عمدة الفقه - كتاب النكاح [18]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المشاهدون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية, حيث يشرح فيه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي , وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية, كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامة المقدسي , فباسمكم جمعياً نرحب بضيفنا الشيخ عبد الله , فأهلاً ومرحباً بكم!

الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

الشيخ: ترحيبنا موصول بكم وبالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك, ونسعد كثيراً بتواصلكم مع هذا الدرس من خلال اتصالاتكم الهاتفية على أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم, وكذلك عبر تواصلكم المبارك عبر موقع الأكاديمية من خلال إرسال الأسئلة, أو الإجابات التي يطرحها الشيخ في أسئلته في ختام كل درس, كما هي عادة البرنامج.

يا شيخ! نستأذنكم بأن نستعرض كالعادة بداية كل حلقة وكل درس الإجابات عن السؤال الماضي.

الشيخ: تفضل!

المقدم: كان السؤال الذي طرحتموه -أحسن الله إليكم- عن حكم البداءة في القسم لبعض الأزواج دون بعض, أو السفر بها بدون قرعة، مع الدليل؟

كانت هناك إجابات متنوعة وردت للبرنامج, أولى هذه الإجابات التي وردت إجابة الأخت خديجة من المغرب، تقول في إجابتها:

أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، وجزاكم الله الفردوس الأعلى مع الأنبياء والأبرار الصالحين بدون حساب ولا عقاب, وحفظكم الله من شر الأعداء!

جواب السؤال الأول: ما حكم البداءة في القسم لبعض أزواجه دون بعض, أو السفر بها بدون قرعة مع الدليل؟

ليس للزوج أن يقدم بعض أزواجه على بعض في بداية القسم إلا برضاهن؛ لأن البداءة بها دون غيرها فيها تفضيل لها, والتسوية بينهن واجبة؛ لقول الله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ [النساء:129], وقال تعالى أيضاً: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

ولا يسوغ له أيضاً أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة أو برضاهن؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا أراد السفر أقرع بين نسائه, فمن خرج سهمها, خرج بها معه ), أخرجه الإمام البخاري .

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

إجابة الأخت جيدة, لكني أحب أن تكون هناك مصطلحات شرعية؛ لأنه (ليس للزوج) و(لا يسوغ), هذه قد يقال فيها الكراهة، وقد يقال فيها التحريم, وقد يقال فيها الوجوب, وقد يقال فيها ترك الاستحباب؛ ولهذا كان الأولى بالأخت أن تقول: لا يجوز للزوج أن يبدأ بإحدى زوجاته, أو بإحدى نساءه قبل غيرها؛ لأن ذلك فيه تفضيل, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما, جاء يوم القيامة وشقه مائل ), ومن المعلوم أن هذا العقاب دليل على أنه ترك أمر واجباً.

وعلى هذا فينبغي أن تقول الأخت: (لا يجوز), وإن كان المؤلف قال: ليس له البداءة، لكننا ذكرنا في سؤالنا: ما الحكم؟ ولهذا كان الأولى أن يقال: (لا يجوز), أو (يجب), أو (يحرم)، وغير ذلك مما سبق ذكره, وعلى هذا فالإجابة جيدة, لكني أحب أن تكون الإجابة على أحد الأحكام التكليفية الخمسة.

المقدم: أحسن الله إليكم! الإجابات التي وردت, نستعرض أسماء أصحابها:

الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية أيضاً أرسل بإجابة, الأخت جميلة من العراق, مريم من السعودية و خلود من السعودية, عزيزة باخلعة من السعودية, مصعب من المغرب, الأخت أسماء من مصر, و أم ياسر من السعودية, سمر من الأردن, نورة من السعودية, هذه أبرز الإجابات التي وردت.

الشيخ: جزاهم الله خيراً, لعلنا نبدأ درسنا هذا اليوم.

المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ فصل في آداب الجماع:

ويستحب التستر عند الجماع, وأن يقول ما رواه ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ).

الشيخ: اقرأ الفصل الذي بعده.

