خطب ومحاضرات
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [4]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب في الإيمان.
حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً، أدناها إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله، والحياء شعبة من الإيمان) ].
هذا حديث عظيم، وقد أخرجه الشيخان رحمهما الله، فأخرجه البخاري بلفظ: (الإيمان بضع وستون شعبة)، وأخرجه مسلم بلفظ: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
وفي هذا الحديث دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان شعب، وأنه يدخل فيه أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، ولهذا قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وبين الأعلى والأدنى شعب متفاوتة، فمنها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، والحج شعبة، وبر الوالدين شعبة، والجهاد في سبيل الله شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والإحسان إلى الجيران شعبة، وهكذا.
قال: (والحياء شعبة من الإيمان) وكلمة التوحيد قول باللسان، وإماطة الأذى عن الطريق عمل بالبدن، والحياء عمل قلبي، فإذاً: يدخل في الإيمان أعمال القلوب وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، وفيه رد على المرجئة الذين يقولون: الإيمان تصديق بالقلب فقط، فإن الحديث جعل الإيمان شعباً كثيرة، والبضع من ثلاث إلى تسع، وقد تتبع البيهقي رحمه الله هذه الشعب وألف كتاباً سماه: شعب الإيمان، وأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، وتتبعها من النصوص، وأوصل البضع إلى أعلاه.
مذهب المرجئة في الإيمان
يقولون: مطلوبة وليست من الإيمان، فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل.
والإمام أبو حنيفة عنه روايتان:
الرواية الأولى التي عليها أكثر أصحابه: أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان وتصديق بالقلب.
والرواية الثانية: أن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب، وليس من الإيمان، مثل الأعمال، والصواب: أنها من الإيمان.
ومذهب أهل السنة: أن الأعمال مطلوبة وهي من الإيمان، والمرجئة المحضة كالجهمية قالوا: ليست مطلوبة، بل يكفي معرفة الرب بالقلب، فعند الجهم -والعياذ بالله- الإيمان: معرفة الرب بالقلب، والكفر هو: جهل الرب بالقلب، فألزمه العلماء بهذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وأبو طالب مؤمن، واليهود مؤمنون؛ لأنهم كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، وهذا من أبطل الباطل.
وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان: هو تعريف الجهم له، ثم يليه قول الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو إقرار باللسان فقط، فإذا أقر بلسانه فهو مؤمن، وإذا خالف عمله ما تكلم به بلسانه صار منافقاً، ويقولون: إن الإنسان قد يكون مؤمناً كامل الإيمان ومع ذلك يخلد في النار، مثل قول المرجئة الذين يقولون: من أقر بلسانه فهو مؤمن ولو كان منافقاً في الباطن، فإذا كان منافقاً في الباطن فهو مؤمن كامل الإيمان وهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل، ثم يليه قول مرجئة الفقهاء ثم قول الخوارج الذين يقولون: الإيمان هو: التصديق، والأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان فإذا تخلف عمل من الأعمال أو فعل معصية ذهب الإيمان كله وصار كافراً وخلد في النار والعياذ بالله؛ لأن الإيمان عندهم لا يتبعض ولا يتعدد.
والشبهة التي بنى عليها جميع أهل البدع أقوالهم في الإيمان هي: أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد ولا يتبعض، ولا يذهب بعضه ولا يبقى بعضه.
وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان متعدد ومتبعض، ويزيد وينقص، ويقوى ويضعف، ويذهب بعضه ويبقى بعضه.
ويقول شارح الطحاوية: إن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة، والصحيح أنه ليس لفظياً من جميع جميع الوجوه، وله آثار تترتب عليه.
منها: فتح الباب للمرجئة الذين يقولون: الأعمال غير مطلوبة.
ومنها: فتح الباب للفساق، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كـأبي بكر وعمر ، فإذا قيل له: كيف يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر وعمر ولهما أعمال عظيمة؟ قال: إن الإيمان هو: التصديق، والأعمال شيء آخر، وأنا مصدق وأبو بكر مصدق، ففتح المرجئة باباً للقول: بأن إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد!
