فقه العبادات - الصلاة [3]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم يا رب أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

وحيا الله ممساكم أيها الإخوة الحاضرون معنا!

وكنا أيها الإخوة قد توقفنا عند بداية شرحنا لمسائل الأذان، وإن شاء الله سوف نكمل باب الأذان، ثم ندلف بعد ذلك إلى شروط الصلاة، كما هو معتاد عند أهل المذاهب في ترتيبهم للمسائل.

مذاهب العلماء في عدد كلمات الأذان

الشيخ: من المسائل التي كنا قد توقفنا عندها هي مسألة: عدد جمل الأذان.

فهناك فرق بين أذان بلال وأذان أبي محذورة ، و أبو محذورة هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، فإنه كان شاباً صغيراً حسن الصوت، فلما لحظه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى حسن صوته علمه الأذن، فكان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وعلمه أذاناً غير أذان بلال .

وبلالاً كان يؤذن قبل الفتح وبعد الفتح، ولأجل هذا اختلف أهل العلم: أي الأذان أفضل؟

فذهب الإمام أحمد رحمه الله و أبو حنيفة إلى أن أذان بلال أفضل.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن أذان أبي محذورة أفضل.

و مالك رحمه الله له أذان خاص، حيث إنه يرى أذان بلال، لكنه ليس على الصفة المعروفة، فإنه لا يرى التكبير إلا مرتين، وأذان بلال خمس عشرة جملة، فإذا حذفنا التكبيرين من الأول، والتكبيرين من الأخير صار إحدى عشرة جملة، وهذا هو اختيار مالك في الأذان.

على هذا فالذي يظهر أن أذان بلال خمس عشرة جملة، وأما قول مالك رحمه الله فإنما قاله فإنه بسبب أن أحد الرواة -وهو إسحاق إبراهيم- أشار إلى أن التكبير مرتين، واستدل على ذلك بما جاء في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( أمر بلال أن يشفع الأذن، ويوتر الإقامة )، قال: وشفع الأذان بأن يقول التكبير مرتين، وأما إذا قال: مرتين مرتين، فليس هذا بشفع.

والذي يظهر أن هذا الحديث إنما ذكر على سبيل الإجمال، وإلا فإن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الأذان، وألقاه على بلال كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم رواه فقال: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

وأما الشافعي رحمه الله فإنه يرى أذان أبي محذورة هو الأفضل، وأذان أبي محذورة هو مثل أذان بلال ، إلا أنه يقول بعد التكبيرات الأربع بصوت منخفض؛ بحيث يسمع نفسه ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرجع -يعني: يعيد- فيقول بصوت عال مثلما يقول في الأذان المعتاد: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله! وهذا يمسى بالترجيع.

فإذا كان كذلك فتكون جمل أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، وهذا هو الذي ثبت عند أهل السنن، وصححه الترمذي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان تسع عشرة جملة ).

مذاهب العلماء في عدد كلمات الإقامة

الشيخ: وأما الإقامة فقد علمه سبع عشرة جملة، وهي نفس أذان بلال ، إلا أنه زيد فيه: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.

ولأجل هذا نقول: اختلف العلماء في أي الإقامة أفضل؟

فذهب الشافعي و مالك و أحمد في الجملة إلى أن الأفضل إقامة بلال ، بأن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله!

وذهب أبو حنيفة إلى أن إقامة أبي محذورة أفضل، وهي سبع عشرة جملة.

و مالك رحمه الله، وإن كان يختار أذان بلال إلا أنه يرى في الإقامة أن التكبير مرة واحدة، لقول أنس : ( أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة ).

والمقصود عند أهل العلم هو الإقامة في الجملة، وإلا فإنه في التكبير كان يقول: الله أكبر مرتين، أما مالك فيقول: الله أكبر مرة، فإقامة مالك يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله، وهذه تسع جمل.

والذي يظهر والله أعلم أن هذا فهم من بعض الرواة في الاختصار، وعليه فالراجح أن إقامة بلال هي إحدى عشرة جملة. والله أعلم.