المقدم: [ فصل في النشوز:

وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً, فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها, كما فعلت سودة حين خافت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن خاف الرجل نشوز امرأته وعظها, فإن أظهرت نشوزاً هجرها في المضجع, فإن لم يردعها ذلك فله أن يضربها ضرباً غير مبرح.

وإن خيف الشقاق بينهما بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها, مأمونين يجمعان إن رأيا أو يفرقان, فما فعلا من ذلك لزمهما ].

عظمة هذا الدين في بيان كل ما يحتاج إليه من الأحكام

الشيخ: أحسنت!

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بداية أيها الإخوة! نحمد الله سبحانه وتعالى أن هدانا إلى الإسلام، وأن أعاننا على الالتزام بالدين, وكلما كان المسلم ملتزماً بدين الله سبحانه وتعالى، عالماً أحكام دينه وسنن وشرائعه, كان لله أعرف, وكان لدينه أثبت وأحكم.

هذا الدين العظيم بين للناس كل شيء حتى إتيان الرجل أهله, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كمال هذا الدين, وسعته وإدراكه, ومن العجب أن تجد من يتحدث بأن الإسلام لا دخل له بالسياسة, أو أن الإسلام لا دخل له بالاقتصاد, أو أن الإسلام لا دخل له بالعلاقات الاجتماعية, أو أن الإسلام لا دخل له بين الإنسان وبين حياته وحريته.

وإذا كان الإسلام قد بين وذكر أحكاماً تتعلق بما بين الرجل وبين أهله, فإن هذا الدين جدير بأن لا يترك الناس غوغاء لا سراة لهم, ولا حكم لهم, ولا دين لهم, ولا اجتماع ولا اقتصاد, فكل ذلك قد بينه صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يطير في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علماً ) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام!

وقد قال اليهودي كما في صحيح مسلم : ( قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان الفارسي : أجل ). انظر إلى قوة التمسك! لم يرها نوعاً من الازدراء فاستحيا, أو أثر عليه ضغط المجتمع أو ضغط الواقع كما يقال! ولكنه قال: ( أجل! قد علمنا كل شيء, حتى الخراءة, وأمرنا ألا نستنجي برجيع أو عظم, وألا نستنجي باليمين ).

وهذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يفتخر بما حباه الله سبحانه وتعالى من العلم, وأن يفتخر بدين الله سبحانه وتعالى وهدايته وتوفيقه, هذا الدين الكامل قد بين لنا ما هي الآداب الذي ينبغي للإنسان أن يصنعها إذا أراد أن يأتي أهله.

من آداب الجماع التستر عند الجماع

الشيخ: قال المؤلف: (فصل في آداب الجماع), يعني هذا فصل في الآداب التي ينبغي للزوج والزوجة أن يأتياها, وقد ذكرنا قول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

قال المؤلف: (يستحب التستر عند الجماع), فالتستر عند الجماع جاء عند ابن ماجه والإمام أحمد بسند ضعيف, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر, ولا ينكشف انكشاف العير ), وهذا الحديث ضعيف.

وفي حديث أبي سعيد وإن كان في سنده ضعف: ( إن الله ليمقت الرجل كاشف عورته, فإن الله يمقت من ذلك ), وهذا الحديث أيضاً ضعفه النسائي وغيره.

وأصح شيء في الباب هو قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث معاوية بن قرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أحق أن يستحيا منه, فاحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ), ومعنى زوجتك أو ما ملكت يمينك، بأن يأتي الإنسان أهله, وبطبيعة الحال سوف يرون عورته, ولكن لا ينكشف انكشاف العير؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحق أن يستحيا منه، هذا هو الدليل على استحباب التستر.

من آداب الجماع التنظف والتطيب

الشيخ: ومن الآداب أيضاً: استحباب أن يأتي الرجل إلى أهله متنظفاً متطيباً, وأن تأتي المرأة إلى زوجها متنظفة متطيبة, ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

وقد قال ابن عباس كما عند البيهقي بإسناد صحيح: إني لأحب أن أتجمل لأهلي كما أحب أن يتجمل لي أهلي.

