فقه العبادات - الصلاة [19]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي المشاهدين والمشاهدات! وأسعد الله مساءكم أيها الإخوة الطلاب الذين معنا في الأستديو، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا مطروداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أيها الإخوة! توقفنا في واجبات الصلاة عند قول العلماء رحمهم الله: هل قول: (سبحان ربي الأعلى) في السجود أو (سبحان ربي العظيم) في الركوع واجب أم لا؟ وذكرنا الخلاف في هذا، وقلنا: الراجح هو مذهب الحنابلة رحمهم الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يصلي يقولها، ويقويه حديث عقبة بن عامر ، أنه ( حين نزلت: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، قال: اجعلوها في سجودكم )، وهذا إسناده جيد حسنه أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وصححه الزيلعي ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

قول: رب اغفر لي والدعاء بين السجدتين

الشيخ: من واجبات الصلاة عند بعض أهل العلم: قول: (رب اغفر لي) بين السجدتين.

ذهب الحنابلة إلى أن سؤال المغفرة في الجلسة بين السجدتين واجب، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقولها كما في حديث حذيفة رضي الله عنه أن: ( النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس بين السجدتين قال: رب اغفر لي )، والحديث الآخر حديث ابن عباس رضي الله عنه.

وذهب عامة أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية ورواية عند الإمام أحمد إلى أن قول: (رب اغفر لي) سنة؛ وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، قالوا: فلا فرق بين أن يقول دعاء الاستفتاح وأن يقول بين السجدتين: (رب اغفر لي)؛ فلما لم يجب دعاء الاستفتاح لأن ذلك فعل من غير أمر، فكذلك قول: (رب اغفر لي) فعل وليس بأمر، وهذا الاستدلال قوي.

ولهذا فإننا نقول: الأقرب -والله أعلم- أن الإنسان يدعو بخير ما أراد، وإن دعا بما ورد كأن يقول: ( رب اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني ) فهذا حسن، كما جاء ذلك في حديث حذيفة و ابن عباس ، وإن كانت زيادة: (اجبرني وارزقني)، فيها كلام عند أهل العلم، لكن بعض الناس يزيد فيها: رب اغفر لي ولوالدي، فقلنا إن هذه رواية لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قولها لا بأس به؛ لأن هذا موطن دعاء، كما أشار إلى ذلك الفقهاء.

وإن قال: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) جاز؛ لأنه موطن دعاء، وإن كان الأفضل أن يفعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: ( رب اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واجبرني )، وعلى هذا فالراجح أن ذلك ليس بواجب.

وإذا ثبت هذا فإننا نكون قد ذكرنا جميع الأركان والخلاف فيها، وجميع الواجبات والخلاف فيها.

وإذا تقرر ذلك فإننا نقول: يستحب للإنسان حينما يذكر الأقوال الواجبة، مثل (سبحان ربي العظيم)، أو (سبحان ربي الأعلى) أو (رب اغفر لي) على الخلاف في وجوبها، فإن الأفضل ألا يقل عن ثلاث، وإن زاد إلى العشر فهو حسن؛ فإن سليمان بن يسار روى قال: صلى بنا أمير مكة، فحزرنا ركوعه فكان قريباً من قول عشر، وكان سجوده يسبح قريباً من عشراً، وقد قال أبو هريرة: ( لقد كان هذا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم )؛ ولهذا استحب العلماء إذا أراد الأفضلية أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) عشراً.

وأما في النافلة فإنه يطيل كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع.

وأما أقل الكمال فهو ثلاث، واستدل العلماء على هذا بما جاء عند الدارقطني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجدت فقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً)، وهذا أدنى الكمال، وهذا الحديث واضح أنه لا يصح؛ لأن الحديث يرويه عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود، وعون هذا لم يسمع من عبد الله بن مسعود فهو منقطع كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري والإمام أبو داود.

ويستدل على التكرار ثلاثاً بما قال أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثاً، فالأصل أن يدعو ثلاثاً، وروي عن ابن مسعود من قوله، لكن كما قلنا إن في سنده انقطاعاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

التشهد الأول والجلوس له

الشيخ: من المسائل: التشهد الأول والجلوس له.

التشهد الأول والجلوس له واجب، والوجوب هو مذهب الحنابلة، وعدم الوجوب هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وقد ذكرنا الدليل على الوجوب في حلقة سابقة.

