فقه العبادات - الطهارة [9]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها الإخوة في الله! نسعد بكم في هذا الدرس العلمي المبارك، ونكمل ما كنا قد توقفنا فيه، ونسأله سبحانه وتعالى العون والتسديد في القول والعمل.

كنا قد توقفنا -أيها الإخوة- عند نهاية شروط الوضوء، وذكرنا أن شروط الوضوء تسعة، والآن بعد أن ذكرنا فروض الوضوء، وسنن الوضوء، وكذلك شروط الوضوء، نذكر آداب الوضوء، فنقول:

استحضار نية التطهر عن الأوساخ المعنوية (المعاصي)

الشيخ: أولاً: يستحب أن يستحضر العبد حين وضوئه أنه يريد بذلك إزالة أوساخه المعنوية من المعاصي التي رأتها عيناه، أو المعاصي التي بطشتها يداه، أو المعاصي التي مشت إليها رجلاه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرج كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء.. ) الحديث.

وهذا يدل على أن الإنسان إذا أراد أن يتوضأ يستحضر ذلك، وأنه يريد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم كـأبي بكر بن القيم رحمه الله: أنه يستحب الوضوء بسبب المعصية، وقد جاء في ذلك ما يدل عليه، من ذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ( كان إذا حدثني أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإن حلف لي صدقته، وقد حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر ! فقال: إذا أذنب أحدكم ذنباً ثم ذهب فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين غفر الله له ذلك ).

فهو حينما يتوضأ ويستشعر هذا الأمر فإنه يؤجر على ذلك، وأنت إذا جئت إلى هذه النفسية وهو قصد إزالة الذنب الذي وقعت فيه بسبب رؤيتك إلى منكر، أو بسبب سماعك إلى منكر، فإنك تستحضر انكسارك وافتقارك إلى ربك، وهذا ملحظ يجب ألا يخفى علينا جميعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: ( أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً )، يعني: غسل وجهه ثلاثاً، تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه ثلاثاً.. الحديث ثم قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه إلا غفر الله له ذنبه )، وهذا يدل على وجود أمرين: حسن وضوء، وحسن صلاة، ومن منا لا يقع في الذنب؟ ومن منا لم يقع في المعصية؟ هذه نقطة.

استحباب قول الدعاء الوارد بعد الوضوء

الشيخ: ثانياً: يستحب للإنسان إذا أتم الوضوء أن يقول ما ورد، والذي ورد بعد الوضوء دعاءان صحيحان، وما عدا ذلك فهو حديث ضعيف.

أما الدعاء الأول: فما رواه مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر أنه قال: ( كانت علينا رعاية الإبل )، يعني: بعضنا يرعاها وبعضنا يبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( فجاءت نوبتي فروحتها بعشي.. ) الحديث وفيه: ( قال: ما أحسن هذا، قال عمر : التي قبلها أجود، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخلها من حيث شاء )، وهذا حديث رواه مسلم في صحيحه. فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكل ذلك وارد.

والحديث الآخر ما رواه أهل السنن و أحمد من حديث أبي سعيد الخدري موقوفاً عليه: ( أنه كان إذا توضأ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا الدعاء هو دعاء كفارة المجلس، لكنه يقال عند الوضوء: ( سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا حديث صحيح موقوف على أبي سعيد ، و أبو سعيد لا يأخذ من بني إسرائيل، فيكون له حكم الرفع، والقاعدة: أن كل صحابي يقول قولاً من الغيب وليس ممن اشتهر عنه الأخذ من بني إسرائيل فإن قوله يكون له حكم الرفع.

ومعنى (له حكم الرفع)، يعني: أنه إنما أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا الذي ورد.

