عمدة الفقه - كتاب الحج [11]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في درس جديد من دروس متن عمدة الفقه، في هذا اللقاء وفي كل لقاء من دروس كتاب الحج، يسرنا أن نستضيف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يسرني باسمكم جميعاً أينما كنتم أن أرحب بضيفنا الكريم فحياكم الله يا شيخ عبد الله !

الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.

المقدم: الترحيب موصول لجميع الإخوة الذين سيحضرون هذا الدرس سواء من داخل الاستوديو أو من على موقع الأكاديمية الإسلامية المفتوحة (www.islamacademy.net) أهلاً ومرحباً بكم، كما أرحب بجميع المشاهدين، وأسعد باستقبال اتصالاتكم وأسئلتكم واستفساراتكم وعرضها على ضيفنا الكريم بعد فاصل هذا البرنامج، ولنبدأ الآن في درسنا.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

الذكر الوارد عند استلام الحجر الأسود

الشيخ: وقفنا عند قول المؤلف: [ ويقول -أي الطائف-: بسم الله والله أكبر ].

المؤلف رحمه الله قال: (ويقول) أي: الذي يبدأ بالطواف يستلم الركن ويقبله على الأحوال التي مرت معنا ويقول، (بسم الله والله أكبر)، أما قول: (بسم الله) فلم يرد بإسناد صحيح ولا حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ، وكما في صحيح مسلم من حديث جابر و ابن عمر وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: الله أكبر، قال ابن عباس : ( طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجنه ويكبر )، وكذلك قال جابر رضي الله عنه: ( كلما أتى الركن استلمه وكبر )، وكذا قال ابن عمر مشيراً إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى، و أبو داود في مسائله لـأبي داود من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان إذا طاف استلم الحجر وقال: بسم الله والله أكبر، فهذا يدل على أن البسملة إنما ثبتت عن ابن عمر رضي الله عنه، وأما مرفوعة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: إن التكبير سنة، وأما البسملة فحسن؛ لأنها فعل صحابي ولا بأس بذلك، والتكبير ليس بواجب عند عامة الفقهاء، فلو أنه مر على الحجر ولم يكبر فإنه لا شيء عليه ولم يترك واجباً، وإنما ترك السنة، وأما التسمية فحسن؛ فقد فعلها ابن عمر رضي الله عنه وكان يقولها، أما مرفوعة فلم ترد.

يقول المؤلف: [ ويقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ].

هذا الحديث قال فيه الحافظ ابن حجر : لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن عساكر نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ضعف، وروى البيهقي من طريق أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي أنه كان إذا استلم الحجر قال: اللهم إيماناً بك واتباعاً لنبيك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك، هذا الأثر عن علي رضي الله عنه في سنده الحارث الأعور ، ومعلوم أن الحارث الأعور أكثر رواياته عن علي ، وهي ضعيفة، ولكن الثابت أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة بإسناد صحيح أنهم كانوا يقولون لفظاً في أول ابتداء الطواف، نعم ثبت عند ابن أبي شيبة بسند جيد من حديث المسيب بن رافع عن حبيب بن صهبان قال: سمعت عمر رضي الله عنه وهو يطوف عند البيت وليس له هجيرى إلا يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

إذا ثبت هذا وهو أن قول المؤلف رحمه الله: اللهم إيماناً بك. أنه ليس من السنة، فلو أن إنساناً قال ذلك مع الأدعية التي يقولها فلا حرج، كما بينا أن المسلم يدعو بما أحب وبما شاء من خير الدنيا والآخرة، وهل له أن يقرأ القرآن؟ قلنا: إن عمر بن الخطاب كان هجيراه كما ثبت عند ابن أبي شيبة أنه كان يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وهذا دليل على جواز أن يقرأ القرآن، وهذا قول أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى عدم المشروعية، وهو قول عند أحمد حيث قال: لا ينبغي، قال ابن تيمية رحمه الله: ومعلوم أن المرء يفعل ما اتفق عليه خير له من أن يفعل ما لم يتفق عليه، والذي اتفق عليه السلف في الطواف هو الدعاء والذكر، والذي اختلفوا فيه هو قراءة القرآن، والصحيح أن قراءة القرآن جائزة والذكر جائز، ولا شك أن الذكر والدعاء خير من قراءة القرآن، وهذا من الأشياء التي ذكر أهل العلم فيها أن الفاضل ربما يكون في زمان أو في مكان أو في حال مفضولاً، كما لا يخفى أن قراءة القرآن من أعظم القربات، ولكن قراءتها في الركوع أو في السجود محرمة عند جمهور الفقهاء.

