شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [18]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله: [ وهو كالحيض فيما يحل ويحرم، ويجب ويسقط، غير العدة والبلوغ، وإن ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من أولهما ].

تقدم ذكر بقية أقسام المستحاضة، وذكرنا أن القسم الأخير هو المستحاضة التي لها عادة وقد نسيت عادتها ولا تمييز لها أو لها تمييز غير صالح، وأن هذه المستحاضة تحتها ثلاثة أقسام، وبينا هذه الأقسام.

ثم بعد ذلك تكلمنا عن بقية أحكام المستحاضة، فمن ذلك ما يتعلق بالتلجم، ومن ذلك هل عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة أو لكل فريضة أو لا يجب عليها؟ ومثل ذلك من حدثه دائم، وهل توطأ المستحاضة أو لا توطأ؟ وهل تجب الكفارة بوطئها أو لا تجب؟ وهل يجب عليها أو يستحب لها أن تغتسل لوقت كل صلاة؟

ثم تكلمنا عن دم النفاس، وعرفنا النفاس وذكرنا ما يتعلق بالدم الخارج مع المرأة أثناء النفاس وأنه لا يخلو من ثلاثة أقسام، وبينا حكم كل قسم، وذكرنا ما يتعلق بمدة النفاس، وأن المؤلف رحمه الله ذهب إلى أن مدة النفاس أربعون يوماً، وأما الشافعية والمالكية فيقولون بأن مدة النفاس ستون يوماً، وذكرنا أن الأقرب هو ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وذكرنا أن الأطباء في الوقت الحاضر يقولون بأن النفاس السوي هو ستة أسابيع.

قال المؤلف رحمه الله: (وهو كالحيض فيما يحل).

يعني: أن دم النفاس يوافق دم الحيض في بعض الأحكام، ويخالفه في بعض الأحكام، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله تعالى عنها: ( لما حاضت وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفراش قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنفستي؟ ) فسمى النبي صلى الله عليه وسلم دم الحيض نفاساً.

ويوافق دم النفاس دم الحيض في أحكام:

الحكم الأول: يتوافقان فيما يحل، فيحل للرجل من زوجته أن يستمتع منها دون الوطء في الفرج كما سبق لنا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فكذلك أيضاً النفساء يحل لزوجها أن يستمتع منها دون الوطء في الفرج.

قال المؤلف رحمه الله: (ويحرم).

الحكم الثاني: يتفقان فيما يحرم، فيحرم وطء الحائض، وكذلك أيضاً يحرم وطء النفساء، وكما يحرم على الحائض أن تصوم، كذلك أيضاً النفساء يحرم عليها أن تصوم، ويحرم على الحائض أن تصلي، وكذلك أيضاً النفساء يحرم عليها أن تصلي.

وبالنسبة للطلاق ظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنهما أيضاً يتفقان في الطلاق، فالحائض يحرم طلاقها، وظاهر كلام المؤلف أن النفساء أيضاً يحرم طلاقها، وهذا فيه نظر، أما الحائض فيحرم طلاقها، وأما النفساء فالذي يظهر والله أعلم -كما سيأتينا إن شاء الله في كتاب الطلاق- أنها لا يحرم طلاقها، وأن طلاقها من طلاق السنة وليس من طلاق البدعة.

قال المؤلف رحمه الله: (ويجب).

الحكم الثالث: يتفقان فيما يجب، فيجب بدم الحيض الغسل، وكذلك أيضاً يجب بدم النفاس الغسل، ويجب بوطء الحائض كفارة، وكذلك أيضاً النفساء يجب بوطئها كفارة.

قال المؤلف رحمه الله: (ويسقط).

الحكم الرابع فيما يتفقان فيه: الاتفاق فيما يسقط، فالحائض تسقط عنها الصلاة، فلا تجب عليها الصلاة إلا كما سلف، كذلك أيضاً النفساء تسقط عنها الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله: (غير العدة والبلوغ).