الأفضل في أداء العبادات الواردة على وجوه متنوعة وعلاقة ذلك بالأذان والإقامة

الشيخ: وأما أيهما أفضل: أذان بلال أم أذان أبي محذورة ؟ الذي يظهر والله أعلم أن كل ذلك من السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم بلالاً الأذان بالوحي، وقال: إنها رؤيا حق، وعلم أبا محذورة ، وكلاهما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما اختيار أذان بلال لأنه كان يؤذن في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: هذا يدل على أنه فضيلة، أي أن أذان بلال فضيلة، وأن أذان أبي محذورة فضيلة، وإن كانت الفضائل تتفاوت كما قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18]، فيكون أذان بلال هو الغالب؛ لأنه هو الذي كان يؤذن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا قاعدة معروفة عند أهل العلم، وقد تكلم فيها الإمام الحافظ ابن رجب في كتاب القواعد، في قاعدته الثانية عشرة، وهي أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة اختلف العلماء فيها، والأفضل كما هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: هو أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وهذا مرة، وإن كان الغالب على فعله أحد هذه الأوجه، لكن لا بد من أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وهذا مرة؛ لما في هذا الفعل من إحياء السنن، فإننا إذا فعلنا هذا مرة وهذا مرة نكون قد فعلنا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الغالب على بعضها أن يداوم عليها، فإن الذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعاء الاستفتاح يقول هذا مرة وهذا مرة، وإن كان الغالب من فعله ما رواه أبو هريرة حينما قال: ( ما هذا السكوت الذي تسكت بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي )، وإن قال: ( سبحانك اللهم ) كما روي عن عمر فقد صح أيضاً عن عمر رضي الله عنه، وقد قاله على محضر من الصحابة، فسواء قال هذا أو قال هذا كله جائز.

وقد قال أبو العباس بن تيمية : إن العبادات الواردة على وجوه متنوعة، الأفضل أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وإن فعل واحداً في الغالب الأكثر فلا حرج؛ يقول: لأننا بذلك نكون قد فعلنا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الفعل الواحد المداوم عليه ربما يقوله الإنسان على سبيل العادة، لكنه إذا قال هذا مرة، وهذا مرة، فيكون فيه من الاستحضار القلبي، والخشوع في النفس ما لا يكون في الاعتياد على دعاء واحد.

فالمسألة مسألة خلافية، لكن ومع قولنا: بأن كليهما جائز، فإننا نقول: ينبغي للمؤذنين ألا يخالفوا الأذان المعتاد في البلد؛ لأن بعض العامة ربما لا يدرك مغزى هذه المسائل، ومغزى هذا الخلاف، لكننا نبين للناس حتى إذا ذهبوا من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي لا يستغربون، وليعلموا أن هذه مسألة خلافية. فلو أننا ذهبنا مثلاً إلى بلاد المغرب الإسلامي، ووجدنا أنهم يؤذنون على أذان مالك ، وطلب من أحدنا أن يؤذن فليس من الحكمة أن يؤذن على الأذان المعتاد في بلده؛ لأن الناس ربما يظنون أنه قد أخطأ، لأنهم تربوا على ذلك.

ومن المعلوم أن الإمام أحمد رحمه الله ذكر أن الذي تربى على أمر معين يصعب عليه أن يترك هذا الأمر، لكن وكبار العلماء، وطلبة العلم الذين لهم حظوة وقبول عند الناس ينبغي لهم أن يبينوا للناس بين الفينة والأخرى ما هو السنة، حتى ينتشلوا الناس من الأمر المفضول إلى الأمر الفاضل، وكل على خير إن شاء الله!

فهذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، وكل واحد منهم له قول في المسألة، وعلى هذا فإذا كانوا شباباً وجماعة وذهبوا في رحلة، وأحب أحدهم أن يؤذن بأذان أبي محذورة إذا كان البلد اعتاد أن يؤذن أهله على أذان بلال فلا حرج، فقد طبق السنة، فهو يخبر طلبة العلم، ويخبر أهله، ويخبر أقرباءه بطريقة الأذان، وكذلك إقامة أبي محذورة ، فإذا كان في رحلة مع زملائه، أو مع أهله، أو أقرانه، وأحب أن يؤذن أو يقيم بإقامة أبي محذورة إذا كانوا في البلد قد اعتادوا على أذان بلال فلا حرج.