ومنها: أنهم خالفوا نصوص الكتاب والسنة لفظاً، وإن كانوا وافقوهما في المعنى، بخلاف أهل السنة فإنهم وافقوا النصوص لفظاً ومعنى، وتأدبوا مع النصوص، والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، ولا يخالفها لا لفظاً ولا معنى، كهؤلاء الذين وافقوا النصوص في المعنى فقالوا: الأعمال مطلوبة، ولكنهم خالفوا النصوص لفظاً، فإن الله تعالى أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، فقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4]، فأدخل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن ووجل القلب عند ذكر الله والتوكل على الله في مسمى الإيمان.
والحياء: عمل قلبي وخلق داخلي يبعث الإنسان على فعل المحامد وترك الرذائل والمذام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان. ح وحدثنا عمرو بن رافع حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: (إن الحياء شعبة من الإيمان) ].
وفي اللفظ الآخر: (دعه فإن الحياء خير كله)، وهذا لفظ مسلم.
شرح حديث: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ..)
الحديث أخرجه مسلم بمعناه، وهذا فيه: وعيد شديد للمتكبر، وفيه: أن الكبر من كبائر الذنوب، والكبر كما جاء تفسيره في الحديث الآخر: (بطر الحق وغمط الناس)، وبطر الحق: رده، وغمط الناس: احتقارهم، وهذا هو الكبر، وهو من الكبائر، فإن كان الكبر تكبراً عن التوحيد والإيمان صار مخرجاً من الملة، وإن كان الحق الذي رده دون التوحيد والإيمان فيكون مرتكباً لكبيرة، فيكون الكبر كفراً أكبر إذا رد التوحيد والإيمان، أو كفراً أصغر إذا رد ما هو دون ذلك.
وقوله: (ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) يعني: لا يدخلها دخول خلود، ولكن قد يدخلها دخولاً مؤقتاً، كما إذا مات على المعاصي مصراً عليها ولم يعف الله عنه؛ لأن النصوص تضم بعضها إلى بعض، وقد دلت النصوص على أن من ارتكب الكبائر فهو متوعد بالنار، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء:10]، فإذا دخل النار فإنه لا يخلد فيها، وإنما يطهر فيها بقدر معاصيه ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين، وقد يعفو الله عنه، فهو تحت المشيئة، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
شرح حديث: (إذا خلّص الله المؤمنين..)
قال أبو سعيد : فمن لم يصدق هذا فليقرأ: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40] ].
هذا الحديث أخرجه البخاري بمعناه في حديث طويل، وأخرجه مسلم وأحمد والنسائي في كتاب الإيمان.
فـالبخاري أخرجه بمعناه في آخر حديث الشفاعة الطويل وهو: أن المؤمنين يوم القيامة يشفعون لإخوانهم الموحدين العصاة الذين دخلوا النار، وأنهم يسألون الله ويلحون عليه في السؤال، كما أن الإنسان إذا كان له حق في الدنيا يجادل حتى يأخذ حقه، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا أشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار) يعني: سؤالهم الله لا يقل عن مجادلة الإنسان في أخذ حقه في الدنيا، (يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا)، فيشفعهم الله فيهم، ويجعل الله لهم علامة يعرفونهم بها، والشفاعة لابد فيها من شرطين: الأول: إذن الله للشافع، فلا يشفع إلا بعد الإذن، وهذه المجادلة تكون بعد الإذن، وكذلك الشفاعة، والشرط الثاني: أن يكون ممن رضي الله أن يشفع له.
ونبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف الخلق وأوجه الناس عند الله لا يبدأ بالشفاعة إلا بعد الإذن، ففي الحديث: أنه يأتي ويسجد تحت العرش فيحمد الله ويلهمه بمحامد يفتحها عليه في ذلك الموقف، (فيقول الله: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع -وهذا هو الإذن- فيقول: يا رب! وعدتني بالشفاعة، فشفعني في أن تقضي بين خلقك، فيقول الله: شفعتك، اذهب فأنا آتي فأقضي بينكم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم أذهب فأقف مع الناس)، وهذا في الشفاعة العظمى، وهؤلاء المؤمنون إذا أذن الله لهم أن يشفعوا في إخوانهم جعل لهم علامة يعرفونهم بها، فيقول: اذهبوا فأخرجوهم من النار، فيعرفونهم بصورهم، يعني: وجوههم، والصورة تطلق على الوجه، وتطلق على الجسم، ولهذا لابد في إزالة الصورة من إزالة الوجه والرأس، وأما إزالة الكفين فقط فلا يكفي، فإذا أزيل الرأس والوجه زال المحظور، سواء كان مجسماً أو غير مجسم، وأما إذا بقي الرأس فقد بقي المحظور ولو أزيل الجسد كله، ويعتبر صورة، فقد جاء في الحديث: (يعرفونهم بصورهم) يعني: بوجوههم، وقال: (لا تأكل النار وجوههم)، فالنار لا تأكل من وجوه العصاة محل السجود، بخلاف الكفرة فإن النار تغمره من جميع جهاته، ويعرفونهم أيضاً بأن منهم من تأخذه النار إلى ساقيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم إلى كذا، على حسب المعاصي، بخلاف الكفرة فإن النار تغمرهم من جميع الجهات والعياذ بالله، قال تعالى: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، فوجوههم وغيرها سواء؛ لأنهم لم يسجدوا لله.
وهذا الحديث من الأدلة على كفر تارك الصلاة، فالذي يصلي مؤمن؛ ولا تأكل النار وجهه؛ لأنه محل السجود، والذي لا يصلي تأكل النار وجهه؛ لأنه كافر والعياذ بالله.
ولا يكفي في إزالة الصورة وضع خط على الحلق كما يفعل بعض الناس، بل لا بد من قطع الرأس والوجه كاملين، ولا يكفي أيضاً إزالة العينين والأنف والفم والأذن، بل لا بد من إزالة الرأس والوجه كاملين.
وقوله: (فيقولون: ربنا أخرجنا من قد أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل)، وهذه الشفاعة للعصاة مشتركة بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشفع وفي كل مرة يحد الله له حداً، والأنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والمؤمنون يشفعون، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، ويقول: (شفعت الملائكة وشفع النبيون ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج قوماً من النار لم يعلموا خيراً قط).
شرح حديث: (فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن..)
حزاورة يعني: فتياناً أشداء أقوياء، وقوله: (تعلمنا الإيمان) يعني: الشهادتين، قال في الزوائد: إسناد هذا الحديث صحيح، رجاله ثقات.
ويشهد لهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم معانيها والعمل بها)، وهذا بعد الإيمان وبعد الشهادتين، فالإيمان هو: أصل الدين وأساس الملة.
شرح حديث: (صنفان من هذه الأمة..)
هذا الحديث ضعيف، فيه محمد بن فضيل صدوق من العاشرة، وفيه: علي بن نزار بن حيان الأسدي ضعيف، وفي المغني والديوان قال: إن علياً ليس بحل، وفي التقريب: ضعيف.
والمقصود: أن هذا الحديث ضعيف، وكل الأحاديث التي في المرجئة والقدرية ضعيفة، وإنما تصح موقوفة على الصحابة، فوقفها على الصحابة أصح، وأما رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهي بأسانيد ضعيفة.
والمرجئة هم: الذين يرجئون الأعمال، يعني: يؤخرونها ولا يدخلونها في مسمى الإيمان.
والقدرية هم: الذين ينفون القدر، ويقولون: إن الله لم يقدر أعمال العباد، ولا شك أنهم مبتدعة، وهذا الحديث لا بأس به موقوفاً، وأما مرفوعاً فلا يصح.
وكل الأحاديث المرفوعة في القدرية ضعيفة، وأما وقفها على الصحابة فصحيح، وهي نحو عشرة أحاديث.
وهذا الحديث قد أخرجه الترمذي بهذا الطريق وطريق آخر، وقال: حسن غريب، ولكنه ليس بحسن، وإنما هو حديث ضعيف.
