بلوغ المرام - كتاب الطهارة [18]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل, اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, وزدنا علماً وعملاً يا كريم!

وبعد:

فسوف نشرح إن شاء الله أربعة أحاديث, كلها لا تخرج عما سبق أن شرحناه, لكنها تفيد كيف يتعامل طالب العلم مع الأحاديث التي هي متعارضة في نظر الرائي وإلا فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا تتعارض بينها.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: [ وللسبعة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ( ولا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا ) ].

ذكر أحاديث النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

هذا الحديث الأول حديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري , يقول عنه المؤلف: (أخرجه السبعة), وقد رواه البخاري و مسلم والسبعة بلفظ: ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوها ببول ولا غائط, ولكن شرقوا أو غربوا, قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة, فننحرف عنها ونستغفر الله), ويقصد أبو أيوب رضي الله عنه ورحمه أنه حينما فتحت الأمصار وفتحت الشام وكان الروم إذ ذاك يتخذون الكنف في بيوتهم, ليس كمثل عادة العرب في أول الإسلام, فقد كانوا يتقززون من ذلك, فكانت الكنف لا توجد في بيوتهم، وكان هناك ما يسمى بالبراز وهو الفضاء, ولم تتخذ الكنف إلا في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته, والمراحيض هي المكان التي يتنظف فيها الإنسان من النجو أو من الغائط وما يخرج من ذلك, وهذا الحديث أصل في مسألة استقبال القبلة واستدبارها, وإن شئت فقل: أصح شيء في الباب من حيث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها هو حديث أبي أيوب الأنصاري , ويأتي بعده حديث سلمان الفارسي الذي رواه مسلم في صحيحه في قول المشركين: ( قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة, قال: أجل: نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ).

الحديث الثاني حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبل بيت المقدس ), في رواية: ( مستقبل الشام ), وأنا قلت: إن حديث سلمان أقوى من حديث ابن عمر لا من حيث الصحة ولكنه من حيث الدلالة.

وفي الباب أيضاً هو حديث جابر بن عبد الله وهو ما رواه محمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبان بن صالح , قال: حدثنا مجاهد عن جابر بن عبد الله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن تستقبل القبلة ببول أو غائط, قال: ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), وسوف نتحدث عن هذا الإسناد وأنه إلى الضعف أقرب.

الحديث الرابع حديث يرويه عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها, ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن أناس يتنزهون عن استقبال القبلة؟ فقال: أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), وهذا الحديث ضعيف, كما ضعفه الإمام أحمد و البخاري ؛ وذلك لأن عراك بن مالك لم يسمعه من عائشة .

هذه من أحاديث الباب, ولأجل هذا اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً, والقاعدة أنه حال اختلاف أهل العلم, أو حال اختلاف الأحاديث, فإننا أولاً: نجمع طرق الأحاديث, ثم نتحدث عنها من حيث الصحة والضعف في الأسانيد, أما أن نختار قولاً ثم نبحث عن هذه الأحاديث فإننا لا نكون قد تجردنا من حيث الصحة والضعف, بل نجمع الطرق ونتحدث عنها, ثم بعد ذلك ننظر أيها أوفق وأقرب إلى الحق, فنحن هنا جمعنا هذه الأحاديث, ورأينا أصح شيء في الباب هو حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, وهو أنه قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ), إذاً: عندنا نهيان: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), وحينما ينظر طالب العلم في المسألة يجب أن يفرق بين استقبال القبلة وبين استدبارها؛ لأنه من المعلوم أن استقبال القبلة ليس مثل الاستدبار؛ ولأجل هذا فإن العراة إذا لم يكن معهم حال الصلاة, إلا قطعة صغيرة لا تستطيع أن تستر إلا أحد السوءتين, فيقدم القبل, مما يدل على أن القبل أغلظ من الدبر, إما لأجل الانكشاف والظهور, وإما لأجل اعتبار آخر.

أقوال العلماء في حكم استقبال القبلة واستدبارها بغائط أو بول

إذا ثبت لك ذلك فاعلم أن أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة من حيث استقبال القبلة واستدبارها إلى ستة أقوال:

القول الأول: هو قول جمهور أهل العلم؛ وهو أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها في الفضاء, ويجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان, وهذا مذهب مالك و الشافعي والمذهب عند الحنابلة, واستدلوا فقالوا: إن حديث أبي أيوب الأنصاري وهو حديث الباب عام في النهي عن استقبال القبلة وعن استدبارها, ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ), قالوا: فهذا نهي عن أن يستقبل الإنسان القبلة بغائط أو بول في الفضاء أو في البنيان, ثم جاءنا حديث آخر وهو حديث ابن عمر : ( رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبل بيت المقدس ), قالوا: فحديث ابن عمر يخصص أحد العموم في حديث أبي أيوب , ما العموم؟ عموم الاستدبار, ويبقى عموم الاستقبال محفوظاً, فيكون حديث أبي أيوب عاماً مخصوصاً, خصه حديث ابن عمر في البنيان, وهذا هو المشهور من مذهب الجمهور.

