تفسير سورة يس [1-12]


الحلقة مفرغة

قال الله تعالى: يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ [يس:1-6].

قوله تعالى: (يس)، قال مالك : هو اسم من أسماء الله تعالى.

وقال غيره: معناه: يا إنسان!

وقال غيره: معناه: يا رجل!

وقال غيره: معناه: يا سيد البشر!

وقال غيره: معناه: يا محمد!

وقالوا: هو من الأحرف المقطعة: ياء وسين، كألف لام ميم، ولا يمكن البت بمعنى من هذه المعاني؛ لأنها ليس لها مرجع من كتاب ولا سنة، وعلى أي اعتبار فهي آية كريمة لكل حرف منها عشر حسنات.

قال تعالى: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس:2-3].

يقسم الله جل جلاله بكتابه القرآن الحكيم، والحكيم: الصواب، أي: الموضوع والمنزل في مكانه قولاً وعملاً، فليس فيه إلا صواب وحق، وقد نزل منازله.

يقسم الله في كتابه على أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ممن أرسله سبحانه ليبلغ عنه، فقد أنزل عليه كتابه، وجعله النبي الرسول الخاتم، وجعل شريعته للأبد، وأرسله للمشارق والمغارب والعوالم كلها.

قوله تعالى: إِنَّكَ الكاف كاف الخطاب، وفيه دليل يستأنس به على أن (يس) معناها: يا محمد! يا سيد البشر! لأنها ذكرت في هذه الآية الكريمة ثم أعقبت بكاف الخطاب، فكأنه يقول: يا محمد! وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس:2-3]، لا كما يقول الكافرون الجاحدون المنكرون لرسالتك، والمنكرون لنبوءتك، فالله يؤكد نبوءته مقسماً عليها.

ثم قال: عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يس:4]، أي: وإنك على الصراط الصواب، وعلى الصراط الحق، وأنك على طريق لا اعوجاج فيها، وأن ما جئت به هو الحق المبين من الحق جل جلاله.

قال تعالى: تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ أي: نزلنا هذا الكتاب تنزيلاً، فتنزيل: مفعول مطلق، أي: تنزيل الله الجليل العظيم، العزيز الذي لا يغالب، بل من اعتز به عز، وإنما العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

قال تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ [يس:6].

أي: أنزلنا إليك هذا القرآن الكريم، وهذه الرسالة الخاتمة لتكون منذراً، ولتكون رسولاً داعياً إلى الله قوماً لم يسبق أن أتاهم نذير قبلك، فلأول مرة يرسل إليهم، فأنت الرسول الخاتم إلى هؤلاء، والإشارة إلى العرب، فالعرب لم يرسل لهم أحد قبل رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونبينا ليس رسولاً للعرب فقط، ولكن الرسالة في بداية الدعوة كانت للعرب ثم عمت، فقد قال الله: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء:214].

أمر بأن ينذر عشيرته، ولذلك عندما أرسل إليهم وقف صلى الله عليه وسلم على الصفا والمروة، وقال: (يا بني عبد مناف! يا بني عبد المطلب! يا آل فلان! يا آل فلان! يا فاطمة بنت محمد !)، فتجمع عليه العرب من كل جانب، وتجمع عليه أكابر قريش: أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط وأمثالهم فقال لهم: (لو حدثتكم أن عدواً وراء هذه الجبال يقصدكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: إني نذير من الله إليكم بين يدي عذاب شديد، فالتفت إليه عمه أبو لهب وقال: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ فنزل قوله تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] السورة).

فأخزى الله أبا لهب ، فلقد كان مخزياً لكفره ومات على كفره، وأصبحت هذه الآيات في هذه السورة الكريمة وحياً يتلى، فمن تلاها فله بكل حرف من حروفها عشر حسنات، فقوله: تَبَّتْ مثلاً له فيها أربعون حسنة، في التاء عشر حسنات وفي الباء المشددة عشرون حسنة.

وفي التاء عشر حسنات فمن تلاها على أنه يتلو كتاب الله من هذه السورة، فله في تلاوتها أربعون حسنة، وهكذا أرسل صلى الله عليه وسلم إلى عشيرته أولاً، ثم قال الله له: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]، فقد أرسل عليه الصلاة والسلام بعد ذلك إلى جميع الخلق مشارق الأرض ومغاربها، إلى العجم والعرب، إلى من عاصره ومن سيأتي بعده، فكان الرسول الخاتم، إذ لا نبي بعده ولا رسول، ولكنه بالنسبة للعرب كان أول رسول وآخر رسول.