شرح حديث جبريل في بيان مراتب الدين
هذا الحديث أخرجه مسلم مطولاً، وأخرجه البخاري من حديث عمر ، وأخرجه البخاري مختصراً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو حديث عظيم اشتمل على مراتب الدين، ودل على أن الدين له مراتب ثلاث: هي الإسلام والإيمان والإحسان، فالإسلام له أركان ظاهرة مثل: الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، والإيمان له أركان باطنة وهو: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ولابد من اجتماعهما ظاهراً وباطناً، فمن أتى بأركان الإسلام الظاهرة والباطنة فهو مؤمن باطناً وظاهراً، ومن أتى بأركان الإسلام الظاهرة ولم يأت بأركان الإيمان الباطنة فهو منافق في الدرك الأسفل من النار، فمن نطق بالشهادتين ظاهراً وصلى وصام وزكى وحج ولم يؤمن في الباطن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر فهو منافق في الدرك الأسفل من النار، ومن ادعى أنه مؤمن في الباطن بالله وملائكته وكتبه ورسله وامتنع عن النطق بالشهادتين، وعن الصلاة والزكاة والصوم والحج، فليس بصادق؛ لأنه لم يتحقق إيمانه؛ لأنه لابد للإيمان الباطن من عمل ظاهر يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، فلا بد من انقياد في الظاهر، وعمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون.
كما أن الإسلام الظاهر الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج لابد له من إيمان في الباطن يصححه، وإلا صار كإسلام المنافقين، فالمنافقون ينطقون بالشهادتين ويصلون ويحجون ويجاهدون، ولكنهم ليس عندهم إيمان في الباطن يصحح هذا الإسلام، فصاروا في الدرك الأسفل من النار والعياذ بالله، قال سبحانه: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]، وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، فلابد من الأمرين جميعاً.
وركن الإحسان هو: أن يعبد الله على المشاهدة، وله مرتبتان:
المرتبة الأولى: (أن تعبد الله كأنك تراه)، فإن ضعف عن هذه المرتبة انتقل إلى المرتبة الثانية: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ولهذا قال في نهاية الحديث: (أتاكم يعلمكم معالم دينكم) يعني: دلائله، وفي لفظ آخر: (أتاكم يعلمكم أمر دينكم)، وفي لفظ: (يعلمكم دينكم) فجعل الدين مراتب ثلاث: إسلام وإيمان وإحسان.
ولما سأله عن الساعة قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يعني: علم السائل وعلم المسئول سواء؛ لأن هذا من اختصاص الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187]، وقال في الآية الأخرى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات:42-43]، وقال في آية ثالثة: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63].
ثم سأل عن الأمارات فذكر له أمارتان، قال: (أن تلد الأمة ربتها)، وقد فسرها الراوي بأن تلد العجم العرب، يعني: أن يكثر التسري، فيتسرى الملوك وغيرهم العجميات الموالي فيلدن العرب، فيكون المولود عربياً؛ لأن أباه عربي وأمه أعجمية، وفي رواية أخرى: (أن تلد الأمة ربها) يعني: سيدها، وفي لفظ آخر: (تلد الأمة ربتها) أي: سيدتها؛ لأن المالك إذا تسرى بالأمة وجاءت بولد صار سيداً على أمه؛ لأنه ولد المالك، وولد المالك سيد على أمه وعلى غيرها، وكذلك الأمة تلد ربتها، أي: بنت المالك، فتكون سيدة على أمها وعلى غيرها، فتلد الأمة سيدتها، أو تلد سيدها، فهذا من أشراط الساعة، أن يكثر التسري.
