خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب النكاح [11]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام! متابعي قناة المجد العلمية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية، العلمية حيث نلتقي معكم أحبتنا مع شرح: كتاب النكاح من عمدة الفقه لـابن قدامه المقدسي رحمه الله.
ضيفنا كما تعلمون هو صاحب الفضيلة الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي، وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية لشئون الدورات والتدريب، فباسمكم جميعاً أرحب بضيفنا الدكتور عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات وبالحاضرين جميعاً.
المقدم: ترحيبنا موصول بالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك وبكم أنتم، ونشكركم على طيب متابعتكم، ونسعد كثيراً باتصالاتكم الهاتفية التي تأتي بعد منتصف زمن الحلقة، ونستقبلها على الهواء مباشرة ونطرحها على ضيفنا، وذلك عبر أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم على الشاشة، كذلك نسعد كثيراً بتفاعلكم وتواصلكم من خلال إجابة الأسئلة التي تطرح في نهاية كل درس، وأيضاً الأسئلة التي توجه للشيخ عن هذا الدرس.
فنكرر ترحيبنا بالشيخ عبد الله وبالإخوة الحضور.
الشيخ: حياكم الله.
المقدم: كنا يا شيخ قبل أن نمضي قدماً في الشرح، وكما جرت العادة في هذا البرنامج، نستعرض إجابات الإخوة والأخوات الواردة عبر الموقع.
الشيخ: لا مانع.
المقدم: كان سؤالنا في الدرس الماضي يقول: لو قالت الزوجة لزوجها: أنت أخي من الرضاع فأكذبها الزوج، فاذكر الأقسام في ذلك؟ مع حكم كل قسم؟
الحقيقة وردت مجموعة كبيرة من الإجابات من الإخوة والأخوات، لعلنا نستعرض بالتفصيل إجابة الأخ: نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية.
الشيخ: تفضل.
المقدم: يقول في إجابته:
الإجابة: لو قالت الزوجة لزوجها: أنت أخي من الرضاع فأكذبها الزوج فالحكم، ينقسم إلى أقسام:
القسم الأول: إذا كان لها بينة فله حالان:
الحال الأولى: إذا قالت ذلك قبل الدخول بها فسخ العقد ولا مهر لها؛ لأنها أقرت وأثبتت بأن النكاح باطل، فما ترتب عليه باطل.
الحال الثانية: إذا قالت ذلك بعد الدخول بها، فيكون ذلك إما زناً أو وطأ بشبهة، فإن كان ذلك قبل العقد والدخول فهو زنا ولا مهر لها، وإن كانت لا تعلم إلا بعد الدخول بها فهو وطء بشبهة ولها المهر.
القسم الثاني: إن لم يكن لديها بينة فله أيضاً حالان:
الحال الأولى: إذا كان قبل الدخول فلا مهر لها، وإن كان بعد الدخول فله حالان: إن كانت عالمة بذلك قبل الدخول فهو زنا، وهي مطاوعة في الزنا، وليس لها مهر.
الحال الثانية: إن لم تكن تعلم إلا بعد الدخول فلها المهر بما استحل من فرجها وهي زوجته في الحكم، أما بينها وبين الله فهي أخت له من الرضاع ولا تحل له، ويلزمها أن لا تمكنه من نفسها ولا تساكنه، وعليها أن تفتدي نفسها وتخالعه، وعليها ثمن الخلع وهو العوض.
الشيخ: ما شاء الله إجابة وافية، فنسأل الله أن يثيبه وأن يثبته على الحق وعلى الهدى.
المقدم: آمين، إذاً من باب تشجيع الإخوة الذين تواصلوا معنا نذكر أسماء من أرسلوا بالإجابات دون استعراضها؛ لأن الوقت ضيق:
الأخت: عزيزة باخلعة من السعودية أرسلت بإجابة.
أم فجر من السعودية.
مصعب من المغرب.
أيضاً الأخت: جميلة من العراق.
رمضان من الجزائر، هذه مجموعة.
خلود أيضاً من السعودية.
ونورة من السعودية.
أبو عبيدة الوراقي من مصر.