وهذا دليل على أنه كان يتطيب, ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العصر اقترب من نساءه, غير أنه لا يأتيهن, قالت: وكانت يشتد أن توجد منه الريح ), فهذا دليل على أنه عليه الصلاة والسلام طيب كله كلامه وعرقه وجسده, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

من آداب الجماع الدعاء قبل الجماع

الشيخ: وهناك مستحبات أخرى، ومنها:

إذا أراد الإنسان أن يأتي أهله أن يقول ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : (لو أن أحدكم), في بعض الروايات: (لو أن أحدهم), وهذا أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم, أراد ألا يخدش حياءهم, وكان عليه الصلاة والسلام حيياً بأبي هو وأمي، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها ).

ولهذا قال: كما في رواية مسلم : ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان, وجنب الشيطان ما زرقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ).

وقوله: (لم يضره الشيطان أبداً), اختلف العلماء فيها: فقال بعضهم: لم يضره الشيطان حين خروجه؛ لأنه جاء في الصحيح: ( أن الشيطان ينخز ابن آدم إذا خرج من بطن أمه, إلا عيسى عليه السلام )، وهذا يدل عليه أنه قال: (لم يضره), ولم يقل: لم يصبه, وفرق بين الأمرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين عدم الضرر, ولم يبين عدم الإصابة, وقد يصاب ولكن ذلك لا يضره.

واختلف أهل العلم هل يقول هذا القول الرجل فقط، أم يقوله الرجل والمرأة؟ لم يرد فيه شيء ثابت, إلا أن القاعدة: أن النساء شقائق الرجال, فلو أن المرأة قالت ذلك, وهو حسن, فهو نور على نور, هذا والله أعلم.

وقال بعض أهل العلم: إن الحديث مخاطب به الرجل, ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله )؛ ولأنه هو الفاعل, فقال ذلك من باب أنه هو الذي يريد هذا الأمر.

ونقول: لا حرج أن تقول المرأة هذا؛ لأن هذا فيه تحصيل مقصود الشارع, وهو قوله: ( فإنه إن يقض بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً ), وهذا لعله يكون أقرب, أعني أن يقوله الرجل والمرأة.

المقدم: الحكم فيما لو نسي ثم تذكر فيما بعد؟

الشيخ: لو انتهى من إتيانه أهله, فقد قال بعض أهل العلم: إن هذه سنة فات محلها, وعلى قول من قال: إنه تقضى السنن, فلا حرج أن يقولها, لكن السنة ثابتة أنه قبل أن يأتي أهله, أو وهو يأتيهم.

من آداب الجماع ألا يكثر الكلام عند الجماع

الشيخ: من السنن أيضاً: ألا يكثر الكلام؛ جاء في بعض الروايات كما رواه الأثرم وأبو عمرو بن حفص : (إذا أتى أحدكم أهله فلا يكثر من الكلام, فإن منه الفأفأة), وهذا الحديث ضعيف, لكن أهل العلم منعوا من كثرة الكلام؛ لأن الإنسان ربما يقول كلاماً لا يعيه, فالأولى ألا يكثر الإنسان الكلام.

انتهينا من هذا الباب, فندخل في فصل النشوز.

الشيخ: أحسنت!

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

بداية أيها الإخوة! نحمد الله سبحانه وتعالى أن هدانا إلى الإسلام، وأن أعاننا على الالتزام بالدين, وكلما كان المسلم ملتزماً بدين الله سبحانه وتعالى، عالماً أحكام دينه وسنن وشرائعه, كان لله أعرف, وكان لدينه أثبت وأحكم.

هذا الدين العظيم بين للناس كل شيء حتى إتيان الرجل أهله, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على كمال هذا الدين, وسعته وإدراكه, ومن العجب أن تجد من يتحدث بأن الإسلام لا دخل له بالسياسة, أو أن الإسلام لا دخل له بالاقتصاد, أو أن الإسلام لا دخل له بالعلاقات الاجتماعية, أو أن الإسلام لا دخل له بين الإنسان وبين حياته وحريته.

وإذا كان الإسلام قد بين وذكر أحكاماً تتعلق بما بين الرجل وبين أهله, فإن هذا الدين جدير بأن لا يترك الناس غوغاء لا سراة لهم, ولا حكم لهم, ولا دين لهم, ولا اجتماع ولا اقتصاد, فكل ذلك قد بينه صلى الله عليه وسلم.