استقبال الحجر بكامل البدن كلما مر عليه

الشيخ: يقول المؤلف: [ ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره ].

الواجب في حق الطائف أنه إذا استقبل الحجر أن يستقبله، ثم يستلمه أو يشير إليه إن لم يستطع ذلك، ثم يتقدم عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره، والسنة أن يستقبل الحجر بكامل بدنه، أما لو استقبله ببعضه جاز ذلك خلافاً للجمهور، ودليل جواز أن يستقبل الحجر ببعض بدنه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا طاف على بعير فمن الصعوبة أنه إذا وصل إلى الحجر أن يجعل البعير مستقبلاً الحجر حتى يستقبله الراكب بكامل بدنه، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يجعل البعير يمر ويلتفت هو ويستقبل الحجر ببعض بدنه، ثم يشير ويكبر، وهذا يدل على أن الاستقبال بكامل البدن سنة، وأما أنه واجب كما يقول الجمهور فلا.

جعل البيت عن يسار أثناء الطواف

الشيخ: يقول المؤلف: [ أن يأخذ على يساره ].

ذهب عامة الفقهاء إلى أن الواجب في حق الطائف أن يجعل البيت على يساره، وقد ذكروا في ذلك حكماً، وأرى أن فيها تكلفاً، ولكن الحكمة الحقيقية هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يجعل البيت عن يساره فنقول: الواجب أن يبدأ الطائف من جهة الباب، أما أن يلزم بأن يجعل البيت عن يساره في كل لحظة وفي كل شوط فأرى أن ذلك فيه كلفة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، إنما فعله وقد طاف جاعلاً البيت على يساره، لكن إذا كان هناك زحام فربما جعل الإنسان يتقدم قليلاً ويجعل البيت خلفه، ثم ينحني ذات اليسار، وأرى أن ذلك لا بأس به؛ ومما يدل على التخفيف في هذا وقت الزحام أو وقت المشقة أو وقت العذر أن الصحابة كـأبي بكر رضي الله عنه ثبت أنه طاف بابنه محمد بن أبي بكر وهو في المهد، ومعلوم أنه لم يؤمر أبو بكر أن يجعل البيت عن يسار الطفل، وكذلك الذي يحمله فمن العادة أن الإنسان إذا حمله ربما يجعل البيت عن يمين المحمول هذا، أو خلفه، ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يشددون في هذا الأمر مما يدل على أن الأولى والأحرى والأخلص بالطائف أن يجعل البيت عن يساره، لكنه لو بحث عن طفله الذي ضاع مثلاً، وبدأ يلتفت ذات اليمين وهو يتقدم فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن العبرة هو أن يبدأ طوافه من جهة الباب ولا يذهب من جهة الركن اليماني كما يقول الأحناف.

الرمل في الأشواط الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن المؤلف يقول: [ فيطوف سبعاً يرمل في الثلاثة الأول من الحجر إلى الحجر ويمشي في الأربعة ].

لا يصح طواف الحاج أو المعتمر حتى يطوف سبعة أشواط، هذا قول عامة الفقهاء خلافاً لبعض الأحناف، فالذي يجب فيه هو أن يطوف سبعة أشواط من الحجر إلى الحجر.

وقولنا: من الحجر إلى الحجر بلا شك أن الإنسان كلما ابتعد عن الحجر كلما كانت محاذاة الحجر أبعد وأكبر، وبالتالي لا يلزم أن يبدأ من نقطة وينتهي من نفس النقطة كما يظنه بعض الناس، المهم أن يبدأ محاذياً للحجر، وينتهي محاذياً للحجر، فالعبرة بالمحاذاة وليست بوجود خط، والحمد لله أن الخط الذي كان موجوداً قد أزيل؛ لأن وجوده ربما يكون فيه مشقة وكلفة على الحجاج؛ لأنهم يرون أنه لا يصح بداية طواف ولا انتهاء طواف إلا من هذا الخط، ولا شك أن الأصل المحاذاة، والمحاذاة بابها واسع، فالمسلم متى ما حاذى الحجر جاز له أن يبدأ، وجاز له أن ينتهي، ولا ينظر إلى النقطة التي ابتدأها والنقطة التي انتهى منها، هذا هو الأقرب والله أعلم، هذه مسألة.