نورة أيضاً من السعودية.
أيضاً من الإجابات مريم من السعودية.
نعم هذه أبرز الإجابات الواردة.
الشيخ: جزاهم الله خيراً، لعلنا نبدأ درسنا هذا بباب نكاح الكفار، فلتتفضل.
المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب نكاح الكفار:
لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال، ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية.
ومتى أسلم زوج الكتابية أو أسلم الزوجان الكافران معاً فهما على نكاحهما، وإن أسلم أحدهما غير زوج الكتابية أو ارتد أحد الزوجين المسلمين قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن كان ذلك بعد الدخول فأسلم الكافر منهما في عدتها فهما على نكاحهما، وإلا تبين أن النكاح انفسخ منذ اختلف دينهما.
وما سمي لها وهما كافران فقبضته في كفرها فلا شيء لها غيره وإن كان حراماً، وإن لم تقبضه وهو حرام فلها مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك ].
الشيخ: تفضل اقرأ بعد ذلك.
المقدم: [فصل في فسخ نكاح الإماء:
وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن معه وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن، وإن كان ممن يحل له نكاحهن أمسك منهن من تعفه وفارق سائرهن ].
الشيخ: جزاك الله خيراً، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
اللهم إن نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو أن نظلم أو نظلم، أو أن نجهل أو يجهل علينا.
وبعد:
أحبتي الكرام مرة ثانية نرحب بالإخوة الحضور وبالمستمعين والمستمعات!
وهذا الباب هو: باب نكاح الكفار، والمقصود بالكفار هم: أهل الكتاب وغيرهم من المجوس والوثنيين ومن دان بأي دين من ديانات الأرض، وأما المقصود بهذا الباب وهو باب نكاح الكفار فهو بيان حكم ما عقدوه فيما بينهم من الأنكحة وما يقرون عليه في ديننا لو أسلموا.
أعيد: المقصود بهذا الباب هو: بيان حكم ما عقدوه فيما بينهم من الأنكحة حال كفرهم، وما يقرون عليه فيما لو أسلموا أو ترافعوا إلينا.
الشرط الأول لاعتبار أنكحة الكفار
وأنكحة الكفار معتبرة في شرعنا عند توفر شرطين:
الشرط الأول: أن يعتقدوه حلاً في شرعهم، ويصححوه في دينهم.
فعليه فيجوز أن نعتبر أي نكاح كان في نكاح الكفار إذا كانوا يعتقدون حله، فالمجوس يعتقدون حل نكاح المحارم فنعتبرهم على ما هم عليه، وقد توفر هنا أحد الشرطين.
أما الزنا فلو جاءنا شخص نصراني أو يهودي وقد استمتع بامرأة وبقيت عنده بالزنا من غير النكاح الذي اعتبروه فلا يقر، فلابد حينئذٍ من أن يكون معتبراً في شرعهم ويعتقدوه حلالاً، والنصارى يعتقدون الزنا حراماً كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر في قصة اللذين رجما بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهما يهوديان؛ لأن الزنا محرم في شريعة النصارى ومحرم عند اليهود.
ولا اعتبار بالحالة الراهنة التي توجد في حضارة الغرب كما يسمى بـ(بوي فريند)، أو (جير فرند) فهذان العملان محرمان، ولا يعتبر كونه يقبل عندهم، فإن هذا مسخ الحضارة وعدم انتهاج لدين، فلا يقرون عليه، فلو جاءنا رجل وقد صحب خليلته من غير وجود نكاح معتبر بينهم فلا يعول عليه، فلابد حينئذٍ من تصحيح العقد فيما لو أسلموا.
وإذا كان من عقيدة المجوس أن الزنا في أول أمرهم محرم فإنه يبقى على تحريمه، فلا يقرون عليه.
فلو تزوجوا من غير وجود ولي أو من غير وجود شاهد فهذا هو نكاح الناس فيما بينهم، تقول عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري وأبي داود : ( كان نكاح الجاهلية على أربعة: الأول: هو نكاح الناس فيما بينهم اليوم، حيث يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها )، فهذا هو نكاح الناس اليوم في الجاهلية وغيرها، وما زال ذلك موجوداً إلى يومنا عند النصارى واليهود، أما (بوي فيرند أو جير فيرند) فهذان حالة ممسوخة عندهم ولا يقبلها عقلاؤهم، وإن كانوا يقبلونها في واقع الحال فلا.
