شرح زاد المستقنع - كتاب الزكاة [6]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [وإن أعد للكراء أو النفقة أو كان محرماً ففيه الزكاة.

باب زكاة العروض.

إذا ملكها بفعله بنية التجارة وبلغت قيمتها نصابا زكى قيمتها، فإن ملكها بإرث أو بفعله بغير نية التجارة ثم نواها لم تصر لها، وتقوم عند الحول بالأحظ للفقراء من عين أو ورق، ولا يعتبر ما اشتريت به، وإن اشترى عرضاً بنصاب من أثمان أو عروض بنى على حوله، وإن اشتراه بسائمة لم يبن.

باب زكاة الفطر.

تجب على كل مسلم فضل له يوم العيد وليلته صاع عن قوته وقوت عياله وحوائجه الأصلية، ولا يمنعها الدين إلا بطلبه، فيخرج عن نفسه وعن مسلم يمونه ولو شهر رمضان، فإن عجز عن البعض بدأ بنفسه فامرأته فرقيقه فأمه فأبيه فولده فأقرب في ميراث، والعبد بين شركاء عليهم صاع، ويستحب عن الجنين ولا تجب لناشز، ومن لزمت غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه أجزأت، وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، فمن أسلم بعده أو ملك عبداً أو تزوج أو ولد له لم تلزمه فطرته وقبله تلزم، ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط].

تقدم لنا ما يتعلق بزكاة النقدين الذهب والفضة، وأن الإجماع منعقد على وجوب الزكاة فيهما، وذكرنا دليل ذلك من القرآن ومن السنة، ثم بين المؤلف رحمه الله ما يتعلق بنصاب الذهب والفضة، وهل المعتبر فيهما الوزن أو العدد، ثم بعد ذلك تطرق المؤلف رحمه الله لمسألة ضم الذهب إلى الفضة والعكس، وهل يضم الذهب إلى قيمة العروض أو لا، ثم بعد ذلك تكلم عن التحلي بالذهب والفضة، وما يجوز للذكر وما يجوز للأنثى، وهل تجب الزكاة في حليهما المباح أو لا تجب، وذكرنا أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول: قول أبي حنيفة رحمه الله أن الزكاة واجبة، وذكرنا دليله والأدلة العامة، وكذلك أيضاً الأدلة الخاصة كحديث أم سلمة وعائشة ، وعبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهم.

والقول الثاني: قول الجماهير الذين قالوا: لا تجب الزكاة، واستدلوا بحديث جابر، وكذلك لوروده عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

وتوقفنا عند قول المؤلف رحمه الله: (وإن أعد للكراء، أو النفقة).

يعني: الحلي إذا أعد للتأجير، كأن تتخذه المرأة، أو يشتريه الرجل لا لأجل اللبس وإنما من أجل أن يؤجره، فنقول: تجب الزكاة فيه.

وكذلك أيضاً لو أعد للنفقة، يعني: هذا الحلي لم يعد للاستعمال، وإنما لكي يباع منه وينفق على الأهل، فنقول بأن الزكاة تجب فيه؛ لأن الأصل هو وجوب الزكاة في الذهب والفضة؛ لكن سقط الوجوب فيما يتعلق بالحلي المعد للاستعمال لوجود الدليل على ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: (أو كان محرماً).

أيضاً تجب الزكاة في الذهب إذا كان محرماً، مثلاً: لو كان عندنا تمثال من ذهب، أو من فضة، فهذا محرم ولا يجوز، وتجب فيه الزكاة، أو كان عندنا آنية ذهب، أو فضة -ومعلوم أنه يحرم الأكل في آنية الذهب والفضة- فنقول: تجب الزكاة في هذه الأشياء.

قال المؤلف رحمه الله: (باب: زكاة العروض).

تعريف عروض التجارة

العروض: هو المال الرابع من الأموال الزكوية، وهي عروض التجارة، وقد تقدم لنا ما يتعلق بزكاة المعدن، وما يتعلق بزكاة العسل، وأنهما موضع خلاف؛ لكن عروض التجارة يتفق الأئمة عليه، والأئمة -كما سلف لنا- يتفقون على زكاة السائمة، وعلى زكاة النقدين، وعلى زكاة الخارج من الأرض، وعروض التجارة.

والعروض: جمع عرض، وهو ما أعد للبيع والشراء، والعروض: خلاف النقد، وسمي بذلك؛ لأنه يعرض لكي يباع ويشترى، أو لأنه يعرض فيما يزول.

