شرح سنن ابن ماجه المقدمة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فانتهوا) ].

هذا كتاب سنن ابن ماجه رحمه الله، وهو أحد السنن الأربعة التي هي دواوين الإسلام، وجمعت فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب يمتاز عن غيره بميزتين:

الميزة الأولى: المقدمة العظيمة التي ذكرها في أصول الدين والتوحيد وتعظيم السنة، وذكر فيها ما يقارب من مائتين وسبعة وثلاثين حديثاً، وهذه المقدمة العظيمة امتاز بها عن بقية أصحاب السنن، فإن سنن أبي داود وسنن النسائي وسنن الترمذي ابتدأها أصحابها بذكر أحكام الطهارة، أما ابن ماجه رحمه الله فإنه بدأ سننه بهذه المقدمة العظيمة كما فعل صاحبا الصحيحين البخاري ومسلم رحمهما الله؛ فإن البخاري بدأ كتابه الجامع الصحيح بكتاب بدء الوحي، ثم بكتاب الإيمان، والإمام مسلم افتتح كتابه بكتاب الإيمان، وابن ماجه افتتح بهذه المقدمة العظيمة، وهذه ميزة تميز بها، وهي مقدمة عظيمة تتعلق بالتوحيد وتعظيم السنة.

الميزة الثانية: الأحاديث الضعيفة الكثيرة، وإذا علمها طالب العلم فإن هذا يعتبر بالنسبة له علماً جماً يستفيده، فطالب العلم مستفيد من معرفة الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فالأحاديث الضعيفة إذا كان الضعف فيها شديداً فلا يعتبر بها، ولا تقويها المتابعات والشواهد كما إذا كان في سنده متهم بالكذب. أما إذا لم يشتد الضعف فإن طالب العلم يبحث عنه، وإذا وجد للحديث متابعاً أو شاهداً فإنه يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره ويعمل به.

والغالب أن الحديث الذي ينفرد به ابن ماجه رحمه الله عن بقية أصحاب السنن يكون ضعيفاً، وهو بين أمرين: إما أن يكون شديد الضعف، وهذا لا يعتد به، وإما أن يكون خفيف الضعف كأن يكون في سنده انقطاع أو مجهول أو راو مدلس، فإذا وجد له متابع أو شاهد يتقوى ويرتقي إلى درجة الحسن لغيره فيعمل به.

بدأ المؤلف رحمه الله المقدمة بهذه الترجمة: [ باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ].

قوله: (ما أمرتكم به فخذوه، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أصل هذا الحديث في مسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن الصباح قال: أنبأنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا) ].

وهذا كالحديث السابق، وفيه التحذير من السؤال إذا لم يكن الإنسان محتاجاً إليه، فإن كثرة الأسئلة التي يكون السائل فيها متعنتاً تضره؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، والمراد كثرة السؤال الذي يقصد منه صاحبه التعنت أو الرياء والسمعة وإظهار نفسه أو الإعنات وإتعاب المسئول وإيقاعه في العنت والعجز، أو السؤال عن الأسئلة التي لم تقع، فهذا منهي عنه.

أما إذا كان السؤال المقصود منه الاستفادة والاسترشاد فإنه مطلوب، قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هلاك السابقين إنما هو بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

وفيه دليل على أن النواهي يجب أن يجتنبها الإنسان، أما الأوامر فإنه يفعل منها ما يستطيع، وما عجز عنه فإنه يعفى عنه، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمران بن حصين : (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، زاد النسائي : (فإن لم تستطع فمستلقياً)، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فالإنسان يفعل الأوامر ويتقي ربه بقدر الاستطاعة، أما النواهي فإنه يجتنبها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) ].

وهذا مما انفرد به ابن ماجه رحمه الله، لكن معناه صحيح، وقد دل عليه القرآن الكريم، قال الله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92]، وقال: وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، فمن أطاع الرسول فقد أطاع الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم فلا يأمر بخلاف طاعة الله، بخلاف الأمراء وغيرهم فإنهم ليسوا معصومين؛ ولهذا لا يطاعون إلا في طاعة الله ورسوله وفي الأمور المباحة، أما المعاصي فلا يطاع فيها أحد؛ ولهذا قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر، فكرر الفعل في طاعة الرسول ولم يكرره في ولاة الأمور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم، فلا يأمر إلا بما هو من طاعة لله، بخلاف الأمراء وغيرهم فإنهم قد يأمرون بمعصية فلا يطاعون فيها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا زكريا بن عدي عن ابن المبارك عن محمد بن سوقة عن أبي جعفر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم يعده ولم يقصر دونه ].