قال تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ أرسلناك بهذا الكتاب الحكيم، وبهذا الصراط المستقيم، وبهذه الرسالة الخالدة، إلى قوم لم يسبق أن أرسل إليهم رسول قبلك، وآباؤهم لم يرسل إليهم من قبل، فكانوا على فترة من الرسل؛ ولذلك تمنوا أن يكون لهم رسول كما أن لغيرهم رسولاً، وأقسموا بالله إن جاءهم ليكونن أهدى من إحدى الأمم، ولكنه جاءهم فكفر بعضهم، وأصر بعضهم على الجحود، فكان ما كان من غلبته والقضاء عليهم إلى أن أصبحت جزيرة العرب كلها مسلمة، وحرم الله على غير المسلمين أن يدخلوها، وكان يوصي عليه الصلاة والسلام في آخر أيامه وهو على فراش الموت فيقول: (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، إذ لا يصلح دينان في أرض واحدة، ولا قبلتان على أرض واحدة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (لقد يئس الشيطان أن يعبد في هذه الأرض بعد اليوم، ولكنه رضي بالتحريش)، أي: يحرش بين الناس وينشر بدعاً وفتناً وأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، أما أن يرتد العرب ويكفروا فهذا لن يكون بعد إسلامهم.

وما كان بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر لا يزال امتداداً للفكر القديم في الجاهلية الأولى، فلما ردعهم أبو بكر فمات من مات وشرد من شرد، وعاد للإسلام من عاد، منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا وجزيرة العرب كلها موحدة ومسلمة، وكلها تشهد لله بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخاتمة، وقد قال الله عن هؤلاء: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]، وبهذه الآية نعلم أن كل ما ورد منسوباً لرسول الله عليه الصلاة والسلام إما أن تكون أحاديث لا أصل لها ولا سند، أو أحاديث وَهِمَ أحد رواتها، فروى وهماً لم ينزل الله به من سلطان، كالحديث الذي يروونه، وهو في مسند أحمد بأن امرأ القيس يأتي يوم القيامة يقدم الشعراء إلى النار ويجر قصبه، أي: يجر أمعاءه، فهذا الحديث في مسند أحمد لم يصح سنداً ولا متناً، فالسند منقطع وفيه مجاهيل، وما كان على ذلك فإنه لا يمكن أن يعارض به كتاب الله.

فالله يقول: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ، والعرب لم يرسل إليهم رسول قبل محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا ما تؤكده هذه الآية الكريمة من سورة يس: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ أي: كانوا غافلين عن الحق بعداء عنه، كانوا كما وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا).

فلم يكن لهم كتاب، ولم يكونوا يعرفون الحساب، وإنما كانت عندهم العقلية السديدة، واللسان البليغ شعراً وخطابةً ومحاورة، فكانوا ذوي رأي سديد، وكانوا في منتهى الشجاعة والغيرة، وهذا هو السر في أن العرب لم تجمعهم دولة ولا حاكم موحد، وإنما اجتمعوا على النبي عليه الصلاة والسلام، فكان عظيمهم وزعيمهم ونبيهم ورسولهم، وكان قائد دولتهم وكبير جيشهم وقاضي قضاتهم، والمولي والعازل للحاكم وغير الحاكم من رجال الدولة ورجال الأمة.

ولهذا فإن الإسلام عقيدةً ونظاماً ودولةً جاء بالإيمان بالله وكتبه ورسله وبيوم البعث والنشور، فهو عقيدة من خرج عنها ليس بمؤمن، ومن قال: إن الإسلام ليس دولة وإنما هو في القلب كدين النصارى؛ أو قال: الدين لله والوطن للجميع، ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، تلك شعارات كافرة يهودية ضالة، فالكل لله سواء الوطن والمواطن والدين، قيصر ورعاياه، الدول وشعوبها.

ومن هنا كان الدين هو الإسلام، قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19].

وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85].

