خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/1800"> الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/1800?sub=65209"> فقه العبادات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فقه العبادات - الصلاة [2]
الحلقة مفرغة
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة المشاهدون والمشاهدات! أسعد الله ممساكم، وحيا الله إخوتي الكرام الحاضرين معنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً.
كنا قد توقفنا في كتاب الصلاة عند باب الأذان، حيث إننا لم نشرع في بيانه، وأما اليوم فإننا بإذن الله سوف نبدأ في هذا الباب.
ما شرع الأذان لأجله
ومن هذا شرع الأذان، وسوف نتحدث إن شاء الله عن مشروعية الأذان، وكيف حصلت، وبأي طريقة حصلت، لكن المهم هو أن الأذان يذكر في أول كتاب الصلاة؛ وذلك لأن الصلاة لا تتم في الغالب إلا بالأذان، واختلف أهل العلم: هل الأذان هو إعلام بدخول وقت الصلاة، أم هو النداء والدعاء إلى الصلاة؟ قولان للعلماء، والراجح والله تبارك وتعالى أعلم أن الأذان يشمل الأمرين، فهو الدعاء والنداء إلى الصلاة، وكذلك هو إعلام بدخول وقت الصلاة.
وإنما حدا بنا إلى هذا الأمر إرادة الجمع بين الأقوال، فإن جماهير أهل العلم لم يروا مشروعية أن يؤذن الإنسان للصلاة قبل دخول وقتها إلا في صلاة الفجر، وأن المؤذن إنما يؤذن حينما يدخل وقت الصلاة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! متى الصلاة؟ قال: فلم يجب، فأمر
فهذا يفيد أن الأذان يكون للإعلام بدخول وقت الصلاة.
الثاني: أن الأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة؛ وذلك لأن ما الأذان من يكون لأجل صلاة فائتة، ومن المعلوم أن الأذان لصلاة فائتة ليس هو إخباراً بدخول الوقت، وإنما هو دعاء ونداء إلى الصلاة.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في إحدى غزواته، فقال: من يكلأ لنا الليل؟ فقال
الزمن الذي يشرع فيه الأذان وكيفية تشريعه
والذي يظهر والله أعلم أنه ليس هناك شيء ثابت، وإنما الثابت أن الأذان لم يكن في مكة، وإنما كان في المدينة، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن الأذان شرع في أول الإسلام، ولم يكن في آخره، ولهذا اختلف العلماء في أي سنة فرض، والأشهر والأكثر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وقيل: في السنة الثانية، والذي يظهر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وكانوا قبل الأذان يتحينون للصلاة، ومعنى التحين هو أن يقولوا: بعد الصلاة بكذا وقت كذا، فيقيسون الوقت إما بقراءة، يعني بعدد الآيات، وإما بغير ذلك مما يتحينون به، ومعنى (يتحينون): يترقبون ويتربصون.
وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: ( كان الناس يجتمعون للصلاة، ويتحينون لها، وليس ينادى لها، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، وقال بعضهم: اتخذوا بوقاً مثل بوق اليهود، فقال
والذي يظهر والله أعلم أن عبد الله بن عمر إنما قال ذلك على حسب علمه، وإلا فإن أبا داود وأحمد وغيرهما رويا عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه رأى رؤيا، فقال: (بينما أنا نائم إذ جاءني ملك عليه ثوبان أخضران، قال: فدخل المسجد ثم صعد، قال: فأذن مثل أذان
قال عبد الله بن زيد : ( ثم استأخر عني ثم قعد، ثم قام فأقام فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال
قال: ( فلما جعل
وقوله: (فقد رأيت الذي رأى)، يدل على أن الرؤى إذا تواطأت وفيها من الوحدانية لله، وإثبات ربوبيته وجبروته وقيومته ووحدانيته، فإن فيها من صدق الرؤيا ما لا يخفى، ولهذا فمن تأمل ألفاظ الأذان أو ألفاظ الإقامة يجد فيها من الوحدانية، وإفراد العبودية، وكمال القيومية، وكمال القوة والقهر لله سبحانه وتعالى ما لا يخفى.
فالأذان إنما شرع برؤيا، ولكننا نقول: حينما أمر بها صلى الله عليه وسلم أصبح التشريع ليس من الرؤيا، ولكن التشريع من محمد صلى الله عليه وسلم وتقريره وموافقته عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فليس بمستساغ أن يستدل الراءون على الأحكام الشرعية بحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه بدعوى أنها رؤيا حق، فنقول: من أخبركم أنها رؤيا حق؟ أما رسول الله فإنه أعلم الناس، وإنما يصدر قوله من الوحي، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، ويقول: لا ندري، بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )، والحديث رواه أبو داود والإمام أحمد بإسناد صحيح.