ولهذا قال أبو ذر رضي الله عنه: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من طائر يطير في السماء إلا وقد ذكر لنا منه علماً ) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام!

وقد قال اليهودي كما في صحيح مسلم : ( قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ فقال سلمان الفارسي : أجل ). انظر إلى قوة التمسك! لم يرها نوعاً من الازدراء فاستحيا, أو أثر عليه ضغط المجتمع أو ضغط الواقع كما يقال! ولكنه قال: ( أجل! قد علمنا كل شيء, حتى الخراءة, وأمرنا ألا نستنجي برجيع أو عظم, وألا نستنجي باليمين ).

وهذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يفتخر بما حباه الله سبحانه وتعالى من العلم, وأن يفتخر بدين الله سبحانه وتعالى وهدايته وتوفيقه, هذا الدين الكامل قد بين لنا ما هي الآداب الذي ينبغي للإنسان أن يصنعها إذا أراد أن يأتي أهله.

الشيخ: قال المؤلف: (فصل في آداب الجماع), يعني هذا فصل في الآداب التي ينبغي للزوج والزوجة أن يأتياها, وقد ذكرنا قول الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

قال المؤلف: (يستحب التستر عند الجماع), فالتستر عند الجماع جاء عند ابن ماجه والإمام أحمد بسند ضعيف, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر, ولا ينكشف انكشاف العير ), وهذا الحديث ضعيف.

وفي حديث أبي سعيد وإن كان في سنده ضعف: ( إن الله ليمقت الرجل كاشف عورته, فإن الله يمقت من ذلك ), وهذا الحديث أيضاً ضعفه النسائي وغيره.

وأصح شيء في الباب هو قوله صلى الله عليه وسلم كما عند أهل السنن من حديث معاوية بن قرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله أحق أن يستحيا منه, فاحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ), ومعنى زوجتك أو ما ملكت يمينك، بأن يأتي الإنسان أهله, وبطبيعة الحال سوف يرون عورته, ولكن لا ينكشف انكشاف العير؛ لأن الله سبحانه وتعالى أحق أن يستحيا منه، هذا هو الدليل على استحباب التستر.

الشيخ: ومن الآداب أيضاً: استحباب أن يأتي الرجل إلى أهله متنظفاً متطيباً, وأن تأتي المرأة إلى زوجها متنظفة متطيبة, ودليل ذلك قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19].

وقد قال ابن عباس كما عند البيهقي بإسناد صحيح: إني لأحب أن أتجمل لأهلي كما أحب أن يتجمل لي أهلي.

وهذا دليل على أنه كان يتطيب, ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: ( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العصر اقترب من نساءه, غير أنه لا يأتيهن, قالت: وكانت يشتد أن توجد منه الريح ), فهذا دليل على أنه عليه الصلاة والسلام طيب كله كلامه وعرقه وجسده, بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

الشيخ: وهناك مستحبات أخرى، ومنها:

إذا أراد الإنسان أن يأتي أهله أن يقول ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس : (لو أن أحدكم), في بعض الروايات: (لو أن أحدهم), وهذا أسلوب من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم, أراد ألا يخدش حياءهم, وكان عليه الصلاة والسلام حيياً بأبي هو وأمي، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها ).

ولهذا قال: كما في رواية مسلم : ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: اللهم جنبنا الشيطان, وجنب الشيطان ما زرقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً ).

وقوله: (لم يضره الشيطان أبداً), اختلف العلماء فيها: فقال بعضهم: لم يضره الشيطان حين خروجه؛ لأنه جاء في الصحيح: ( أن الشيطان ينخز ابن آدم إذا خرج من بطن أمه, إلا عيسى عليه السلام )، وهذا يدل عليه أنه قال: (لم يضره), ولم يقل: لم يصبه, وفرق بين الأمرين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين عدم الضرر, ولم يبين عدم الإصابة, وقد يصاب ولكن ذلك لا يضره.