المسألة الثانية: يقول المؤلف: [فيرمل في الثلاثة الأول].

الرمل معناه: إسراع المشي مع تقارب الخطا من غير وثب، يعني: نلاحظ أن بعض الإخوة إذا أراد أن يرمل تجده يرفع ثيابه، وربما شد وقفز وكأنه في حلبة مسابقة، وهذا ليس من السنة، السنة أن يسرع في المشي ويقارب في الخطا من غير وثب، يعني: من غير قفز، هذا هو السنة، والسنة أيضاً أن تكون في الثلاثة الأشواط الأول، فلو أنه نسي أن يرمل في أحد الأشواط فهل له أن يستأنف ذلك في الشوط الرابع أو الخامس أو السادس؟ لو أنه لم يرمل في الشوط الأول مثلاً، فتذكر في الشوط الثاني، فرمل الشوط الثاني، ثم رمل الشوط الثالث، يبقى له شوط واحد لم يرمل، هل يرمل في الشوط الرابع؟ نقول: لا يرمل، لأن السنة هي الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى، والسنة في الأشواط الأربعة الأخرى المشي، فهو سوف يفعل سنة ليترك سنة، والسنة إذا ثبتت في محل لا تتجاوز غيرها، ويقال: سنة فات محلها.

ودليل الرمل هو ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما قدم طاف بالبيت فخب ثلاثة أشواط ومشى أربعاً من الحجر إلى الحجر )، وقال جابر رضي الله عنه: ( وحاضت عائشة بسرف، فكان أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طاف بالبيت فرمل ثلاثة أشواط ) وفي رواية: ( فخب ثلاثة أشواط ومشى أربعاً )، ومثله قول المشركين: إن محمداً وأصحابه سوف يقدمون عليكم ولا يستطيعون أن يطوفوا لأنهم وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا، يقول ابن عباس : فكانوا يرملون إلى الركن ويمشون ما بين الركنين، هذا في عمرة القضاء، وعمرة القضاء كانت في السنة السابعة؛ لأن صلح الحديبية كان في السنة السادسة، فالصحابة حينما قال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أن يرملوا من الوهن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة الأول، أما في حجة الوداع فإن النبي صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر إلى الحجر، قال جابر في صحيح مسلم : ( فرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر حتى انتهى إليه ثلاثة أشواط ).

هذا الرمل إنما هو سنة وليس بواجب، فلو تركه لم يجبره بشيء، هذا قول عامة الفقهاء خلافاً لبعض السلف كـالحسن وغيره.

حكم الرمل في الأشواط الثلاثة الأول للنساء

الشيخ: أما المرأة فإن المرأة لا يشرع في حقها الرمل؛ لأن الرمل إنما شرع لأجل إظهار الجلد والقوة، ومن المعلوم أن المرأة لو صنعت ذلك لانكشف شيء من عورتها من أرجل وسيقان، وهي مأمورة باجتناب ذلك أمام الرجال الأجانب، وهذا إجماع من أهل العلم كما قال ابن قدامة : من غير خلاف نعلمه، وكذا نقل الإجماع ابن المنذر ، ومن الخطأ أن بعض الإخوة هداهم الله إذا كان معهم نساء ربما يجعلونهن يرملن معهم، وهذا خطأ وليس من السنة، وقد ذكر الفقهاء في الإنسان إذا كان معه عاجز أو يحمل مريضاً أو امرأة معه أن السنة في حقه تسقط؛ لأنه يفعل السنة ليقع في محظور آخر، وهو أنه ربما يترك موليته، وربما حصل ضياع أو زحام وغير ذلك كما لا يخفى.

يقول المؤلف: (من الحجر إلى الحجر)، وقد بينا أن من الحجر إلى الحجر هو آخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.

استلام الركن اليماني والحجر الأسود والتكبير والتهليل كلما حاذاهما الطائف

الشيخ: يقول المؤلف: [ وكلما حاذى الركن اليماني والحجر استلمهما وكبر وهلل ].