وهذا فيه فضل ابن عمر رضي الله عنهما وتعظيمه للسنة، فإذا بلغه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يعده) يعني: لم يتجاوزه، (ولم يقصر دونه) بل يؤدي الأمر كما أمر، ويقف عند الحد، فلا يتجاوزها ولا يقصر عنها.

وهذا من عناية ابن عمر رضي الله عنهما؛ فقد كان شديد التعظيم لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وشديد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه رضي الله عنه كان يتتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في الصحراء، وفي المواقف التي وقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقف فيها، والمكان الذي نام فيه فينام فيه، والمكان الذي يبول فيه فيبول فيه، وهذا من اجتهاده.

والصواب: أنه لا يشرع تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في نومه وبوله؛ ولهذا لم يفعله كبار الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما هذا من اجتهاده رضي الله عنه كما يدل له سياق الحديث: كان إذا بلغ ابن عمر رضي الله عنهما حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمراً عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعده ولم يقصر عنه، (لم يعده) يعني: لم يتجاوزه، (ولم يقصر عنه) يعني: لا يغلو فيزيد، ولا يفرط فيقصر، بل يفعل كما أمر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن عيسى بن سميع حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: آلفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده! لتصبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء) ].

هذا فيه التحذير من الدنيا؛ لأن النبي خرج عليهم وهم يتذاكرون الفقر، فقال: (آلفقر تخافون؟) هذا استفهام يعني: (أالفقر تخافون؟) سهلت الهمزة فصارت مداً، وقوله فلا يزيغ قلب أحدكم إلا هيه) يعني: ما يكون زيغه إلا بسبب الدنيا.

يقول: (تركتكم على البيضاء) يعني: على محجة بيضاء (ليلها كنهارها).

وهذا الحديث أصله في الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم؛ فتهلككم كما أهلكتهم)، فيكون معنى الحديث كمعنى الحديث الذي في الصحيح.

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: الوليد بن عبد الرحمن الجرشي بضم الجيم وبالشين المعجمة.

الجرشي هي المعروفة الآن، بالجرشي وهي البلدة المعروفة في رابغ.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال أبو الدرداء : صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ].

يعني: تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على ملة وشريعة بيضاء واضحة، لا لبس فيها ولا إشكال.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة) ].

وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة)، وفيه بشارة للمؤمنين، وأن الحق لا يذهب ويضيع بل لابد أن يبقى إلى أن تقوم الساعة، ولا بد أن تبقى طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، كما في اللفظ الآخر: (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

وهذه بشارة للمؤمنين، وأن الحق لا يضيع، ولا تزال طائفة على الحق منصورة وهم أهل السنة والجماعة، وهم أهل الحق، وهم الصحابة والتابعون والأئمة ومن بعدهم وفي مقدمتهم العلماء، وكل من عمل بالسنة والتزمها فهو منهم.. منهم المزارع والنجار والتاجر وأصحاب المهن مثل الجزار قد يكون من أهل السنة ومن أهل الحق وهو جزار أو صانع أو حداد أو خراز أو تاجر.

هذه الطائفة تقل وتكثر، وقد تكون متفرقة.

هذا فيه بشارة بأنه لا يزال الحق باق حتى يأتي أمر الله، وأمر الله هو الريح الطيبة التي تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان قبيل قيام الساعة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثنا أبو علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها) ].

وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، و(قوامة) يعني: قائمة بأمر الله، مستقيمة عليه، وتعمل به، وأمر الله هو ما جاء في الكتاب والسنة من الأوامر والنواهي والأخبار، فتصدق الأخبار وتنفذ الأوامر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو عبد الله قال: حدثنا هشام بن عمار حدثنا الجراح بن مليح حدثنا بكر بن زرعة قال: سمعت أبا عنبة الخولاني رضي الله عنه، وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته) ].

وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه وهو بمعنى الأحاديث السابقة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا القاسم بن نافع حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: قام معاوية رضي الله عنه خطيباً فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرون على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم) ].

(لا تقوم الساعة)، المراد: قرب قيام الساعة كما دلت الأحاديث، وإلا فإن الساعة لا تقوم إلا على الكفرة بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، عندها يخرب هذا العالم، وخراب العالم إنما هو بفقد التوحيد والإيمان، أما إذا كان التوحيد والإيمان قائماً فلا تقوم الساعة ولا يخرب هذا الكون، ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله).