ونحن في الحلقة السابقة كنا نذكر الأركان، فأدخلنا التشهد الأول وهو من الواجبات، وهذا سهو، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني )، لكنكم ما ذكرتموني!

فأقول: إن التشهد الأول قد ذكرنا الخلاف فيه، وأعيده على عجل فأقول:

مذهب الحنابلة أن التشهد الأول والجلوس له واجب، والدليل على وجوبه: حديث ابن مسعود في الصحيحين: ( إذا جلس أحدكم للتشهد فليقل: التحيات ...إلخ )، وهذا جلوس للتشهد في الأول والثاني، وإذا كان (فليقل) دليلاً على أنه واجب؛ فإنه لا يتم الواجب إلا بالجلوس.

ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لما قام إلى الركعة الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول، سجد للسهو )، كما في حديث المغيرة بن شعبة الذي رواه الطحاوي ، وهذا إسناده جيد، وأما حديثه الذي رواه أبو داود فإن في سنده ضعفاً، حيث يرويه جابر الجعفي ولا يصح حديثه، لأنه متهم بالكذب، والله أعلم.

الشيخ: من واجبات الصلاة عند بعض أهل العلم: قول: (رب اغفر لي) بين السجدتين.

ذهب الحنابلة إلى أن سؤال المغفرة في الجلسة بين السجدتين واجب، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقولها كما في حديث حذيفة رضي الله عنه أن: ( النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس بين السجدتين قال: رب اغفر لي )، والحديث الآخر حديث ابن عباس رضي الله عنه.

وذهب عامة أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية ورواية عند الإمام أحمد إلى أن قول: (رب اغفر لي) سنة؛ وذلك لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، قالوا: فلا فرق بين أن يقول دعاء الاستفتاح وأن يقول بين السجدتين: (رب اغفر لي)؛ فلما لم يجب دعاء الاستفتاح لأن ذلك فعل من غير أمر، فكذلك قول: (رب اغفر لي) فعل وليس بأمر، وهذا الاستدلال قوي.

ولهذا فإننا نقول: الأقرب -والله أعلم- أن الإنسان يدعو بخير ما أراد، وإن دعا بما ورد كأن يقول: ( رب اغفر لي وارحمني وارزقني واجبرني ) فهذا حسن، كما جاء ذلك في حديث حذيفة و ابن عباس ، وإن كانت زيادة: (اجبرني وارزقني)، فيها كلام عند أهل العلم، لكن بعض الناس يزيد فيها: رب اغفر لي ولوالدي، فقلنا إن هذه رواية لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قولها لا بأس به؛ لأن هذا موطن دعاء، كما أشار إلى ذلك الفقهاء.

وإن قال: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) جاز؛ لأنه موطن دعاء، وإن كان الأفضل أن يفعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: ( رب اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واجبرني )، وعلى هذا فالراجح أن ذلك ليس بواجب.

وإذا ثبت هذا فإننا نكون قد ذكرنا جميع الأركان والخلاف فيها، وجميع الواجبات والخلاف فيها.

وإذا تقرر ذلك فإننا نقول: يستحب للإنسان حينما يذكر الأقوال الواجبة، مثل (سبحان ربي العظيم)، أو (سبحان ربي الأعلى) أو (رب اغفر لي) على الخلاف في وجوبها، فإن الأفضل ألا يقل عن ثلاث، وإن زاد إلى العشر فهو حسن؛ فإن سليمان بن يسار روى قال: صلى بنا أمير مكة، فحزرنا ركوعه فكان قريباً من قول عشر، وكان سجوده يسبح قريباً من عشراً، وقد قال أبو هريرة: ( لقد كان هذا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم )؛ ولهذا استحب العلماء إذا أراد الأفضلية أن يقول: (سبحان ربي الأعلى) عشراً.

وأما في النافلة فإنه يطيل كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع.

وأما أقل الكمال فهو ثلاث، واستدل العلماء على هذا بما جاء عند الدارقطني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجدت فقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً)، وهذا أدنى الكمال، وهذا الحديث واضح أنه لا يصح؛ لأن الحديث يرويه عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود، وعون هذا لم يسمع من عبد الله بن مسعود فهو منقطع كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري والإمام أبو داود.

ويستدل على التكرار ثلاثاً بما قال أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثاً، فالأصل أن يدعو ثلاثاً، وروي عن ابن مسعود من قوله، لكن كما قلنا إن في سنده انقطاعاً، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: من المسائل: التشهد الأول والجلوس له.