الشرط الثاني لاعتبار أنكحة الكفار
فأهل الذمة الذين يعيشون في بلاد المسلمين كالشام ومصر لو تزوجوا بنكاح غير موافق للشروط الشرعية الإسلامية فلا نتدخل بهم ما لم يترافعوا إلينا، هذا الشرط الثاني.
فلو تزوجوا بطريقة معينة مقبولة عندهم في دينهم ولم يترافعوا إلينا فنجعل نكاحهم معتبراً ولا نفتش عنه، ولا نقول: لابد أن تكون أنكحتكم موافقة لأنكحة المسلمين، إلا أن يترافعوا إلينا في تصحيح العقد أو غيره فإننا نجريه على حكم الشرع، كما قال تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42].
ومن الأدلة على ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض إلى أنكحتهم )، ومن المعلوم أن أنكحة المجوس باطلة؛ لأنهم ينكحون المحارم.
هذان هما شرطا اعتبار أنكحة الكفار، أما لو جاءوا إلينا أو أسلموا وقد نكح أحدهم ابنة أخيه أو عمته فيجب أن يفرق بينهما، ولو أسلم شخص وعنده أختان فيجب أن يفرق بينهما، كما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه أنه قال: ( أسلمت وعندي أختان فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرق بينهما )، وفي لفظ الترمذي قال: ( اختر أيتهما شئت )، والحديث في سنده بعض الضعف ولكن عليه العمل عند أهل العلم.
وقد روى ابن عمر أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمسك أربعاً وفارق سائرهن ) والحديث أجمع أهل العلم عليه كما نقل ذلك ابن قدامة وغيره كـابن المنذر، إلا أن الحديث ضعيف ضعفه البخاري وغيره.
تحريم زواج المسلمة بكافر والمسلم بكافرة غير كتابية
وقال المؤلف: (ولا لمسلم نكاح كافرة)، عمم المؤلف كافرة، والكافرة تشمل الكتابية من اليهودية والنصرانية، وغير الكتابية كالمجوسية والوثنية والبوذية وغيرهم كالقاديانية أيضاً؛ لأنه دين باطل.
يقول المؤلف: (إلا الحرة الكتابية) الكتابية يهودية أو نصرانية، وأن تكون حرة، فلو كانت أمة فلا يجوز نكاحها، وحينما قال المؤلف: (ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية)، أي بشرطها، وما هو شرط نكاح الحرة الكتابية؟
الجواب: شرطها أن تكون عفيفة، وهي المقصودة في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5]، المحصنة هنا المقصود بها (العفيفة)، والمؤلف استثنى الحرة الكتابية، وهو قول الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5].
حكم النكاح إذا أسلم زوج الكتابية أو أسلما وهما كافران
صورة المسألة: إذا كان رجل تزوج كتابية يهودية أو نصرانية، وهذا الرجل سواء كان كتابياً أو مجوسياً أو وثنياً أو أي دين يعتقده، فلو أسلم هذا الرجل فإنه يكون قد تزوج كتابية فيبقى على نكاحه؛ لأنه حينما أسلم كان نكاحه موافقاً للشرع، ولهذا اشترطنا أن لا يكون مخالفاً للشرع، وهو الآن ليس مخالفاً للشرع.
قوله: (أو أسلم الزوجان الكافران معاً)، صورة المسألة: امرأة كتابية وزوجها كتابي أسلما معاً، فحينئذٍ يصح نكاحهما ويبقيان على نكاحهما مالم يكن هذا النكاح محرماً في شريعتنا، والحرمة هنا حرمة بالإبقاء وليس في الابتداء، يعني: لا يجوز في الشرع استدامته وإن جاز في شرعهم بشرطه، فلو تزوج رجل من غير شهود ولا ولي لكنه مقبول عندهم فإنه يقر عندنا، لكنه لو تزوج عمته أو خالته أو أخته ثم أسلم لم يقر عندنا؛ لأنه لا يجوز استدامة هذا النكاح.