ذكر المؤلف ثلاث سنن:

السنة الأولى: قال: (استلمهما)، يعني: السنة أن يستلم الركن اليماني والحجر الأسود، قال ابن عمر كما في الصحيحين: ( ما تركت استلامهما مذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما )، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند الإمام أحمد و الترمذي من حديث ابن عمر : ( مسحهما يحط الخطايا )، وهذا من السنن التي يغفل عنها كثير من الإخوة في عدم استلامهم للركن اليماني، وقد ربما يسهل عليهم ذلك ولكنهم لا يصنعون. فنقول: السنة أن تستلموهما.

وبين المؤلف أن الاستلام إنما يكون للركن اليماني والحجر الأسود، أما الركنين الشاميين فلا يستلمهما، وقد كان معاوية رضي الله عنه يطوف بالبيت ومعه ابن عباس ، فكان كلما أتى أي ركن استلمه، فقال ابن عباس : ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم إلا الركنين اليمانيين فالتفت إليه معاوية فقال: لم يكن شيء من البيت مهجوراً، قال ابن عباس : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).

قال ابن عمر رضي الله عنه: وأرى أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استلم الركنين اليمانيين لأنهما بنيا على قواعد إبراهيم، وأما الشماليان فإنهما لم يبنيا على قواعد إبراهيم، وأيضاً لوجود الحجر فيه، وهذا واضح لا يخفى، أما الاستلام فثبت عنه عليه الصلاة والسلام.

السنة الثانية: قال: (وكبر)، بلا شك أن مسألة التكبير للحجر الأسود ثابتة، وقد مرت معنا، أما قول المؤلف: ويكبر عند استلام الركن اليماني، فهذا رواه الطبراني بسند ضعيف، والسنة الثابتة في الصحيحين وهو قول أكثر أهل العلم أن استلام الركن اليماني يكون من غير تكبير، وإن شق عليه الاستلام فإنه لا يسوغ له أن يشير إليه كما يقول الحنابلة، والسنة ألا يشير إلا إلى الحجر الأسود في الطواف، أما الركن اليماني إن استطاع أن يستلمه استلمه، وإلا فليس فيه سنة غير الاستلام.

السنة الثالثة: يقول المؤلف: (وهلل)، يعني: يستحب لمن مس الحجر الأسود أو الركن اليماني أن يهلل فيقول: لا إله إلا الله، أما الركن اليماني فقد مر معنا أنه لم يثبت التكبير فكيف بالتهليل، فعلى هذا لا يشرع أن يهلل المسلم عند استلامه للركن اليماني، أما الحجر الأسود فالثابت في الصحيحين وعند أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر فقط، وثبت عن ابن عمر أنه كان يسمي، أما التهليل فإنما رواه الإمام أحمد من طريق شيخ كبير زمن الحجاج ، كان يحدث عن عمر أنه كان يزاحم على الحجر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يا عمر ! إنك رجل قوي، فلا تؤذ الناس، فإن وجدت فرجة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر )، وهذا الحديث في سنده جهالة، نعم رواه ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن المسيب عن عمر من غير لفظة: (وهلل)، ونقول: إن الحديث يتقوى بمجموع طرقه، إلا إن لفظة: (وهلل) ليس لها أصل إلا من هذا الطريق المجهول الذي رواه شيخ من أهل مكة، وبالتالي نقول: لا يستحب أن يقول المسلم: لا إله إلا الله.

إذاً اختصاراً: ما الذي يشرع في حق من مس الحجر؟ نقول: يشرع أن تقول: بسم الله، والثاني: أن تكبر وأن تقبله، وإن لم تستطع أن تقبله فقبل يدك التي استلمت بها، فإن لم تستطع تقبيل الشيء الذي مسسته به من عصا ونحوه، فإنك تشير إليه وتكبر أو تسلم، أما الركن اليماني فإنه يستلمه فقط، ولا يقول شيئاً.

والبسملة يكررها عند الحجر، فقد روي عن ابن عمر أنه يقولها في أول مرة، وروي عنه أنه يقولها في كل مرة وهذا أولى، بعض العلماء المعاصرين قال: إنه يقول في أول طواف، وأما رواية البيهقي : وكان ابن عمر إذا مس الحجر قال: بسم الله والله أكبر، وهذا يدل على التكرار.