آراء العلماء في وجوب زكاة عروض التجارة

عروض التجارة من الأقمشة والألبسة والمواد الغذائية والآلات ونحو ذلك، هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة؟

للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وهو قول جمهور الأئمة أن الزكاة تجب في عروض التجارة.

والرأي الثاني: رأي الظاهرية أن الزكاة لا تجب في عروض التجارة.

ولكل منهم دليل، وإن كان البحث في المسألة ضعيفاً إلا أن بعض أهل العلم المتأخرين يجنح إلى رأي الظاهرية.

والذين قالوا: إن الزكاة تجب في عروض التجارة، استدلوا بأدلة كثيرة، منها: العمومات، كقول الله عز وجل: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وأيضاً حديث ابن عباس لما بعث معاذاً إلى اليمن: ( فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم )، وأيضاً حديث سمرة أنه قال: ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع ). وهذا الحديث رواه أبو داود ، وفيه ضعف، وأيضاً هو وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

وهنا لابد أن نفهم مسألة: وهي أن هذه العروض هل هي مرادة لذاتها أو ليس مرادة لذاتها؟ مثلاً: صاحب البقالة عندما اشترى هذه المواد الغذائية هل أرادها لذاتها أو هو أراد القيمة؟

الجواب: العروض مراد بها قيمتها؛ لكي تزيد القيمة، فلو كان معه -مثلاً- مائة ألف، ولكي تزيد هذه المائة لا بد أن يحولها إلى عروض، ثم بعد ذلك يقلب العروض إلى قيمة، ولهذا لا تجده يقفل محله، ولو كانت مرادة لذاتها لأقفل المحل على هذه الأعيان؛ ولكنه يبدله يومياً بهذه القيم، فهي ليست مرادة لذلك، ( وإنما الأعمال بالنيات ).

والذين قالوا: إن الزكاة لا تجب في العروض، يقولون: الأصل في ذلك براءة الذمة، ولم يرد دليل على وجوب الزكاة في العروض؛ لكن هذا الاستدلال ضعيف، وقد تقدم أن الدليل وارد في هذه المسألة، وكذلك يستدلون بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، وهذا يشمل الفرس الذي يباع ويشترى؛ لكن هذا الاستدلال ضعيف، وإنما المقصود بعبده وفرسه: العبد الذي يختص به، والفرس الذي يختص به، فالعروض التي يختص بها ليس فيها صدقة، كالسيارة التي يختص بها للركوب، والبيت الذي يختص به للسكنى، والثوب الذي يختص به للبس، فهذه الأشياء ليس فيها صدقة؛ لأنها مرادة لذاتها، أما عروض التجارة فإنها ليست مرادة لذاتها، وإنما المراد هو القيمة، ففرقٌ بين المسألتين.

وكذلك استدلوا بما في السنن من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق )، وهذا الاستدلال يجاب عنه -كما تقدم- بأن المقصود بذلك الخيل والرقيق الذي يختص به؛ كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين، وعلى هذا فلا إشكال أن الزكاة تجب في مثل هذا، ولو قلنا بأن الزكاة لا تجب في عروض التجارة لكان أغلب تجارة الناس هي عروض التجارة، فهذه المحلات التجارية الكبيرة كلها لا زكاة فيها، ويكاد يسقط ثلاثة أرباع الزكاة، وحينئذ لا تجب فيها الزكاة.

شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة

لكن اشترط المؤلف رحمه الله لوجوب الزكاة في عروض التجارة قال: (إذا ملكها بفعله)، يعني: بالبيع والشراء، أو بالنكاح كالمرأة أعطاها زوجها السيارة صداقاً، أو بالخلع كالزوج خالع زوجته وأخذ منها سيارة مقابل المفاداة، ونحو ذلك، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: قال: (بنية التجارة). أي: إذا ملكها بفعله لكي تكون عروض تجارة لا بد أن يكون ناوياً للتجارة، فمثلاً: قبل السيارة هبة فملكها بفعله، وهو ينوي بها أنه سيبيعها، فهذه الآن أصبحت عروض تجارة، وعلى هذا قال المؤلف رحمه الله كما سيأتي: (فإن ملكها بإرث أو بفعله بغير نية التجارة... ثم نواها لم تصر لها).

الملك بالإرث ملك قهري لا اختيار للإنسان فيه، فإذا مات قريبك الذي ترثه، دخل ماله في ملكك قهراً عنك، فالآن أنت لم تملكها بفعلك؛ لأنه مال دخل في ملكك قهراً عنك.