فالعرب كانوا غافلين عن الديانة والمعرفة، ومن هنا وصفوا بالجهالة، فقيل عنهم: أهل الجاهلية، ووصفوا بالضلالة، ولكن جاء الإسلام فزالت الجهالة بتعلم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وزالت الضلالة بهداية الهادي البشير النذير محمد سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فأصبح العرب بعد ذلك سادة الناس وأئمتهم لمدة ألف عام وهم مستمسكون بالإسلام، فعندما بدا لهم أن يتراجعوا عنه، وارتد منهم من ارتد، وعيروا الإسلام ونبيه وخلفاءه الراشدين بأسماء قذرة ومذاهب باطلة، عاقب الله المسلمين وسلط عليهم أنواعاً من الاستعمار من قبل النصارى واليهود إخوان القردة والخنازير لعنهم الله، ولن يعود الله عليهم بعزه ما لم يعودوا لدينه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا أي: ليكون نذيراً إلى قوم لم ينذروا قبله، وكانت هذه البداية لنبينا صلى الله عليه وسلم، وكما قال الله له: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ [الشورى:52]، وقال: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:7] أي: وجدك لا تعرف الطريق ولا تعرف الكتاب، ولكن ستره الله سبحانه.

فقد رأى صلى الله عليه وسلم في قومه عبادة الأوثان والأصنام ولم تطمئن نفسه لذلك، ولم يستمع لذلك، ففي أخريات أيامه ألهم بأن يذهب إلى غار حراء ويعتزل الناس ويتحنث، فأخذ يفكر: من خلقني؟ من أوجدني؟ من أوجد هذه الجبال؟ أهذه الأصنام حق؟ وهكذا هيأ نفسه لقبول الرسالة، ولقبول الحمل الثقيل، لقبول نزول جبريل، ففجأه جبريل وهو في الغار: (وقال له: اقْرَأْ [العلق:1]، فكررها وقال: ما أنا بقارئ، فضمه إليه ضمة كادت تدخل ضلوعه بعضها في بعض، وهكذا ثلاثاً).

ومن هنا يقول ابن تيمية وما أروع هذه الكلمة وما أوقعها على الحقيقة والصدق: كانت العرب أرضاً خصبة تفتقد الزرع والزارع، فجاء الزرع وكان الإسلام، وجاء الزارع وكان محمداً عليه الصلاة والسلام، وإذا بهذه الأرض الخصبة أعطتهم خيراتها ومعاركها وسياستها، وأدَّبت من كفر بالإسلام خلال خمسين سنة من الصين شرقاً إلى جبال برنيه في عمق أوروبا وما بينهما.

ودعك من محمد صلى الله عليه وسلم، فإنك ستقول: هو مؤيد بالوحي وبالرسالة، ولكن أبا بكر وعمر والخلفاء الراشدين وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما أنار الله بصائرهم بالإسلام أعطوا الكون والعالم ما لم يعطه أحد قبلهم، فقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أفضل الخلق بعد النبي عليه الصلاة والسلام والأنبياء، وصدق قول ابن تيمية : كانت العرب أرضاً خصبة، فقدت الزارع فكان محمداً عليه الصلاة والسلام، وفقدت الزرع فكان الإسلام، وهكذا عندما جاء الزرع والزارع أعطت هذه الأرض من خيراتها وثمراتها وعلومها وقياداتها، فأصبح المسلمون هم القادة الموجهون والحاكمون، ماداموا مستمسكين بهذا الدين الكريم لمدة ألف عام، حتى إذا غيروا وبدلوا غير الله عليهم خيره وعزه.

قال تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:7].

يقول ربنا جل جلاله: لقد حَقَّ الْقَوْلُ والقول هنا: العذاب.

فهؤلاء عندما أنذرهم رسول الله وخوفهم العاقبة، وكان وعيده بأن من لم يؤمن بالله فليس له مصير إلا النار وغضب الله، كفروا ولم يؤمنوا، وهكذا فإن هؤلاء القدامى في السنوات الأولى من الحياة النبوية أصروا على الكفر فمات من مات على الكفر، وشرد من شرد على الكفر وأسر من أسر على الكفر، ثم جاء الأجيال بعدهم مؤمنين موحدين وانقرض عصر أولئك، ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (كما دخل الناس في دين الله أفواجاً سيخرجون أفواجاً).