فهذا الحديث وغيره يجمع بينه وبين هذا الحديث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل) ].

وهذا معناه معنى الحديث السابق، لكن فيه سعيد بن بشير وقد تكلم فيه، وفيه عنعنة قتادة وقتادة إمام، وتشهد له الأحاديث السابقة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد حدثنا أبو خالد الأحمر قال: سمعت مجالداً يذكر عن الشعبي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه، وخط خطين عن يساره، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال: هذا سبيل الله، ثم تلا هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]) ].

وهذا جاء في معناه حديث: أنه خط خطاً مستقيماً، وخط عن يمينه وعن شماله خطوطاً، ثم قال: (هذا سبيل الله) ثم قال عن الخطوط التي عملها: (هذه خطوط على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام:153]).

فصراط الله مستقيم لا عوج فيه، وهو طريق الحق، ودين الإسلام، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء في القرآن الكريم، وهو صراط المنعم عليهم.

أما السبل المتعرجة عن اليمين والشمال فهذه سبل الباطل والضلال، ولهذا قال سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].

قال ابن حجر رحمه الله تعالى: سعيد بن بشير الأزدي مولاه أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي أصله من البصرة أو واسط، ضعيف من الثامنة، مات سنة ثمان أو تسعة وستين في الأرجح.

لكن الحديث يشهد له ما سبق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتغليظ على من عارضه:

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح حدثني الحسن بن جابر عن المقدام بن معدي كرب الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، ما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله) ].

وهذا فيه تعظيم السنة، والعناية بها، ووجوب العمل بها، وفيه الرد على من أنكرها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يوشك الرجل متكئاً على أريكته)، أي: على سريره أو مكانه، وفي اللفظ الآخر: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه استحللناه، وما لم نجد فيه تركناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله).

وفي هذا تحذير من قول بعض الناس: نعمل بالقرآن ويكفينا، وقد وجدت طائفة تسمى: القرآنيون، يزعمون أنهم لا يعملون إلا بالقرآن ولا يعملون بالسنة، فهؤلاء ينطبق عليهم هذا الحديث، وهؤلاء كذبة، فلو كانوا يعملون بالقرآن لعملوا بالسنة؛ لأن الله أمر بالعمل بالسنة، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا سفيان بن عيينة في بيته أنا سألته، عن سالم أبي النضر ثم مر في الحديث قال: أو زيد بن أسلم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه) ].

قوله: (لا ألفين) يعني: لا أجدن، وهذا فيه التحذير من هذا؛ لأن بعض الناس يأتيه الحديث أو الأمر من بعض ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو النهي ينهى عنه فيقول: لا أدري ما هذا.. ما وجدنا في القرآن عملنا به، ويترك السنة.

ومن جحد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كفر؛ لأنه مكذب لله.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ].

وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها.

وفيه التحذير من البدع، وأنها مردودة على أصحابها، وقوله (من أحدث في أمرنا هذا)، يعني: الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، (فهو رد)، يعني: مردود عليه.

وفي لفظ لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر المصري أنبأنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه: (أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر، فأبى عليه، فاختصما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول الله! أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، قال: فقال الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]) ].

وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه تحذير من الاعتراض على السنة.

وفي الحديث أن الزبير اختصم مع أنصاري في شراج الحرة، وهو مسيل الماء من المطر، فالوادي إذا جاء وسال فإن الناس من أهل المزارع يسقون منه الأعلى ثم الأسفل وهكذا، فالذي يمر به المسيل أولاً يشرب، ثم يرسله إلى من بعده، فاختصم الزبير والأنصاري، وكان الزبير هو الأعلى والأنصاري تحته، فقال الأنصاري: اجعل الماء يمر على بستاني، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبيهم للزبير : اسق يا زبير ثم أعط الماء إلى جارك، ولم يبين له، فغضب الأنصاري وقال: أن كان ابن عمتك؟ لأن الزبير ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أن كان ابن عمتك حكمت له، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أغضبه الأنصاري حكم للزبير واستوفى حقه، فقال: اسق يا زبير واحبس الماء حتى يصل إلى الجدر، يعني: كما يسقي الرجل، ثم أوصل الماء إلى جارك، ففي الحكم الأول لم يستوف حق الزبير ، وفيه مصلحة للأنصاري، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (اسق يا زبير ثم أعط الماء إلى جارك) فلما أغضبه الأنصاري، استوفى حقه، وقال: (اسق يا زبير واحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، أي: بمقدار ما يسقي الرجل، قال الزبير: (لا أحسب هذه الآية إلا نزلت في ذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء:65]).