إذا ثبت هذا فإننا نقول: إن الرؤيا الحق لا يلزم منها التشريع، فلربما تكون رؤيا حق يستأنس بها، ولكنها لا تكون تشريعاً إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].
المفاضلة بين الأذان والإقامة
جدل قائم في كتب الفقهاء والحديث، فقال بعضهم: إن الأذان أفضل، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور عندهم.
واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، قالوا: وهذه مزية شرف وفضل لم تتأت للإمام.
وقالوا أيضاً: ولأن المؤذن يشهد له كل من سمعه من حجر ومدر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت في غنمك وباديتك فحضرت الصلاة فأذن، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة).
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: إن الإمامة أفضل من الأذان، قالوا: فإن الإمام هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الخلفاء الراشدون، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولا يختار ربنا لرسوله إلا ما هو أفضل.
وأما ما جاء في بعض الروايات: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن) فإن الحديث ضعيف، ولو صح فإنما معناه: أن النبي أمر بالأذان، كما تقول: بنى الخليفة قصراً، فالخليفة لا يبني، إنما يبنى بأمره، والله أعلم.
وقال بعض المحققين: إن الأفضلية في الإمامة أو الأذان على حسب حال الشخص، فلربما كان الأذان في حال بعض الناس أفضل له من الإمامة، وبعض الناس الإمامة له أفضل، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية، وهذا ليس فيه دلالة على أن الإمامة أفضل من الأذان أو أن الأذان أفضل من الإمامة من حيث هي، وإنما من حيث متعلقها، والمتعلق شيء، والذات والماهية شيء آخر.
يعني: أنا أقول: هناك فرق بين أن نقول: أيهما أفضل الصلاة أم الصوم؟ لا تقل لي: يختلف، فبعض الناس أفضل في حقه الصلاة من حيث التطوع، وبعض الناس أفضل في حقه الصوم! فنحن نقول: هذا خارج محل النزاع، هذا من حيث المتعلق، لكن من حيث هو فإن الصلاة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع)، والله أعلم.
إذا ثبت هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإمامة في الجملة أفضل، وذلك لأمور:
الأمر الأول: أن الإمامة فيها من تحمل المصلين، وتعليمهم أمر دينهم، والاقتداء بهم، فكان لا يتقدمها إلا من هو أفضلهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فدل ذلك على أن هذه الميزة لا تتأتى لكل أحد، يدلك على هذا ما جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً )، وهذا يدل على الأفضلية من هذا الوجه.
وأقول: إن بعض المعاني الشرعية ربما يرد فيها فضائل، فليس معنى ذلك أن غيرها مما لم يرد فيه أقل منزلة، فإن ذلك ليس بظاهر، فإن بعض الصحابة عنده من فضائل المقامات، وإن كان ليس بأفضل من العشرة المبشرين بالجنة، وليس بأفضل من غيرهم، وهذا يدل على أن ورود فضيلة شيء لا يدل على أن غيرها مما لم يذكر أقل فضلاً، إلا باعتبار آخر، والله أعلم.
تعريف الأذان لغة واصطلاحاً
ويطلق الأذان على الاستماع كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن )، يعني: ما استمع الله.
وأما في الاصطلاح: فإن الذي يظهر والله أعلم أن الأذان في الجملة هو الدعاء والنداء إلى الصلاة بألفاظ مخصوصة.
وذلك لأن الإنسان يؤذن إما بدخول الوقت، وإما بعد دخول الوقت، وأذانه إنما هو لينادي به الآخرين.
وأما الإقامة فإنما هي من باب (أقام) إذا استنهض من قعود.
وأما في الاصطلاح فهي: الإعلام بالقيام إلى الصلاة.
الشيخ: من المعلوم أن باب الأذان إنما يذكر في كتاب الصلاة؛ لأن الصلاة لا يتم الإعلام عنها عند غالب الناس إلا بالأذان، ولهذا ( كان المسلمون حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة يتحينون الصلاة -أي يترقبون الصلاة- وليس ينادي بها أحد، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوقاً مثل بوق اليهود، فقال
ومن هذا شرع الأذان، وسوف نتحدث إن شاء الله عن مشروعية الأذان، وكيف حصلت، وبأي طريقة حصلت، لكن المهم هو أن الأذان يذكر في أول كتاب الصلاة؛ وذلك لأن الصلاة لا تتم في الغالب إلا بالأذان، واختلف أهل العلم: هل الأذان هو إعلام بدخول وقت الصلاة، أم هو النداء والدعاء إلى الصلاة؟ قولان للعلماء، والراجح والله تبارك وتعالى أعلم أن الأذان يشمل الأمرين، فهو الدعاء والنداء إلى الصلاة، وكذلك هو إعلام بدخول وقت الصلاة.