وقوله: (أو ملكها بفعله بغير نية التجارة) مثلاً: قبل الهبة، أو اشترى السيارة أو الأرض ولم ينو أن يبيعها ويتاجر فيها، فهو ملكها بفعله؛ لكنه لم ينو بها التجارة، ففي هذه الحالة إذا ملكها بفعله ولم ينو التجارة ثم نواها للتجارة فإنها لا تصير عروض تجارة، فلكي تكون عروض تجارة تجب فيها الزكاة لا بد أن يبيعها، ثم يحول الحول على ثمنها فيكون فيه زكاة، أما هذه فلا تكون عروض تجارة إلا بشرطين:

الشرط الأول: على كلام المؤلف أن يملكها بفعله.

الشرط الثاني: أن ينوي بذلك التجارة، وعلى هذا إذا ملكها بغير فعله فإنها لا تصير عروض تجارة ولو نوى، وأيضاً إذا ملكها بفعله ولم ينو التجارة فإنها لا تكون عروض تجارة ولو نوى، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه متى ما نواها للتجارة فإنها تكون عروض تجارة، وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، وقال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وهذا مال لم يقصد به القنية، وإنما قصد به القيمة، فإذا نوى التجارة، صارت عروض تجارة تجب فيها زكاة التجارة.

كيفية تقويم زكاة العروض

قال رحمه الله: (وتقوم عند الحول بالأحظ للفقراء من عين أو ورق، ولا يعتبر ما اشتريت به).

يعني: هذه العروض المقصود منها القيمة، وتقوم بالأحظ للفقراء من ذهب أو فضة، وعلى هذا ننظر إلى قيمة الذهب وإلى قيمة الفضة؛ فإن بلغت قيمة العروض نصاب ذهب ففيها الزكاة، وإن بلغت نصاب الفضة ففيها الزكاة، والأحظ إلى الفقراء هو الفضة من زمن بعيد؛ لأن الفضة الآن رخيصة جداً بخلاف الذهب، فالذهب غال.

مثال ذلك: نصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، الغرام نفرض أنه بمائة ريال، اضرب خمسة وثمانين في مائة، يساوي ثمانية آلاف وخمسمائة، فإذا كان عنده عروض وقلنا: يقوم بالذهب، فلا بد أن تبلغ ثمانية آلاف وخمسمائة، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً، والغرام اليوم رخيص، ولنفرض أنه بريال، فيكون نصاب الفضة بالريالات خمسمائة وخمسة وتسعين، وعلى هذا إذا كان عنده عروض -مبسط صغير، ولنفرض أنه يبيع مساويك- تساوي ألف ريال، إن أخذنا القيمة بالذهب لا تجب الزكاة، وإن أخذنا بالفضة فتجب الزكاة، ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: تقدر بالأحظ للفقراء من عين أو ورق.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يعتبر ما اشتريت به).

أي: لا ننظر إلى ما اشتريت به، بل ننظر إلى قيمة البيع كم تساوي الآن إن كان يبيع بالتجزئة منها، وإن كان يبيع جملة قدرها بالجملة، وننظر كم تساوي.

كيفية حساب الحول عند شراء العروض بأثمان أو عروض مثلها

قال: (وإن اشترى عرضاً بنصاب من أثمان أو عروض بنى على حوله).

هاتان صورتان ذكرها المؤلف:

الصورة الأولى: اشترى عرضاً بنصاب من أثمان، كأن اشترى عروض ذهب تسعين غراماً، وهذه العروض عنده لمدة ستة أشهر، وقد قلب هذه العروض إلى ذهب فهل تجب عليه الزكاة، أو لا تجب عليه الزكاة؟ وهل يبني على الحول الأول، أو يستأنف حولاً جديداً؟

نقول: يبني على الحول الأول؛ لأن العروض -كما ذكرنا- ليست مقصودة لذاتها وإنما المقصود هو القيمة، فعندما قلب ذهباً بذهب كان المقصود القيمة وليس المقصود نفس العروض، فإذا أبدل العروض بالذهب أو أبدل الذهب بالعروض فإنه يبني على الحول الأول.

قال المؤلف رحمه الله: (أو عروض بنى على حوله).

مثلاً: عنده سيارات للبيع والشراء، ثم بعد ذلك أبدل هذه السيارات بأراضي أو عروض تجارية للبيع والشراء، فنقول: عليه أن يبني على الحول، فإذا أبدل عروضاً بعروض، أو أبدل عروضاً بذهب أو فضة، فكذلك عليه أن يبني؛ لأن هذه العروض ليست مقصودة لذاتها وإنما المقصود القيمة، فكأنه أبدل ذهباً بذهب، أو فضة بفضة ونحو ذلك.