أو كان في البلد مثل بلاد خراسان يقيمون على إقامة أبي محذورة ، فأراد أن يقيم بإقامة بلال بين أهله وأقرانه، حتى يبينوا هذه السنة، فلا حرج إن شاء الله.

أما أن يأتي الأمر غلاباً في مخالفة ما كان الناس قد اعتادوا عليه فهذا ليس من الحكمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم )، الحديث، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد ترك السنة لأجل ألا يشغب على قلوب الناس، وهم حديثو عهد بكفر، فلربما قالوا: محمد صلى الله عليه وسلم لا يعظم البيت!

صفة النطق بالتكبير في الأذان

الشيخ: ومن المعلوم أن في الأذان يكبر مرتين مرتين، فأيهما الأفضل في التكبير: أن يقوله جملةً جملة: الله أكبر، ثم يقول: الله أكبر، ثم الله أكبر، ثم الله أكبر، أم يقوله جملتين جملتين: الله أكبر الله أكبر، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر؟

وبعضهم استدل على أنه يقول: الله أكبر جملةً جملة بما جاء عند عبد الرزاق : أن إبراهيم النخعي قال: (التكبير جزم)، ومعنى (جزم) أن يسكن ولا يحرك؛ لأنه إذا حرك سيقول: الله أكبرُ الله أكبرْ، فإذا كان التكبير جزماً قال: الله أكبرْ، وسكت، فهذا استدل به بعض أهل العلم، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه.

فـ(جزم) كما هو معلوم أي: لا يمده ولا يعرب آخره كما يقول شراح الحديث، كـالبغوي وغيره.

والقول الثاني في المسألة: الأفضل أن يقول: الله أكبر الله أكبر، يعني: جملتين جملتين.

واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم عن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله.. الحديث )، فقالوا: إن هذا دليل على أن التكبير جملتان جملتان.

والذي يظهر والله أعلم أن عندنا قاعدةً ذكرناها مراراً وتكراراً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرع لنا أمراً مسنوناً، ولم يبين لنا صفته دل على أن كل صفة في فعل هذا المسنون جائزة، وعلى هذا فسواء أذن المؤذن: الله أكبر مرة، أو جمع بينهما: الله أكبر الله أكبر، فكل ذلك جائز إن شاء الله، وليس ثمة سنة بخصوصها؛ لأنه لا تثبت سنة إلا بفعل أو قول أو تقرير كما هو معلوم.

الشيخ: من المسائل التي كنا قد توقفنا عندها هي مسألة: عدد جمل الأذان.

فهناك فرق بين أذان بلال وأذان أبي محذورة ، و أبو محذورة هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، فإنه كان شاباً صغيراً حسن الصوت، فلما لحظه النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى حسن صوته علمه الأذن، فكان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، وعلمه أذاناً غير أذان بلال .

وبلالاً كان يؤذن قبل الفتح وبعد الفتح، ولأجل هذا اختلف أهل العلم: أي الأذان أفضل؟

فذهب الإمام أحمد رحمه الله و أبو حنيفة إلى أن أذان بلال أفضل.

وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن أذان أبي محذورة أفضل.

و مالك رحمه الله له أذان خاص، حيث إنه يرى أذان بلال، لكنه ليس على الصفة المعروفة، فإنه لا يرى التكبير إلا مرتين، وأذان بلال خمس عشرة جملة، فإذا حذفنا التكبيرين من الأول، والتكبيرين من الأخير صار إحدى عشرة جملة، وهذا هو اختيار مالك في الأذان.

على هذا فالذي يظهر أن أذان بلال خمس عشرة جملة، وأما قول مالك رحمه الله فإنما قاله فإنه بسبب أن أحد الرواة -وهو إسحاق إبراهيم- أشار إلى أن التكبير مرتين، واستدل على ذلك بما جاء في الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( أمر بلال أن يشفع الأذن، ويوتر الإقامة )، قال: وشفع الأذان بأن يقول التكبير مرتين، وأما إذا قال: مرتين مرتين، فليس هذا بشفع.