وهذا ما نراه اليوم، إذ تركوا كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام، واتبعوا كل مارد شيطان، اتبعوا هذه المذاهب الوافدة بفسوقها وفجورها وانحلالها وقوانينها الكافرة، فكان ذلك ردة وكفراً ولعنة من الله عليهم.

فحق عليهم العذاب؛ لأن الله علم فساد قلوبهم، قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا [الأنفال:70]، فأصروا على الكفر والعصيان والخروج عن أمر الله، فلم يؤمن أكثرهم؛ ولذلك قال تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116].

فالهداة الصالحون قلة في كل عصر، وأكثر ما يقولون عنا إننا بلغنا من العدد ملياراً -أي: ألف مليون- ولكن غيرنا من النصارى والمجوس وعباد الحشرات وعباد البشر والفروج والخارجين عن أمر الله يعدونهم ثلاثة مليار.

ولو كان من هذا المليار من المسلمين مليون رجل مستمسك بدين الله حقاً، لما رأيت المسلمين على ما هم عليه اليوم في الأرض، فقد كان المسلمون الأول عندما فتحوا العالم ونشروا دين الله ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم أقل من هذا بكثير، كانوا بضعة آلاف من المسلمين، انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وما هي إلا خمسون سنة حتى كان المسلمون حكام الأرض من أقصى الشرق في الصين إلى أقصى الغرب إلى جبال البرنيه في عمق أوروبا وما بينهما، واستمروا ألف عام على ذلك لم تهزم لهم راية.

صحيح أنهم هزموا في معارك، ولكن مع ذلك بقيت لا إله إلا الله وبقي الحكم بيد المسلمين إلى أن قصروا وابتعدوا عن دين الله، فسلط الله عليهم أبناء القردة والخنازير وعبدة الطاغوت من اليهود.

فقوله: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:7]، أي: حقت كلمة الله وأمر الله السابق وإرادته، فالكثير من هؤلاء قد خرج عن دين الله، وقابل الحق بقلب مريض وفاسد، والقلب المريض الفاسد لا يقبل هداية ولا رسالة ولا نبوءة، فكان أكثرهم لم يؤمن، ومن لم يؤمن فهو في النار مع الكفرة من اليهود والنصارى والمنافقين.

قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ [يس:8].

هؤلاء عندما أصروا على الكفر خالطت الظلمات شرايين أجسامهم وخلايا ذواتهم، فكانوا بذلك كالمغلولة يده إلى عنقه، لا يستطيع تحريكها ولا رفعها، فلا يستطيعون إيماناً، ولا إسلاماً ولا طاعة.

والأغلال: جمع غل، وهو الحديد الذي يكون في العنق.

وقوله: إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، أي: إلى مكان اللحية أو الذقن، فكانت أيديهم مربوطة إلى هناك ورءوسهم مرتفعة، لأن المقمح رافع الرأس، لكونه لا يستطيع أن يحني رأسه؛ لأنه قد ربطت يداه في غله مع عنقه، فأصبح لا يستطيع تحريكاً، فلا يضع رأسه وينظر إلى الأرض، ولا تنزل يده فيتحرك، فأصبح مغلول اليد والعنق، ومن هذا الباب قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ [الإسراء:29].

فالإشارة في جعل الأغلال إلى العنق، أي أن اليد ربطت بالأغلال إلى العنق والذقن فأصبح رأسه مرتفعاً لا يستطيع حراكاً ولا يستطيع أن ينظر إلى الأرض؛ لأن اليدين ربطتا إلى العنق بسلاسل، فهو لا يستطيع حراكاً، فحال هذا كمن غلت إرادته، وغل قلبه عن أن يهتدي ويؤمن بالله أو أن يقول كلمة التوحيد، كما يغل الأسير بيديه إلى عنقه فلا يستطيع حراكاً.

قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9].

وجعل بينهم سداً بكفرهم ومرض قلوبهم وفساد ضمائرهم، كمن جعل بينه وبين الهداية ورؤية النور سد أمامه وسد خلفه.

والسد: الحاجز يمنعه عن الحراك أماماً أو الحراك خلفاً، فهو كيفما تحرك يجد نفسه بين سدين، وقرئ: (سُداً)، وهي قراءة نافع؛ فإنه قرأها: (وجعلنا من بين أيديهم سُداً ومن خلفهم سُداً).

