كتاب منهج السالكين - كتاب الصداق [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا ونسمع, وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

كنا قد وصلنا في قراءتنا من كتاب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله, في كتابه: منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين, إلى كتاب الصداق, وسوف نبدأ من كتاب الصداق إلى نهاية الصيد والذكاة.

قال المؤلف رحمه الله: [ كتاب الصداق ].

(كتاب الصداق), الصداق بفتح الصاد, جمع صدق, وصدقات كما قال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4], وسماه ربي سبحانه وتعالى أيضاً أجراً, فقال: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [النساء:24].

والصداق ثابت في الكتاب والسنة, وإجماع سلف هذه الأمة.

أما الكتاب فقد قرأنا قوله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء:4].

وأما السنة: فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( أعظم النساء بركة, أيسرهن مؤنة ), وقال عليه الصلاة والسلام: ( التمس ولو خاتماً من حديد ).

وأما الإجماع: فقد نقل أبو عمر بن عبد البر إجماع علماء المسلمين, على أنه لا يجوز وطء في نكاح, إلا بصداق مسمى ديناً أو عيناً.

قال المؤلف رحمه الله: [ ينبغي تخفيفه ( وسئلت عائشة: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشاً، أتدري ما النش؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم ) رواه مسلم ].

إذاً يستحب للإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يخفف في المهر؛ فهذا هو السنة, وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن من أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ), وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم, فقال: (يا رسول الله! إني تزوجت امرأة من الأنصار, قال: على كم تزوجتها؟), أو في رواية أنه قال: ( هل نظرت إليها؟ أنظر إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً ), يعني: إنها صغيرة, ثم قال: ( على كم تزوجتها؟ قال: على أربعة أواق ), فقال صلى الله عليه وسلم: (على أربعة أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل, ما عندنا ما نعطيك, ولكن عسى أن نبعث بعثاً فتصيب منه), فدل ذلك على استحباب التخفيف.

وقد قالت عائشة حينما ( سئلت عن صداق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان صداقه لنسائه ثنتي عشرة أوقية ونشاً, أتدري ما النش؟ قال: لا, قالت: نصف أوقية, فتلك خمسمائة درهم), وزكاة الفضة الآن تقدر بألف وثمانمائة وخمسين ريالاً سعودياً تقريباً, أو ألف وتسعمائة, وهو ما يعادل مائتا درهم, وزواج النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة أوقية ونشاً, فيحسب ألف وتسعمائة, زائداً ألف وتسعمائة, ثم زائداً نصف ألف وتسعمائة, كم يصير المجموع؟ قل: ألفين، وألفين وخمسمائة, إذاً تقريباً خمسة آلاف ومائتين ريال.

إذاً زواج النبي صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف ومائتان, وهذا بناء على قيمة الفضة, وقد كانت الفضة ليس لها قيمة, واليوم أصبح لها قيمة؛ بسبب أن الصاغة بدءوا يصلحون فيها مثل ما يصلحون في الذهب فزادت قيمتها, إذاً زواج النبي صلى الله عليه وسلم كان بقرابة خمسة آلاف وأربعمائة ريال سعودي.

قال المؤلف رحمه الله: [ ( وأعتق صفية وجعل عتقها صداقها )، وقال لرجل: ( التمس ولو خاتماً من حديد ) متفق عليه، فكل ما صح ثمناً وأجرة وإن قل صح صداقاً].

أعتق صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها, كما ثبت ذلك في الصحيحين, وهذا يدل على أن الصداق يصح في كل ما يتمول, ويمكن الانتفاع به, ويصح بذله وأخذه, فعلى هذا فكل ما يمكن الانتفاع به, سواء كان منفعة متقومة أو مال فإنه يصح أن يكون صداقاً, ومما يدل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث سهل قال: ( اذهب, فقد زوجتكها بما معك من القرآن )، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مهرها تعليمها, ومن المعلوم أن التعليم منفعة متقومة.

ثم ذكر المؤلف أدلة لبيان أن الصداق يصح في القليل والكثير, أما القليل: فقد ذكر أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها, وهذا يدل على أنه يصح المهر بالمنفعة, وقال صلى الله عليه وسلم: ( التمس ولو خاتماً من حديد ), فيدل على أن المهر ولو كان قليلاً يصح, وأما الكثير فكما قال الله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا [النساء:20].