لما ذكر المؤلف رحمه الله ما يتوافق فيه الدمان ذكر ما يختلف فيه الدمان، فذكر أن دم الحيض يعتبر في العدة، فإذا طلقت المرأة فإن كانت تحيض فإنها تحيض ثلاث حيض، فيعتبر في العدة، أما دم النفاس فليس معتبراً في العدة، فلو أن الرجل طلق زوجته وهي نفساء فإن هذا الدم ليس معتبراً في العدة، فلو طلقها وهي حامل فعدتها وضع الحمل، لكن لو طلقها وهي نفساء فنقول بأن هذا الدم ليس معتبراً في العدة، بل يجب عليها أن تحيض ثلاثة قروء.

فالفرق الأول: أن دم الحيض معتبر في العدة، أما دم النفاس فليس معتبراً.

الفرق الثاني: أن دم الحيض معتبر في البلوغ، يعني أنه علامة من علامات البلوغ، فإذا حاضت الجارية عرفنا أنها بلغت، وترتب عليها أحكام البالغات، أما دم النفاس فإنه لا يعتبر في البلوغ، قال العلماء رحمهم الله تعالى: البلوغ حصل بالإنزال السابق للحمل، فدم الحيض معتبر علامة من علامات البلوغ، أما دم النفاس فليس علامةً من علامات البلوغ.

الفرق الثالث: أن دم النفاس لا يحتسب من مدة الإيلاء، بخلاف دم الحيض فإنه يحتسب من مدة الإيلاء، والإيلاء ستأتينا إن شاء الله أحكامه، وصورته باختصار: إذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته أبداً أو مدةً تزيد على أربعة أشهر فهذا مولٍ، نضرب له مدة أربعة أشهر، فإذا مضت هذه الأربعة الأشهر نقول له: إما أن تفيء، يعني: أن ترجع وتعاشر زوجتك بالمعروف، وإما أن تطلق أو أن الحاكم يطلق عليك، أي: القاضي يطلق عليك أو يفسخ.

فلو قال هذا الرجل: المرأة كانت نفساء مدة أربعين يوماً! فقد بقي أربعون يوماً؛ لأنها خلال الأربعة الأشهر كانت نفساء، فمدة النفاس هذه غير محسوبة عليه، فنضيف إلى هذه الأربعة أشهر أربعين يوماً، أما بالنسبة لمدة الحيض فإنها محسوبة عليه؛ لأن مدة الحيض معتادة، فلو قال بعد أن مضت أربعة أشهر -وهو ما جامع-: مضى عليها أربعة أسابيع وهي تحيض، في كل شهر تحيض سبعة أيام، فلا تحسبون علي هذه الأيام؛ فنقول له: بل هذه الأيام محسوبة!

قال المؤلف رحمه الله: (وإن ولدت توأمين فأول النفاس وآخره من أولهما).

يقول المؤلف رحمه الله: إذا ولدت المرأة توأمين، وصورة ذلك: امرأة ولدت الولد الأول في أول محرم، وبعد عشرين يوماً ولدت الولد الثاني؛ فتنتهي من نفاسها في اليوم العاشر من شهر صفر بعد أن يتم لها أربعون يوماً من ولادة الولد الأول.

وعلى هذا فلو ولدت الأول في أول محرم، وفي اليوم العاشر من صفر ولدت الثاني، فإن الثاني ليس له نفاس، فقد دخلت مدة نفاس الثاني في الأول.

الرأي الثاني: مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى يقولون بأن مدة النفاس من الثاني، وعلى هذا فلو ولدت في أول محرم، وفي عشرين من شهر محرم ولدت الثاني، فإنها تبدأ في عشرين، وتخرج من نفاسها في عشرين ربيع الأول بعد أن يتم لها ستون يوماً من ولادة الثاني.

فتنتهي مدة النفاس عند الشافعية بعد أن يمضي ستون يوماً، المهم أنها تبدأ مدة النفاس عند الشافعية من حين ولادة الثاني، فإن قلنا: بأن مدة النفاس أربعون يوماً فتنتهي مدة النفاس في آخر شهر صفر على الراجح، وإن قلنا على رأي الشافعية أنها ستون يوماً فإنها تحتاج إلى زيادة عشرين يوماً.

والأقرب في هذه المسألة أن يقال: ينظر إلى الولد الثاني فإن تجدد الدم عند ولادته أو حصل زيادة للدم فتبدأ من ولادة الثاني، وإذا لم يكن هناك تجدد للدم ولا زيادة فإن العبرة بالولد الأول.