وإنما حدا بنا إلى هذا الأمر إرادة الجمع بين الأقوال، فإن جماهير أهل العلم لم يروا مشروعية أن يؤذن الإنسان للصلاة قبل دخول وقتها إلا في صلاة الفجر، وأن المؤذن إنما يؤذن حينما يدخل وقت الصلاة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي موسى : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! متى الصلاة؟ قال: فلم يجب، فأمر
فهذا يفيد أن الأذان يكون للإعلام بدخول وقت الصلاة.
الثاني: أن الأذان هو الدعاء والنداء إلى الصلاة؛ وذلك لأن ما الأذان من يكون لأجل صلاة فائتة، ومن المعلوم أن الأذان لصلاة فائتة ليس هو إخباراً بدخول الوقت، وإنما هو دعاء ونداء إلى الصلاة.
ولهذا جاء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في إحدى غزواته، فقال: من يكلأ لنا الليل؟ فقال
الشيخ: وقد اختلف العلماء متى شرع الأذان؟
والذي يظهر والله أعلم أنه ليس هناك شيء ثابت، وإنما الثابت أن الأذان لم يكن في مكة، وإنما كان في المدينة، هذا أمر.
الأمر الثاني: أن الأذان شرع في أول الإسلام، ولم يكن في آخره، ولهذا اختلف العلماء في أي سنة فرض، والأشهر والأكثر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وقيل: في السنة الثانية، والذي يظهر أن الأذان إنما فرض في السنة الأولى، وكانوا قبل الأذان يتحينون للصلاة، ومعنى التحين هو أن يقولوا: بعد الصلاة بكذا وقت كذا، فيقيسون الوقت إما بقراءة، يعني بعدد الآيات، وإما بغير ذلك مما يتحينون به، ومعنى (يتحينون): يترقبون ويتربصون.
وجاء في الصحيحين من حديث ابن عمر قال: ( كان الناس يجتمعون للصلاة، ويتحينون لها، وليس ينادى لها، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت، وقال بعضهم: اتخذوا بوقاً مثل بوق اليهود، فقال
والذي يظهر والله أعلم أن عبد الله بن عمر إنما قال ذلك على حسب علمه، وإلا فإن أبا داود وأحمد وغيرهما رويا عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه أنه رأى رؤيا، فقال: (بينما أنا نائم إذ جاءني ملك عليه ثوبان أخضران، قال: فدخل المسجد ثم صعد، قال: فأذن مثل أذان
قال عبد الله بن زيد : ( ثم استأخر عني ثم قعد، ثم قام فأقام فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، قال
قال: ( فلما جعل
وقوله: (فقد رأيت الذي رأى)، يدل على أن الرؤى إذا تواطأت وفيها من الوحدانية لله، وإثبات ربوبيته وجبروته وقيومته ووحدانيته، فإن فيها من صدق الرؤيا ما لا يخفى، ولهذا فمن تأمل ألفاظ الأذان أو ألفاظ الإقامة يجد فيها من الوحدانية، وإفراد العبودية، وكمال القيومية، وكمال القوة والقهر لله سبحانه وتعالى ما لا يخفى.
فالأذان إنما شرع برؤيا، ولكننا نقول: حينما أمر بها صلى الله عليه وسلم أصبح التشريع ليس من الرؤيا، ولكن التشريع من محمد صلى الله عليه وسلم وتقريره وموافقته عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا فليس بمستساغ أن يستدل الراءون على الأحكام الشرعية بحديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه بدعوى أنها رؤيا حق، فنقول: من أخبركم أنها رؤيا حق؟ أما رسول الله فإنه أعلم الناس، وإنما يصدر قوله من الوحي، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، ويقول: لا ندري، بيننا وبينكم كتاب الله، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )، والحديث رواه أبو داود والإمام أحمد بإسناد صحيح.
إذا ثبت هذا فإننا نقول: إن الرؤيا الحق لا يلزم منها التشريع، فلربما تكون رؤيا حق يستأنس بها، ولكنها لا تكون تشريعاً إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].
