار ونحو ذلك، فالمراد بسبيل الله كل أبواب الخير.

القول الثالث: أن المراد به الجهادان: جهاد السيف والسنان، وجهاد العلم والبيان، فتعطى الزكاة في جهاد السيف والسنان، وكذلك تعطى في جهاد العلم والبيان، يعني: تصرف الزكاة على الدعاة الذين يعلمون الناس، وعلى المعلمين، وطلاب العلم، والعلماء، ونحو ذلك، ولكل منهم دليل.

أما الذين قالوا بأن المراد بها الجهاد فقط: فاستدلوا بالحصر في الآية: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60]، فالله سبحانه وتعالى حصر مصرف هذه الزكاة بهذه الأصناف، ولو قلنا: بأنه شاملٌ لكل طرق الخير لم يكن لهذا الحصر فائدة، هذا من وجه، ومن وجه آخر لضاعت كثير من الحكم التي من أجلها شرعت الزكاة، فما يتعلق بمواساة الفقراء والمساكين والمحاويج، ورعايتهم ونحو ذلك، فهذا كله أو كثير منه يذهب؛ لأن كون الإنسان يصرف ماله في صدقة جارية أحب إليه من أن يصرفه في طعام يأكله الفقير، أو دراهم يعطيها له يشتري بها طعاماً، أو لباساً، ثم بعد ذلك ينتهي.

والذين قالوا بأنه شاملٌ لكل طرق الخير استدلوا على ذلك بحديث أم معقل رضي الله تعالى عنها وفيه: ( فإن الحج في سبيل الله )، وهذا رواه أبو داود ، قالوا: هذا دليل على أنه يجوز صرف الزكاة في الحج، وذلك لأن لهذا الحديث قصة: أن أبا معقل كان له جمل، فجعل هذا الجمل في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأم معقل: ( فهلا خرجت عليه؟ )، يعني: حججت عليه، فذكرت أن أبا معقل جعله في سبيل الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإن الحج في سبيل الله ) فهذا يدل على أن لفظة وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] ليست محصورة في الجهاد، وأنها أعم من مسألة الجهاد في سبيل الله؛ ولكن حديث أم معقل أصله في صحيح مسلم ، وهذه اللفظة لم ترد في صحيح مسلم، ولهذا ضعفها كثير من العلماء، فلا ينتهض لكي يكون حجة في مقابل ظاهر القرآن.

وأما الذين قالوا: بأنه شامل للجهادين: جهاد العلم والبيان، وجهاد والسيف والسنان، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاهد الجهادين، ففي المرحلة المكية كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد بالعلم والبيان، وفي المرحلة المدنية جاهد بالعلم والبيان، والسيف والسنان، ويدل لذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ).

والذي يظهر -والله أعلم- أن ما ذهب إليه جماهير العلماء رحمهم الله هو أقرب في هذه المسألة، ولو قلنا بأن طرق الخير تدخل لزاحمت حاجة هؤلاء الفقراء، والمساكين، والعاملين، والمؤلفة قلوبهم، والرقاب، والغارمين، وابن السبيل، والجهاد في سبيل الله، لزاحمت هؤلاء الأصناف؛ لما ذكرنا من التعليل، وأيضاً لأدت إلى تضييق مصارف التطوعات والإحسان والبر، فكون الإنسان يدفع الزكاة مثلاً: في تعبيد طريق، أو في بناء مستشفى أو مسجد، هذا يجعله لا يتصدق من ماله على هذا المصح، ولكن لو قيل له: ادفع الزكاة للفقراء والمساكين، وإذا أردت أن تبني مسجداً فلك طرق البر الأخرى، لدفع الزكاة، وبنى المسجد من خالص ماله، فهذا الذي يظهر والله أعلم، مع أن الحصر في الآية واضح، وليس هناك أدلة ظاهرة في صرف الزكاة في سائر طرق الخير، فيبقى على ما ذهب إليه جماهير أهل العلم رحمهم الله تعالى، فهذا هو الأصل؛ لكن ربما في بعض البلاد يحتاج إلى شيء من ذلك، وخصوصاً فيما يتعلق بأمر الدعوة وتعليم الناس، فنقول: إذا ظهرت الحاجة الظاهرة فيما يتعلق بأمر الدعوة، وأن الدعوة لا يمكن أن تسير إلا بمال، وقد لا نجد مالاً إلا من الزكاة ففي هذه الحالة عند الحاجة لا بأس، والضرورة تقدر بقدرها.