وقوله: (فأغشيناهم) أي: جعل عليهم غشاوة، فهم لا يبصرون ولا ينظرون ولا يستطيعون تصرفاً، فعميت منهم الأبصار وغلت منهم الأيدي إلى الأعناق، وجعل بينهم وبين الحقائق، وبينهم وبين التوحيد والإيمان سدوداً، سُداً من أمام وسُداً من خلف، ثم غشيتهم الظلمة لفساد قلوبهم وعظم جرمهم.

قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ كقوله تعالى: وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [الأعراف:198]، فإذا لم تعم الأبصار فقد عميت البصائر، وكما قال ربنا كذلك: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، فأخذتهم غشاوة، ونشرت الظلمة فلم يعيشوا إلا في ظلام الشرك والكفر والمخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمخالفة لله فأقروا على ذلك، فكانوا في كفرهم وضلالتهم، كذاك الذي غلت يداه إلى عنقه، فلا يستطيع لرأسه تحريكاً، كذلك الذي جعل بينه وبين الأنام سدود فلا يستطيع أن يتقدم، ولا يستطيع أن يتأخر، ثم غشي عليه بالظلام وأخذه ظلام ظلله وغطاه وغشاه، فهو إذاً: في ظلام وسدود وأغلال من فوق ومن تحت ومن أمام ومن خلف.

قال تعالى: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أي: لا يبصرون النور ولا يبصرون الحق، ولا يؤمنون بالله واحداً ولا بمحمد نبياً خاتماً صلى الله عليه وسلم، ولا بالقرآن إماماً، ولا بالنور نوراً، فهم يرون النور ظلاماً، ويرون الظلام نوراً، انقلبت في أعينهم الحقائق وأصبحوا لا يبصرون.

قال تعالى: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [يس:10].

فهؤلاء قد أصبحوا في كفر وضلال وظلمات، فلم يعد ينفعهم إنذار، إن أنذرتهم بالنار استهزءوا وتضاحكوا، وإن أخبرتهم بالجنة استهزءوا وضحكوا، وإن قلت لهم: الله أكرمكم بنبي جمع فيه من الخلال ما لم يجمعه في أحد قبله تضاحكوا كذلك واستهزءوا، وسواء هددتهم بالعذاب أو لم تهددهم، دعوتهم للحق أو لم تدعهم؛ لا يؤمنون، فالضلال والهداية والنار والجنة والنبوءة والشعوذة في أعينهم سواء، أي: لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بدينه.

قال تعالى: إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس:11].

يقول تعالى: إنما نذارتك ووعيدك يفيد الذين آمنوا، تفتحت قلوبهم للسمع والوحي والإدراك، فإذا قلت لهم: قال ربنا، أرعوا سمعهم وأخذوا ينصتون إليك متمعنين مفكرين، وإذا شرحت لهم آية أو زدتهم بياناً فيها، تجدهم كلهم آذاناً مصغية، وتجدهم كلهم على غاية ما يكونون من الاهتمام بها؛ لأن قلوبهم ليست بمريضة؛ لأنهم لا يقارعون الحق ولا يحاربونه، بل كانوا ينتظرون هذا منذ زمن، ينتظرون هادياً من الله ونذيراً، ينتظرون رسولاً يأتيهم فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويرفع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.

فهؤلاء تفتحوا للحق وتفتحت آذانهم لسماعه ونفوسهم لقبوله، فهؤلاء وحدهم هم الذين يقبلون ويدركون والذين تفيد فيهم النذارة.

فقوله تعالى: وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي: فهم على حالهم من الكفر ودوامه.

قوله تعالى: إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ، أي: من اتبع القرآن واتبع محمداً عليه الصلاة والسلام، فالذكر: القرآن، والذكر: محمد عليه الصلاة والسلام، والذكر: السنة المطهرة.