الذكر الوارد بين الركن اليماني والحجر الأسود والذكر فيما سواهما

الشيخ: يقول المؤلف: [ ويقول بين الركنين ].

الركنان هما اليماني والحجر الأسود، يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ودليله ما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن السائب أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ( بين ركن بني جمح )، يقصد بذلك الركن اليماني والحجر الأسود يقول: ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )، هذا هو السنة، وروي نحوه عن أنس وفي سنده ضعف، هذا السنة أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

وهل يكرر ذلك؟ نقول: يكرر ذلك حتى يصل إلى الحجر، بعض الذين يطوفون يزيدون فيقولون: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار، وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة أولى بالاتباع، لا شك أنه لو دعا بدعاء فلا بأس، لكن أن يظن العامة أن هذا الدعاء ملازم لقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، فهذا لا شك أنه غير مشروع، وخير الأمور اتباع سلف هذه الأمة.

يقول المؤلف رحمه الله: [ ويدعو في سائره بما أحب ].

يعني: يدعو في سائره بما أحب من خير الدنيا والآخرة، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول: اللهم قنعني بما رزقتني، واخلف لي على كل غائبة بخير، وقال ابن تيمية : وقد روي عن عبد الرحمن بن عوف أنه كان كثيراً ما يقول وهو يطوف: اللهم قني شح نفسي، وروي عن بعض السلف أنه كان يقول: اللهم اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، وهذا إنما ثبت عن ابن مسعود بين الصفا والمروة، أما في الطواف فالله أعلم، ولا أظنه يثبت عن أحد من الصحابة، لكننا نقول: يقول ما أحب من خير الدنيا والآخرة.

ومما ينبغي التفطن له أن ذكر أدعية مخصوصة لكل شوط لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يوجد من بعضهم ممن معهم كتيبات يقولون: دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث، فهذا لا يشرع، نعم لا بأس أن يستفيدوا من هذه الكتب، فيذكروا الأدعية، لكن لا يخصصوا لكل شوط دعاء، بل يدعوا من خير الدنيا والآخرة، فإنهم ربما لا يستطيعون استحضار الأدعية وقت الطواف، وإذا لم يستطع الإنسان أن يدعو لأجل الزحام استمر على قول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله؛ لأن الاستغفار من أعظم ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال أبو العباس بن تيمية في المجلد الحادي عشر من مجموع الفتاوى: وكلما أحس المسلم في نقص في دين، أو علم، أو نقص حال، أو رزق، أو ولد، أو تقلب قلب، فعليه بالاستغفار والتوحيد.

يقول المؤلف: [ ويدعو في سائره بما أحب ]، المؤلف قال: (يدعو)، وقد بينا أن له أن يقرأ، ولكن الأفضل هو الدعاء والذكر.

لم يذكر المؤلف هل يكبر في آخر شوط أو لا يكبر؟ قولان عند أهل العلم، الأقرب والله أعلم أن المسلم إذا مر على الحجر كبر سواء في أول شوط أو آخر شوط، وهذا هو ظاهر قول ابن القيم رحمه الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول جابر : ( كلما أتى على الركن استقبله وكبر )، فهذا يحصل في أول الشوط، ويحصل أيضاً في آخره؛ لأن التكبير ليس لأجل البداية.

صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم بعد الانتهاء من الطواف

الشيخ: قال المؤلف: [ ثم يصلي ركعتين خلف المقام ].

لم يذكر المؤلف أن يتقدم إلى مقام إبراهيم، ويقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، كما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: ( حتى إذا كان آخر طواف ذهب إلى مقام إبراهيم وقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125])، ثم يصلي خلف المقام، هذا هو السنة أن يصلي خلف المقام، وهل يجب؟ نقول: لا يجب، وقد صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة الطواف هذه بذي طوى وقد صلت أم سلمة أيضاً ركعتي طواف الوداع في المحصب، وعلى مرأى ومسمع وعلم من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن هذا نوع من الإقرار، ولكن الأفضل أن يصلي، ولا يلزم في تطبيق السنة أن يتقدم خلف المقام؛ لأنه لو ابتعد فإنه يصدق عليه أنه صلى خلف المقام، ولو صلى عن يمين المقام مثلاً من ورائه، فلا مانع، يعني: هو لا شك أن استقبال المقام أفضل، ولكن لو جعل المقام عن يمينه قليلاً أو عن يساره قليلاً فيصدق عليه إن شاء الله أن يكون قد صلى خلف المقام: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، ولكن الأفضل هو أن يستقبله بلا شك.