ولو تأملت فالجواب على هذا أن حديث ابن عمر لو كان مخصوصاً بحديث أبي أيوب فإن القاعدة تقول: إن الخاص يبقى على خصوصه لا على عمومه, فيقال: إنه خاص في البنيان في الاستدبار لا في الاستقبال, ولكن الجمهور لم يأخذوا بذلك؛ لأنهم لم يفرقوا بين الاستقبال ولا بين الاستدبار؛ لأنهم يقولون: إذا جاز حال الاستدبار فإن الاستقبال مثله, وإن كان أحدهما أغلظ من بعض.

هذا هو الحديث المشهور عن الجمهور, واستدلوا أيضاً بفعل ابن عمر رضي الله عنه, كما رواه مروان بن الأصفر أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يقضي حاجته وهو في الصحراء أناخ راحلته واستقبلها, ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب وقال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), فمن المعلوم أن ذلك كان في الفضاء, ولم يكن عامة الناس يتخذون الكنف, فكان الأصل هو عدم اتخاذ الكنف ولو قلنا: إن اتخاذ الكنف كانت موجودة, لكن الأصل عند العرب لم تكن موجودة؛ ولهذا ذكر في حديث الإفك وقد كان في غزوة بني المصطلق في السنة السادسة, قال في الحديث: ( وكان الناس إذ ذاك لم يتخذوا الكنف ), فدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), على الأصل وهو أن ذلك الخطاب كان في الفضاء, وكذلك في البنيان عند بعضهم, فتقييد حديث ابن عمر على أن ذلك في البنيان محل نظر, إلا أن يقال: في البنيان والفضاء بشرط أن يكون في الاستدبار.

القول الثاني في المسألة: هو عموم التحريم, في الاستقبال والاستدبار, في البنيان وفي الفضاء, وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس ابن تيمية و ابن القيم و ابن حزم , وقد نصرها ابن تيمية , وابن القيم في تهذيب السنن وغيره من كتبه, قالوا: لأن الأصل هو حديث أبي أيوب , وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), قالوا: وكل الأحاديث الواردة في الاستقبال أو في الاستدبار كحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك عن عائشة : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), قالوا: هذا حديث ضعيف, إذ أن عراك بن مالك لم يسمع من عائشة , وبالمناسبة الإمام أحمد قال في هذا الحديث: عراك بن مالك عن عائشة مرسل, وبعض المتأخرين من أهل الحديث قالوا: وليس هذا بمرسل ولكنه منقطع, وهذه طريقة المتقدمين, أنهم يرون أن المرسل نوع من أنواع الانقطاع, وإن كان المتأخرون يرون أن المرسل ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما المنقطع فما يرويه الراوي عن شيخ لم يسمع منه, ولكن الصحيح أن هذا يطلق عليه.

وأما حديث ابن إسحاق قال: حدثني أبان بن صالح , قال: حدثني مجاهد عن جابر فإن أهل العلم تكلموا فيه فقالوا: إن ابن إسحاق وإن كان قد صرح بالتحديث في إحدى رواياته فإن محمد بن إسحاق لا يؤخذ منه ما كان مخالفاً للثقة, وهذا مهم لطالب العلم أن يعرف أن الراوي روايته في الأحاديث على حالات, فـمحمد بن إسحاق إن صرح بالتحديث في المغازي فهو ثقة حجة, وإن صرح بالتحديث في غير المغازي مما لم يتفرد به فهو حسن الحديث، هاتان حالتان لـمحمد بن إسحاق .

والحال الثالثة: أن يروي حديثاً في المغازي ولم يصرح بالتحديث فيه, فهو قابل للتحسين؛ لأنه حجة في المغازي, ويعرف من أين يروي أحاديث السير والمغازي.

والحال الرابعة: ما لم يصرح بالتحديث فيه وهو في أحاديث الأحكام فإنه لا يقبل منه؛ لأنه مدلس.

الحال الخامسة: وهذه مهمة, أن يصرح بالتحديث في غير أحاديث المغازي ويتفرد فيه, فإن هذا الراجح أنه لا يقبل, وهذه طريقة المتقدمين من أهل الحديث, فإنهم لا يقبلون أحاديث محمد بن إسحاق ولو صرح بالسماع إذا أتى بما ينكر واستنكر, ويخالف أحاديث الثقات, وقولنا: أحاديث الثقات, لا يلزم أن يكون أحاديث الرواية, ولكن المتون, أن يأتي بمتن منكر, فحديث جابر رضي الله عنه قال: ( ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة, ومعنا حديث محفوظ وهو حديث أبي أيوب فهذا يدل على أن الحديث فيه نكارة. وابن حزم رحمه الله و أبو عمر بن عبد البر تواردت خواطرهما فضعفا أبان بن صالح , والصحيح أن أبان بن صالح متفق على ثقته كما ذكر ذلك الحافظ ، أو غالب الأئمة يوثقون حديثه.