قال المؤلف: [فإن تزوجها ولم يسم لها صداقاً فلها: مهر المثل، فإن طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة على الموسع قدره وعلى المقتر قدر؛ لقوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] الآية].

الإنسان يتزوج المرأة ويعقد عليها, فإما أن يكون قد سمى مهراً, وإما أنه لم يسم, فإن لم يسم مهراً فمن المعلوم أنه لا يصح أن تتزوج المرأة بلا مهر, ولم يستثن من ذلك إلا محمد صلى الله عليه وسلم, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين الله سبحانه وتعالى في كتابه أن المرأة لها أن تهب نفسها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, خالصة له من دون المؤمنين, وأما في زماننا هذا, فإذا عرضت المرأة ووهبت نفسها, فقبل الزوج ورضي الولي, فليس معنى ذلك ألا يكون هناك مهر, بل لابد من وجود المهر, وإذا لم يسم المهر فإنها يكون لها مهر المثل, هذا قول عامة أهل العلم, على أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم يسم صداقاً فإن مهرها مهر المثل, ومعنى مهر المثل: أن مهر البكر له قيمة في تعاملات عامة أهل البلد, والزواج من الثيب له قيمة يتعامل بها عامة أهل البلد, وكل بلد له مثل.

أما إن طلقها قبل أن يدخل بها ولم يسم مهراً, فالمؤلف رحمه الله اختار أن لها المتعة فقط, وليس لها المهر, فلو أن رجلاً تزوج امرأة ولم يذكر صداقاً, ولم يدخل بها ثم طلقها, فقيل: لها المهر، وهو نصف مهر المثل.

والقول الثاني الذي اختاره المؤلف: أنه ليس لها إلا المتعة, كما قال الله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237], وجه الدلالة: أن الشارع إنما أوجب نصف المهر حين المسمى, وأما إذا لم يسمِ, فإن الله تعالى قال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ [البقرة:236], وهذا من المتعة الواجبة, وهو أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم يفرض لها صداقاً, ثم طلقها ولم يدخل بها, فإن لها المتعة, كما قال تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236], ثم قال: وَمَتِّعُوهُنَّ [البقرة:236], فدل ذلك على أن الرجل إذا طلق المرأة ولم يمسها ولم يدخل بها, ولم يفرض لها صداقاً, فإن الواجب في حقه أن يمتعها, والمتعة بالمعروف, كما قال تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236], يعني: كل إنسان بحسبه, فالغني متعته ليست كمتعة الفقير, هذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم, أنه لا يجب عليه نصف مهر المثل, ولكن يجب عليه المتعة.

واعلم أن المتعة منها ما هي واجبة, ومنها ما هي مستحبة.

فالقسم الأول: المتعة الواجبة: وهي في حق الرجل الذي تزوج المرأة ولم يسمِ لها صداقاً, ثم طلقها قبل أن يدخل بها, فيجب عليه أن يمتعها.

والقسم الثاني: المتعة المستحبة: وهي أن يكون الرجل قد دخل بالمرأة وأعطاها صداقاً, ثم أراد أن يطلقها, فيستحب له المتعة, وهذا هو مذهب الحنابلة واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله؛ ولهذا قال المؤلف: (فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة), يعني: يجب عليه المتعة, عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236].

أما لو طلقها وقد سمى صداقاً ولم يدخل بها فالواجب نصف المسمى الذي في العقد, فإن كانت قد أخذت مثل ما يوجد عندنا اليوم, يعطيها المهر قبل العقد, فما أخذته يجب عليها أن ترد نصفه والله أعلم.

والمتعة معناها: هي ما تمتع به المرأة من ذهب أو كسوة أو قطعة أرض, أو مال, أو منفعة, أو حج, أو عمرة ونحو ذلك مما هو له قيمة تشرف لها قلوب الناس.

قال المؤلف رحمه الله: [ويتقرر الصداق كاملاً بالموت أو الدخول].