طيب! ماذا يقرأ في الركعتين؟ نقول: يقرأ في الركعة الأولى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] والركعة الثانية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ولهذا قال جابر: فقرأ في الركعة الأولى بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وفي الركعة الثانية بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، كما في قصة صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه.

استلام الحجر الأسود بعد الفراغ من صلاة ركعتين خلف المقام

الشيخ: المؤلف يقول: [ ثم يصلي ركعتين خلف المقام، ويعود إلى الركن فيستلمه ].

السنة إن استطاع المسلم إذا صلى ركعتين أن يأتي إلى الحجر فيستلمه، أما إذا لم يستطع أن يستلمه فلا يشير إليه، ودليل الاستلام ما ثبت عن جابر في صحيح مسلم : أنه قال: ( فلما صلى رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا من بابه ) الحديث، وقد روي عن ابن عمر أنه يصنع ذلك، قال ابن قدامة : وهذا بغير خلاف نعلمه.

وهل له أن يذهب إلى زمزم فيشرب؟ لم يذكر المؤلف هذا، وما جاء في رواية الإمام أحمد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صلى ركعتين ذهب إلى زمزم فاستقى أو فشرب )، فالله أعلم أن هذه الرواية فيها ضعف، وأكثر الرواة رووها عن جعفر بن محمد عن جابر من غير ذكر هذا.

الصعود على الصفا وقول الذكر الوارد

الشيخ: يقول المؤلف: [ ثم يخرج إلى الصفا من بابه ].

قوله: (من بابه)، كان الصفا بعيداً عن المسجد، فكان الذي يريد أن يطوف يخرج من المسجد فيدخل الصفا والمروة، ولهذا قال: (من بابه)، يعني: من الباب الذي في المسجد إلى الصفا، والمعلوم أن الصفا لم يكن له (فاصل) مثل وقتنا هذا، ولكن من بابه يعني: من الباب الذي في المسجد الأقرب إلى الصفا، هذا معناه، وقوله: [من بابه، فيأتيه فيرقى]، السنة أنه إذا رأى الصفا قال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فقط، ولا يزيد في هذه الآية؛ لأن جابراً قال: ( فقرأ: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158] فسكت )، وأكثر الرواة لم يذكر: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ [البقرة:158]، ثم يقول: ( أبدأ بما بدأ الله به )، أو ( نبدأ بما بدأ الله به )، هذه روايتان: الأولى رواية مسلم والثانية رواية النسائي ، وأما ( ابدءوا بما بدأ الله به ) فهي رواية لا تصح.

قال: [ فيأتيه فيرقى عليه ]، السنة لمن أراد أن يسعى أن يرقى على الصفا، والحمد لله الآن مجرد أنك تتعدى الرخام المربع الصغير تكون أنت قد رقيت على الصفا فتلتفت إلى البيت، فإن رأيت البيت فإنك ترفع يديك، وتقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر -ثلاث تكبيرات- لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بعد ذلك، وكان ابن عمر يطيل الدعاء، ثم إذا انتهى من الدعاء وهو رافع يديه يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو وهو ما زال رافعاً يديه، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم ينصرف إلى المروة ولا يدعو بعد الثالثة؛ لأن جابراً يقول: ( ودعا بينهما )، ومن المعلوم أن الدعاء بينهما بين هاتين، لكن له أن يدعو وهو منحط إلى المروة.

المؤلف يقول: [ويكبر الله ويهلله ويدعو] في رواية مسلم لم يبين جابر كم كبر، وقد روى الطبراني بإسناد جيد، و سعيد بن منصور وقد قال فيه ابن تيمية : إسناده جيد، وروي نحوه عن ابن عمر أن يكبر ثلاثاً ثم يهلل اثنتين ثم يدعو، ثم يكبر ثلاثاً ويهلل اثنتين ثم يدعو، ثم يكبر ثلاثاً ثم يهلل اثنتين ثم ينصرف، إذاً يكبر تسع تكبيرات، ويهلل ست تهليلات، ويدعو مرتين، وما يفعله بعض الإخوة أنه إذا أراد أن يكبر يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر إشارة فهذا ليس من السنة، السنة أن يرفع يديه ويدعو، هذا هو السنة كما لا يخفى.