إذاً: أنتم تلاحظون أنهم قالوا: الأصل حديث أبي أيوب , فلما جيء بحديث ابن عمر قال: ( رقيت يوماً على ظهر بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين ), قالوا: إن هذا حكاية فعل, والقاعدة: أن حكاية الفعل لا يقدم على القول, فقالوا: يجمع حديث ابن عمر بما لا يخالف حديث أبي أيوب , فإما أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان معذوراً, وإما أن يقال: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أي احتمال من الاحتمالات وأنت ترى أن الاحتمالات كلها موطن وهن؛ لأننا لو قلنا: إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لجاءتنا أحاديث كثيرة فعله يخالف قوله, ولم نقل بأنه مخصوص, ولأجل هذا يعتري القول بالتحريم في الاستقبال والاستدبار مطلقاً حديث ابن عمر , ومما يدل على أن هذا القول ليس بذاك.

القول الثالث: رواية عن أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد وهو أن فعل ابن عمر دليل على الجواز, والنهي دليل على الكراهة, قالوا: للقاعدة: أنه إذا تعارض مأمور ومحظور دل على أن المحظور للكراهة, والفعل إذا عارض القول فهذا يدل على الكراهة, وهذا محل نظر؛ وذلك لأن إطلاق الكراهية حتى في الاستقبال لحديث ابن عمر محل نظر؛ وذلك لأن حكاية الفعل أضعف من حكاية القول, والمعلوم في أصول الفقه أن الفعل لا عموم له، فإذا قلنا: إن حديث ابن عمر إنما هو في الاستدبار فكيف نجعله في الاستدبار والاستقبال؛ لأن الفعل لا عموم له, نقول: أبقه على الفعل وهو الاستدبار فقط.

القول الرابع: هو قول عروة بن الزبير ، وروي عن داود الظاهري أن ذلك على سبيل الجواز, وأن النهي قد نسخ؛ لحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), والثاني حديث جابر بن عبد الله , وهذا القول إنما نظر إلى الأحاديث الضعيفة وترك الأحاديث الأصول! فلا يعول عليه.

القول الخامس: يجوز الاستدبار ويحرم الاستقبال, قالوا: لأن تحريم الاستقبال محفوظ, وهو حديث أبي أيوب : ( لا تستقبلوا القبلة ), وكل الأحاديث الدالة على جواز الاستقبال ضعيفة, كحديث عائشة وحديث جابر , قالوا: ولم يبق معنا إلا حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على ظهر بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنيتين مستقبل بيت المقدس ), وفي رواية: ( مستقبل الشام ), إذاً: استقبال الشام دليل على استدبار الكعبة, وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يخصص الاستدبار, وأنت على ذكر أن استدبار النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقال في البنيان أو غير البنيان؛ لأن الأصل عدم وجود الكنف في البيوت, فيقال: إن الأصل هو التحريم في الاستقبال ويجوز الاستدبار, وإن كان الأفضل عدمه؛ لأن الفعل يدل على الكراهة ولا يدل على أن النهي للتحريم, وهذا القول يروى عن أيوب السختياني وهو رواية عن أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد وهذا القول أظهر الأقوال, وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري, وأرى أن هذا القول هو الذي فيه جمع بين الروايات كلها.

القول السادس: وقد نسب إلى بعض فقهاء الحنابلة وهو مثل القول الخامس, إلا أنهم قالوا: يجوز الاستدبار في البنيان فقط, وقد سبق لك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر هذه الأحاديث لم تكن الكنف إذ ذاك هي الأظهر وهي مشهورة.

وعلى هذا فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن الراجح هو جواز الاستدبار ويحرم الاستقبال, سواء كان الاستدبار في البنيان أو غيره.

أما حديث ابن عمر فـابن تيمية عنده قاعدة, يقول: عندنا أصل يجب أن نعتمد عليه, فيأتي حديث آخر فيؤوله بما لا يخالف حديث الباب, وأحياناً ابن تيمية ما يؤوله بل يبقيه, وهذا أدب من أهل العلم, ترى مشكلة طلاب العلم خاصة في الرسائل الجامعية إذا جاءت أحاديث متعارضة من الأدب إنك ترجح, وإن وجدت بعض أهل العلم يذكر هذه الاحتمالات ولو قلت: إنها بعيدة, ما يلزم أن كل حديث ترده, يقول ابن القيم في شفاء العليل: ولا يلزم المجتهد أن يرد على كل شبهة.