واختلف أهل العلم هل يقول هذا القول الرجل فقط، أم يقوله الرجل والمرأة؟ لم يرد فيه شيء ثابت, إلا أن القاعدة: أن النساء شقائق الرجال, فلو أن المرأة قالت ذلك, وهو حسن, فهو نور على نور, هذا والله أعلم.

وقال بعض أهل العلم: إن الحديث مخاطب به الرجل, ( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله )؛ ولأنه هو الفاعل, فقال ذلك من باب أنه هو الذي يريد هذا الأمر.

ونقول: لا حرج أن تقول المرأة هذا؛ لأن هذا فيه تحصيل مقصود الشارع, وهو قوله: ( فإنه إن يقض بينهما بولد لم يضره الشيطان أبداً ), وهذا لعله يكون أقرب, أعني أن يقوله الرجل والمرأة.

المقدم: الحكم فيما لو نسي ثم تذكر فيما بعد؟

الشيخ: لو انتهى من إتيانه أهله, فقد قال بعض أهل العلم: إن هذه سنة فات محلها, وعلى قول من قال: إنه تقضى السنن, فلا حرج أن يقولها, لكن السنة ثابتة أنه قبل أن يأتي أهله, أو وهو يأتيهم.

الشيخ: من السنن أيضاً: ألا يكثر الكلام؛ جاء في بعض الروايات كما رواه الأثرم وأبو عمرو بن حفص : (إذا أتى أحدكم أهله فلا يكثر من الكلام, فإن منه الفأفأة), وهذا الحديث ضعيف, لكن أهل العلم منعوا من كثرة الكلام؛ لأن الإنسان ربما يقول كلاماً لا يعيه, فالأولى ألا يكثر الإنسان الكلام.

انتهينا من هذا الباب, فندخل في فصل النشوز.

تعريف النشوز لغة واصطلاحاً

الشيخ: النشوز: من النشز، والنشز في اللغة: هو كل شيء ارتفع وعلا, فكأن المرأة ارتفعت وتعالت عن الحقوق الواجبة التي فرض عليها إتيانها.

والنشوز في الاصطلاح: هو كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه؛ لسوء عشرته أو عدم ملاءمة فيما بينهما.

وهذا التعريف ينطبق عليهما جميعاً.

وأما إذا نظرنا إلى نشوز المرأة فنقول: هو معصيتها إياه, وعدم إتيانها ما وجب عليها, هذا تعريف نشوز المرأة, والأول تعريف لهما جميعاً.

التعريف الثالث وهو تعريف من حيث ما يتعلق بالرجل: وهو كراهية الرجل أهله, والخوف من عدم إعطائها حقها, فيبين لها ذلك فيقول: لا أريد أن أظلمك, فإن شئت أن أطلقك, أو شئت أن أسقط حقوقك, أو تكون المرأة تخاف من زوجها ذلك, فإنها تقول: أبقني على عصمة الزوجية, وحق النفقة أو حق الكسوة أو حق البيتوتة قد أسقطته لأجل هذا, كما سوف يأتي بيانه.

معنى خوف المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً

الشيخ: المؤلف هنا بدأ بنشوز الزوج قال: (وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً), أي: كما قال الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

ومعنى (أن يصلحا بينهما صلحاً): أن يتصالحا في إبقاء الزوجية وإسقاط بعض حقوق المرأة التي وجبت لها في أصل العقد, هذا هو معنى الآية.

ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين أن سودة بنت زمعة حينما كبرت وخشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ( يا رسول الله! يومي لـعائشة, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم يوم عائشة لـعائشة , ويوم سودة لـعائشة )،كما مر معنا ذلك, والحديث متفق عليه, وهذا معنى نشوز الرجل عن المرأة, وهو خوف المرأة من تسريحها من قبل زوجها, وعدم وفائه بحقها, فإن المرأة تبادره بذلك.

وقوله تعالى: أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128], أحياناً الرجل يعرض عن المرأة.