قوله: وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ أي: خاف الله وهو في عتمة وغيب لا يراه أحد ولا يرى أحداً، فتراه يخشى الله ولا يرتكب كبيرة ولا يعصي ربه؛ لأنه يعلم أن الله يعلم ما في السر والعلن، والسر والعلن عنده سواء، فمن كانت علانيته كسره لا يعصي الله في خلوة، فتراه يؤمن بالغيب، ويؤمن بالله وهو لم يره، ويؤمن بالجنة والنار وهو لم يرهما، وآمن بأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق، وأنه ما قال إلا الحق، وأنه أتى على ذلك بالدلائل والبراهين القاطعة من المعجزات البينة التي لا ينكرها إلا أعمى البصيرة.

قوله: (وخشي) أي: خاف الله في الغيب كما خافه في العلن، وخاف الله ولم يره، وهو حاضر معه ناظر:

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

فتراه في آثاره: سمائه وأرضه، وكل ذلك أثر من آثار الله وخلق من خلق الله، فإن لم نر ذاته جل جلاله فقد رأينا آثاره في خلقه للسماوات وخلقه للأرضين وخلقه لأنفسنا.

قال تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ هذا الذي خشي الرحمن واتبع الذكر، وقبل نذارتك ونبوءتك وهدايتك انتقل معه من النذارة والتهديد والوعيد إلى البشارة، قال تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ أي: بشره بأن الله غفر له ما قبل الإسلام من وثنية وكفر، وبشره بما فعل في حال الإسلام عندما تاب إلى الله وأناب بأن الله يتوب على من تاب، فبشره بمغفرة ذنوبه وبأجر كريم.

والأجر الكريم: هو رضا الله ودخول الجنة ودوامها إلى الأبد.

قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12].

يقول ربنا: إِنَّا نَحْنُ نُحْييِ الْمَوْتَى الموتى قد يكون المراد بها الموت الحسي، أي: الموت بعد الحياة، ولكن سياق الآية يدل على أن الموت هنا هو موت الكفر.

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى بمعنى: نهدي الضالين إلى الصلاح، ونهدي الموتى عن الحق إلى الحياة للحق، كما يحيي جل جلاله الموتى حقاً، فإحياء الموتى بذواتهم وأجسامهم لا يستطيعه أحد إلا الله، ولا يستطيع ذلك من ادعيت له الألوهية، ولا من كان نبياً أو ملكاً أو رسولاً، فكل خلق الله أعجز من أن يخلقوا ذبابة، ولكن الله وحده انفرد بالخلق والتدبير والأمر جل جلاله، وما الرسل إلا مبلغون عنه، وما الملائكة إلا جنده ورسله.

قال تعالى: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا أي: هؤلاء الذين ماتوا نكتب ما قدموا ونسجل عليهم، أي: يكتب الملكان المكلفان بهم ما قدموا في حياتهم من كفر أو إيمان، ومن صلاح أو فساد، ومن تقى أو مخالفة، ومن طاعة أو معصية، كل ذلك محصىً في كتاب يجده العبد يوم القيامة عند البعث والنشور، فهذا كتابه بيمينه فهو من أهل اليمين وأهل الجنة، وهذا كتابه بشماله فهو من أهل النار وغضب الله.

كما قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، فلن تخفى على الله خافية، بل يحصي كل شيء سبحانه.

قال تعالى: وَآثَارَهُمْ أي: نكتب آثارهم. والآثار: جمع أثر.

وفسروا الآثار هنا بمعنيين: المعنى الأول: أن يموت الميت ويترك أثره فيكتب له، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

فالولد الصالح إن ربيته صالحاً يكون صالحاً، فتجده يدعو لأبيه ويقول: دعاني إلى التوحيد فاستجبت، وذلك أثر من آثار الميت، كذلك نشر العلم، فهذا العلم الذي ننشره ونشره أسلافنا من قبل ورويناه عنهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى جبريل إلى رب العزة، توارثته البشرية أباً عن جد، فكل علم تعلمه إنسان يرجع أثره لشيخه، ومن شيخ إلى شيخ إلى المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام لـعلي رضي الله عنه: (يا علي ! لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

فالإنسان من علّمه؟ ومن هداه؟ لقد هداه الله وعلمه بأثر من آثار من قبله، فتكون حسناته في صحائفه، ويكون ذلك أثراً من أثره، إذ يسجله الله -كما يقول هنا- لهذا الميت، فكما يكتب ما قدم من عمل يكتب ما ترك من أثر في الولد والعلم والمال الجاري في الوقف مثلاً يوقفه على العلماء والفقراء والمحتاجين والأقارب، فما من نفع يحصل من هذا المال إلا ويكتب ذلك في أثر هذا الميت حسنة من حسناته، يقول عليه الصلاة والسلام: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً)، فهو كذلك سنة من سنته، ومن هنا يقول الله لنبينا عليه الصلاة والسلام: وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى [الضحى:4].

