من جماليات الشكل: العناية بالشعر وتقليم الأظافر
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
من جماليات الشكل: العناية بالشعر وتقليم الأظافر التشريعات الجمالية في المنهج الإسلامي
نعني بالهيئة: حال الإنسان التي يبدو فيها[1].
وهيئة الإنسان، هي مظهر جماله، وبيان حسنه والناس يتعاملون مع الإنسان من خلال هيئته، إذ بها يعرفونه.
ويذهب اللباس بتحديد جزء لا بأس به من هذه الهيئة.
على أن ما تبقى منها - وهو ما لم يحجبه اللباس، من الوجه أو الرأس واليدين والقدمين، أحياناً - هو المعول عليه في إعطاء الطابع الحقيقي لهذه الهيئة.
وفي حديثنا عن جماليات الهيئة سنتناول أمرين:
• الحديث عن الجماليات المتعلقة بالشكل.
• والحديث عن الجماليات المتعلقة بالفعل، إذ إن بعض الأفعال لها ارتباط وثيق بهيئة الإنسان.
والعناية بالهيئة أمر تدفع إليه الفطرة، ولكن ربما ضعفت هذه الفطرة بسبب بعض المؤثرات، مثل كبر السن، ولذا لم يدع الإسلام هذا الأمر لدافع الفطرة، بل عززه بدافع آخر هو اتباع السنة، وبهذا تكون العناية بها أمراً من أمور الدين.
جاء في تفسير القرطبي:
«روى مكحول عن عائشة قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم، وفي الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء ويسوي لحيته وشعره.
قالت: عائشة: فقلت: يا رسول الله، وأنت تفعل هذا: قال: نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه، فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال»[2].
جماليات الشكل:
ويتركز الحديث عنها في الكلام عن: الشعر والأظافر، أما اللباس فقد مضى الحديث عنه في الفصل السابق، ويلحق بهذا القسم، العناية بالطيب، لما له من تأثير فعال في استكمال الجمال.
(1) الشعر والأظافر:
والشعر في رأس الإنسان مادة نامية، لا بد من العناية بها نظافة وتنظيماً، قصاً وتسوية، تمشيطاً وعطراً..
وقد وردت أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى..
«عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان له شعر فليكرمه»[3].
والإكرام هنا ليس إلا النظافة والتمشيط والتطييب، وأن يجعل في شكل تقبله الفطرة السليمة..
ويتحدث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيقول: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً ثائر الرأس، فقال: أما يجد هذا ما يسكن به شعره»[4].
إنه بيان لكرهه صلى الله عليه وسلم لهذا المنظر، منظر الشعر المتفرق غير المرتب والممشط.
كما هو لفتُ نظر إلى سهولة فعل ذلك ويسره، فالمشط متوفر في كل بيت فلا أقل من النظر في المرآة قبل الخروج..
ويؤكد الرسول الكريم على هذا المعنى في مناسبات متعددة منها، ما رواه الإمام مالك عن عطاء بن يسار - مرسلاً - قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم وهو ثائر الرأس كأنه شيطان»[5].
وفي تشبه فاعل ذلك بالشيطان، تنفير من الإهمال وحث على العناية بالهيئة، والبعد عن كل ما يؤذي الآخرين بمنظره.
والعناية باللحية، مثله مثل شعر الرأس، فينبغي تمشيطها وأخذ ما يسيء إلى منظرها من شعر مستطيل...
جاء في الحديث المتفق عليه: «وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه»[6] أي قص منها ما زاد طوله عن قبضة[7].
وأما الشوارب فقد ورد الأمر بقصها، وقد سبق ذكر ذلك في سنن الفطرة.
وأما قص الأظافر فقد وردت به أحاديث كثيرة: وقد أشار بعضها إلى الحكمة من ذلك، حيث (يجتمع فيها الجنابة والخبث والتفث)[8] أي إن استطالة الأظافر واستقرار الأوساخ تحتها يمنع وصول ماء الغسل إلى البشرة بسبب تراكم الوسخ.
والخبث والتفث هو الوسخ.
إن العناية بشعر الرأس وكذلك باللحية والشوارب، وبتقليم الأظافر، بين الفينة والفينة، وكلما دعت الحاجة..
هو استكمال لجمال الهيئة الذي يطلبه الإسلام ويحث عليه.
[1] قال صاحب القاموس: الهيئة: حال الشيء وكيفيته.
[2] تفسير (الجامع لأحكام القرآن) في تفسير الآية [32] من سورة الأعراف.
[3] أخرجه أبو داود.
انظر جامع الأصول 4/751.
[4] أخرجه النسائي.
انظر جامع الأصول 4/751.
[5] أخرجه الإمام مالك في الموطأ.
جامع الأصول 4/751.
[6] أخرجه البخاري، ومسلم.
انظر جامع الأصول 4/763.
[7] للعلماء رأيان في قضية الأخذ من اللحية.
فذهب بعضهم إلى ضرورة تركها، ولا يؤخذ منها شيء تنفيذاً لحديث (وفروا اللحى).
وذهب فريق آخر إلى ضرورة الأخذ منها إذا طالت.
قال الإمام مالك رحمه الله: ولا بأس بالأخذ من طولها إذا طالت كثيراً بحيث خرجت عن المعتاد لغالب الناس.
فيقص الزائد لأن بقاءه يقبح به المنظر وحكم الأخذ الندب [الفتح الرباني.
ترتيب المسند، للبنا 17/314].
وذهب ابن حجر صاحب فتح الباري إلى مثل ذلك واحتج بفعل ابن عمر.
قال: «قلت الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك.
بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه» وقال بأن هذا ما ذهب إليه الحسن البصري وعطاء وغيرهما..
[فتح الباري 10/350 كتاب اللباس.
باب تقليم الأظافر].
ومن المعلوم أن اللحية لو تركت وشأنها لساء منظرها.
الأمر الذي يخالف المنهج الإسلامي العام الذي يطلب الجمال.
وما ذهب إليه الإمام مالك وابن حجر وغيرهما هو ما ينبغي الأخذ به، والله أعلم.
[8] رواه الإمام أحمد.
انظر الفتح الرباني.
ترتيب المسند 17/320.