فقه العبادات - الصلاة [24]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته, إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

وأرحب بإخواني الذين معنا في الأستديو، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وكنا أيها الإخوة قد توقفنا في باب صلاة الجماعة, وسوف نذكر إن شاء الله في هذا الباب حكم صلاة الجماعة والمسائل المتعلقة بها.

يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى إنما شرع للأمة صلاة الجماعة وأمر بها حتى في الخوف, لما فيها من الأجور والفوائد الجمة:

أولاً: أن الإنسان إذا صلى جماعة فهو أفضل مما لو صلى وحده, فدل ذلك على أن مشروعية صلاة الجماعة، وفيه دلالة على أن الإنسان مأجور إذا صلى فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( فإن صلاة أحدكم مع الجماعة تفضل على صلاته وحده بسبعٍ وعشرين درجة ), وفي رواية: ( بخمسٍ وعشرين درجة ).

الأمر الثاني: أن فيها من تقوية الأواصر والترابط الحميم بين جماعة المسجد, ولأجل هذا فإن ترك هذه الجماعة سبب للاختلاف والمخالفة, ولهذا قال ابن مسعود : ( ولو أنكم صليتم كما يصلي هذا المنافق لتركتم سنة نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ).

والضلال إنما يتأتى أحياناً بالمخالفة للشرع, وكذلك بمخالفة القلوب, فإن الإنسان إذا وجد في نفسه على أخيه ولم يره, فإنه تشتد المخالفة ويشتد الخلاف بسبب أنه لم يره، وبما يسمعه من الآخرين, فإذا كانت صلاته جماعة مع إخوانه المسلمين, فإن ذلك أنفع له وأدعى لقلبه وأسعد لحياته, فإن الإنسان إذا صلى مع إخوانه فإنه ينشط للطاعة, ولهذا قال الله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43], فهذا أمر من الله للإنسان أن يكون مع إخوانه الراكعين، وأن يعينهم على ذلك ويعينوه, وهذا فيه نوع من النشاط.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل, وما زاد فهو أحب إلى الله, كما في حديث أبي بن كعب وهو حديث صحيح صححه الذهلي و ابن المديني و يحيى بن معين وغيرهم.

وهذا يدل على أن صلاة الجماعة فيها فوائد جمة, ولو لم يكن فيها إلا أن الإنسان يخرج من بيته في الظلم, فتلك دلالة على صدق إيمانه وصدق توجهه وإخلاصه, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة), وهذا حديث عظيم!

فلماذا نتكاسل نحن عن الصلاة مع الجماعة؟ أو نتكاسل عن صلاة المغرب أو صلاة العشاء أو صلاة الفجر, وقد جاءنا البشير الذي يخبرنا عن الله سبحانه وتعالى أن من صلى في جماعة فإن له النور التام يوم القيامة: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89]؟

الشيخ: أما حكم صلاة الجماعة فأقول:

أولاً: أجمع أهل العلم على أن صلاة الجماعة مشروعة, وأن الصلاة جماعة أفضل من غيرها, بل قال أكثر أهل العلم: لو اجتمع أهل بلد على ألا يصلوها فإنهم يقاتلون على تركها؛ لأن الصلاة في المساجد من شعائر الإسلام، والله أعلم.

مذهب من قال بأن صلاة الجماعة فرض عين

الشيخ: ذهب الحنابلة وأكثر الحنفية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية إلى أن صلاة الجماعة فرض عين, تجب على الرجال البالغين المقيمين.

وعليه فلا تجب على المرأة, وهذا محل إجماع عند أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن), وهذا يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل, وقد قال صلى الله عليه وسلم للمرأة: ( وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك, وصلاتك في حجرتك أفضل من صلاتك في مسجد قومك).

وهذا يدل على أن الأفضل في حقها أن تصلي في حلس دارها, وحلس غرفتها, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وعليه فالرجال هم الذين يجب عليهم والحضور لصلاة الجماعة.