فكل ثانية تمضي من الزمن يكتب في آثار رسول الله عليه الصلاة والسلام فيها إيمان المؤمنين من أتباعه، ودعوة الدعاة من خلفائه ووراثه، فمن يقول: لا إله إلا الله ويدعو إليها الخلق هو أثر من آثار النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه هو الداعي الأول، وهو البشير النذير، وقد تلقى عنه الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم، وعن الصحابة تلقى التابعون رحمهم الله وتابعو التابعين إلى عصرنا، وإلى يوم البعث والنشور.

المعنى الثاني: أن الأثر هو الخطى إلى المساجد:

وقالوا: هذه الآية من هذه السورة مدنية، قالوا: وسبب نزولها أن عشيرة بني سلمة كانوا يسكنون في ضاحية المدينة بعيدين عن المسجد النبوي فقالوا: (يا رسول الله! نريد أن نسكن بجوارك لنكون أقرب إلى مسجدك، قال: لا تفعلوا ولا تعروا المدينة -أي: لا تتركوا ضواحيها- فكثرة الخطى إلى المسجد تكتب في آثار المصلي).

ونقول: هذا صحيح، ولكن ليس هذا هو التفسير فقط، فهذا يشمل من سن سنة حسنة، ومن ترك ولداً صالحاً وعلماً نافعاً، ومن ترك مؤلفات ينتفع بها، وترك طلاباً ينشرون العلم، ويهتدون به في أنفسهم، ومن ترك مؤمنين سمعوا قولته، واهتدوا بهديه، وساروا على ما دعاهم إليه، ومن ترك مالاً للفقراء والمحتاجين وقفاً، كل ذلك أثر من آثاره يكتبه الله في صحيفته.

فقوله: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا [يس:12] أي: ما قدموا من أعمال، إن خيراً فخير وإن شراً فشر مدة حياتهم.

قال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12]، أي: في اللوح المحفوظ، كل شيء من الخلق جناً وإنساً، وجميع ما في الكون من أحياء قد كتبه الله وسجله ودونه قبل خلق الخلق بألفي عام، فقد سبق أن قلت بياناً لكلام الله: إن اللوح لوحان: لوح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولوح يمحو الله ما يشاء فيه ويثبت.

أما اللوح الذي من قبل الله، ولا يراه إلا هو جل جلاله؛ فهذا لا يبدل القول فيه كما قال ربنا.

وأما الذي من قبل الملائكة ينظرون إلى الأوامر والنواهي فينفذونها، فذاك يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت، كأن تكون دعوة صالحة من أب في ظهر الغيب، أو دعوة صالحة من أخ مسلم في ظهر الغيب، أو صدقة يقبلها الله، أو دعاء استجيب، فهذا يغير ما قدر في الأزل، ولكن اللوح الذي من قبل الملائكة يمحو الله فيه الشقاء ويثبت بدلاً عنه السعادة، ويمحو الفقر ويثبت بدلاً عنه الغنى، ويمحو العز ويثبت بدلاً عنه الذل أو العكس، فذاك في اللوح الذي يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.

فكل شيء أحصاه الله إحصاءً كاملاً، لا يشذ عنه شيء، لا شاذة ولا فاذة، ولا دقيقة من الأشياء ولا جليلة إلا وحصلت وكتبت في هذا الكتاب، فالإمام: الكتاب المحفوظ من قبل الله، ويسمى أم الكتاب.


استمع المزيد من الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة يس [68-70] 2077 استماع
تفسير سورة يس [47-54] 1987 استماع
تفسير سورة يس [71-81] 1628 استماع
تفسير سورة يس [1-5] 1488 استماع
تفسير سورة يس [20-30] 1357 استماع
تفسير سورة يس [39-46] 1334 استماع
تفسير سورة يس [31-38] 1252 استماع
تفسير سورة يس [55-67] 1010 استماع
تفسير سورة يس [13-19] 518 استماع