المقدم: وهل يصحح -يا شيخ- بالنسبة لعدم وجود الولي؟
الشيخ: لا يشترط؛ لأنه نكاح الناس على ما هو عليه، تقول عائشة رضي الله عنها: ( فلما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم أبقى ما ينكح الناس عليه اليوم )، ثم إن الشروط تختلف عند الفقهاء رحمهم الله.
يقول المؤلف: (فهما على نكاحهما)، وهذا أمر مجمع عليه، قال ابن قدامة رحمه الله: ولم يختلف عليه الناس.
ومثل هذه الصورة فيما لو أسلما معاً: لو أسلما وهما في مجلس واحد، بمعنى أن كل واحد منهما نطق بالشهادة مع الآخر، وهذه صورة نادرة.
ومثلها في الحكم ما لو أسلم أحد الزوجين سواء كانت المرأة أو الرجل وهما في المجلس، فأسلمت الزوجة ثم أسلم الزوج، أو أسلم الزوج ثم أسلمت الزوجة، فهما أيضاً على حالهما؛ لأن اتفاقهما في نطق الشهادة أمر عسر ولا يمكن تحقيقه في الغالب.
حكم النكاح إذا أسلم غير زوج الكتابية أو ارتد أحدهما قبل الدخول
والصورة الثانية: زوجان مجوسيان فأسلم الزوج وبقيت زوجته مجوسية، فهل يجوز للرجل أن يتزوج مجوسية ابتداءً؟ لا، فيجب عليه الفسخ ولا يجوز له أن يستمتع بها؛ لقوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [الممتحنة:10].
قال: (أو ارتد أحد الزوجين)، هذه الصورة حينما كانا مسلمين فارتدا أو كانا مسلمين فارتد أحدهما فالحكم واحد، فلو أن زوجين مسلمان فارتد أحدهما فلا يجوز للآخر أن يستمتع به.
المقدم: إذا ارتدا جميعاً.
الشيخ: المؤلف ما فصل، هل قال كتابية أو غير كتابية؟ ما فصل، أو نقول: إن ارتدت الزوجة إلى أن تكون كتابية فهل له أن يبقى؟ مثلاً: زوجان مسلمان، ثم ارتدت الزوجة إلى النصرانية، فقد يقال: يجوز للرجل أن يتزوج نصرانية، فهل يبقى نكاحهما في هذه الصورة؟
الجواب: لا يبقى، لأنها ردة، ( من بدل دينه فاقتلوه ) كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس ، ولا يقبل بقاؤها ذهابها إلى النصرانية.
فحينئذٍ المؤلف لم يفصل قال: (أو ارتد أحد الزوجين المسلمين)، الآن المؤلف يذكر الصورة، وهي إذا ما ارتد أحد الزوجين وقد فرق المؤلف في الحكم فقال: إن كان الارتداد قبل الدخول فالحكم كما يقول: (انفسخ النكاح في الحال).
صورة المسألة: امرأة مجوسية وزوجها مجوسي فأسلمت المرأة قبل الدخول، فالحكم: ينفسخ النكاح في الحال؛ لقوله تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10]، وهل لها مهر؟ المؤلف لم يذكر المهر هنا وسوف يذكره في آخر الشيء.
حكم النكاح إذا أسلم أحد الزوجين أو ارتد بعد الدخول
إن كانت أسلمت المرأة فإن لزوجها له أن يراجعها بلا عقد إذا أسلم ما دامت في عدتها وقت إسلامه، أي فللزوج أن يبقى على نكاحه إذا لحقها في العدة وأسلم، والعدة ثلاثة قروء، وإذا كانت الزوجة كبيرة ولا تحيض فهو ثلاثة أشهر، وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق:4].
هذه صورة المسألة، وهي: أن المرأة إذا أسلمت وزوجها قد دخل بها فإنه لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها، وزوجها إن أسلم قبل انتهاء عدتها فهو على نكاحه، هذا هو قول عامة أهل العلم.