كيفية حساب الحول عند مبادلة مال زكوي بمال زكوي آخر

وإذا أبدل مالاً زكوياً بمال آخر زكوي؛ فإن كان قصده الفرار من الزكاة لكي ينقطع الحول، فإنه لا ينقطع عليه الحول مطلقاً؛ لأن الحيل لا تسقط الواجبات ولا تبيح المحرمات، وإن كان لا يقصد الفرار، وإنما قصد المال الزكوي الآخر، فأبدل مالاً زكوياً بمال زكوي آخر، نقول: هذا لا يخلو من ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يتفق المالان في الجنس والحكم، فإذا اتفقا في الجنس والحكم فإنه يبني على الحول الأول.

مثال ذلك: أبدل عروضاً بعروض، أبدل سائمة بسائمة، أبدل إبلاً بإبل، بقراً ببقر، سيارات عروض بسيارات عروض، ذهباً بذهب... إلخ.

المهم هنا: أبدل مالا زكوياً بمال آخر يتوافقان في الجنس والحكم، فنقول بأنه يبني على الحول.

الحالة الثانية: عكس الأولى أن يبدل مالاً زكوياً بمال زكوي آخر يخالفه في الجنس والحكم، فنقول: إن الحول ينقطع إلا إذا كان فراراً من الزكاة.

مثال ذلك: أن يبدل إبلاً ببقر أو بغنم، فإنهما يختلفان في الجنس والحكم، فنقول بأن الحول ينقطع.

الحالة الثالثة: أن يبدل مالاً زكوياً بمال آخر زكوي يخالفه في الجنس ويوافقه في الحكم.

مثاله: لو أبدل عروض تجارة بذهب، هنا الجنس مختلف، مثل: سيارات بذهب، لكن الحكم واحد؛ لأن المقصود بهذه العروض هو القيمة، فنقول: يبني على الحول.

العروض: هو المال الرابع من الأموال الزكوية، وهي عروض التجارة، وقد تقدم لنا ما يتعلق بزكاة المعدن، وما يتعلق بزكاة العسل، وأنهما موضع خلاف؛ لكن عروض التجارة يتفق الأئمة عليه، والأئمة -كما سلف لنا- يتفقون على زكاة السائمة، وعلى زكاة النقدين، وعلى زكاة الخارج من الأرض، وعروض التجارة.

والعروض: جمع عرض، وهو ما أعد للبيع والشراء، والعروض: خلاف النقد، وسمي بذلك؛ لأنه يعرض لكي يباع ويشترى، أو لأنه يعرض فيما يزول.

عروض التجارة من الأقمشة والألبسة والمواد الغذائية والآلات ونحو ذلك، هل تجب فيها الزكاة أو لا تجب فيها الزكاة؟

للعلماء رحمهم الله في ذلك رأيان:

الرأي الأول: وهو قول جمهور الأئمة أن الزكاة تجب في عروض التجارة.

والرأي الثاني: رأي الظاهرية أن الزكاة لا تجب في عروض التجارة.

ولكل منهم دليل، وإن كان البحث في المسألة ضعيفاً إلا أن بعض أهل العلم المتأخرين يجنح إلى رأي الظاهرية.

والذين قالوا: إن الزكاة تجب في عروض التجارة، استدلوا بأدلة كثيرة، منها: العمومات، كقول الله عز وجل: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:19]، وقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وأيضاً حديث ابن عباس لما بعث معاذاً إلى اليمن: ( فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم )، وأيضاً حديث سمرة أنه قال: ( كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع ). وهذا الحديث رواه أبو داود ، وفيه ضعف، وأيضاً هو وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.

وهنا لابد أن نفهم مسألة: وهي أن هذه العروض هل هي مرادة لذاتها أو ليس مرادة لذاتها؟ مثلاً: صاحب البقالة عندما اشترى هذه المواد الغذائية هل أرادها لذاتها أو هو أراد القيمة؟

الجواب: العروض مراد بها قيمتها؛ لكي تزيد القيمة، فلو كان معه -مثلاً- مائة ألف، ولكي تزيد هذه المائة لا بد أن يحولها إلى عروض، ثم بعد ذلك يقلب العروض إلى قيمة، ولهذا لا تجده يقفل محله، ولو كانت مرادة لذاتها لأقفل المحل على هذه الأعيان؛ ولكنه يبدله يومياً بهذه القيم، فهي ليست مرادة لذلك، ( وإنما الأعمال بالنيات ).