يعني: لا ينفعهم الإيمان حتى يحكموا الرسول فيما شجر بينهم، أي: في موارد النزاع، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وهذا الرجل يحتمل أنه منافق، ويحتمل أنه من شدة الغضب الذي استولى عليه قال هذه الكلمة السيئة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق قد ابتلى ببعض الناس ممن يقولون بهذا الكلام، وابتلي أيضاً برجل قال له لما قسم بعض الغنائم إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. وهو أصل الخوارج.

والنبي صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً).

وفي هذا الحديث تعظيم السنة والعناية بها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله أن يصلين في المسجد..) فقال ابن له: إنا لنمنعهن، فغضب غضباً شديداً وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول: إنا لنمنعهن ].

وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وهذا الابن قيل: إن اسمه بلال ، فلما روى ابن عمر هذا الحديث: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)، وفي لفظ: (أن يصلين في المسجد)، وإماء الله يعني: النساء، وفي اللفظ الآخر: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، فقال: ابن لـابن عمر يقال له بلال : والله لأمنعهن، لو تركناهن لاتخذن ذلك ذريعة فأقبل عليه عبد الله وسبه سباً قبيحاً، يقول الراوي: ما رأيته سب مثله لأحد، وقال: أقول لك قال رسول الله لا تمنعونهن، وتقول: والله لأمنعهن!

وهذا فيه وجوب تعظيم السنة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يعترض على السنة، فعندما قال ابن عبد الله : والله لأمنعهن، وإن كان قصده الخير لكن لا ينبغي أن يعارض السنة، والمرأة لا تمنع من المسجد إذا طلبت ذلك إلا إذا أخلت بالشروط، كأن تخرج سافرة، أو متبرجة، أو يخشى عليها من الفتنة، ففي هذه الحالة تمنع وإلا فإنها لا تمنع: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن ثابت الجحدري وأبو عمرو حفص بن عمر قالا: حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه كان جالساً إلى جنبه ابن أخ له فخذف فنهاه، وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، وقال: إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكي عدواً، وإنها تكسر السن وتفقأ العين)، قال: فعاد ابن أخيه يخذف، فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم عدت تخذف لا أكلمك أبداً ].

وهذا أيضاً أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه: أن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه رأى ابن أخ له يخذف، يعني: يأخذ حصاة صغيرة بين أصابعه ويرمي بها، فقال: (لا تخذف فإن الرسول نهى عن الخذف، وقال: إن الخذف يفقأ العين ويكسر السن، ولا يصيد صيداً، ولا ينكي عدواً) أي: لا يفيد، فلا يصيد الصيد ولا يؤثر في العدو، ومضرته ظاهرة، فقد يصيب عين إنسان فيفقأها، أو سنه فيكسره، فلما أبلغه بالسنة رآه بعد ذلك يخذف هجره وقال: لا أكلمك أبداً.

وهذا فيه تعظيم السنة، والعناية بها، وهجر من يخالف السنة إذا كان هجره يفيد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثني برد بن سنان عن إسحاق بن قبيصة عن أبيه أن عبادة بن الصامت الأنصاري النقيب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا مع معاوية أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير، وكسر الفضة بالدراهم، فقال: يا أيها الناس! إنكم تأكلون الربا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبتاعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة)، فقال له معاوية : يا أبا الوليد ! لا أرى الربا في هذا إلا ما كان من نظرة فقال عبادة : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك عليّ فيها إمرة، فلما قفل لحق بالمدينة، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أقدمك يا أبا الوليد ؟! فقص عليه القصة وما قال من مساكنته، فقال: ارجع يا أبا الوليد إلى أرضك، فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، وكتب إلى معاوية لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال، فإنه هو الأمر ].

هذا فيه أن أبا الوليد عبادة بن الصامت رضي الله عنه رأى الناس يتبايعون في غزوة في عهد إمرة معاوية على الشام في زمن عمر بن الخطاب فرأى الناس يتبايعون الذهب بالذهب، يعني: ذهب مكسر بذهب مضروب، وفضة مكسرة بفضة مضروبة، فقال: يا أيها الناس! إنكم تأتون الربا وهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، فبيع الذهب المكسر بالذهب المضروب لا بد أن يكون وزناً بوزن وإلا فلا يجوز البيع، كذلك الفضة بالفضة لا يجوز الزيادة ولا يجوز التأخير.