الشيخ: وهنا مسألة: أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟
جدل قائم في كتب الفقهاء والحديث، فقال بعضهم: إن الأذان أفضل، وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة في المشهور عندهم.
واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن أبي سفيان أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)، قالوا: وهذه مزية شرف وفضل لم تتأت للإمام.
وقالوا أيضاً: ولأن المؤذن يشهد له كل من سمعه من حجر ومدر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت في غنمك وباديتك فحضرت الصلاة فأذن، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس، ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة).
والقول الثاني في المسألة: هو مذهب الحنفية والمالكية، قالوا: إن الإمامة أفضل من الأذان، قالوا: فإن الإمام هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا الخلفاء الراشدون، كـأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ولا يختار ربنا لرسوله إلا ما هو أفضل.
وأما ما جاء في بعض الروايات: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن) فإن الحديث ضعيف، ولو صح فإنما معناه: أن النبي أمر بالأذان، كما تقول: بنى الخليفة قصراً، فالخليفة لا يبني، إنما يبنى بأمره، والله أعلم.
وقال بعض المحققين: إن الأفضلية في الإمامة أو الأذان على حسب حال الشخص، فلربما كان الأذان في حال بعض الناس أفضل له من الإمامة، وبعض الناس الإمامة له أفضل، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية، وهذا ليس فيه دلالة على أن الإمامة أفضل من الأذان أو أن الأذان أفضل من الإمامة من حيث هي، وإنما من حيث متعلقها، والمتعلق شيء، والذات والماهية شيء آخر.
يعني: أنا أقول: هناك فرق بين أن نقول: أيهما أفضل الصلاة أم الصوم؟ لا تقل لي: يختلف، فبعض الناس أفضل في حقه الصلاة من حيث التطوع، وبعض الناس أفضل في حقه الصوم! فنحن نقول: هذا خارج محل النزاع، هذا من حيث المتعلق، لكن من حيث هو فإن الصلاة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة خير موضوع)، والله أعلم.
إذا ثبت هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإمامة في الجملة أفضل، وذلك لأمور:
الأمر الأول: أن الإمامة فيها من تحمل المصلين، وتعليمهم أمر دينهم، والاقتداء بهم، فكان لا يتقدمها إلا من هو أفضلهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، فدل ذلك على أن هذه الميزة لا تتأتى لكل أحد، يدلك على هذا ما جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً )، وهذا يدل على الأفضلية من هذا الوجه.
وأقول: إن بعض المعاني الشرعية ربما يرد فيها فضائل، فليس معنى ذلك أن غيرها مما لم يرد فيه أقل منزلة، فإن ذلك ليس بظاهر، فإن بعض الصحابة عنده من فضائل المقامات، وإن كان ليس بأفضل من العشرة المبشرين بالجنة، وليس بأفضل من غيرهم، وهذا يدل على أن ورود فضيلة شيء لا يدل على أن غيرها مما لم يذكر أقل فضلاً، إلا باعتبار آخر، والله أعلم.
الشيخ: نعود فنقول الأذان هو الإعلام، كما قال الله تعالى: وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ [التوبة:3]، أي: إعلام من الله ورسوله.
ويطلق الأذان على الاستماع كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ( ما أذن الله لشيء أذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن )، يعني: ما استمع الله.
وأما في الاصطلاح: فإن الذي يظهر والله أعلم أن الأذان في الجملة هو الدعاء والنداء إلى الصلاة بألفاظ مخصوصة.
وذلك لأن الإنسان يؤذن إما بدخول الوقت، وإما بعد دخول الوقت، وأذانه إنما هو لينادي به الآخرين.
وأما الإقامة فإنما هي من باب (أقام) إذا استنهض من قعود.
وأما في الاصطلاح فهي: الإعلام بالقيام إلى الصلاة.
الشيخ: وقد اختلف أهل العلم في حكم الأذان والإقامة، فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن الأذان فرض كفاية على الرجال المجتمعين لأداء الصلاة.
وهذه قيود، فيخرج بذلك فرض العين، فإن الصلاة بلا أذان صحيحة.
الأذان في حق النساء
روي عن بعض السلف كـابن عمر أنه يشرع لهن، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مباح، وهذا رواية عند الحنابلة، وقال بعضهم: إن ذلك لا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح أنه أمر نساءه ولا الصحابيات بالأذان، وذلك لأن الأذان إنما شرع للمناداة إلى الصلاة، والمرأة ليس مشروعاً في حقها الجماعة، إنما تصلي وحدها، فلا معنى أن تؤذن وهي تصلي وحدها.