الرجل إذا تزوج المرأة, وبين الصداق, فإن المهر يثبت للمرأة كاملاً غير منقوص في حالين:

الحالة الأولى: إذا مات هو بعد أن عقد عليها, ولو لم يدخل بها, فإن لها المهر كاملاً, وهذا قول عامة الفقهاء خلافاً لبعض المالكية, ودليل ذلك ما رواه أبو داود وغيره, ( أن ابن مسعود سئل عن امرأة تزوجها زوجها ثم مات ولم يدخل بها, فقال رضي الله عنه: أقول فيها برأيي, لها مثل صداق نسائه, لا شطط ولا وكس, ولها المهر وعليها العدة ), ومعنى (ولها المهر): إن كان قد سمي فلها مهر المسمى, وإن لم يسمّ فلها مهر المثل, ( فقام معقل بن يسار فشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى لـبروع بنت واشق امرأة من جماعته بذلك), وهذا الحديث إسناده صحيح, وقد رواه الخمسة وصححه الترمذي , ولم يضعفه إلا الإمام الشافعي , على اعتبار أن معقل بن يسار هل هو معقل الصحابي المعروف أو رجلاً آخر؟ ومن المعلوم أن المبهم من الصحابي لا يضر والله أعلم.

إذاً: بالموت يثبت لها المهر كاملاً عند عامة أهل العلم.

الحالة الثانية: يقول المؤلف: (أو الدخول), يعني: إذا دخل الرجل على امرأته, ومعنى الدخول: أن يغلق الأبواب ويرخي الستور بينه وبينها, فمتى ما أغلق الأبواب وأرخى الستور فقد وجب المهر, سواء مسها أو لم يمسها, هذا هو مذهب عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب , وهو مذهب عامة أهل العلم, وهو مذهب أكثر الصحابة, صح عن عمر كما رواه البيهقي و الدارقطني , وصح عن علي كما رواه البيهقي و سعيد بن منصور , وروي عن ابن عباس أن لها المهر كاملاً.

والقول الثاني: هو مذهب مالك , أنه لا يثبت المهر إلا بالمسيس؛ لقوله تعالى: وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [النساء:21], وقال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237].

وجه الدلالة: أن الشارع قيد ذلك بالمسيس, وهذا القول وإن كان يبدو ظاهراً, إلا أن القول الأول أظهر؛ وذلك لأننا لو لم نقل به للزم أن الرجل إذا تزوج المرأة ولم يستطع أن يأتي النساء, مثل العنين, وجلس معها عشرين سنة, وثبت أنه لم يطأها أن لها المهر كاملاً, على مذهب مالك وأحد القولين عند الشافعي .

ولا ينبغي لطالب العلم في مثل هذه المسائل أن يفتي بها؛ لأنها قضايا محاكم, ويحصل فيها من النزاع ما لا يخفى, فينبغي مثل هذه المسائل ألا يفتي فيها طالب العلم أو العالم؛ لأنها مما يحصل فيها نزاع, فيقول: اذهبوا إلى القضاء في هذا الأمر. والعمل عندنا في المحاكم والفتوى أن الرجل إذا أغلق الغرفة على المرأة ولو كان في المجلس, وجلس معها أنه يثبت لها المهر ولو لم يمس, واختار أبو العباس بن تيمية قولاً حسناً, فقال: إن خلا بها خلوة يحصل معها الاستمتاع والوطء عادة, صحت الخلوة وثبت المهر, وإن جلس معها وخلا بها خلوة لا يحصل بها الوطء عادة فإنه لا يثبت لها إلا نصف المهر, وهذا القول أظهر؛ لأنه أحياناً يجلس الرجل مع زوجته التي عقد بها في المجلس, وهذا داخل وهذا ذاهب, فيقفل الباب شيئاً ثم يفتحه, أو تفتحه الأم, أو يفتحه الأخ, فمثل هذا لا يحصل معه استمتاع في العادة؛ ولهذا لو أقفل الباب وجلس مدة يحصل معه الوطء عادة, فهذا هو الذي يثبت فيه المهر.

وأما القول بأنه لا يثبت إلا بالمسيس, فإن مثل هذا ربما لا يعلم, فربما المرأة تقول: لم يمسني؛ لأجل أن يرغب بها, وربما يقول هو: نعم، وهو قد اتفق معها؛ لأجل ألا يضرها, فمثل هذه المسائل لابد فيها من قطع النزاع ويكون الشيء ظاهراً معلوماً, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا أجيف الباب, وأرخيت الستور, فقد وجب المهر, وقال علي بن أبي طالب : من أغلق عليه باباً وأرخى ستراً فقد وجب الصداق, وهذا الأظهر والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ويتنصف بكل فرقة قبل الدخول من جهة الزوج كطلاقه، ويسقط بفرقة من قبلها أو فسخه لعيبها].