والذي يظهر أن هذا الحديث إنما ذكر على سبيل الإجمال، وإلا فإن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى الأذان، وألقاه على بلال كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم رواه فقال: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

وأما الشافعي رحمه الله فإنه يرى أذان أبي محذورة هو الأفضل، وأذان أبي محذورة هو مثل أذان بلال ، إلا أنه يقول بعد التكبيرات الأربع بصوت منخفض؛ بحيث يسمع نفسه ومن بقربه: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرجع -يعني: يعيد- فيقول بصوت عال مثلما يقول في الأذان المعتاد: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله! وهذا يمسى بالترجيع.

فإذا كان كذلك فتكون جمل أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، وهذا هو الذي ثبت عند أهل السنن، وصححه الترمذي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أبا محذورة الأذان تسع عشرة جملة ).

الشيخ: وأما الإقامة فقد علمه سبع عشرة جملة، وهي نفس أذان بلال ، إلا أنه زيد فيه: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.

ولأجل هذا نقول: اختلف العلماء في أي الإقامة أفضل؟

فذهب الشافعي و مالك و أحمد في الجملة إلى أن الأفضل إقامة بلال ، بأن يقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله!

وذهب أبو حنيفة إلى أن إقامة أبي محذورة أفضل، وهي سبع عشرة جملة.

و مالك رحمه الله، وإن كان يختار أذان بلال إلا أنه يرى في الإقامة أن التكبير مرة واحدة، لقول أنس : ( أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة ).

والمقصود عند أهل العلم هو الإقامة في الجملة، وإلا فإنه في التكبير كان يقول: الله أكبر مرتين، أما مالك فيقول: الله أكبر مرة، فإقامة مالك يقول: الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر، لا إله إلا الله، وهذه تسع جمل.

والذي يظهر والله أعلم أن هذا فهم من بعض الرواة في الاختصار، وعليه فالراجح أن إقامة بلال هي إحدى عشرة جملة. والله أعلم.

الشيخ: وأما أيهما أفضل: أذان بلال أم أذان أبي محذورة ؟ الذي يظهر والله أعلم أن كل ذلك من السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم بلالاً الأذان بالوحي، وقال: إنها رؤيا حق، وعلم أبا محذورة ، وكلاهما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما اختيار أذان بلال لأنه كان يؤذن في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم فنقول: هذا يدل على أنه فضيلة، أي أن أذان بلال فضيلة، وأن أذان أبي محذورة فضيلة، وإن كانت الفضائل تتفاوت كما قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18]، فيكون أذان بلال هو الغالب؛ لأنه هو الذي كان يؤذن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وهنا قاعدة معروفة عند أهل العلم، وقد تكلم فيها الإمام الحافظ ابن رجب في كتاب القواعد، في قاعدته الثانية عشرة، وهي أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة اختلف العلماء فيها، والأفضل كما هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: هو أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وهذا مرة، وإن كان الغالب على فعله أحد هذه الأوجه، لكن لا بد من أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وهذا مرة؛ لما في هذا الفعل من إحياء السنن، فإننا إذا فعلنا هذا مرة وهذا مرة نكون قد فعلنا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الغالب على بعضها أن يداوم عليها، فإن الذي يظهر والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعاء الاستفتاح يقول هذا مرة وهذا مرة، وإن كان الغالب من فعله ما رواه أبو هريرة حينما قال: ( ما هذا السكوت الذي تسكت بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي )، وإن قال: ( سبحانك اللهم ) كما روي عن عمر فقد صح أيضاً عن عمر رضي الله عنه، وقد قاله على محضر من الصحابة، فسواء قال هذا أو قال هذا كله جائز.

وقد قال أبو العباس بن تيمية : إن العبادات الواردة على وجوه متنوعة، الأفضل أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، وإن فعل واحداً في الغالب الأكثر فلا حرج؛ يقول: لأننا بذلك نكون قد فعلنا مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الفعل الواحد المداوم عليه ربما يقوله الإنسان على سبيل العادة، لكنه إذا قال هذا مرة، وهذا مرة، فيكون فيه من الاستحضار القلبي، والخشوع في النفس ما لا يكون في الاعتياد على دعاء واحد.