فاعترض عليه معاوية وقال: يا أبا الوليد ! ما أرى الربا إلا إذا كان فيه تأخير، أما إذا كان ليس فيه تأخير وكان يداً بيد فلا ربا، فغضب عليه عبادة وقال: لا أساكنك في أرض يكون لك فيها عليّ إمرة، وذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما سأله أخبره بالقصة فقال: قبح الله أرضاً لست فيها، وأرسل إلى معاوية لا إمرة لك عليه، واحمل الناس على ما قال عبادة ؛ لأن هذا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام.

وفي الحديث أن الذهب بالذهب والفضة بالفضة، ولابد من التماثل والتقابض ولا يجوز التأخير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)، وفي حديث أبي سعيد : (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء سواء، يداً بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربى).

وهذه هي الربويات: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح.. لا يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً، بل لابد أن يكون مثلاً بمثل، ولا يجوز التأخير، فإذا اختلفت الأصناف كذهب بفضة وبر بشعير وتمر بملح جازت الزيادة ولم يجز له التأخير، فإذا اتفق الجنس وجب شرطان:

الشرط الأول: التماثل، لا يزيد أحدهما عن الآخر في الميزان.

والشرط الثاني: عدم التأخير، وهو الحلول أي: يداً بيد، فإن اختلفت هذه الأصناف، جازت الزيادة ووجب التقابض في المجلس.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن الخلاد الباهلي حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن ابن عجلان أنبأنا عون بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : (إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه).

حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه) ].

يعني: ظنوا به خيراً، ونفسره بما يليق بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: أهناه وأهداه، الصواب: أن أهناه في الأصل بالهمزة، اسم تفضيل من هنأ الطعام إذا ساغ أو جاء بلا تعب ولم يعقبه بلاء، لكن قلبت همزته ألفاً للازدواج والمشاكلة.

وأتقى اسم تفضيل من الاتقاء على الشذوذ؛ لأن القياس بناء اسم التفضيل من الثلاثي المجرد، وهو مبني على توهم أن التاء حرف أصلي.

أهناه: أي: الذي هو أوفق به من غيره وأهدى وأريح.

وهو الذي يليق بكماله وكمال هديه عليه الصلاة والسلام.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن الفضيل حدثنا المقبري عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا أعرفن ما يحدث أحدكم عني الحديث وهو متكئ على أريكته فيقول: اقرأ قرآناً، ما قيل من قول حسن فأنا قلته) ].

يعني: بعض الناس إذا حدث يقول: إنا نقرأ القرآن ويكفينا القرآن، (ما قيل من قول حسن فأنا قلته)، هذا ضعيف؛ وهذا حجة الوضاعين الذين يقولون: ما كان من قول حسن فهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا باطل، وليس بصحيح، فليس كل قول حسن يكون من قول الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يثبت.

علي بن المنذر ومحمد بن الفضيل تكلم عليهما، والمقصود أن الحديث حتى لو صح فهو شاذ منكر.

وهذا مثل باطل؛ لأن معنى هذا الحديث معناه: كل قول حسن يكون من كلام الرسول، مثل: المعدة بيت الداء. هذه حكمة، وهذا قول حسن، إذاً: يكون من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا كل قول حسن، وهذا باطل، وليس بصحيح بل شاذ، وينظر في سنده.

والحديث خاطئ منكر، وسنده فيه المقبري ، وهو عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري رجل من السابعة.

وعلى هذا يكون السند فيه متروك، يعني: ضعيف جداً، وفي سنده كذاب وضاع. فهو حديث ضعيف جداً أو موضوع، وسنده هالك، ومتنه منكر باطل؛ لأن فيه فتح باب للوضاعين والكذابين يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: هذا من قوله، فكل قول حسن أو حكمه تنسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

مثلاً يأتي إنسان ويقول: حب الوطن من الإيمان.. هذا قول حسن، إذاً هو من قول الرسول، والمعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، فهذه حكم حسنة فستكون من قول الرسول، فهو باطل المتن والسند، وهو إما ضعيف جداً أو موضوع، والمقبري هذا متروك، وهو المقبري الحكيم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عباد بن آدم حدثنا أبي عن شعبة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، ح وحدثنا هناد بن السري حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لرجل: يا ابن أخي إذا حدثتك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلا تضرب له الأمثال.

قال أبو الحسن : حدثنا يحيى بن عبد الله الكرابيسي حدثنا علي بن الجعد عن شعبة عن عمرو بن مرة مثل حديث علي رضي الله عنه ].