وكذلك من علامتها: (التطاول في البنيان)، وهناك علامات أخرى كثيرة لم تذكر في هذا الحديث، فأشراط الساعة كثيرة، منها صغيرة ومنها كبيرة، وهي التي تعقبها الساعة مباشرة، وهذه تأتي في آخر الزمان، وأولها المهدي ثم الدجال ثم نزول عيسى بن مريم ثم خروج يأجوج ومأجوج، فهذه أربعة متوالية مرتبة، ثم تتابع الأشراط: كالدخان وهدم الكعبة ونزع القرآن من الصحف ومن الصدور -والعياذ بالله- ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج الدابة ثم آخرها نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، ومن تخلف أكلته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وتؤمن بالبعث الآخر. قال: يا رسول الله! ما الإسلام؟ قال: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: يا رسول الله! ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك. قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: ما المسئول بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها فذلك من أشراطها، وإذا تطاول رعاء الغنم في البنيان فذلك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]) ].
وهذا هو الحديث السابق جاء بألفاظ أخرى، وفيه بيان مفاتيح الغيب الخمسة في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، وقد أخرجه البخاري ومسلم.
وقوله في أحد ألفاظ الحديث: (أن تلد الأمة ربها) فسرها بعضهم: بأن تكثر السرائر وتتداول حتى يشتري الرجل أمه ويتسراها وهو لا يعرف أنها أمه.
ولا يجوز للإنسان الحر أن يتزوج الأمة إلا بالشروط التي ذكرها الله في كتابه: بألا يستطيع مهر الحرة، ويخاف على نفسه الزنا، فمن وُجد هذان الشرطان فيه جاز له أن يتزوج الأمة، ومع ذلك قال الله: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25] أي: إن الصبر أفضل، فإذا تزوج الأمة صار أولادها أرقاء تبعاً لأمهم، إلا إذا اشترط على السيد أن يكون أولاده أحراراً وقبل السيد، صاروا أحراراً وإلا كانوا أرقاء لسيد الأمة، وأما النسب فإنهم ينسبون لأبيهم، فلا يجوز الزواج بالأمة إلا بهذين الشرطين، قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] يعني: مهراً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25] أي: الإماء، قال تعالى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ [النساء:25] أسيادهن، قال تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ [النساء:25] ولابد من هذا القيد وهي أن تكون محصنة، قال تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]، وهذا الشرط الثاني وهو خشية العنت، يعني: أن يخاف على نفسه من الزنا، وليس عنده مهر الحرة، قال تعالى: وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء:25].
والبعث الآخر المذكور في الحديث يعني: إعادة الأرواح إلى أجسادها، هذا هو البعث الآخر، ولقاء الله يعني: ملاقاته للحساب والجزاء، والحفاة العراة يعني: الذين كانوا حفاة فقراء ليس عندهم شيء، وكانوا عراة، فإنهم يتحضرون ويسكنون في البلدان ويتطاولون في البنيان، ويتمدنون بعد أن كانوا في البادية حفاة ليس لهم نعال، وعراة ليس لهم ثياب، ويبنون العمارات.
شرح حديث: (الإيمان معرفة بالقلب..)
المرجئة يقولون: الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما أعمال الجوارح وقول اللسان فليس من الإيمان، وهذا من أبطل الباطل، والصواب: أن الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح، فهذه الأربعة الأشياء كلها داخلة في مسمى الإيمان، وهي: قول القلب وتصديقه وإقراره، وعمل القلب وهو: النية والإخلاص والمحبة والرغبة والرهبة والخشية، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة، وقول اللسان كتلاوة القرآن والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، خلافاً للمرجئة -مرجئة الفقهاء كالأحناف وغيرهم- الذين يقولون: الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ولكنها مطلوبة، وأما المرجئة المحضة كالجهمية فيقولون: ليست مطلوبة، وإنما يكفي معرفة القلب، وهذا من أبطل الباطل.
يقولون: مطلوبة وليست من الإيمان، فالإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل.
والإمام أبو حنيفة عنه روايتان:
الرواية الأولى التي عليها أكثر أصحابه: أن الإيمان شيئان: إقرار باللسان وتصديق بالقلب.
والرواية الثانية: أن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد مطلوب، وليس من الإيمان، مثل الأعمال، والصواب: أنها من الإيمان.