المشي من الصفا إلى المروة مع السعي بين العلمين

الشيخ: يقول المؤلف: [ ثم ينزل فيمشي إلى العلم ]، هذا يدل على أن العلم الأخضر الموجود عندنا كان موجوداً في السابق، وكانوا يقولون: العلم بين العلمين هو بيت العباس بن عبد المطلب ، فبيت العباس كانت بين العلمين من جهة اليمين لمن انحدر إلى المروة.

المؤلف يقول: [ ثم يسعى إلى العلم الآخر ]، هذا هو السنة، ودليل ذلك حديث جابر : ( ثم سعى بينهما )، وأما حديث حبيبة بنت أبي تجراة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي )، فهذا حديث ضعيف، كما أشار إلى ذلك غير واحد من أهل العلم كـابن الجوزي وغيره، ولا يقوى بمجموع طرقه.

طيب! ذكر أهل العلم أن السعي هو الإسراع في المشي، وإذا ثبت عندنا أن حديث: ( حتى إني لأرى رداءه يدور من عنده )، ضعيف، فأرى والله أعلم أنه يسعى ولكن لا يبالغ في ذلك؛ لأننا نلاحظ بعض الإخوة يسرعون وربما تصادموا مع الناس، وشق ذلك على حجاج بيت الله، ولا ينبغي لمسلم أن يصيب العنت على حجاج بيت الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع )، نعم يسعى كما ثبت، ولكن السعي شيء والوثب الشديد شيء آخر، نعم روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سعى بدت ركبته، ولكن في هذا الحديث ضعيف كما مر معنا.

وسبب أن الرسول سعى ما روى ابن خزيمة من حديث ابن عباس أن هاجر أم إسماعيل عندما أرادت أن

الشيخ: وقفنا عند قول المؤلف: [ ويقول -أي الطائف-: بسم الله والله أكبر ].

المؤلف رحمه الله قال: (ويقول) أي: الذي يبدأ بالطواف يستلم الركن ويقبله على الأحوال التي مرت معنا ويقول، (بسم الله والله أكبر)، أما قول: (بسم الله) فلم يرد بإسناد صحيح ولا حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس ، وكما في صحيح مسلم من حديث جابر و ابن عمر وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: الله أكبر، قال ابن عباس : ( طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجنه ويكبر )، وكذلك قال جابر رضي الله عنه: ( كلما أتى الركن استلمه وكبر )، وكذا قال ابن عمر مشيراً إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد روى الإمام البيهقي في السنن الكبرى، و أبو داود في مسائله لـأبي داود من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان إذا طاف استلم الحجر وقال: بسم الله والله أكبر، فهذا يدل على أن البسملة إنما ثبتت عن ابن عمر رضي الله عنه، وأما مرفوعة فلم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال: إن التكبير سنة، وأما البسملة فحسن؛ لأنها فعل صحابي ولا بأس بذلك، والتكبير ليس بواجب عند عامة الفقهاء، فلو أنه مر على الحجر ولم يكبر فإنه لا شيء عليه ولم يترك واجباً، وإنما ترك السنة، وأما التسمية فحسن؛ فقد فعلها ابن عمر رضي الله عنه وكان يقولها، أما مرفوعة فلم ترد.

يقول المؤلف: [ ويقول: اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ].

هذا الحديث قال فيه الحافظ ابن حجر : لم أجده بهذا اللفظ، وروى ابن عساكر نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ضعف، وروى البيهقي من طريق أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي أنه كان إذا استلم الحجر قال: اللهم إيماناً بك واتباعاً لنبيك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك، هذا الأثر عن علي رضي الله عنه في سنده الحارث الأعور ، ومعلوم أن الحارث الأعور أكثر رواياته عن علي ، وهي ضعيفة، ولكن الثابت أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة بإسناد صحيح أنهم كانوا يقولون لفظاً في أول ابتداء الطواف، نعم ثبت عند ابن أبي شيبة بسند جيد من حديث المسيب بن رافع عن حبيب بن صهبان قال: سمعت عمر رضي الله عنه وهو يطوف عند البيت وليس له هجيرى إلا يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