والذين قالوا: إن الزكاة لا تجب في العروض، يقولون: الأصل في ذلك براءة الذمة، ولم يرد دليل على وجوب الزكاة في العروض؛ لكن هذا الاستدلال ضعيف، وقد تقدم أن الدليل وارد في هذه المسألة، وكذلك يستدلون بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة )، وهذا يشمل الفرس الذي يباع ويشترى؛ لكن هذا الاستدلال ضعيف، وإنما المقصود بعبده وفرسه: العبد الذي يختص به، والفرس الذي يختص به، فالعروض التي يختص بها ليس فيها صدقة، كالسيارة التي يختص بها للركوب، والبيت الذي يختص به للسكنى، والثوب الذي يختص به للبس، فهذه الأشياء ليس فيها صدقة؛ لأنها مرادة لذاتها، أما عروض التجارة فإنها ليست مرادة لذاتها، وإنما المراد هو القيمة، ففرقٌ بين المسألتين.

وكذلك استدلوا بما في السنن من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق )، وهذا الاستدلال يجاب عنه -كما تقدم- بأن المقصود بذلك الخيل والرقيق الذي يختص به؛ كما جاء في حديث أبي هريرة في الصحيحين، وعلى هذا فلا إشكال أن الزكاة تجب في مثل هذا، ولو قلنا بأن الزكاة لا تجب في عروض التجارة لكان أغلب تجارة الناس هي عروض التجارة، فهذه المحلات التجارية الكبيرة كلها لا زكاة فيها، ويكاد يسقط ثلاثة أرباع الزكاة، وحينئذ لا تجب فيها الزكاة.

لكن اشترط المؤلف رحمه الله لوجوب الزكاة في عروض التجارة قال: (إذا ملكها بفعله)، يعني: بالبيع والشراء، أو بالنكاح كالمرأة أعطاها زوجها السيارة صداقاً، أو بالخلع كالزوج خالع زوجته وأخذ منها سيارة مقابل المفاداة، ونحو ذلك، هذا هو الشرط الأول.

الشرط الثاني: قال: (بنية التجارة). أي: إذا ملكها بفعله لكي تكون عروض تجارة لا بد أن يكون ناوياً للتجارة، فمثلاً: قبل السيارة هبة فملكها بفعله، وهو ينوي بها أنه سيبيعها، فهذه الآن أصبحت عروض تجارة، وعلى هذا قال المؤلف رحمه الله كما سيأتي: (فإن ملكها بإرث أو بفعله بغير نية التجارة... ثم نواها لم تصر لها).

الملك بالإرث ملك قهري لا اختيار للإنسان فيه، فإذا مات قريبك الذي ترثه، دخل ماله في ملكك قهراً عنك، فالآن أنت لم تملكها بفعلك؛ لأنه مال دخل في ملكك قهراً عنك.

وقوله: (أو ملكها بفعله بغير نية التجارة) مثلاً: قبل الهبة، أو اشترى السيارة أو الأرض ولم ينو أن يبيعها ويتاجر فيها، فهو ملكها بفعله؛ لكنه لم ينو بها التجارة، ففي هذه الحالة إذا ملكها بفعله ولم ينو التجارة ثم نواها للتجارة فإنها لا تصير عروض تجارة، فلكي تكون عروض تجارة تجب فيها الزكاة لا بد أن يبيعها، ثم يحول الحول على ثمنها فيكون فيه زكاة، أما هذه فلا تكون عروض تجارة إلا بشرطين:

الشرط الأول: على كلام المؤلف أن يملكها بفعله.

الشرط الثاني: أن ينوي بذلك التجارة، وعلى هذا إذا ملكها بغير فعله فإنها لا تصير عروض تجارة ولو نوى، وأيضاً إذا ملكها بفعله ولم ينو التجارة فإنها لا تكون عروض تجارة ولو نوى، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. وهذا الرأي الأول.

والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه متى ما نواها للتجارة فإنها تكون عروض تجارة، وهذا القول هو الصواب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ [المعارج:24]، وقال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، وهذا مال لم يقصد به القنية، وإنما قصد به القيمة، فإذا نوى التجارة، صارت عروض تجارة تجب فيها زكاة التجارة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [17] 2814 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب النكاح [13] 2725 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب المناسك [5] 2674 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [19] 2639 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [26] 2636 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [32] 2554 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2] 2549 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الحدود [7] 2524 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الإيلاء [1] 2518 استماع
شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [8] 2493 استماع