ومذهب أهل السنة: أن الأعمال مطلوبة وهي من الإيمان، والمرجئة المحضة كالجهمية قالوا: ليست مطلوبة، بل يكفي معرفة الرب بالقلب، فعند الجهم -والعياذ بالله- الإيمان: معرفة الرب بالقلب، والكفر هو: جهل الرب بالقلب، فألزمه العلماء بهذا التعريف أن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وفرعون مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، وأبو طالب مؤمن، واليهود مؤمنون؛ لأنهم كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146]، وهذا من أبطل الباطل.
وأفسد ما قيل في تعريف الإيمان: هو تعريف الجهم له، ثم يليه قول الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو إقرار باللسان فقط، فإذا أقر بلسانه فهو مؤمن، وإذا خالف عمله ما تكلم به بلسانه صار منافقاً، ويقولون: إن الإنسان قد يكون مؤمناً كامل الإيمان ومع ذلك يخلد في النار، مثل قول المرجئة الذين يقولون: من أقر بلسانه فهو مؤمن ولو كان منافقاً في الباطن، فإذا كان منافقاً في الباطن فهو مؤمن كامل الإيمان وهو مخلد في النار، وهذا من أفسد ما قيل، ثم يليه قول مرجئة الفقهاء ثم قول الخوارج الذين يقولون: الإيمان هو: التصديق، والأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان فإذا تخلف عمل من الأعمال أو فعل معصية ذهب الإيمان كله وصار كافراً وخلد في النار والعياذ بالله؛ لأن الإيمان عندهم لا يتبعض ولا يتعدد.
والشبهة التي بنى عليها جميع أهل البدع أقوالهم في الإيمان هي: أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، ولا يتعدد ولا يتبعض، ولا يذهب بعضه ولا يبقى بعضه.
وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان متعدد ومتبعض، ويزيد وينقص، ويقوى ويضعف، ويذهب بعضه ويبقى بعضه.
ويقول شارح الطحاوية: إن الخلاف مع مرجئة الفقهاء لفظي لا يترتب عليه فساد في العقيدة، والصحيح أنه ليس لفظياً من جميع جميع الوجوه، وله آثار تترتب عليه.
منها: فتح الباب للمرجئة الذين يقولون: الأعمال غير مطلوبة.
ومنها: فتح الباب للفساق، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كامل الإيمان، وإيماني كـأبي بكر وعمر ، فإذا قيل له: كيف يكون إيمانك مثل إيمان أبي بكر وعمر ولهما أعمال عظيمة؟ قال: إن الإيمان هو: التصديق، والأعمال شيء آخر، وأنا مصدق وأبو بكر مصدق، ففتح المرجئة باباً للقول: بأن إيمان أهل السماء وإيمان أهل الأرض واحد!
ومنها: أنهم خالفوا نصوص الكتاب والسنة لفظاً، وإن كانوا وافقوهما في المعنى، بخلاف أهل السنة فإنهم وافقوا النصوص لفظاً ومعنى، وتأدبوا مع النصوص، والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، ولا يخالفها لا لفظاً ولا معنى، كهؤلاء الذين وافقوا النصوص في المعنى فقالوا: الأعمال مطلوبة، ولكنهم خالفوا النصوص لفظاً، فإن الله تعالى أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، فقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:2-4]، فأدخل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن ووجل القلب عند ذكر الله والتوكل على الله في مسمى الإيمان.
والحياء: عمل قلبي وخلق داخلي يبعث الإنسان على فعل المحامد وترك الرذائل والمذام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان. ح وحدثنا عمرو بن رافع حدثنا جرير عن سهيل جميعاً عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن عبد الله بن يزيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء فقال: (إن الحياء شعبة من الإيمان) ].
وفي اللفظ الآخر: (دعه فإن الحياء خير كله)، وهذا لفظ مسلم.
استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [12] | 2221 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [16] | 2218 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [9] | 2141 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [10] | 2072 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [2] | 2028 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [18] | 1796 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [6] | 1777 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [1] | 1751 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [8] | 1701 استماع |
شرح سنن ابن ماجه المقدمة [15] | 1668 استماع |