فالمسألة مسألة خلافية، لكن ومع قولنا: بأن كليهما جائز، فإننا نقول: ينبغي للمؤذنين ألا يخالفوا الأذان المعتاد في البلد؛ لأن بعض العامة ربما لا يدرك مغزى هذه المسائل، ومغزى هذا الخلاف، لكننا نبين للناس حتى إذا ذهبوا من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي لا يستغربون، وليعلموا أن هذه مسألة خلافية. فلو أننا ذهبنا مثلاً إلى بلاد المغرب الإسلامي، ووجدنا أنهم يؤذنون على أذان مالك ، وطلب من أحدنا أن يؤذن فليس من الحكمة أن يؤذن على الأذان المعتاد في بلده؛ لأن الناس ربما يظنون أنه قد أخطأ، لأنهم تربوا على ذلك.

ومن المعلوم أن الإمام أحمد رحمه الله ذكر أن الذي تربى على أمر معين يصعب عليه أن يترك هذا الأمر، لكن وكبار العلماء، وطلبة العلم الذين لهم حظوة وقبول عند الناس ينبغي لهم أن يبينوا للناس بين الفينة والأخرى ما هو السنة، حتى ينتشلوا الناس من الأمر المفضول إلى الأمر الفاضل، وكل على خير إن شاء الله!

فهذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم، وكل واحد منهم له قول في المسألة، وعلى هذا فإذا كانوا شباباً وجماعة وذهبوا في رحلة، وأحب أحدهم أن يؤذن بأذان أبي محذورة إذا كان البلد اعتاد أن يؤذن أهله على أذان بلال فلا حرج، فقد طبق السنة، فهو يخبر طلبة العلم، ويخبر أهله، ويخبر أقرباءه بطريقة الأذان، وكذلك إقامة أبي محذورة ، فإذا كان في رحلة مع زملائه، أو مع أهله، أو أقرانه، وأحب أن يؤذن أو يقيم بإقامة أبي محذورة إذا كانوا في البلد قد اعتادوا على أذان بلال فلا حرج.

أو كان في البلد مثل بلاد خراسان يقيمون على إقامة أبي محذورة ، فأراد أن يقيم بإقامة بلال بين أهله وأقرانه، حتى يبينوا هذه السنة، فلا حرج إن شاء الله.

أما أن يأتي الأمر غلاباً في مخالفة ما كان الناس قد اعتادوا عليه فهذا ليس من الحكمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لـعائشة : ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم )، الحديث، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد ترك السنة لأجل ألا يشغب على قلوب الناس، وهم حديثو عهد بكفر، فلربما قالوا: محمد صلى الله عليه وسلم لا يعظم البيت!

الشيخ: ومن المعلوم أن في الأذان يكبر مرتين مرتين، فأيهما الأفضل في التكبير: أن يقوله جملةً جملة: الله أكبر، ثم يقول: الله أكبر، ثم الله أكبر، ثم الله أكبر، أم يقوله جملتين جملتين: الله أكبر الله أكبر، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر؟

وبعضهم استدل على أنه يقول: الله أكبر جملةً جملة بما جاء عند عبد الرزاق : أن إبراهيم النخعي قال: (التكبير جزم)، ومعنى (جزم) أن يسكن ولا يحرك؛ لأنه إذا حرك سيقول: الله أكبرُ الله أكبرْ، فإذا كان التكبير جزماً قال: الله أكبرْ، وسكت، فهذا استدل به بعض أهل العلم، وروي عن ابن عمر رضي الله عنه.

فـ(جزم) كما هو معلوم أي: لا يمده ولا يعرب آخره كما يقول شراح الحديث، كـالبغوي وغيره.

والقول الثاني في المسألة: الأفضل أن يقول: الله أكبر الله أكبر، يعني: جملتين جملتين.

واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم عن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله.. الحديث )، فقالوا: إن هذا دليل على أن التكبير جملتان جملتان.

والذي يظهر والله أعلم أن عندنا قاعدةً ذكرناها مراراً وتكراراً، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا شرع لنا أمراً مسنوناً، ولم يبين لنا صفته دل على أن كل صفة في فعل هذا المسنون جائزة، وعلى هذا فسواء أذن المؤذن: الله أكبر مرة، أو جمع بينهما: الله أكبر الله أكبر، فكل ذلك جائز إن شاء الله، وليس ثمة سنة بخصوصها؛ لأنه لا تثبت سنة إلا بفعل أو قول أو تقرير كما هو معلوم.