وأما ما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي ، من حديث أبي إدريس الخولاني ، و أبي عثمان النهدي ، كليهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )، فهذه الزيادة منكرة، وقد أنكرها الإمام البخاري ، كما نقل ذلك الإمام الترمذي ، وضعفها الإمام الترمذي ، قال البخاري : أبو إدريس لم يسمع من عمر ، وكذلك أبو عثمان النهدي ، وعلى هذا فالحديث إنما صح من حديث عقبة بن عامر عن عمر ، كما مر في رواية مسلم بدون هذه الزيادة، أما رواية أبي إدريس الخولاني و أبي عثمان النهدي عن عمر ، فإن ذلك منقطع.

وقد جاءت رواية أخرى قريبة من ذلك رواها البيهقي من طريق زيد العمي ، عن ابن عمر و أنس ، وقد قلنا مراراً وتكراراً: إن زيداً العمي ضعيف، وعلى هذا فإن قول: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين )، رواية ضعيفة، وأنا على علم أن لها طريقين، ولكنهما رواية ضعيفة، وحسبك بالإمام البخاري أنه قال: كل أحاديث الباب ضعيفة، وكذلك الترمذي رحمة الله تعالى على الجميع.

كذلك مما جاء في بعض الروايات: ( أنه رفع ببصره إلى السماء )، فإن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد ، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر، وهذا الحديث ضعيف، وفيه: ( أنه توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء فقال.. ) الحديث، فرواية رفع البصر إلى السماء رواية ضعيفة؛ فإن في سندها زهرة بن معبد ، وهو ضعيف الحديث.

وعلى هذا فإن ما يقوله بعض العامة من استقبال القبلة، ورفع الإصبع: أشهد أن لا إله إلا الله، ليس له أصل، ولكن من العادة أن الإنسان إذا تشهد فرفع إصبعه فلا حرج، ولكن هل يستقبل القبلة أو لا يستقبل القبلة؟ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء. وأما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ورفع الإصبع فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها في قوله: ( أحد أحد؛ فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )؛ وذلك لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم رأى سعد بن أبي وقاص يرفع إصبع يمنى وإصبع يسىرى، فقال له: أحد أحد -يعني: بإصبع واحدة- فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم. هذا هو الذي جاء في الوضوء.

الاستعانة في الوضوء

الشيخ: ومن المسائل في الوضوء: حكم الإعانة على الوضوء، والمقصود بالإعانة على الوضوء هو أن يصب عليه الماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه صب عليه بعض أصحابه من الماء كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ، وجاء أنه يتوضأ من الإداوة، كما جاء ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيحين، ( فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزة، فيتوضأ بالماء )، وهذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يتوضأ بنفسه، وأحياناً يصب عليه بعض الناس، أما المداومة على أن يخدمه الآخرون فهذا ليس من المشروعية لمن كان ذلك يظن أنه مشروع وليس من الخلق الحسن أن يكون الإنسان دائماً يخدمه الآخرون، ولهذا قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد)! لكن لو وضأه أحد، أو صب عليه الماء أحد فلا حرج.

أما أن يقوم أحد بإمرار الماء على يديه ويمسح مرافقه، فإن كان لحاجة مثل المريض ونوى رفع الحدث، فجاء ابنه أو قريبه يصب الماء ويمر الماء على أعضائه ويفركها بيد هذا الرجل، ونوى المريض رفع الحدث، فهل يرفع حدثه؟ نقول: يرفع حدثه إن شاء الله، وأما لو صنع به وهو مغمىً عليه، أو وهو نائم فإن ذلك لا ينفع، والله أعلم.

تنشيف الأعضاء بعد الوضوء

الشيخ: من المسائل أيضاً: استعمال المنشفة، فإنا قد قلنا: إنه لا يصح حديث في الباب، يعني: لا يصح حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالمنشفة أو نهى عن المنشفة، أو أمر بالمنديل أو نهى عن المنديل، وأصح شيء في الباب هو ما جاء في الصحيحين من حديث ميمونة ، قالت: ( فأتيته بالمنديل فرده، فجعل ينفض الماء بيده )، فهذا نقول: إنه لا بأس باستعمال المنشفة في الوضوء، وقد قال ابن عباس بسند لا بأس به: ( كانوا لا يرون بالمنديل بأساً )، و ابن عباس حينما يقول هذا فإنما يقوله عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

وعلى هذا فالأصل أن للإنسان أن ينشف أعضاءه بالمنديل أو بالخرقة ونحوها، وله أن يترك.