الثاني: أن الإمام أحمد أحياناً يرجح أحد الأقوال, فيقولون: ما تقول في كذا؟ فيقول: ما أدري! فيقول لك ترجح؛ لأنه رأى أن هذا أقوى فيبقيه, وأنتم تعرفون قصة الإمام أحمد في طلاق السكران: كنت أقول في طلاق السكران ثم تأملته, فإني إن أوقعته وقعت في محذورين, وإني إن لم أوقعه وقعت في محذور, وهذا من الفقه.

حديث ابن مسعود : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم أربعين يوماً علقة, ثم أربعين يوماً مضغة, ثم ينفخ فيه الروح, فيؤمر بكتب رزقه ), إذاً: كتب رزقه بعد مائة وعشرين, جاءنا حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم : ( إن النطفة إذا بلغت اثنين وأربعين ) فيؤمر بكتبه, يقول ابن تيمية : فهذا الحديث يحمل بما لا يخالف حديث ابن مسعود وإلا فالأصل حديث ابن مسعود ، هذا من الأدب, فالأصل حديث ابن مسعود ولا نتكلف في الرد ونقول: والله أعلم, وهذا من الفقه.

لكن على الجمع الذي رأيناه لعله أظهر والله أعلم.

ومسألة بنيان وعدم بنيان لم يكن لها ذكر عند الصحابة, يعني: كلمة بنيان لها أثر؛ لأنه كونه يوجد جدار في مسافة متر, أو جدار في مسافة كيلو كلها واحد؛ لأنك أنت ما تستقبل القبلة حقيقة, إنما بينك وبينها جدر, وذلك مفاوز وصحراء تنقطع، فليس هناك فرق بين أن تجعل بينك وبينه جدار قريب أو جدار بعيد.

هذا الحديث الأول حديث أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري , يقول عنه المؤلف: (أخرجه السبعة), وقد رواه البخاري و مسلم والسبعة بلفظ: ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوها ببول ولا غائط, ولكن شرقوا أو غربوا, قال أبو أيوب : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة, فننحرف عنها ونستغفر الله), ويقصد أبو أيوب رضي الله عنه ورحمه أنه حينما فتحت الأمصار وفتحت الشام وكان الروم إذ ذاك يتخذون الكنف في بيوتهم, ليس كمثل عادة العرب في أول الإسلام, فقد كانوا يتقززون من ذلك, فكانت الكنف لا توجد في بيوتهم، وكان هناك ما يسمى بالبراز وهو الفضاء, ولم تتخذ الكنف إلا في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته, والمراحيض هي المكان التي يتنظف فيها الإنسان من النجو أو من الغائط وما يخرج من ذلك, وهذا الحديث أصل في مسألة استقبال القبلة واستدبارها, وإن شئت فقل: أصح شيء في الباب من حيث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها هو حديث أبي أيوب الأنصاري , ويأتي بعده حديث سلمان الفارسي الذي رواه مسلم في صحيحه في قول المشركين: ( قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة, قال: أجل: نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول ).

الحديث الثاني حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبل بيت المقدس ), في رواية: ( مستقبل الشام ), وأنا قلت: إن حديث سلمان أقوى من حديث ابن عمر لا من حيث الصحة ولكنه من حيث الدلالة.

وفي الباب أيضاً هو حديث جابر بن عبد الله وهو ما رواه محمد بن إسحاق , قال: حدثنا أبان بن صالح , قال: حدثنا مجاهد عن جابر بن عبد الله ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن تستقبل القبلة ببول أو غائط, قال: ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), وسوف نتحدث عن هذا الإسناد وأنه إلى الضعف أقرب.

الحديث الرابع حديث يرويه عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها, ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن أناس يتنزهون عن استقبال القبلة؟ فقال: أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), وهذا الحديث ضعيف, كما ضعفه الإمام أحمد و البخاري ؛ وذلك لأن عراك بن مالك لم يسمعه من عائشة .

هذه من أحاديث الباب, ولأجل هذا اختلف أهل العلم فيها اختلافاً كثيراً, والقاعدة أنه حال اختلاف أهل العلم, أو حال اختلاف الأحاديث, فإننا أولاً: نجمع طرق الأحاديث, ثم نتحدث عنها من حيث الصحة والضعف في الأسانيد, أما أن نختار قولاً ثم نبحث عن هذه الأحاديث فإننا لا نكون قد تجردنا من حيث الصحة والضعف, بل نجمع الطرق ونتحدث عنها, ثم بعد ذلك ننظر أيها أوفق وأقرب إلى الحق, فنحن هنا جمعنا هذه الأحاديث, ورأينا أصح شيء في الباب هو حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه, وهو أنه قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ), إذاً: عندنا نهيان: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), وحينما ينظر طالب العلم في المسألة يجب أن يفرق بين استقبال القبلة وبين استدبارها؛ لأنه من المعلوم أن استقبال القبلة ليس مثل الاستدبار؛ ولأجل هذا فإن العراة إذا لم يكن معهم حال الصلاة, إلا قطعة صغيرة لا تستطيع أن تستر إلا أحد السوءتين, فيقدم القبل, مما يدل على أن القبل أغلظ من الدبر, إما لأجل الانكشاف والظهور, وإما لأجل اعتبار آخر.