وهنا بالمناسبة ينبغي أن نبين ما هذا الإعراض, والإعراض هو عدم الارتياح, فلا يسوغ للزوج أن يبقي امرأته معه ولا يعفها؛ لأن بعض الرجال يبقي المرأة معه ولا يبين لها ذلك, فيقول: أنا مصروف أو غير ذلك, فلا يجوز له ذلك, بل ينبغي له أن يبين لها؛ لأن لها حقاً في البيتوتة وفي المعاشرة, فلابد له أن يعف المرأة, فإن لم يستطع فلا يسوغ له أن يبقيها خوفاً على أولاده كما يفعله بعض الناس, بل أن يعطيها حقها؛ لأن حقها في العقد أولى من حقه في تربية أبنائه, وإن كان ينبغي له أن ينظر المصلحة في ذلك, وأن يقاوم نفسه, وألا يتذرع بتذرعات العوام كما يقولون: أنا مصروف, أو مسحور, أو معيون, وهذا كله من هوى النفس في الغالب.

إسقاط المرأة بعض حقوقها المتبقي مع الزوج

المقدم: لكن إذا أسقطت حقها؟

الشيخ: إذا أسقطت حقها فنعم, أما أنها تطالبه بذلك ويقول: لا, أنا مصروف فينبغي له أن يبحث عن العلاج الشرعي المعروف من الرقية أو الطب أو غير ذلك, أما أن يبقى ويقول: أنا مصروف بهذه الطريقة, فلا يسوغ له ذلك؛ لأن للمرأة حقاً, والله أعلم.

الشيخ: يقول المؤلف: (فلا بأس أن تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها), حقوق المرأة أربعة: النفقة والبيتوتة والكسوة والسكنى, هذا حق المرأة الواجب.

الحق الباقي هو الحق الذي في حكم الاستحباب، وهو قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ [النساء:19], بأن لا يستثقل هذا الأمر.

والعجب أنك تجد بعض الناس يستثقل معاشرته أهله, بمعنى ملاطفته لأهله, وهذا لا ينبغي له ذلك, ينبغي أن يقاوم نفسه, وأن يعدل؛ خاصة إذا كان له زوجتان.

يقول المؤلف: (بإسقاط بعض حقوقها), فتسقط النفقة, أو تسقط الكسوة, أو تسقط البيتوتة, أو تسقط السكنى, لكن هذا الإسقاط هو نوع من الصلح بينهما, فلو أسقطت المرأة حق السكنى مثلاً, أو حق البيتوتة, ورفض الزوج, فنقول له: إذاً لابد أن تعطيها حقها أو تطلق, فإن رفض فلابد أن يكون هناك صلح رضا بينهما, أما إن تقول: أنا مسامحة, فهذا حقها أسقطته, لكن هذا الحق الذي أسقطته لها أن ترجع إليه.

حكم رجوع المرأة عما أسقطته من حقوقها

الشيخ: وعلى هذا فنقول: يجوز للمرأة بعد إبرام العقد أن تسقط بعض حقوقها, ويكون هذا نوعاً من الإبراء, ودليله ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة في قصة سودة , حينما أسقطت البيتوتة وجعلتها لـعائشة .

ولها أيضاً أن ترجع عن هذا وتطالب زوجها بأن يعدل في البيتوتة, أو يعدل في القسم, أو يعدل في الكسوة ونحو ذلك, ورجوعها هذا دليله, أي: لأن هذا هبة, والهبة تلزم بالقبض, وعلى هذا فما مضى قد قبض, وما لم يحصل -يعني مستقبلاً-لم يتم قبضه, فللإنسان الرجوع؛ لأن القاعدة أن الهبة تلزم بالقبض, والأيام الماضية لا يسوغ لها أن تطالب زوجها بأن يعطيها حقوقها التي فاتت؛ لأنها هبة قد قبضت.

وأما ما كان في الأمر المستقبل فنقول: هبة لم تقبض, يجوز للإنسان أن يرجع إليه, مثلما لو قلت: يا أبا عبد الرحمن ! سوف أعطيك ألف ريال, فهل يلزمني؟ لا يلزم, هذا مذهب جماهير أهل العلم, خلافاً لـمالك ؛ لأن مالكاً يقول: تلزم إذا قال أبو عبد الرحمن : نعم, فيكون إيجاباً وقبولاً, لكن الجمهور قالوا: لا تلزم؛ لأنها لا تلزم إلا بالقبض.