وقلنا: (البالغين)؛ لأن غير البالغ ليس مخاطباً بالتكليف, بحيث يثاب أو يعاقب, وإن كان وليه مأموراً أن يأمره بالصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ), وهذا يدل على أنهم يأمرون بالصلاة, والأمر بالصلاة مطلق, فإذا كانت الأم تأمر صبيها بالصلاة فهذا هو الواجب عليها, لكنها إذا كانت تخاف عليه فلا بأس أن يصلي في بيته, فإن صلى في المسجد خاصة في أوقات النهار أو مع أبيه أو أخيه الكبير أو في حي لا يخاف عليه فيه فهذا حسن، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

أدلة من قال بأن صلاة الجماعة فرض عين

الشيخ: ذهب الحنابلة وبعض فقهاء الحنفية وهو اختيار أبي العباس بن تيمية إلى أن صلاة الجماعة فرض عين, يأثم تاركها، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة.

الدليل الأول: هو قول الله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] الآية.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة الجماعة مع وجود الخوف، فلما أمر صلى الله عليه وسلم أن يقيم صلاة الجماعة مع وجود خوف وهم قبالة عدو, فهذا دليل على أن صلاة الجماعة في حين الأمن واجبة من باب أولى.

وقولنا: فرض عين؛ لأنه لو كانت صلاة الجماعة فرض كفاية لاكتفى صلى الله عليه وسلم بالطائفة الأولى التي صلت معه, لكنه صلى الله عليه وسلم أمر الطائفة الأولى والطائفة الثانية, فدل ذلك على أن صلاة الجماعة فرض عين، وليست فرض كفاية.

ومما يدل على ذلك أيضاً: ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة, فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ).

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأحرق عليهم بيوتهم), أي: لأجل تخلفهم عن الصلاة جماعة, ولا عقوبة إلا بذنب, فدل ذلك على أنهم فعلوا الذنب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومما يدل على ذلك أيضاً: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل تجد لي رخصة؟ فرخص له صلى الله عليه وسلم, ثم إنه خرج فدعاه فقال: أتسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم, قال: فأجب؛ فإني لا أجد لك رخصة ), فدل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة وجوباً عينياً.

مذهب من جعل صلاة الجماعة فرض كفاية ودليله

الشيخ: ذهب الشافعي إلى أن صلاة الجماعة فرض كفاية وقال: أدلة الوجوب هي أدلة القول الأول.

والدليل على أنها فرض كفاية وليست على الأعيان هو صحة وثواب من صلى وحده؛ لحديث: ( صلاة الرجل مع الجماعة تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة ), قالوا: فقوله: ( تفضل)، دليل على أن صلاة المنفرد تصح.

ولكن الراجح أن وجود الثواب ليس معناه عدم وقوع العقاب من وجه, فهذا الحديث على صحة صلاة المنفرد, لكن ليس فيه ما يدل على أن المنفرد لو ترك الجماعة لا يأثم, والأصل كما قال الزهري و الثوري و أحمد : أن يجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها مع بعض.

مذهب من جعل صلاة الجماعة سنة وبيان مقصودهم بذلك

الشيخ: ذهب مالك رحمه الله إلى أن صلاة الجماعة سنة.

والمالكية لا يقصدون بالسنة مثل قاعدة الشافعية والحنابلة أن السنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

فإن المعروف عن المالكية كما أشار إلى ذلك صاحب مراقي السعود في أصوله, و ابن رشد في بداية المجتهد: أن ما يطلق عليه المالكية سنة هو ما ثبت وجوبه بدليل ظني, وعليه فإنهم قالوا: يأثم على تركها, وهذا هو الوجوب، ولكنه يخفف فيها أحياناً لعذر, وهذا هو الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وعلى هذا فما ينقل اليوم أن صلاة الجماعة سنة، ولا ينبغي الإنكار على الناس فيها, فهذا ليس بصحيح؛ لأن الإنسان ربما يترك صلاة الجماعة بغير عذر, والخلاف إنما هو فيمن يتركها لعذر.