الرجل يتزوج المرأة -وإذا قلنا: يتزوج يعني: يعقد عليها بولي وشاهدين- فأحياناً يطلقها, أو تحصل فرقة قبل الدخول, فهذه الفرقة إما أن تكون من جهة الزوج, وإما أن تكون من جهة الزوجة, فإذا كانت من جهة الزوج وهو أنه يرغب عنها ويطلقها, فإذا طلقها الزوج وكان الطلاق من جهته وليس في المرأة عيب, فإنه يثبت لها النصف المسمى أو نصف مهر المثل.

أما لو كان الفراق بسببها, ما معنى سببها؟ يعني: مثل أنها قالت له: إنني فيني وفيني, وفيني, ثم تزوجها وتبين أنها قد غرته, فهذا سبب فراقها بسبب منها فإنه يسقط المهر, وكيف يسقط؟ قالوا: إذا كان قد أعطاها أربعين ألفاً, ثم تبين أنها غشته فلا يخلو من أن يطأها أو ألا يطأها, فإن لم يطأها ثم فارقها فليس لها شيء؛ لأنها قد غرته؛ لقول عمر رضي الله عنه: وله المهر على من غره؛ ولهذا قال المؤلف: (ويسقط بفرقة من قبلها, أو فسخه لعيبها), فإذا كان الفسخ لأجل عيبها, فإنه يثبت له المهر كاملاً, أما لو وطئها ثم علم أن بها عيباً, فبعض العلماء قال: ليس لها مهراً, والراجح والله أعلم: أن لها مهر, ولكن ليس هو المسمى؛ لقول عمر رضي الله عنه: ولها المهر بما استحل من فرجها؛ لأنه لا يصح وطء في نكاح إلا بمهر, ويقدر ما يصلح أن يكون صداقاً, لأنها غشت, أو إن كانت بكراً ففض بكارتها, فيعطيها مهر المثل, ولو كان المسمى أكثر من مهر مثلها يقدر بالأقل والله أعلم.

وإذا كان الولي هو الذي قد غر الزوج؛ لأن بعض الأولياء هداهم الله يقول: ابنتي طباخة, وابنتي راعية بيت, وابنتي كذا وكذا, وفيها وفيها فيتزوجها الزوج, ثم يتبين أن المرأة خرقاء, لا تفهم ولا تقرأ ولا تكتب, فهذا إذا أثبت الزوج أن الولي قد غره بذلك, ففسخها وقد كتب ذلك في العقد, أن له أن يرجع على المهر كاملاً, أما هي فيثبت لها المهر؛ لأنها ليس هي من غرته, فيرجع الزوج على الولي في هذا الأمر.

قال المؤلف رحمه الله: [وينبغي لمن طلق زوجته أن يمتعها بشيء يحصل به جبر خاطرها].

هذه المتعة من القسم الثاني الذي هو المتعة المستحبة, وهي في حق الرجل الذي دخل بامرأته ثم طلقها, ولو بعد سنين, يستحب له أن يجبر خاطرها بشيء مما تتعلق به نفوس الناس, من طقم ذهب, أو قطعة أرض, أو شيء من المال؛ لقوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241].

ونكون بهذا قد انتهينا من باب الصداق.

قال المؤلف رحمه الله: [ باب عشرة النساء ].

المقصود بالعشرة

المقصود بالعشرة: هي الاجتماع والمعاشرة والمخالطة, والمقصود في هذا الباب ما يكون بين الزوجين من ألفة وحديث وخلطة ومعاشرة.

قال المؤلف رحمه الله: [ يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى, وألا تمطله حقه ].

هذا هو الأصل, أن الرجل لا يقبح, والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً, فقد رضي منها خلقاً آخر ), وقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19], والمعروف أن يكلمها كلاماً ليناً, وأن يطعمها كما يطعم, وأن يكسوها كما يكتسي, وألا يقبح, كما جاء عند أبي داود من حديث معاوية القشيري .

والمعاشرة اختلف العلماء فيها, مثل: حسن تودد, فهذا إذا كان فما يمكن معه بقاء النكاح فهو واجب, وأما ما زاد على ذلك, مثل أن تمسح التعب على الزوج, وأن تقابله بالبشاشة دائماً, فهذا من حسن العشرة ويعتبر سبباً لدخول الجنة, ( إن المرأة إذا صلت خمسها, وصامت شهرها, وأطاعت زوجها, دعيت من أي أبواب الجنة شاءت ), فإذاً: المعاشرة منها ما هو واجب, ومنه ما هو مستحب.