إذا ثبت لك ذلك فاعلم أن أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة من حيث استقبال القبلة واستدبارها إلى ستة أقوال:

القول الأول: هو قول جمهور أهل العلم؛ وهو أنه لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها في الفضاء, ويجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان, وهذا مذهب مالك و الشافعي والمذهب عند الحنابلة, واستدلوا فقالوا: إن حديث أبي أيوب الأنصاري وهو حديث الباب عام في النهي عن استقبال القبلة وعن استدبارها, ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ), قالوا: فهذا نهي عن أن يستقبل الإنسان القبلة بغائط أو بول في الفضاء أو في البنيان, ثم جاءنا حديث آخر وهو حديث ابن عمر : ( رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبل بيت المقدس ), قالوا: فحديث ابن عمر يخصص أحد العموم في حديث أبي أيوب , ما العموم؟ عموم الاستدبار, ويبقى عموم الاستقبال محفوظاً, فيكون حديث أبي أيوب عاماً مخصوصاً, خصه حديث ابن عمر في البنيان, وهذا هو المشهور من مذهب الجمهور.

ولو تأملت فالجواب على هذا أن حديث ابن عمر لو كان مخصوصاً بحديث أبي أيوب فإن القاعدة تقول: إن الخاص يبقى على خصوصه لا على عمومه, فيقال: إنه خاص في البنيان في الاستدبار لا في الاستقبال, ولكن الجمهور لم يأخذوا بذلك؛ لأنهم لم يفرقوا بين الاستقبال ولا بين الاستدبار؛ لأنهم يقولون: إذا جاز حال الاستدبار فإن الاستقبال مثله, وإن كان أحدهما أغلظ من بعض.

هذا هو الحديث المشهور عن الجمهور, واستدلوا أيضاً بفعل ابن عمر رضي الله عنه, كما رواه مروان بن الأصفر أن ابن عمر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يقضي حاجته وهو في الصحراء أناخ راحلته واستقبلها, ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي أيوب وقال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), فمن المعلوم أن ذلك كان في الفضاء, ولم يكن عامة الناس يتخذون الكنف, فكان الأصل هو عدم اتخاذ الكنف ولو قلنا: إن اتخاذ الكنف كانت موجودة, لكن الأصل عند العرب لم تكن موجودة؛ ولهذا ذكر في حديث الإفك وقد كان في غزوة بني المصطلق في السنة السادسة, قال في الحديث: ( وكان الناس إذ ذاك لم يتخذوا الكنف ), فدل على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), على الأصل وهو أن ذلك الخطاب كان في الفضاء, وكذلك في البنيان عند بعضهم, فتقييد حديث ابن عمر على أن ذلك في البنيان محل نظر, إلا أن يقال: في البنيان والفضاء بشرط أن يكون في الاستدبار.

القول الثاني في المسألة: هو عموم التحريم, في الاستقبال والاستدبار, في البنيان وفي الفضاء, وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس ابن تيمية و ابن القيم و ابن حزم , وقد نصرها ابن تيمية , وابن القيم في تهذيب السنن وغيره من كتبه, قالوا: لأن الأصل هو حديث أبي أيوب , وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ), قالوا: وكل الأحاديث الواردة في الاستقبال أو في الاستدبار كحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك عن عائشة : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), قالوا: هذا حديث ضعيف, إذ أن عراك بن مالك لم يسمع من عائشة , وبالمناسبة الإمام أحمد قال في هذا الحديث: عراك بن مالك عن عائشة مرسل, وبعض المتأخرين من أهل الحديث قالوا: وليس هذا بمرسل ولكنه منقطع, وهذه طريقة المتقدمين, أنهم يرون أن المرسل نوع من أنواع الانقطاع, وإن كان المتأخرون يرون أن المرسل ما يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم, وأما المنقطع فما يرويه الراوي عن شيخ لم يسمع منه, ولكن الصحيح أن هذا يطلق عليه.

وأما حديث ابن إسحاق قال: حدثني أبان بن صالح , قال: حدثني مجاهد عن جابر فإن أهل العلم تكلموا فيه فقالوا: إن ابن إسحاق وإن كان قد صرح بالتحديث في إحدى رواياته فإن محمد بن إسحاق لا يؤخذ منه ما كان مخالفاً للثقة, وهذا مهم لطالب العلم أن يعرف أن الراوي روايته في الأحاديث على حالات, فـمحمد بن إسحاق إن صرح بالتحديث في المغازي فهو ثقة حجة, وإن صرح بالتحديث في غير المغازي مما لم يتفرد به فهو حسن الحديث، هاتان حالتان لـمحمد بن إسحاق .