الراجح في حكم صلاة الجماعة

الشيخ: أما من يستمر على الترك، فقد قال ابن تيمية: وقد اتفقوا على أن من تركها مطلقاً فإنه يأثم. وهؤلاء الأئمة هم أعلم بمرادهم وأعلم بما يقولون, فلا يسوغ لنا أن ننقل كلام إمام له مصطلح في مذهبه لنجعله في مصطلح تداولناه نحن على معنى معين, ولهذا يجب أن نعلم أن الفقهاء اتفقوا على أن من داوم على ترك صلاة الجماعة فإنه يأثم بذلك.

ومما يدل على خطورة هذا الأمر أنهم قالوا: لو اتفق أهل بلدة على تركها قوتلوا على تركها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومما يدل على أن هذا هو الأصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود : (كان يصلي الفجر، فيقول: أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟ ), ولا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأجل أنه قد ترك شيئاً عظيماً.

ومما يدل على ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمكم سنن الهدى, وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلاة, ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم, ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض, وإن كان الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف, وهذا يدل على خطورة هذا الأمر, وأنه يجب أن نعلم أن صلاة الجماعة فرض عين, هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

نعم يجوز للإنسان أن يترك الجماعة لحاجة: كخوف فوات رفقة, أو خوف ضياع مال, كما أشار إلى ذلك الحنابلة، وسوف نذكرها إن شاء الله فيما يسمى بصلاة أهل الأعذار.

الشيخ: ذهب الحنابلة وأكثر الحنفية، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية إلى أن صلاة الجماعة فرض عين, تجب على الرجال البالغين المقيمين.

وعليه فلا تجب على المرأة, وهذا محل إجماع عند أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وبيوتهن خير لهن), وهذا يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل, وقد قال صلى الله عليه وسلم للمرأة: ( وصلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في حجرتك, وصلاتك في حجرتك أفضل من صلاتك في مسجد قومك).

وهذا يدل على أن الأفضل في حقها أن تصلي في حلس دارها, وحلس غرفتها, والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وعليه فالرجال هم الذين يجب عليهم والحضور لصلاة الجماعة.

وقلنا: (البالغين)؛ لأن غير البالغ ليس مخاطباً بالتكليف, بحيث يثاب أو يعاقب, وإن كان وليه مأموراً أن يأمره بالصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ), وهذا يدل على أنهم يأمرون بالصلاة, والأمر بالصلاة مطلق, فإذا كانت الأم تأمر صبيها بالصلاة فهذا هو الواجب عليها, لكنها إذا كانت تخاف عليه فلا بأس أن يصلي في بيته, فإن صلى في المسجد خاصة في أوقات النهار أو مع أبيه أو أخيه الكبير أو في حي لا يخاف عليه فيه فهذا حسن، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: ذهب الحنابلة وبعض فقهاء الحنفية وهو اختيار أبي العباس بن تيمية إلى أن صلاة الجماعة فرض عين, يأثم تاركها، واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة.

الدليل الأول: هو قول الله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102] الآية.

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصلاة الجماعة مع وجود الخوف، فلما أمر صلى الله عليه وسلم أن يقيم صلاة الجماعة مع وجود خوف وهم قبالة عدو, فهذا دليل على أن صلاة الجماعة في حين الأمن واجبة من باب أولى.

وقولنا: فرض عين؛ لأنه لو كانت صلاة الجماعة فرض كفاية لاكتفى صلى الله عليه وسلم بالطائفة الأولى التي صلت معه, لكنه صلى الله عليه وسلم أمر الطائفة الأولى والطائفة الثانية, فدل ذلك على أن صلاة الجماعة فرض عين، وليست فرض كفاية.