عمل المرأة في بيت زوجها

وهنا مسألة وهي: هل من واجب العشرة أن تقوم المرأة بتنظيف البيت, وتغسيل ثياب الزوج, وأن تطبخ له، أم أن هذا لا يجب عليها، وأن الواجب فقط هو تمكينها من نفسها؟

قولان عند أهل العلم:

ذهب ابن حزم ورواية عند الإمام أحمد : أن المرأة لا يجب عليها إلا أن تمكن زوجها من نفسها؛ لأن الأصل في النكاح هو الاستمتاع, وهو المقصود الأعظم, وأما تنظيفها بيت زوجها, فهذا قالوا: لا يجب, ولكنه بالمعروف.

والقول الثاني في المسألة: وهو رواية عند الإمام أحمد , وهو اختيار ابن تيمية , وعليه الفتوى عند أكثر أهل العلم اليوم, وهو أن المرأة يجب عليها ما يجب على راعية المنزل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عمر : ( والمرأة راعية في بيت زوجها, ومسئولة عن رعيتها ), ومن الرعاية تربية الأولاد, ومن الرعاية تنظيف المنزل, ومن الرعاية أن تقوم بتنظيف ثياب الزوج والاستعداد لمثل ذلك, قالوا: ومما يدل على ذلك أن الله أمر فقال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19], فإذا وجب على الزوج أن يعاشر المرأة بالمعروف, مع أن حق الزوج أقل, دل ذلك على أن معاشرة المرأة لزوجها من باب أولى, ( ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما له عليها من الحق ), والحديث إسناده جيد. وهذا هو الصواب.

ومما يدل على ذلك: أن هذا الأمر كان معلوماً حتى عند الصحابة, فقد روى البخاري و مسلم من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: ( تزوجني الزبير بن العوام , ولا والله ما معه مملوك ولا مال ولا شيء, فكنت أعلف دابته, وأغرس غربه, وكنت أعجن ولم أكن أحسن أخبر, وكان هناك نساء من الأنصار, وكن نساء صدق يقمن فيخبزن لي ), وجه الدلالة: أن أسماء كانت تصنع لزوجها مثل ما يسمى بتنظيف ما يحتاجه الرجل, بل جاء في رواية مسلم ما يدل على أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت, فدل ذلك على أن ما كان في البيت, فيجب على المرأة أن تتولاه, وينبغي للزوج أن يساعدها إذا احتاجت إلى ذلك كما تقول عائشة : ( كان يكون في مهنة أهله, فإذا أذن المؤذن خرج إلى الصلاة ).

حقوق الزوج على زوجته

قال المؤلف: [ ويلزمها طاعته في الاستمتاع، وعدم الخروج والسفر إلا بإذنه والقيام بالخبز والعجن والطبخ وغيرها ].

أولاً: قال: (طاعته في الاستمتاع), واجب على المرأة أن تمكن زوجها من الاستمتاع, فإذا دعاها فيجب عليها أن تجيبه أي وقت شاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه, فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح ), وقال صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم : ( والذي نفسي بيده! ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى إلا لعنتها الملائكة ), وجاء عند الإمام أحمد : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلتأتي ولو كانت على تنور ), فهذا يدل على أنه لا يسوغ للمرأة أن تأبى في هذا الأمر, وتمكينه من نفسها ليس معناه أن تمكنه, بل تتهيأ لمثل ذلك, وكذلك الزوج, فقد روى البيهقي بسند جيد عن ابن عباس أنه قال: إني لأتجمل لامرأتي كما أحب أن تتجمل لي, وهذا من حق المرأة على زوجها أن يطأها ويستعد لذلك، ومتى يجب؟

ذهب الحنابلة والمالكية إلى أن الواجب كل أربعة أشهر, ولا يجوز أكثر من ذلك, وذهب الشافعي إلى أنه لو لم يطأ, فإنه يجوز لها ذلك, وهو قول ابن حزم , وهو مرجوح والراجح هو أنه يجب أن يطأ كل أربعة أشهر, ويعفها في هذا الأمر.