إذا ثبت هذا وهو أن قول المؤلف رحمه الله: اللهم إيماناً بك. أنه ليس من السنة، فلو أن إنساناً قال ذلك مع الأدعية التي يقولها فلا حرج، كما بينا أن المسلم يدعو بما أحب وبما شاء من خير الدنيا والآخرة، وهل له أن يقرأ القرآن؟ قلنا: إن عمر بن الخطاب كان هجيراه كما ثبت عند ابن أبي شيبة أنه كان يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وهذا دليل على جواز أن يقرأ القرآن، وهذا قول أكثر أهل العلم، وذهب بعضهم إلى عدم المشروعية، وهو قول عند أحمد حيث قال: لا ينبغي، قال ابن تيمية رحمه الله: ومعلوم أن المرء يفعل ما اتفق عليه خير له من أن يفعل ما لم يتفق عليه، والذي اتفق عليه السلف في الطواف هو الدعاء والذكر، والذي اختلفوا فيه هو قراءة القرآن، والصحيح أن قراءة القرآن جائزة والذكر جائز، ولا شك أن الذكر والدعاء خير من قراءة القرآن، وهذا من الأشياء التي ذكر أهل العلم فيها أن الفاضل ربما يكون في زمان أو في مكان أو في حال مفضولاً، كما لا يخفى أن قراءة القرآن من أعظم القربات، ولكن قراءتها في الركوع أو في السجود محرمة عند جمهور الفقهاء.

الشيخ: يقول المؤلف: [ ثم يأخذ على يمينه ويجعل البيت على يساره ].

الواجب في حق الطائف أنه إذا استقبل الحجر أن يستقبله، ثم يستلمه أو يشير إليه إن لم يستطع ذلك، ثم يتقدم عن يمينه جاعلاً البيت عن يساره، والسنة أن يستقبل الحجر بكامل بدنه، أما لو استقبله ببعضه جاز ذلك خلافاً للجمهور، ودليل جواز أن يستقبل الحجر ببعض بدنه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، ومن المعلوم أن الإنسان إذا طاف على بعير فمن الصعوبة أنه إذا وصل إلى الحجر أن يجعل البعير مستقبلاً الحجر حتى يستقبله الراكب بكامل بدنه، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يجعل البعير يمر ويلتفت هو ويستقبل الحجر ببعض بدنه، ثم يشير ويكبر، وهذا يدل على أن الاستقبال بكامل البدن سنة، وأما أنه واجب كما يقول الجمهور فلا.

الشيخ: يقول المؤلف: [ أن يأخذ على يساره ].

ذهب عامة الفقهاء إلى أن الواجب في حق الطائف أن يجعل البيت على يساره، وقد ذكروا في ذلك حكماً، وأرى أن فيها تكلفاً، ولكن الحكمة الحقيقية هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن يجعل البيت عن يساره فنقول: الواجب أن يبدأ الطائف من جهة الباب، أما أن يلزم بأن يجعل البيت عن يساره في كل لحظة وفي كل شوط فأرى أن ذلك فيه كلفة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك، إنما فعله وقد طاف جاعلاً البيت على يساره، لكن إذا كان هناك زحام فربما جعل الإنسان يتقدم قليلاً ويجعل البيت خلفه، ثم ينحني ذات اليسار، وأرى أن ذلك لا بأس به؛ ومما يدل على التخفيف في هذا وقت الزحام أو وقت المشقة أو وقت العذر أن الصحابة كـأبي بكر رضي الله عنه ثبت أنه طاف بابنه محمد بن أبي بكر وهو في المهد، ومعلوم أنه لم يؤمر أبو بكر أن يجعل البيت عن يسار الطفل، وكذلك الذي يحمله فمن العادة أن الإنسان إذا حمله ربما يجعل البيت عن يمين المحمول هذا، أو خلفه، ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يشددون في هذا الأمر مما يدل على أن الأولى والأحرى والأخلص بالطائف أن يجعل البيت عن يساره، لكنه لو بحث عن طفله الذي ضاع مثلاً، وبدأ يلتفت ذات اليمين وهو يتقدم فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن العبرة هو أن يبدأ طوافه من جهة الباب ولا يذهب من جهة الركن اليماني كما يقول الأحناف.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] 2647 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] 2531 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] 2446 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] 2392 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] 2311 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] 2164 استماع
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] 2163 استماع
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] 2124 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] 2106 استماع
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] 2102 استماع