وأما ما جاء في حديث ميمونة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد المنديل وجعل ينفض الماء بيده )، فنقول: الجواب على ذلك أنها قضية عين، وقضايا الأعيان لا يقاس عليها، فلربما ترك صلى الله عليه وسلم ذلك لأجل أنه يحب أن يبقى الماء عليه لأجل التبرد، نقول: وذلك بدليل أنه جعل ينفض الماء بيده، فلو كان المقصود هو عدم إزالة آثار العبادة فنقول: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نفض ذلك، فهذا يدل على أنه لا حرج في ذلك إن شاء الله.

فالحاصل أنه سواء نشف الأعضاء أو تركها كل ذلك جائز، وليس من التعبد في شيء، والله تبارك وتعالى أعلم.

إذا ثبت هذا فإننا نكون قد انتهينا من باب السواك وباب الوضوء، ونشرع في باب آخر وهو باب المسح على الخفين.

الشيخ: أولاً: يستحب أن يستحضر العبد حين وضوئه أنه يريد بذلك إزالة أوساخه المعنوية من المعاصي التي رأتها عيناه، أو المعاصي التي بطشتها يداه، أو المعاصي التي مشت إليها رجلاه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرج كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء.. ) الحديث.

وهذا يدل على أن الإنسان إذا أراد أن يتوضأ يستحضر ذلك، وأنه يريد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم كـأبي بكر بن القيم رحمه الله: أنه يستحب الوضوء بسبب المعصية، وقد جاء في ذلك ما يدل عليه، من ذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ( كان إذا حدثني أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإن حلف لي صدقته، وقد حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر ! فقال: إذا أذنب أحدكم ذنباً ثم ذهب فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين غفر الله له ذلك ).

فهو حينما يتوضأ ويستشعر هذا الأمر فإنه يؤجر على ذلك، وأنت إذا جئت إلى هذه النفسية وهو قصد إزالة الذنب الذي وقعت فيه بسبب رؤيتك إلى منكر، أو بسبب سماعك إلى منكر، فإنك تستحضر انكسارك وافتقارك إلى ربك، وهذا ملحظ يجب ألا يخفى علينا جميعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: ( أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً )، يعني: غسل وجهه ثلاثاً، تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه ثلاثاً.. الحديث ثم قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه إلا غفر الله له ذنبه )، وهذا يدل على وجود أمرين: حسن وضوء، وحسن صلاة، ومن منا لا يقع في الذنب؟ ومن منا لم يقع في المعصية؟ هذه نقطة.

الشيخ: ثانياً: يستحب للإنسان إذا أتم الوضوء أن يقول ما ورد، والذي ورد بعد الوضوء دعاءان صحيحان، وما عدا ذلك فهو حديث ضعيف.

أما الدعاء الأول: فما رواه مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر أنه قال: ( كانت علينا رعاية الإبل )، يعني: بعضنا يرعاها وبعضنا يبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( فجاءت نوبتي فروحتها بعشي.. ) الحديث وفيه: ( قال: ما أحسن هذا، قال عمر : التي قبلها أجود، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخلها من حيث شاء )، وهذا حديث رواه مسلم في صحيحه. فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكل ذلك وارد.

والحديث الآخر ما رواه أهل السنن و أحمد من حديث أبي سعيد الخدري موقوفاً عليه: ( أنه كان إذا توضأ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا الدعاء هو دعاء كفارة المجلس، لكنه يقال عند الوضوء: ( سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا حديث صحيح موقوف على أبي سعيد ، و أبو سعيد لا يأخذ من بني إسرائيل، فيكون له حكم الرفع، والقاعدة: أن كل صحابي يقول قولاً من الغيب وليس ممن اشتهر عنه الأخذ من بني إسرائيل فإن قوله يكون له حكم الرفع.