ومما يدل على ذلك أيضاً: ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم أنطلق مع رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة, فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ).

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فأحرق عليهم بيوتهم), أي: لأجل تخلفهم عن الصلاة جماعة, ولا عقوبة إلا بذنب, فدل ذلك على أنهم فعلوا الذنب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومما يدل على ذلك أيضاً: ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : ( أن رجلاً أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل تجد لي رخصة؟ فرخص له صلى الله عليه وسلم, ثم إنه خرج فدعاه فقال: أتسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم, قال: فأجب؛ فإني لا أجد لك رخصة ), فدل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة وجوباً عينياً.

الشيخ: ذهب الشافعي إلى أن صلاة الجماعة فرض كفاية وقال: أدلة الوجوب هي أدلة القول الأول.

والدليل على أنها فرض كفاية وليست على الأعيان هو صحة وثواب من صلى وحده؛ لحديث: ( صلاة الرجل مع الجماعة تفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة ), قالوا: فقوله: ( تفضل)، دليل على أن صلاة المنفرد تصح.

ولكن الراجح أن وجود الثواب ليس معناه عدم وقوع العقاب من وجه, فهذا الحديث على صحة صلاة المنفرد, لكن ليس فيه ما يدل على أن المنفرد لو ترك الجماعة لا يأثم, والأصل كما قال الزهري و الثوري و أحمد : أن يجمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضها مع بعض.

الشيخ: ذهب مالك رحمه الله إلى أن صلاة الجماعة سنة.

والمالكية لا يقصدون بالسنة مثل قاعدة الشافعية والحنابلة أن السنة ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها.

فإن المعروف عن المالكية كما أشار إلى ذلك صاحب مراقي السعود في أصوله, و ابن رشد في بداية المجتهد: أن ما يطلق عليه المالكية سنة هو ما ثبت وجوبه بدليل ظني, وعليه فإنهم قالوا: يأثم على تركها, وهذا هو الوجوب، ولكنه يخفف فيها أحياناً لعذر, وهذا هو الأقرب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وعلى هذا فما ينقل اليوم أن صلاة الجماعة سنة، ولا ينبغي الإنكار على الناس فيها, فهذا ليس بصحيح؛ لأن الإنسان ربما يترك صلاة الجماعة بغير عذر, والخلاف إنما هو فيمن يتركها لعذر.

الشيخ: أما من يستمر على الترك، فقد قال ابن تيمية: وقد اتفقوا على أن من تركها مطلقاً فإنه يأثم. وهؤلاء الأئمة هم أعلم بمرادهم وأعلم بما يقولون, فلا يسوغ لنا أن ننقل كلام إمام له مصطلح في مذهبه لنجعله في مصطلح تداولناه نحن على معنى معين, ولهذا يجب أن نعلم أن الفقهاء اتفقوا على أن من داوم على ترك صلاة الجماعة فإنه يأثم بذلك.

ومما يدل على خطورة هذا الأمر أنهم قالوا: لو اتفق أهل بلدة على تركها قوتلوا على تركها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومما يدل على أن هذا هو الأصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود : (كان يصلي الفجر، فيقول: أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟ ), ولا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأجل أنه قد ترك شيئاً عظيماً.

ومما يدل على ذلك: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم علمكم سنن الهدى, وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي تقام فيه الصلاة, ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم, ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض, وإن كان الرجل ليهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف, وهذا يدل على خطورة هذا الأمر, وأنه يجب أن نعلم أن صلاة الجماعة فرض عين, هذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

نعم يجوز للإنسان أن يترك الجماعة لحاجة: كخوف فوات رفقة, أو خوف ضياع مال, كما أشار إلى ذلك الحنابلة، وسوف نذكرها إن شاء الله فيما يسمى بصلاة أهل الأعذار.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2584 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2562 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2440 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2390 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2349 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2239 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2237 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2186 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2113 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2093 استماع