التشهد الأول والجلوس له واجب، والوجوب هو مذهب الحنابلة، وعدم الوجوب هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، وقد ذكرنا الدليل على الوجوب في حلقة سابقة.

ونحن في الحلقة السابقة كنا نذكر الأركان، فأدخلنا التشهد الأول وهو من الواجبات، وهذا سهو، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني )، لكنكم ما ذكرتموني!

فأقول: إن التشهد الأول قد ذكرنا الخلاف فيه، وأعيده على عجل فأقول:

مذهب الحنابلة أن التشهد الأول والجلوس له واجب، والدليل على وجوبه: حديث ابن مسعود في الصحيحين: ( إذا جلس أحدكم للتشهد فليقل: التحيات ...إلخ )، وهذا جلوس للتشهد في الأول والثاني، وإذا كان (فليقل) دليلاً على أنه واجب؛ فإنه لا يتم الواجب إلا بالجلوس.

ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لما قام إلى الركعة الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول، سجد للسهو )، كما في حديث المغيرة بن شعبة الذي رواه الطحاوي ، وهذا إسناده جيد، وأما حديثه الذي رواه أبو داود فإن في سنده ضعفاً، حيث يرويه جابر الجعفي ولا يصح حديثه، لأنه متهم بالكذب، والله أعلم.

ترك الركن في الصلاة

الشيخ: اعلموا أن من ترك ركناً جاهلاً أو ناسياً لم تصح صلاته حتى يأتي به، وإنما جهله ونسيانه في الركن يسقط عنه الإثم، ولكن يجب عليه أن يأتي به، فإن طال الفصل وجب عليه أن يعيد صلاته، وإن لم يطل الفصل فإنه يقوم ويأتي بهذا الذي تركه ثم يكمل صلاته، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ترك الواجب في الصلاة

الشيخ: أما إن ترك واجباً فإن كان مأموماً أو إماماً أو منفرداً وتركه متعمداً فقد بطلت صلاته، وإن تركه جاهلاً أو ناسياً ينظر، فإن كان إماماً أو منفرداً فإنه يسجد للسهو إلا إذا طال الفصل فإن الراجح أنه إذا طال الفصل وقد ترك واجباً لا يلزمه أن يسجد للسهو، وذهب ابن أبي موسى من الحنابلة -وهو اختيار أبي العباس بن تيمية - إلى أنه لو طال الفصل فإنه يشرع له أن يسجد؛ لأن السجود شرع ترغيماً للشيطان، فهو جبر للنقص كما أن الدم في الحج جبر لترك الواجب، وهذا يحتاج إلى دليل، والذي يظهر أنه لا يجب، وهذا قول عامة السلف والخلف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

أما المسبوق فإنه إذا ترك واجباً جاهلاً أو ناسياً فإنه يجب عليه أن يسجد للسهو إذا صلى البقية الباقية من صلاته، وأما إذا كان مأموماً غير مسبوق فإن الإمام يتحمل عنه سجود السهو، ومما يدل على ذلك ما جاء عن ابن عباس أنه قال: ليس على المأموم سهو إلا أن يسجد إمامه، كما رواه ابن المنذر وغيره.

ترك السنة في الصلاة

الشيخ: أما من ترك سنة فإن الراجح -والله أعلم- أنه لا يلزمه شيء، ولا يجب عليه سجود السهو، وهل يشرع له سجود سهو؟ ذهب الحنابلة إلى أنه إن تركه من غير تعمد فإنه يباح له سجود السهو، والذي يظهر -والله أعلم- أن كل من عزم على فعل المسنون أو قول المسنون ثم نسيه فإنه يستحب له أن يسجد للسهو إذا كان من عادته أن يصنعه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سها أحدكم فليسجد سجدتين ).

وإنما قلنا: مستحب؛ لأن سجود السهو شرع ترغيماً للشيطان، فالإنسان يرغم الشيطان، سواء ترك واجباً أو ترك مستحباً. إلى هنا نكون قد انتهينا من صفة الصلاة كاملة.

والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: اعلموا أن من ترك ركناً جاهلاً أو ناسياً لم تصح صلاته حتى يأتي به، وإنما جهله ونسيانه في الركن يسقط عنه الإثم، ولكن يجب عليه أن يأتي به، فإن طال الفصل وجب عليه أن يعيد صلاته، وإن لم يطل الفصل فإنه يقوم ويأتي بهذا الذي تركه ثم يكمل صلاته، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.