واستدلوا على ذلك بما رواه ابن عباس من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على
وروى مالك في موطئه عن محمد بن شهاب الزهري أنه قال: ( كان بين إسلام
وذهب جماعة من أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله وابن كثير وابن القيم والصنعاني: إلى أن الزوج إذا أسلم وزوجته لم تتزوج، سواء كانت في عدتها، أو لم تكن في عدتها؛ فله أن يرجع إليها بلا عقد جديد، أما إن كانت في العدة فلا إشكال.
وأما إن كانت في غير العدة، فقد حق لها أن تتزوج زوجاً غيره؛ ولكنها لو لم تتزوج فلزوجها الذي أسلم أن يراجعها، وهذا كما قلنا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم، ونصره ابن القيم في زاد المعاد، وأيده ابن كثير ورجحه الصنعاني.
واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي وأحمد وغيرهما عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا -كما في رواية الترمذي - داود بن الحصين عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على
وهذا الحديث ضعف من وجوه:
أولاً: قالوا؛ لأن محمد بن إسحاق لم يصرح بالسماع من داود، والصواب أنه صرح بالسماع في رواية الترمذي وإحدى روايات الإمام أحمد.
العلة الثانية: قالوا: إن داود بن الحصين وإن كان حسن الحديث إلا أن عامة ما يرويه عن عكرمة منكرة، كما قال ابن المديني.
وذهب الإمام أحمد رحمه الله وهو ظاهر صنيع البخاري كما نقل ذلك الترمذي في العلل الكبير -وإن كان ليس صريحاً- إلى تصحيح هذا الحديث؛ قال الإمام أحمد : والحديث الصحيح هو حديث ابن عباس ، وقال البخاري حينما سُئل عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاح ابنته بعقد جديد ) قال البخاري : لا يتابع الحجاج فيه على عمرو بن شعيب، يعني: لم يسمع الحجاج عمرو بن شعيب، وأصح ما في الباب حديث ابن عباس، وإن كان هذه الكلمة ليست ظاهرة في التصحيح.
وهذا القول أُراه قولاً قوياً، وبالتالي فالذين يسلمون في بلاد الغرب وزوجاتهم قد أسلمن قبل إسلام الزوج، لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها؛ بل تصبر وتجاهد، ولتعلم أن أجرها أعظم عند الله من هذه التي لم تبتل في دينها، فتصبر وتحاول قدر جهدها واستطاعتها أن تمانعه.
ومن المعلوم أن بعض النساء ربما تكون مغلوبة على أمرها، ولو علم أهلها أو زوجها أنها أسلمت لربما قتلت شر قتلة، فنقول: تستتر وتصبر وتحاول أن لا تمكنه من نفسها، وإن أكرهت على ذلك فإنها معذورة بالإكراه؛ لكنها لا تمكنه من نفسها، فتجاهد نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
فإن أسلم زوجها بعدما انتهت عدتها فإن له أن يراجعها بلا نكاح جديد، خاصة أن بعض النساء تخفي إيمانها وإسلامها، فتنتهي عدتها وزوجها ما زال معها ثم يسلم بعد ذلك.
فأقول: إن قول أبي العباس قول ظاهر، وليس في المسألة دليل صريح صحيح يمكن أن يصار إلى ما ذهب إليه الجمهور.
المقدم: والعدة هل تبدأ يا شيخ فور إسلامها؟
الشيخ: نعم، العدة تبدأ من فور إسلامها.
يقول المؤلف رحمه الله: (فأسلم الكافر منهما في عدتها فهما على نكاحهما)، مثلما مر معنا.
قال: (وإلا تبين)، يعني: (وإلا) يسلم حتى انتهت عدتها فقد (تبين)، انفساخ نكاحهما منذ اختلاف دينهما، كأن نكاحها كان معلقاً، ولماذا؟
قال المؤلف: (وإلا تبين أن النكاح انفسخ منذ اختلاف دينيهما)، لماذا قال: (منذ اختلاف دينيهما) ولم يقل: (انفسخ من حين انتهاء العدة)؟
نقول الجواب: أننا لو قلنا: انفسخ نكاحهما من انتهاء العدة لوجب لها عدة أخرى لنكاح زوج آخر، أما لو قلنا: منذ اختلاف دينيهما فإن انتهت عدتها من زوجها فلها أن تنكح من الغد زوجاً آخر.