ثانياً قال: (وعدم الخروج والسفر إلا بإذنه)؛ لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه, ولو كان ذلك للوالدين, فإذا قال الزوج: لا تذهبي إلى والدك, فإنها تأثم إن خرجت, ويأثم هو إن قطع رحمها, وليس لها الحق أن تقول: لا, (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)؛ لأنه عصى الله, ولا يتأتى بهذا الأمر إلا أن تعصي؛ لأن له عليها حق في البقاء في المنزل, فهو يأثم إن منعها ما أوجب الله عليها, مما لا يبطل حقه, وهي تأثم إن خرجت؛ لأن ذلك سوف يبطل حقه والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقول المؤلف: (إلا بإذنه), فإذا أرادت أن تسافر فلابد أن تستأذنه, فإن اشترطت عليه أنه إن أراد أن يسافر ألا تسافر معه, فهل يصح هذا الشرط؟

جمهور الفقهاء يقولون: لا يصح هذا الشرط, والقول الثاني: هو مذهب الحنابلة, وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنها إن اشترطت على زوجها ما يجب عليها فعله ورضي, فإن حقه يسقط, ومن ذلك: أنها تطلب أن تعمل, أو أن تكمل الدراسة, فإن لم يذكر في العقد أن تكمل الدراسة أو أن تتوظف فله أن يمنعها؛ لأن حقه عليها البقاء في المنزل, ولا ينبغي للزوج أن يمنع المرأة في ما فيه منفعة لها ولا يعود عليه بالضرر الديني والدنيوي, فأما التعنت فليس هذا من العشرة بالمعروف.

أقول: إنها لو اشترطت عليه فإن الشرط صحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر : ( إن أحق الشروط أن يوفى ما استحللتم به الفروج ), قال ابن تيمية : فهذا يدل على أن الشروط الجعلية, التي يشترطها أحد الزوجين في عقد النكاح, إذا لم يخالف الكتاب والسنة فيجب الوفاء به.

ومما يدل على هذا أيضاً ما جاء عند ابن أبي شيبة : أن امرأة تزوجت أعرابياً, على أنها متى ما أراد أن يسافر فلها أن تملك نفسها, يعني: لا تسافر, فرضي بذلك ثم أراد أن يسافر, فأرادها فأبت, فشكاها إلى عمر رضي الله عنه, فقال: يا أمير المؤمنين! إن لي زوجاً تزوجت على أنها متى ما أردت السفر, فلها أن تملك نفسها, فقال عمر رضي الله عنه: لها شرطها, فقال الأعرابي: الله أكبر! غلبننا النساء -يريد أن يستثير همة عمر- فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط, وهذا يدل على أن الشروط الجعلية التي تشترطها المرأة على زوجها فإنها نافذة.

ومن ذلك: أن تقول: أريد أن أكمل دراستي, اشترطت عليه ذلك, فإكمال الدراسة شيء, والتوظيف شيء آخر, والله أعلم.

ثالثاً: قال المؤلف: (والقيام بالخبز والعجن والطبخ ونحوها), هذا هو الراجح كما مر, وهو رواية عند الإمام أحمد , اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله, وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي , وعليه الفتوى عند شيخنا عبد العزيز بن باز , وشيخنا محمد بن عثيمين وغيرهم.

حقوق الزوجة على زوجها

قال المؤلف: [ وعليه نفقتها وكسوتها بالمعروف، قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وفي الحديث: ( استوصوا بالنساء خيراً ) متفق عليه ].

إذاً: على الزوج حقوق, ومن ذلك قال: (نفقتها وكسوتها بالمعروف), جاء عند أبي داود من حديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: ( يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت, وأن تكسوها إذا اكتسيت, ولا تضرب الوجه ولا تقبح, ولا تهجر إلا في البيت ), ومعنى: ( ولا تهجر إلا في البيت ), أنه لا يسوغ للرجل إذا غضب على المرأة أن يخرج من البيت ويتركها ما يدري ما حالها, فلو اتصلت لم يرد؛ لأنها عوان عنده قال صلى الله عليه وسلم: ( استوصوا بالنساء خيراً, فإنهن عوان عندكم ), ومعنى: (عوان) أي: أسيرات, فما يدري ما يصيبها, ربما يأتيها غضب أو انهيار عصبي, ربما يحصل عليها شيء, فلا يسوغ له ألا يرد عليها.

وهل له أن يهجر أكثر من ثلاث أم لا يجوز ذلك؟

جمهور الفقهاء قالوا: إن الرجل إذا أراد أن يهجر أهله فلا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن تكون هي السبب, يعني: قصرت في حقه, تأمل! أن تكون هي قد قصرت في حق واجب عليها, فحينئذٍ له أن يهجر, لكن الهجر هنا إنما هو هجر في المضجع, ولو زاد أكثر من ثلاث فالذي يظهر والله أعلم أنه يجوز إذا كان ذلك بسببها أو نشوزها.