ومعنى (له حكم الرفع)، يعني: أنه إنما أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا الذي ورد.

وأما ما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي ، من حديث أبي إدريس الخولاني ، و أبي عثمان النهدي ، كليهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )، فهذه الزيادة منكرة، وقد أنكرها الإمام البخاري ، كما نقل ذلك الإمام الترمذي ، وضعفها الإمام الترمذي ، قال البخاري : أبو إدريس لم يسمع من عمر ، وكذلك أبو عثمان النهدي ، وعلى هذا فالحديث إنما صح من حديث عقبة بن عامر عن عمر ، كما مر في رواية مسلم بدون هذه الزيادة، أما رواية أبي إدريس الخولاني و أبي عثمان النهدي عن عمر ، فإن ذلك منقطع.

وقد جاءت رواية أخرى قريبة من ذلك رواها البيهقي من طريق زيد العمي ، عن ابن عمر و أنس ، وقد قلنا مراراً وتكراراً: إن زيداً العمي ضعيف، وعلى هذا فإن قول: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين )، رواية ضعيفة، وأنا على علم أن لها طريقين، ولكنهما رواية ضعيفة، وحسبك بالإمام البخاري أنه قال: كل أحاديث الباب ضعيفة، وكذلك الترمذي رحمة الله تعالى على الجميع.

كذلك مما جاء في بعض الروايات: ( أنه رفع ببصره إلى السماء )، فإن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد ، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر، وهذا الحديث ضعيف، وفيه: ( أنه توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء فقال.. ) الحديث، فرواية رفع البصر إلى السماء رواية ضعيفة؛ فإن في سندها زهرة بن معبد ، وهو ضعيف الحديث.

وعلى هذا فإن ما يقوله بعض العامة من استقبال القبلة، ورفع الإصبع: أشهد أن لا إله إلا الله، ليس له أصل، ولكن من العادة أن الإنسان إذا تشهد فرفع إصبعه فلا حرج، ولكن هل يستقبل القبلة أو لا يستقبل القبلة؟ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء. وأما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ورفع الإصبع فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها في قوله: ( أحد أحد؛ فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )؛ وذلك لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم رأى سعد بن أبي وقاص يرفع إصبع يمنى وإصبع يسىرى، فقال له: أحد أحد -يعني: بإصبع واحدة- فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم. هذا هو الذي جاء في الوضوء.

الشيخ: ومن المسائل في الوضوء: حكم الإعانة على الوضوء، والمقصود بالإعانة على الوضوء هو أن يصب عليه الماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه صب عليه بعض أصحابه من الماء كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ، وجاء أنه يتوضأ من الإداوة، كما جاء ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيحين، ( فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزة، فيتوضأ بالماء )، وهذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يتوضأ بنفسه، وأحياناً يصب عليه بعض الناس، أما المداومة على أن يخدمه الآخرون فهذا ليس من المشروعية لمن كان ذلك يظن أنه مشروع وليس من الخلق الحسن أن يكون الإنسان دائماً يخدمه الآخرون، ولهذا قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد)! لكن لو وضأه أحد، أو صب عليه الماء أحد فلا حرج.

أما أن يقوم أحد بإمرار الماء على يديه ويمسح مرافقه، فإن كان لحاجة مثل المريض ونوى رفع الحدث، فجاء ابنه أو قريبه يصب الماء ويمر الماء على أعضائه ويفركها بيد هذا الرجل، ونوى المريض رفع الحدث، فهل يرفع حدثه؟ نقول: يرفع حدثه إن شاء الله، وأما لو صنع به وهو مغمىً عليه، أو وهو نائم فإن ذلك لا ينفع، والله أعلم.