والحال الثالثة: أن يروي حديثاً في المغازي ولم يصرح بالتحديث فيه, فهو قابل للتحسين؛ لأنه حجة في المغازي, ويعرف من أين يروي أحاديث السير والمغازي.

والحال الرابعة: ما لم يصرح بالتحديث فيه وهو في أحاديث الأحكام فإنه لا يقبل منه؛ لأنه مدلس.

الحال الخامسة: وهذه مهمة, أن يصرح بالتحديث في غير أحاديث المغازي ويتفرد فيه, فإن هذا الراجح أنه لا يقبل, وهذه طريقة المتقدمين من أهل الحديث, فإنهم لا يقبلون أحاديث محمد بن إسحاق ولو صرح بالسماع إذا أتى بما ينكر واستنكر, ويخالف أحاديث الثقات, وقولنا: أحاديث الثقات, لا يلزم أن يكون أحاديث الرواية, ولكن المتون, أن يأتي بمتن منكر, فحديث جابر رضي الله عنه قال: ( ثم رأيته قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة ), يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استقبل القبلة, ومعنا حديث محفوظ وهو حديث أبي أيوب فهذا يدل على أن الحديث فيه نكارة. وابن حزم رحمه الله و أبو عمر بن عبد البر تواردت خواطرهما فضعفا أبان بن صالح , والصحيح أن أبان بن صالح متفق على ثقته كما ذكر ذلك الحافظ ، أو غالب الأئمة يوثقون حديثه.

إذاً: أنتم تلاحظون أنهم قالوا: الأصل حديث أبي أيوب , فلما جيء بحديث ابن عمر قال: ( رقيت يوماً على ظهر بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين ), قالوا: إن هذا حكاية فعل, والقاعدة: أن حكاية الفعل لا يقدم على القول, فقالوا: يجمع حديث ابن عمر بما لا يخالف حديث أبي أيوب , فإما أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان معذوراً, وإما أن يقال: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، أي احتمال من الاحتمالات وأنت ترى أن الاحتمالات كلها موطن وهن؛ لأننا لو قلنا: إن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لجاءتنا أحاديث كثيرة فعله يخالف قوله, ولم نقل بأنه مخصوص, ولأجل هذا يعتري القول بالتحريم في الاستقبال والاستدبار مطلقاً حديث ابن عمر , ومما يدل على أن هذا القول ليس بذاك.

القول الثالث: رواية عن أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد وهو أن فعل ابن عمر دليل على الجواز, والنهي دليل على الكراهة, قالوا: للقاعدة: أنه إذا تعارض مأمور ومحظور دل على أن المحظور للكراهة, والفعل إذا عارض القول فهذا يدل على الكراهة, وهذا محل نظر؛ وذلك لأن إطلاق الكراهية حتى في الاستقبال لحديث ابن عمر محل نظر؛ وذلك لأن حكاية الفعل أضعف من حكاية القول, والمعلوم في أصول الفقه أن الفعل لا عموم له، فإذا قلنا: إن حديث ابن عمر إنما هو في الاستدبار فكيف نجعله في الاستدبار والاستقبال؛ لأن الفعل لا عموم له, نقول: أبقه على الفعل وهو الاستدبار فقط.

القول الرابع: هو قول عروة بن الزبير ، وروي عن داود الظاهري أن ذلك على سبيل الجواز, وأن النهي قد نسخ؛ لحديث عائشة الذي يرويه عراك بن مالك : ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة ), والثاني حديث جابر بن عبد الله , وهذا القول إنما نظر إلى الأحاديث الضعيفة وترك الأحاديث الأصول! فلا يعول عليه.

القول الخامس: يجوز الاستدبار ويحرم الاستقبال, قالوا: لأن تحريم الاستقبال محفوظ, وهو حديث أبي أيوب : ( لا تستقبلوا القبلة ), وكل الأحاديث الدالة على جواز الاستقبال ضعيفة, كحديث عائشة وحديث جابر , قالوا: ولم يبق معنا إلا حديث ابن عمر : ( ولقد رقيت يوماً على ظهر بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنيتين مستقبل بيت المقدس ), وفي رواية: ( مستقبل الشام ), إذاً: استقبال الشام دليل على استدبار الكعبة, وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يخصص الاستدبار, وأنت على ذكر أن استدبار النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقال في البنيان أو غير البنيان؛ لأن الأصل عدم وجود الكنف في البيوت, فيقال: إن الأصل هو التحريم في الاستقبال ويجوز الاستدبار, وإن كان الأفضل عدمه؛ لأن الفعل يدل على الكراهة ولا يدل على أن النهي للتحريم, وهذا القول يروى عن أيوب السختياني وهو رواية عن أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد وهذا القول أظهر الأقوال, وقد أشار إليه الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري, وأرى أن هذا القول هو الذي فيه جمع بين الروايات كلها.