تقدير مهر الكافرة إذا أسلمت ولم تقبض
يقول المؤلف: (فلا شيء لها غيره وإن كان حراماً)، يعني: لا شيء لها غير ما قبضته، سواء كان الذي قبضته موافقاً للشرع أم مخالفاً للشرع.
يقول المؤلف: (وإن لم تقبضه) يعني: قال لها: لكِ مائة رأس من الخنزير، أو قال: لكِ عشرون دناً من الخمر، فإن لم تكن قبضته فأسلمت أو أسلما جميعاً، فيجب عليه أن يعطيها مهراً؛ لأنه تبين أن هذا المهر باطل، ولأننا قلنا إنهم إن جاءوا وأسلموا، أو جاءوا إلينا فنحكمهم بالشرع.
هب أنها كافرة وطلبت المهر من زوجها مائة دن خمر، فأبى زوجها وهي ذمية وهو ذمي، فذهبت إلى المحاكم الشرعية وطلبت من القاضي أن يحكم لها بالمهر بمائة، فهل يحكم القاضي؟ لا يحكم، والأقرب أنه يقدره مالاً شرعياً، أي بثمن ما يباع عندهم، فإن قالوا: يباع بعشرة آلاف فيعطيها مهراً قيمته عشرة آلاف.
يقول المؤلف: (فلها مهر مثلها)، هكذا قال المؤلف، لم ينظر إلى قيمته حراماً، وهذا هو القول الثاني في المسألة: أنه لها مهر مثلها، فالمسألة فيها قولان:
القول الأول: أنه يقدر الحرام صحيحاً ثم تعطاه.
والقول الثاني: لها مهر مثلها؛ قالوا: لأنه إذا ثبتت حرمته فهو باطل، وما بني على باطل فهو باطل، كما أنه لو تزوجها من غير ذكر المهر فلها مهر المثل، وهذا القول ربما يكون أقرب؛ لأننا نقول: نعاملهم معاملة المسلمين في المهر.
يقول المؤلف: (أو نصفه حيث وجب ذلك)، يعني: أو نصفه حيث وجب، يعني: لو فارقها قبل الدخول وجب النصف، المؤلف هنا: أوجب النصف في صورة المسألة التي قلنا إنه لم يذكرها وهي قوله: (قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال)، لكن هل لها المهر؟ لها المهر ولكنه نصف المسمى، أو نصف مهر المثل كما هو في شريعتنا.
الشيخ: وهذا الباب يقصد به باختصار: اعتبار أنكحة الكفار.
وأنكحة الكفار معتبرة في شرعنا عند توفر شرطين:
الشرط الأول: أن يعتقدوه حلاً في شرعهم، ويصححوه في دينهم.
فعليه فيجوز أن نعتبر أي نكاح كان في نكاح الكفار إذا كانوا يعتقدون حله، فالمجوس يعتقدون حل نكاح المحارم فنعتبرهم على ما هم عليه، وقد توفر هنا أحد الشرطين.
أما الزنا فلو جاءنا شخص نصراني أو يهودي وقد استمتع بامرأة وبقيت عنده بالزنا من غير النكاح الذي اعتبروه فلا يقر، فلابد حينئذٍ من أن يكون معتبراً في شرعهم ويعتقدوه حلالاً، والنصارى يعتقدون الزنا حراماً كما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر في قصة اللذين رجما بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وهما يهوديان؛ لأن الزنا محرم في شريعة النصارى ومحرم عند اليهود.
ولا اعتبار بالحالة الراهنة التي توجد في حضارة الغرب كما يسمى بـ(بوي فريند)، أو (جير فرند) فهذان العملان محرمان، ولا يعتبر كونه يقبل عندهم، فإن هذا مسخ الحضارة وعدم انتهاج لدين، فلا يقرون عليه، فلو جاءنا رجل وقد صحب خليلته من غير وجود نكاح معتبر بينهم فلا يعول عليه، فلابد حينئذٍ من تصحيح العقد فيما لو أسلموا.