ترتيل الأذان وحدر الإقامة

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه يستحب في الأذان أن يرتله، وأما في الإقامة فإنه يحدر.

أما الأذان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن زيد بن عبد ربه كما عند أهل السنن: ( اذهب فألقه على بلال ؛ فإنه أندى صوتاً منك )، وهذا يدل على أن بلالاًً كان ندي الصوت، ويقوله مترسلاً.

وأما الإقامة فإن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً كان يحدر الإقامة، وليس ثمة شيء مشروع أو ثابت في السنة إلا ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر : أنه كان إذا أراد أن يقيم يحدر الإقامة، وهذا أصح ما جاء في هذا الباب.

القيام حال الأذان

الشيخ: الأمر الثاني: يستحب للمؤذن أن يكون قائماً.

واستدل أهل العلم على ذلك بأن قالوا: إن الملك الذي علم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان كان قائماً على المسجد، ثم جلس بعد الأذان، ثم قام ومشى بعد الإقامة، قالوا: فهذا يدل على أن المؤذن إنما يؤذن حال القيام.

واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قم فألقه على بلال ).

ومن الأدلة أيضاً: أن أهل السنن رووا: ( أن بلالاً كان يرقى بيتاً لبني النجار ويؤذن ).

وهذا يدل على أنه كان قائماً. وهذا هو السنة؛ لأن الأذان المقصود به إعلام الناس بالصلاة، ولا يتأتى هذا في الغالب إلا أن يكون قائماً، فإن أذن قاعداً فلا حرج، لكن السنة هو القيام.

الطهارة للأذان

الشيخ: الأمر الثالث: أن يكون متطهراً.

فبعض الناس ربما يؤذن على غير طهارة، فنقول: إذا كان المؤذن سوف يؤذن في المسجد فلا بد أن يكون طاهراً من الحدث الأكبر؛ لأنه سوف يدخل المسجد، وأما إذا كان لن يدخل المسجد مثل بعض المؤذنين يكون عنده ميكرفون في الفجر في بيته، فإذا أذن فلا حرج؛ لقول عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله ).

وأما إذا كان حدثاً أصغر فلا حرج أن يؤذن ولو في المسجد، وإن كان الأفضل أن يؤذن على طهارة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر )، كما جاء في حديث أبي جهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، وكما روي عن ابن عمر أيضاً عند أهل السنن و أحمد .

استقبال القبلة للمؤذن

الشيخ: الأمر الرابع: يستحب للمؤذن إذا أذن أن يستقبل القبلة، ولا يوجد حديث صحيح صريح في هذا، وأما حديث بلال فإن في سنده الحجاج بن أرطأة قال: ( فقام مستقبل القبلة )، وهذا في سنده بعض الضعف، لكن أصح شيء في الباب أن الملك الذي قام يؤذن ليعلم بذلك عبد الله بن زيد بن عبد ربه كان مستقبل القبلة، كما جاء ذلك عند أهل السنن و أحمد .

وضع اليدين على الأذنين حال الأذان

الشيخ: الأمر الخامس: أن يجعل يديه على أذنيه، وبعضهم قال: ليجعل إصبعيه في أذنيه، والذي يظهر والله أعلم أن رواية الأصابع فيها نكارة وضعف، أما الضعف فلأن عون بن أبي جحيفة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأذان المعروف فرواه عون بن أبي جحيفة عن أبيه.

الثاني: أن فيه الحجاج بن أرطأة ، و الحجاج بن أرطأة مدلس.

وأما وضع اليدين فالذي يظهر والله أعلم أنها ثابتة، وهو قوله: ( ويداه في أذنيه )، وهذه الرواية ضعفها بعض أهل العلم، والأقرب أنها رواية صحيحة، فعلى هذا فالسنة في حق المؤذن أن يضع يديه على أذنيه.