وهذا هو الظاهر؛ أن الأذان في حق المرأة جائز غير مشروع، يعني ليس من السنة، وأما قولنا: جائز فلفعل بعض الصحابة، فإن المعروف أن الصحابة إذا فعلوا أمراً لا يقال: بأنه بدعة، ولم نقل باستحبابه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولم يفعل في عهده صلى الله عليه وسلم.
الأذان في حق المسافرين
الأذان للصلاة المقضية
وأما لو ناموا في الحضر، وقد أذن للصلاة، ثم قاموا فلا يجب عليهم؛ لأنه قد حصلت الكفاية بأذان غيرهم، والله أعلم.
ومما يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية: ( إذا سافرتما -يعني بذلك:
الأذان في حق المنفرد
وأما قولنا: (ولا يجب)؛ فلأن الأذان في حقه مشروع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يعجب ربك من راعي غنم على شظية جبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم للصلاة؛ يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة )، وهذا الحديث رواه أهل السنن، وهو صحيح، فهذا يدل على استحباب الأذان في حق الفرد، ولم نقل بوجوبه كفرض كفائي؛ لأن الأذان إنما هو الدعاء والنداء إلى الصلاة، وهذا وحده.
ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود : ( أنه دخل عليه
حكم إقامة الصلاة
وقال بعضهم: إن الإقامة فرض في كل صلاة على الرجال المجتمعين للصلاة، وذلك لأنه لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاةً إلا بإقامة، سواء كانت مقضية أم مؤداة، مجتمعة مع غيرها أم بوقتها، فقد صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وصلى المغرب والعشاء بأذن وإقامتين، وصلى الظهر وحدها بأذان وإقامة، وصلى العصر وحدها بأذان وإقامة، وصلى الفجر في وقتها بأذان وإقامة، وصلى الفجر في غير وقتها بأذان وإقامة، مما يدل على أن الإقامة فرض على الرجال المجتمعين، وهذه رواية عند الإمام أحمد اختارها بعض المحققين، وأظنه أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهذا القول ظاهر، والله أعلم.
أما النساء فقال بعضهم: إنه يجوز للمرأة أن تقيم، ويستحب لها ذلك؛ لأن أم المؤمنين عائشة كانت تقيم للصلاة.
وقال بعضهم: إنما هو مباح.
والظاهر أن أبا العباس بن تيمية يرى أن الإقامة فرض كفاية، على كل حال القول بأنها فرض على الرجال المجتمعين قول قوي، وهو الأظهر؛ لأنه لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركها، وأما فعل الصحابة كـعبد الله بن مسعود حينما كان هو و علقمة و الأسود فصلى بغير أذان ولا إقامة، فهذا اجتهاد من عبد الله بن مسعود ، خالفه غيره من الصحابة، والله أعلم.
وعلى كل فإذا لم يوجد إلا قول عبد الله بن مسعود دل ذلك على أن الإقامة فرض كفاية، والله أعلم.
المقصود بسنية الأذان والإقامة عند المالكية
فالسنة عند المالكية لا يأثم إذا تركها مرة واحدة، لكن إذا تركها مطلقاً فإنه يأثم، كما ذكر ذلك غير واحد من المالكية، وقد أشار صاحب مراقي السعود إلى أن السنة عند المالكية إذا تركها فإنه يأثم، وإنما جعلوها سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها، ولكن الأمر بها بدليل ظني، وعلى هذا فيخطئ بعض الباحثين حينما يجد المالكية ينصون على السنية، فيظنون أنها السنة؛ المصطلح المعروف عند غيرهم من أصحاب المذاهب، وهي ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وهذا ليس بصحيح، أرأيتم في الحج! فإن الحنابلة والشافعية ينصون على بعض الأعمال بأنها واجبة، وعلى بعض الأعمال بأنها سنة، ويقولون في السنة: إنه لا يجب على من تركها دم، أما المالكية فيجعلون الواجب ما ثبت بدليل قطعي، ويجبر بدم، والسنة تجبر بدم، أما المستحب عندهم فإنه لا يجبر بدم كما في طواف الوداع في حق الحاج عند مالك رحمه الله.
أيضاً: صلاة الجماعة عند المالكية سنة، ولا يقصدون بذلك أنها يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، ولهذا قال أبو العباس بن تيمية : إنه من ترك صلاة الجماعة مطلقاً فإنه يأثم باتفاقهم، أو كلمةً نحوها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.