عمدة الفقه - كتاب الجهاد [6]


الحلقة مفرغة

المراد بالفيء

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو أن نظلم أو نظلم، أو أن نجهل أو يجهل علينا، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [فصل في الفيء].

والفيء: هو ما يدخل على المسلمين من أموال الكفار من غير قتال، والفيء لغة: الرجوع وكأن هذا المال رجع إلى المسلمين؛ لأنه هو الأصل.

قال المؤلف رحمه الله: [وما تركه الكفار فزعاً وهربوا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب].

أي: يغنم المسلمون غنائم الكفار من غير أن يجاهدوا، ومن غير أن يوجفوا -يعني: يتحركوا حركة السير- بخيل ولا ركاب ولذلك قال المؤلف رحمه الله: [أو أخذ منهم بغير قتال فهو فيء يصرف في مصالح المسلمين ] لما جاء في القرآن: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر:7-8]، وكذلك وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ [الحشر:9]، وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10]، كل هؤلاء لهم من الفيء، ولهذا عمر رضي الله عنه عندما قرأ هذه الآيات: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [الحشر:7]، إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10]، قال: قد استوعبت المسلمين عامة، ولئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو -وهو مكان مرتفع من الوادي- نصيبه فيها، ولم يعرق فيها جبينه، هذا هو العدل في العطية، يقول: والله! لئن عشت ليغنم المسلمون غنائم وأوزع هذا الفيء للراعي الذي ما علم عنا شيئاً ولم يعلم عن حالنا شيئاً، لأعطين الراعي وهو بسرو من غير أن يعرق جبينه، ما أعدله رحمه الله ورضي الله عنه.

حكم أخذ الكافر المحارب الضال في دار الإسلام

سبق أن قلنا: إن الفيء هو ما يرجع للمسلمين من مال الكفار من غير قتال، ومن المسائل في هذا الباب، أن [من وجد كافراً ضالاً عن الطريق أو غيره في دار الإسلام فأخذه فهو له]، يعني بذلك رحمه الله أن من وجد من المسلمين حربياً في بلاد المسلمين فأخذه فهو له، والحربي: هو الذي بينه وبين الدولة المسلمة حرب، أما الذين بينه وبينها اتفاقات ومعاهدات فيسمى مستأمن ومعاهد، وأما الكافر الذي يعيش في بلاد المسلمين له ما للمسلمين وعليه ما عليهم فيسمى الذمي.

قول المؤلف رحمه الله: (ومن وجد كافراً)، يعني حربياً (ضالاً عن الطريق) دخل في صحراء البلد المسلم وضاع ووجده أحد المسلمين، (فأخذه فهو له)، فليس من الغنائم؛ لأنه في حكم المباحات كالكلأ والعشب واللقطة والصيد، فلا يلزم أن يذهب به ويكون غنيمة، فليس هذا من الغنائم، هذا هو المشهور عند الحنابلة.

أخذ شيء من أرض حرب تلصصاً بغير إذن الإمام

قال المؤلف رحمه الله: [وإن دخل قوم لا منعة لهم أرض الحرب متلصصين بغير إذن الإمام فما أخذوه فهو لهم بعد الخمس].

وهذا يكون عند دخول جماعة من المسلمين بلاد الكفر -المحاربة- التي ليس بينها وبين المسلمين عهد واتفاق في عدم الحرب، وكان دخولهم متلصصين ولم يدخلوا بأمان أما إن دخلوا بالتأشيرات فهي تعد أماناً, فإذا دخل المسلم بناءً على نظام التأشيرات فلا يجوز له أن يفعل شيئاً في دار الحرب. أما إذا كان بينه وبينها اتفاق فلا شك في حرمة فعل شيء، كما سيأتي في باب الجزية، وإن دخل من غير أمان وهي دار حرب فهناك لجواز الأخذ منها شرطان: الشرط الأول: أن يكون دخوله متلصصاً من غير أمان.

الشرط الثاني: أن تكون الدار دار حرب؛ فإن دخل المسلمون بهذين الشرطين بإذن الإمام صار ما أخذوه غنيمة، وإن كان من غير إذن الإمام فما أخذوه يكون لهم جميعاً ولكن بعد أخذ الخمس هذا كلام المؤلف.

وهذا هو قول أكثر أهل العلم لقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41].

والقول الثاني: قال به أبو حنيفة: وهو أن ما أخذوه فهو لهم مطلقاً من غير أن يخمس، لا يؤخذ منه الخمس.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نزل، أو أن نظلم أو نظلم، أو أن نجهل أو يجهل علينا، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [فصل في الفيء].

والفيء: هو ما يدخل على المسلمين من أموال الكفار من غير قتال، والفيء لغة: الرجوع وكأن هذا المال رجع إلى المسلمين؛ لأنه هو الأصل.

قال المؤلف رحمه الله: [وما تركه الكفار فزعاً وهربوا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب].

أي: يغنم المسلمون غنائم الكفار من غير أن يجاهدوا، ومن غير أن يوجفوا -يعني: يتحركوا حركة السير- بخيل ولا ركاب ولذلك قال المؤلف رحمه الله: [أو أخذ منهم بغير قتال فهو فيء يصرف في مصالح المسلمين ] لما جاء في القرآن: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر:7-8]، وكذلك وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ [الحشر:9]، وكذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10]، كل هؤلاء لهم من الفيء، ولهذا عمر رضي الله عنه عندما قرأ هذه الآيات: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [الحشر:7]، إلى قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر:10]، قال: قد استوعبت المسلمين عامة، ولئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو -وهو مكان مرتفع من الوادي- نصيبه فيها، ولم يعرق فيها جبينه، هذا هو العدل في العطية، يقول: والله! لئن عشت ليغنم المسلمون غنائم وأوزع هذا الفيء للراعي الذي ما علم عنا شيئاً ولم يعلم عن حالنا شيئاً، لأعطين الراعي وهو بسرو من غير أن يعرق جبينه، ما أعدله رحمه الله ورضي الله عنه.