وبعض أهل العلم قال: يضع يداً واحدة، وهذا ليس معروفاً عن الصحابة، وإنما روي عن محمد بن سيرين وغيره.

والذي يظهر والله أعلم أن وضع اليدين سنة؛ وذلك لأن وضع اليدين على الأذنين يساعد المؤذن في رفع صوته بالأذان، وهذا أمر مجرب معروف، فلو أذن المؤذن ولم يضع يديه لربما لم يرفع.

وبعضهم قال: إن هذا إنما كان لحكمة؛ وهي رفع الصوت، فإذا كان في ميكرفون فهذا منتف!

فنقول: قد يقال بأن وضع اليدين لأجل الناس، فمن رآه كذلك يعلم أنه قد أذن، والحكمة في هذا معلومة، وعلى كل فالمسألة مسألة استحباب، فسواء وضع أو لم يضع فإن أذانه صحيح.

الالتفات في الحيعلتين

الشيخ: السادس: يستحب أن يلتفت في الأذان في الحيعلتين.

فمن السنة أن يقول: حي على الصلاة، مرةً عن يمينه، ومرةً عن شماله، ومثلها حي على الفلاح، أو يقول: حي على الصلاة مرتين عن يمينه، وحي على الفلاح مرتين من هنا، كل ذلك جائز.

وأما أن يقول: حي على الصلاة ويستدير بصدره، فإن الرواية الواردة فيه: ( فأدار على صدره ) رواية ضعيفة، في سندها رجل يقال له: الحجاج بن أرطأة ، وهو ضعيف مدلس، وعلى كل فهذا على سبيل الاستحباب.

وقد يقال: إن هذا إذا كان الناس عن يمينه وعن شماله؛ لأن الراوي حينما ذكر أذان بلال لم يذكره عندما كان يؤذن في المسجد، وإنما ذكره في حال سفره، ومن المعلوم أن السفر ربما يكون بعض الصحابة عن يمينه، وبعض الصحابة عن يساره.

وأما في الميكرفون فأرى ألا يلتفت؛ لأن الالتفات سوف يقلل من الصوت.

وعلى هذا فإذا كان بفضاء فإنه يلتفت لأجل الإسماع، فالحكمة المقصود بها هي التعبد أم الإسماع؟

الجواب: الإسماع، وليس التعبد، وعلى هذا فإذا كان يؤذن في ميكرفون فإنه لا يلتفت، وبعض الفضلاء قال: يلتفت ويبتعد عن الميكرفون بحيث يحصل على فضيلتين، ولكن نقول: هذا إنما كان لأجل الإسماع.

ثانياً: أن الرسول لم يأمر بلالاً بذلك، فالمعروف أن بلالاً كان يفعل، وهذا تقرير، والتقرير يدل على الجواز ولا يدل على الاستحباب المطلق.

فالذي يظهر لي والله أعلم أن وضع اليدين، أو الالتفات أو غير ذلك إنما فعله بلال إما أن يكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون بفعله وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك يدل على الجواز.

ثالثاً: هذا لم يكن من العادة المعتادة لـبلال؛ أنه كان يصنع ذلك، ولهذا لم يرو هذا الالتفات بإسناد صحيح إلا رواية عون بن أبي جحيفة عن أبيه، وهو في غزوة أو في سفر، فدل ذلك على أنه إن فعل هذا أو لم يفعل فكل ذلك جائز، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

التثويب في أذان الفجر

الشيخ: السابع: يستحب للإنسان أن يقول في الفجر: الصلاة خير من النوم، وقد أجمع أهل العلم على أن كلمة (الصلاة خير من النوم) لا تقال إلا في أذان الفجر، ولا تقال في غيرها، وهذا يسميه أهل العلم بالتثويب.

وهناك شيء يسمى (التثويب) غير (الصلاة خير من النوم)، كما في حديث: ( إذا أذن المؤذن خرج الشيطان وله ضراط، حتى إذا قضي التأذين أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر )، فالتثويب يطلق أيضاً على الإقامة، كما يطلق على جملة (الصلاة خير من النوم) تثويباً.