الأمر الثاني: إن كان يريد تأديبها في أمر هو يريده, مثل: ألا يريد أن تتحدث معه وتناقشه كثيراً, أو تريد أن تذهب معه إلى الاستراحة وهو لا يريد, ويريد أن يمنعها, فإنه لا يجوز له أن يهجر فوق ثلاث؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ), وهذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

والمشكلة أن هذه تخفى على كثير من الناس, فبمجرد أنه يريد أن يأدبها, تجده يهجرها ولا يكلمها شهرين, أو ثلاثة أشهر, أو ستة أشهر, مع أن المسألة مسألة بسيطة جداً, كطبخ أو غيره, فهذا لا يجوز، وهو آثم في هذا, فإن حق المرأة من أخوة الإسلام شيء, والنكاح أيضاً شيء آخر, فحقها على زوجها أعظم من حق المسلم العادي على أخيه المسلم.

ومن حقوق الزوجة ما قال المؤلف: (نفقتها وكسوتها بالمعروف), يعني: أنه لا يجب عليه أن يبيت معها إلا إذا كان عندها ضرة, هذا مفهوم عبارة المؤلف, وقال بعضهم: إن لها القسم ليلة كل أربع ليال؛ لأن الشارع لم يجوز للرجل أن يتزوج إلا أربعاً, فدل ذلك على أن المرأة لها ليلة من أربع ليال, والوطء شيء والمبيت شيء آخر, وهذا القول أظهر، وهو أن الرجل يجب عليه أن يبيت مع أهله مرة كل أربع ليال, وينبغي له أن يبيت معها كل ليلة؛ لأن هذا من باب حسن العشرة, إلا إذا كان ذلك يضرها, مثل أن يكون هو في شقة وهي في شقة, ويذهب مع زملائه فتخاف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يأخذ أحدكم متاع أخيه جاداً أو هازلاً ), فإذا كان أخذ المتاع يغضب أخاك, فإن مثل ذلك تصرف الرجل مع المرأة من باب أولى, والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف أدلة ذلك, فقال: (استوصوا بالنساء خيراً), وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي), فالرسول صلى الله عليه وسلم لو تأملنا سنته في تعامله مع أهله, لوجدنا أن قوله صلى الله عليه وسلم: ( وأنا خيركم لأهلي ) يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يرفع صوته, ولا يناصح وقت غضب الزوجة, بل كان صلى الله عليه وسلم يعالج الخطأ وقت الرضا, جاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة , فوجدها جذلانة- يعني: فرحانة- فقال: يا عائشة ! أما إني أعلم إذا كنت عني راضية, وإذا كنت عني غضبى, قالت: كيف تعرف يا رسول الله؟! قال: أما إنك إذا كنت عني راضية قلت: لا ورب محمد, وإذا كنت عني غضبى قلت: لا ورب إبراهيم, فضحكت عائشة وقالت: نعم والله ما أهجر إلا اسمك، ولن أهجره بعد اليوم ).

وجاء في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على نسائه بعد العصر ويدنو منهن, ثم يجتمعن في البيت الذي هو عندها, تقول عائشة: وإن نساءه قد اجتمعن في البيت الذي هو عندي, فلما كان المغرب -أظلمت الغرفة فلم ير الرسول صلى الله عليه وسلم- مد يده إلى حفصة , فقالت عائشة: إنها حفصة رحمك الله- يعني: ما هي هذه ليلتها- إنها حفصة رحمك الله, فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده, فالتفتت حفصة إلى عائشة فتلاحتا ), يعني: صار بينهن تهاوشاً ( فسكت صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهن, فمر أبو بكر رضي الله عنه, فسمع عائشة و حفصة فقال: يا رسول الله! بأبي أنت, اخرج إلى الصلاة, ودعك منهن ), تقول: عائشة: : ( الآن يصلي أبو بكر ثم يدخل عليّ وينهرني, فلما صلى أبو بكر رضي الله عنه, خرج من المسجد مسرعاً, فجعل يطعن بأصبعه على خاصرة عائشة ويقول: كيف تصنعين ذلك؟ ).

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تحدث ولا سكت, ولا قال شيئاً.