القول السادس: وقد نسب إلى بعض فقهاء الحنابلة وهو مثل القول الخامس, إلا أنهم قالوا: يجوز الاستدبار في البنيان فقط, وقد سبق لك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر هذه الأحاديث لم تكن الكنف إذ ذاك هي الأظهر وهي مشهورة.

وعلى هذا فالذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن الراجح هو جواز الاستدبار ويحرم الاستقبال, سواء كان الاستدبار في البنيان أو غيره.

أما حديث ابن عمر فـابن تيمية عنده قاعدة, يقول: عندنا أصل يجب أن نعتمد عليه, فيأتي حديث آخر فيؤوله بما لا يخالف حديث الباب, وأحياناً ابن تيمية ما يؤوله بل يبقيه, وهذا أدب من أهل العلم, ترى مشكلة طلاب العلم خاصة في الرسائل الجامعية إذا جاءت أحاديث متعارضة من الأدب إنك ترجح, وإن وجدت بعض أهل العلم يذكر هذه الاحتمالات ولو قلت: إنها بعيدة, ما يلزم أن كل حديث ترده, يقول ابن القيم في شفاء العليل: ولا يلزم المجتهد أن يرد على كل شبهة.

الثاني: أن الإمام أحمد أحياناً يرجح أحد الأقوال, فيقولون: ما تقول في كذا؟ فيقول: ما أدري! فيقول لك ترجح؛ لأنه رأى أن هذا أقوى فيبقيه, وأنتم تعرفون قصة الإمام أحمد في طلاق السكران: كنت أقول في طلاق السكران ثم تأملته, فإني إن أوقعته وقعت في محذورين, وإني إن لم أوقعه وقعت في محذور, وهذا من الفقه.

حديث ابن مسعود : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم أربعين يوماً علقة, ثم أربعين يوماً مضغة, ثم ينفخ فيه الروح, فيؤمر بكتب رزقه ), إذاً: كتب رزقه بعد مائة وعشرين, جاءنا حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم : ( إن النطفة إذا بلغت اثنين وأربعين ) فيؤمر بكتبه, يقول ابن تيمية : فهذا الحديث يحمل بما لا يخالف حديث ابن مسعود وإلا فالأصل حديث ابن مسعود ، هذا من الأدب, فالأصل حديث ابن مسعود ولا نتكلف في الرد ونقول: والله أعلم, وهذا من الفقه.

لكن على الجمع الذي رأيناه لعله أظهر والله أعلم.

ومسألة بنيان وعدم بنيان لم يكن لها ذكر عند الصحابة, يعني: كلمة بنيان لها أثر؛ لأنه كونه يوجد جدار في مسافة متر, أو جدار في مسافة كيلو كلها واحد؛ لأنك أنت ما تستقبل القبلة حقيقة, إنما بينك وبينها جدر, وذلك مفاوز وصحراء تنقطع، فليس هناك فرق بين أن تجعل بينك وبينه جدار قريب أو جدار بعيد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

[ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى الغائط فليستتر ) رواه أبو داود ].

تخريج حديث: (من أتى الغائط فليستتر)

هذا الحديث سبق أن تحدثنا عنه, والحديث يرويه أبو داود والإمام أحمد و ابن ماجه من طريق ثور بن يزيد عن حصين الحبراني عن أبي سعيد الحبراني , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اكتحل فليوتر, من فعل فقد أحسن, ومن لا فلا, ومن استجمر فليوتر, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا, ومن أكل فما تخلل فليلفظ, وما لاك بلسانه فليبتلعه, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج, ومن أتى الغائط فليستتر, فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً فليستدبره, فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه ), وهذا الحديث هو بهذا المتن, وقد أخطأ الحافظ ابن حجر رحمه الله فذكره من حديث عائشة , ولا يعرف لا بإسناد ضعيف ولا متصل ولا باطل أنه من حديث عائشة , والحافظ ذكره في التلخيص الحبير من حديث أبي هريرة , والحديث معروف من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, فذكر حديث عائشة وهم, والله أعلم.

والحديث صححه ابن حبان و الحاكم , وحسنه النووي و الحافظ ابن حجر في فتح الباري, وقال: حسن الإسناد, والواقع أن الحديث فيه علتان:

العلة الأولى: حصين الحبراني فإن كثيراً من أهل العلم جهلوا أمره, ذكره أبو زرعة وقال: شيخ, وذكره الذهبي وقال: لا يعرف في زمن التابعين, وكذلك ذكره الحافظ ابن حجر وقال: إنه مجهول.

