عنوان الفتوى : المقدار المعفو عنه من الانحراف عن القبلة
ذكرتم في بعض فتاويكم أن الانحراف عن القبلة بمقدار 45 درجة، لا يؤثر على الصلاة، وذكرتم في بعضها أن الانحراف بمقدار 48 يعد انحرافًا، ويؤثر على صحة الصلاة، وذكرتم أيضًا أن القبلة إذا كانت عن يمين المصلي أو يساره؛ فلا تجوز الصلاة، وإذا تأملنا درجة 45 وجدناها تجعل القبلة عن يمين المصلي، أو يساره، فما التوجيه؟ بارك الله فيكم.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه الدرجة (45) في الانحراف عن عين الكعبة، لا تجعل القبلة عن يمين المصلي، ولا عن يساره تمامًا، وإنما هي ميل إلى اليمين أو اليسار، وهذا هو الانحراف اليسير الذي يُعفى عنه، عند كثير من الفقهاء، أو أكثرهم، لمن لم يكن عند الكعبة.
وهذا القدر المعفو عنه من الانحراف، محل خلاف بين أهل العلم، قال الدكتور صالح دعكيك في خاتمة كتابه: (الانحراف عن الكعبة المشرفة ومقدار الجائز والممنوع) بعد أن عرض تفصيل اتجاهات العلماء في المسألة، قال: القول المختار في تحديد مقدار الانحراف الجائز هو: الاتجاه القائل بتقسيم الجهات الأربع، فكل ربع منها جهة، وهو ما جرى عليه عرف عامة الفقهاء، وأهل الفلك، ويقدر ذلك بـ 45 درجة لكل جهة من جهات المصلي عن يمينه، وعن يساره، وهو الذي اختاره جماعة من العلماء والباحثين المعاصرين. اهـ.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: يشهد النظر لقول من قال في المنحرف عن القبلة يمينًا أو شمالًا، ولم يكن انحرافه ذلك فاحشًا، فيشرق، أو يغرب: أنه لا شيء عليه؛ لأن السعة في القبلة لأهل الآفاق مبسوطة مسنونة. وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول أصحابه: "ما بين المشرق والمغرب قبلة". اهـ.
وقال في الاستذكار: قال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن قول عمر: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"؟ فقال: هذا في كل البلدان، إلا مكة عند البيت، فإنه إن زال عنه بشيء -وإن قلّ-، فقد ترك القبلة. قال: وليس كذلك قبلة البلدان. ثم قال: هذا المشرق -وأشار بيده-، وهذا المغرب، -وأشار بيده-، وما بينهما قبلة. قلت له: فصلاة من صلى بينهما جائزة؟ قال: نعم، وينبغي أن يتحرّى الوسط. اهـ.
وقال ابن رجب في فتح الباري: قال أحمد في رواية جعفر بن محمد: بين المشرق والمغرب قبلة، ولا يبالي مغرب الصيف، ولا مغرب الشتاء، إذا صلى بينهما، فصلاته صحيحة جائزة، إلا أنا نستحب أن يتوسط القبلة، ويجعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره، يكون وسطًا بين ذلك، وإن هو صلى فيما بينهما، وكان إلى أحد الشقين أميل، فصلاته تامة، إذا كان بين المشرق والمغرب، ولم يخرج بينهما. ونقل عنه جماعة كثيرون هذا المعنى. وروي عنه أنه سئل عن قوله: ما بين المشرق والمغرب قبلة، فأقام وجهه نحو القبلة، ونحا بيده اليمنى إلى الشفق، واليسرى إلى الفجر، وقال: القبلة ما بين هذين. اهـ
وراجع الفتاوى: 340783، 23757، 167373، 138747، 151119.
والله أعلم.