وإذا كان من عقيدة المجوس أن الزنا في أول أمرهم محرم فإنه يبقى على تحريمه، فلا يقرون عليه.
فلو تزوجوا من غير وجود ولي أو من غير وجود شاهد فهذا هو نكاح الناس فيما بينهم، تقول عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري وأبي داود : ( كان نكاح الجاهلية على أربعة: الأول: هو نكاح الناس فيما بينهم اليوم، حيث يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها )، فهذا هو نكاح الناس اليوم في الجاهلية وغيرها، وما زال ذلك موجوداً إلى يومنا عند النصارى واليهود، أما (بوي فيرند أو جير فيرند) فهذان حالة ممسوخة عندهم ولا يقبلها عقلاؤهم، وإن كانوا يقبلونها في واقع الحال فلا.
الشيخ: الشرط الثاني: أن لا يترافعوا إلينا، فإذا لم يترافعوا إلينا فلا نتعرض إلى أنكحتهم.
فأهل الذمة الذين يعيشون في بلاد المسلمين كالشام ومصر لو تزوجوا بنكاح غير موافق للشروط الشرعية الإسلامية فلا نتدخل بهم ما لم يترافعوا إلينا، هذا الشرط الثاني.
فلو تزوجوا بطريقة معينة مقبولة عندهم في دينهم ولم يترافعوا إلينا فنجعل نكاحهم معتبراً ولا نفتش عنه، ولا نقول: لابد أن تكون أنكحتكم موافقة لأنكحة المسلمين، إلا أن يترافعوا إلينا في تصحيح العقد أو غيره فإننا نجريه على حكم الشرع، كما قال تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42].
ومن الأدلة على ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض إلى أنكحتهم )، ومن المعلوم أن أنكحة المجوس باطلة؛ لأنهم ينكحون المحارم.
هذان هما شرطا اعتبار أنكحة الكفار، أما لو جاءوا إلينا أو أسلموا وقد نكح أحدهم ابنة أخيه أو عمته فيجب أن يفرق بينهما، ولو أسلم شخص وعنده أختان فيجب أن يفرق بينهما، كما روى الضحاك بن فيروز عن أبيه أنه قال: ( أسلمت وعندي أختان فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أفرق بينهما )، وفي لفظ الترمذي قال: ( اختر أيتهما شئت )، والحديث في سنده بعض الضعف ولكن عليه العمل عند أهل العلم.
وقد روى ابن عمر أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أمسك أربعاً وفارق سائرهن ) والحديث أجمع أهل العلم عليه كما نقل ذلك ابن قدامة وغيره كـابن المنذر، إلا أن الحديث ضعيف ضعفه البخاري وغيره.
الشيخ: يقول المؤلف: (لا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال)، المسلمة لا يجوز لها أن تنكح كافراً، سواءً كان هذا الكافر مجوسياً أو نصرانياً أو يهودياً أو أي دين اعتقده غير دين الإسلام؛ لقول الله تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221].
وقال المؤلف: (ولا لمسلم نكاح كافرة)، عمم المؤلف كافرة، والكافرة تشمل الكتابية من اليهودية والنصرانية، وغير الكتابية كالمجوسية والوثنية والبوذية وغيرهم كالقاديانية أيضاً؛ لأنه دين باطل.
يقول المؤلف: (إلا الحرة الكتابية) الكتابية يهودية أو نصرانية، وأن تكون حرة، فلو كانت أمة فلا يجوز نكاحها، وحينما قال المؤلف: (ولا لمسلم نكاح كافرة إلا الحرة الكتابية)، أي بشرطها، وما هو شرط نكاح الحرة الكتابية؟
الجواب: شرطها أن تكون عفيفة، وهي المقصودة في قوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5]، المحصنة هنا المقصود بها (العفيفة)، والمؤلف استثنى الحرة الكتابية، وهو قول الله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5].
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2533 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2450 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2316 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2169 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2166 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2128 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2110 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2107 استماع |