العلة الثانية: وهو أبو سعيد الحبراني , وهو الراوي عن حصين الحبراني وأخطأ بعض أهل العلم فظنه أبا سعد الخير , كما قال أبو داود رحمه الله: أبو سعيد هذا هو أبو الخير , وأبو سعد الخير صحابي وهذا ليس بصحابي, ولهذا ذهب أكثر أهل العلم على أن أبا سعيد هذا ليس هو أبا سعيد الخير , ولكنه أبو سعيد الحبراني وهو مجهول لا يعرف, كما ذكر ذلك الذهبي وغيره, وعلى هذا فالحديث ضعيف, ولكن سبق لك أن الاستتار لقضاء الحاجة مشروع ومستحب؛ للأحاديث السابقة ومنها: حديث عبد الله بن جعفر ( وكان أحب ما استتر لحاجته هدف أو حائش نخل ), كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر , وأيضاً حديث المغيرة بن شعبة : ( قال: ثم ذهب حتى توارى عني ).

وهكذا حديث جابر : ( كان إذا أتى الغائط أبعد ).

والحديث الرابع: ( من أتى الغائط فليستتر ), وقلنا: إن الحديث في سنده ضعف.

استحباب الإبعاد والاستتار عند قضاء الحاجة

إذاً في قضاء الحاجة عندنا سنتان:

السنة الأولى: الإبعاد.

والسنة الثانية: الاستتار, وكثير من الناس ينظرون لسنة الاستتار ولا ينظرون إلى البعد, فالسنة أيضاً البعد, وهذه سنة تخفى على كثير من الناس, فتجده قريباً من السيارة ويقضي حاجته, أو وهو في البر, إنما ينظر إلى بعض الرمل المتجمع, والسنة هو أن يبتعد عن الناس والله أعلم.

هذا الحديث سبق أن تحدثنا عنه, والحديث يرويه أبو داود والإمام أحمد و ابن ماجه من طريق ثور بن يزيد عن حصين الحبراني عن أبي سعيد الحبراني , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اكتحل فليوتر, من فعل فقد أحسن, ومن لا فلا, ومن استجمر فليوتر, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا, ومن أكل فما تخلل فليلفظ, وما لاك بلسانه فليبتلعه, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج, ومن أتى الغائط فليستتر, فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً فليستدبره, فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم, من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج عليه ), وهذا الحديث هو بهذا المتن, وقد أخطأ الحافظ ابن حجر رحمه الله فذكره من حديث عائشة , ولا يعرف لا بإسناد ضعيف ولا متصل ولا باطل أنه من حديث عائشة , والحافظ ذكره في التلخيص الحبير من حديث أبي هريرة , والحديث معروف من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, فذكر حديث عائشة وهم, والله أعلم.

والحديث صححه ابن حبان و الحاكم , وحسنه النووي و الحافظ ابن حجر في فتح الباري, وقال: حسن الإسناد, والواقع أن الحديث فيه علتان:

العلة الأولى: حصين الحبراني فإن كثيراً من أهل العلم جهلوا أمره, ذكره أبو زرعة وقال: شيخ, وذكره الذهبي وقال: لا يعرف في زمن التابعين, وكذلك ذكره الحافظ ابن حجر وقال: إنه مجهول.

العلة الثانية: وهو أبو سعيد الحبراني , وهو الراوي عن حصين الحبراني وأخطأ بعض أهل العلم فظنه أبا سعد الخير , كما قال أبو داود رحمه الله: أبو سعيد هذا هو أبو الخير , وأبو سعد الخير صحابي وهذا ليس بصحابي, ولهذا ذهب أكثر أهل العلم على أن أبا سعيد هذا ليس هو أبا سعيد الخير , ولكنه أبو سعيد الحبراني وهو مجهول لا يعرف, كما ذكر ذلك الذهبي وغيره, وعلى هذا فالحديث ضعيف, ولكن سبق لك أن الاستتار لقضاء الحاجة مشروع ومستحب؛ للأحاديث السابقة ومنها: حديث عبد الله بن جعفر ( وكان أحب ما استتر لحاجته هدف أو حائش نخل ), كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر , وأيضاً حديث المغيرة بن شعبة : ( قال: ثم ذهب حتى توارى عني ).

وهكذا حديث جابر : ( كان إذا أتى الغائط أبعد ).

والحديث الرابع: ( من أتى الغائط فليستتر ), وقلنا: إن الحديث في سنده ضعف.

إذاً في قضاء الحاجة عندنا سنتان:

السنة الأولى: الإبعاد.

والسنة الثانية: الاستتار, وكثير من الناس ينظرون لسنة الاستتار ولا ينظرون إلى البعد, فالسنة أيضاً البعد, وهذه سنة تخفى على كثير من الناس, فتجده قريباً من السيارة ويقضي حاجته, أو وهو في البر, إنما ينظر إلى بعض الرمل المتجمع, والسنة هو أن يبتعد عن الناس والله أعلم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [21] 2516 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [8] 2428 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [24] 2329 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [14] 2133 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [22] 2119 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [15] 2100 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [4] 2095 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [26] 2036 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [23] 2025 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [16] 1828 استماع