فجماهير أهل العلم من المالكية والحنفية والحنابلة، و الشافعي في القديم من قوليه يرون أنه يستحب أن يقول ذلك في أذان الفجر، واختلف أهل العلم: في أي الأذانين يقولها المؤذن؟ فمن المعلوم أن للفجر أذانين: أذاناً قبل الوقت، وأذاناً بعد الوقت، فهل يقول: الصلاة خير من النوم في الأذان الأول الذي هو قبل الوقت، أم في الأذان الثاني؟

اختلف أهل العلم في ذلك على قولين، والراجح والله أعلم أنه يقوله في الأذان الثاني، وذلك لأمور:

أولاً: لأنه روى البيهقي وصححه من حديث أنس أنه قال: ( من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حيَّ على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم )، ومن المعلوم أن أذان الفجر الأصل فيه هو الأذان الثاني، الذي هو إعلام بدخول الوقت.

الدليل الثاني: ما جاء في رواية الإمام أحمد و أبي داود من حديث أبي محذورة أنه قال: ( فإذا كانت صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم )، فقوله: فإذا كانت صلاة الصبح، دليل على ذلك؛ لأن من المعلوم أن الأذان قبل الفجر لا يسمى صبحاً، وإنما الصبح هو الفجر الثاني، هذا هو الظاهر، والله أعلم.

وأما رواية: ( فإذا أذنت الأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم )، فقالوا: أن الأذان للصلاة هو المقصود بالأول؛ لأن الإقامة معه تسمى أذاناً، فهذا هو المقصود، والله أعلم.

وعلى هذا فالسنة في قول: الصلاة خير من النوم أن تكون في الأذان الثاني، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، وكان لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت )، فهذا يدل على أن الصلاة خير من النوم تقال في الثاني، وهو الصبح، والله أعلم.

ثم اعلم أن التثويب في غير الفجر غير مشروع، بل نص بعض فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة على أن ذلك من البدع، وقد روى مجاهد عن ابن عمر :أن رجلاً أذن، فلما رأى الناس قد تأخروا نادى بالصلاة قبل الإقامة، فخرج ابن عمر من المسجد وهو يقول: أخرجتني البدعة، أخرجتني البدعة.

وهذا يدل على أنه لا يشرع للمؤذن إذا رأى الناس قد تأخروا أن يأخذ الميكرفون ويقول: أيها الناس! تعالوا إلى الصلاة، لا تتأخروا، أو اتركوا النوم، أو أيها الوالي، أو أيها السلطان، كل ذلك ليس بمشروع؛ لأن هذا نوع من الفعل الذي لم يفعله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي والسبب في ذلك، فلما لم يفعله صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي لذلك دل على أنه غير مشروع.

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه يستحب في الأذان أن يرتله، وأما في الإقامة فإنه يحدر.

أما الأذان فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعبد الله بن زيد بن عبد ربه كما عند أهل السنن: ( اذهب فألقه على بلال ؛ فإنه أندى صوتاً منك )، وهذا يدل على أن بلالاًً كان ندي الصوت، ويقوله مترسلاً.

وأما الإقامة فإن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً كان يحدر الإقامة، وليس ثمة شيء مشروع أو ثابت في السنة إلا ما رواه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر : أنه كان إذا أراد أن يقيم يحدر الإقامة، وهذا أصح ما جاء في هذا الباب.

الشيخ: الأمر الثاني: يستحب للمؤذن أن يكون قائماً.

واستدل أهل العلم على ذلك بأن قالوا: إن الملك الذي علم عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان كان قائماً على المسجد، ثم جلس بعد الأذان، ثم قام ومشى بعد الإقامة، قالوا: فهذا يدل على أن المؤذن إنما يؤذن حال القيام.

واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قم فألقه على بلال ).

ومن الأدلة أيضاً: أن أهل السنن رووا: ( أن بلالاً كان يرقى بيتاً لبني النجار ويؤذن ).

وهذا يدل على أنه كان قائماً. وهذا هو السنة؛ لأن الأذان المقصود به إعلام الناس بالصلاة، ولا يتأتى هذا في الغالب إلا أن يكون قائماً، فإن أذن قاعداً فلا حرج، لكن السنة هو القيام.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2585 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2562 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2441 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2391 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2350 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2240 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2238 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2187 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2114 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2094 استماع