وجاء في الصحيحين من حديث عائشة أنها قالت: ( اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, فقلن لـفاطمة : اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقولي له: إن أزواجك يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة ), وهذه الكلمة هذه خطيرة, يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم ما عدل, حاشاه محمد صلى الله عليه وسلم, لكنه عليه الصلاة والسلام أعطى الأمر وقت غضب الشخص حقه, تقول عائشة : ( فدخلت علي فاطمة وأنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مرط واحد ), يعني: في فراش, انظر الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهره وباطنه سواء, ليس في سيرته صفحة منزوعة, ولا حقوق للطبع محفوظة, بل كان يقم, تقول عائشة : ( ولا والله ما قام, حتى دنت, فكانت رجلها بجنب رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك اجتمعن يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة ), فماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لو كان هذا موقفنا نحن فماذا سنصنع؟ سنقول: تقولين ذلك لي؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذا, فماذا قال؟ قالت عائشة : ( فابتسم وقال: يا بنية! أوتحبين ما أحب؟ قالت: نعم, قال: فأحبي هذه, قالت: فخرجت, فقلن لـفاطمة : ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: قال لي: يا بنية! أتحبين ما أحب؟ قلت: نعم, قال: فأحبي هذه, قالوا: والله ما صنعت شيئاً, اذهبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة , قالت فاطمة : والله لا أكلمه فيها أبداً, فقالوا لـزينب بنت جحش تقول عائشة : وهي التي كانت تساميني في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ), يعني: أزواج الرسول يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يميل إلى عائشة ويميل إلى زينب أكثر ميلاً من الأخريات.

والمشكلة أن بعض النساء -هداهن الله- إذا تزوج الرجل عليها, وبطبيعة الحال يتغير, يلبس لباساً جيداً, يضحك, يبتسم, تقول: الله المستعان! ذهب العلم, الله المستعان! ذهب الدين, صار لا يعدل, هذا ليس عدلاً والحق أن حب الرجل وميلانه وابتسامته مما لا يمكن أن يعدل فيه، ولهذا كثير من النساء تتحدث عن زوجها إذا تزوج عليها بغير العدل, مع أنه لا يلزم الرجل أن يعدل في الضحك، نعم هذا من العشرة بالمعروف لكنه ليس واجباً.

الشاهد من هذا: تقول عائشة : ( فدخلت زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وإياه في مرط واحد, فما قام صلى الله عليه وسلم, فقالت زينب : يا رسول الله! إن أزواجك اجتمعن يناشدنك العدل في بنت أبي قحافة , تقول عائشة : فسكت صلى الله عليه وسلم, ثم التفتت زينب عليّ فلاحتني, فكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رأيت أنه لا يغضب أن أنتصر لنفسي لاحيتها, فضحك وقال: إنها بنت الصديق ), فهذا يدل على أن تصرفات الزوج حين تغضب الزوجة يكون فيه حكمة, وليس فيه من الظلم بشيء, فإن أكثر المشاكل التي تحصل وقت تعدد الرجل مع نسائه, هو في قضايا أخلاقية, أو في معاملة, فإذا أراد أن يذهب إلى الزوجة الثانية أو الأولى, فإذا لم يرد على الجوال قامت الدنيا, وإذا لم يرد على رسالة قامت الدنيا, ويجب عليه أن يعدل حتى في الرسائل, وهذا والله ما أنزل الله به من سلطان.

إذاً: العشرة بالمعروف أفضل, بحيث لا يغضبها, أما الواجب فإنه كما ذكر المؤلف: (نفقتها وكسوتها بالمعروف).

والله أعلم.

المقصود بالعشرة: هي الاجتماع والمعاشرة والمخالطة, والمقصود في هذا الباب ما يكون بين الزوجين من ألفة وحديث وخلطة ومعاشرة.

قال المؤلف رحمه الله: [ يلزم كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى, وألا تمطله حقه ].

هذا هو الأصل, أن الرجل لا يقبح, والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً, فقد رضي منها خلقاً آخر ), وقد قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19], والمعروف أن يكلمها كلاماً ليناً, وأن يطعمها كما يطعم, وأن يكسوها كما يكتسي, وألا يقبح, كما جاء عند أبي داود من حديث معاوية القشيري .

والمعاشرة اختلف العلماء فيها, مثل: حسن تودد, فهذا إذا كان فما يمكن معه بقاء النكاح فهو واجب, وأما ما زاد على ذلك, مثل أن تمسح التعب على الزوج, وأن تقابله بالبشاشة دائماً, فهذا من حسن العشرة ويعتبر سبباً لدخول الجنة, ( إن المرأة إذا صلت خمسها, وصامت شهرها, وأطاعت زوجها, دعيت من أي أبواب الجنة شاءت ), فإذاً: المعاشرة منها ما هو واجب, ومنه ما هو مستحب.