واستدلوا على ذلك بما رواه ابن أبي شيبة أن أبا بكر رضي الله عنه قد أعطى عائشة شيئاً من الجذاذ من التمر في مزرعة, ولم تقبضه عائشة حتى كان أبو بكر في مرضه الذي مات فيه, فقال: يا بنية! إني كنت قد نحلتك شيئاً من ذلك, وأما اليوم فإنما أنتم فيه شركاء, وهذا يدل على أن الهبة إذا لم تقبض يجوز الرجوع فيها.

عرفنا الآن أن العود أو الرجعة عن ما ثبت إسقاطه يجوز؛ لأنها هبة لم تقبض, كما مر معنا, والخلاف في الهبة مرت.

الشيخ: النشوز: من النشز، والنشز في اللغة: هو كل شيء ارتفع وعلا, فكأن المرأة ارتفعت وتعالت عن الحقوق الواجبة التي فرض عليها إتيانها.

والنشوز في الاصطلاح: هو كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه؛ لسوء عشرته أو عدم ملاءمة فيما بينهما.

وهذا التعريف ينطبق عليهما جميعاً.

وأما إذا نظرنا إلى نشوز المرأة فنقول: هو معصيتها إياه, وعدم إتيانها ما وجب عليها, هذا تعريف نشوز المرأة, والأول تعريف لهما جميعاً.

التعريف الثالث وهو تعريف من حيث ما يتعلق بالرجل: وهو كراهية الرجل أهله, والخوف من عدم إعطائها حقها, فيبين لها ذلك فيقول: لا أريد أن أظلمك, فإن شئت أن أطلقك, أو شئت أن أسقط حقوقك, أو تكون المرأة تخاف من زوجها ذلك, فإنها تقول: أبقني على عصمة الزوجية, وحق النفقة أو حق الكسوة أو حق البيتوتة قد أسقطته لأجل هذا, كما سوف يأتي بيانه.

الشيخ: المؤلف هنا بدأ بنشوز الزوج قال: (وإن خافت المرأة من زوجها نشوزاً أو إعراضاً), أي: كما قال الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:128].

ومعنى (أن يصلحا بينهما صلحاً): أن يتصالحا في إبقاء الزوجية وإسقاط بعض حقوق المرأة التي وجبت لها في أصل العقد, هذا هو معنى الآية.

ومما يدل على ذلك أيضاً ما جاء في الصحيحين أن سودة بنت زمعة حينما كبرت وخشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: ( يا رسول الله! يومي لـعائشة, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم يوم عائشة لـعائشة , ويوم سودة لـعائشة )،كما مر معنا ذلك, والحديث متفق عليه, وهذا معنى نشوز الرجل عن المرأة, وهو خوف المرأة من تسريحها من قبل زوجها, وعدم وفائه بحقها, فإن المرأة تبادره بذلك.

وقوله تعالى: أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128], أحياناً الرجل يعرض عن المرأة.

وهنا بالمناسبة ينبغي أن نبين ما هذا الإعراض, والإعراض هو عدم الارتياح, فلا يسوغ للزوج أن يبقي امرأته معه ولا يعفها؛ لأن بعض الرجال يبقي المرأة معه ولا يبين لها ذلك, فيقول: أنا مصروف أو غير ذلك, فلا يجوز له ذلك, بل ينبغي له أن يبين لها؛ لأن لها حقاً في البيتوتة وفي المعاشرة, فلابد له أن يعف المرأة, فإن لم يستطع فلا يسوغ له أن يبقيها خوفاً على أولاده كما يفعله بعض الناس, بل أن يعطيها حقها؛ لأن حقها في العقد أولى من حقه في تربية أبنائه, وإن كان ينبغي له أن ينظر المصلحة في ذلك, وأن يقاوم نفسه, وألا يتذرع بتذرعات العوام كما يقولون: أنا مصروف, أو مسحور, أو معيون, وهذا كله من هوى النفس في الغالب.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2652 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2536 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2451 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2398 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2317 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2171 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2167 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2130 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2112 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2108 استماع