البشارات المحمدية ( والقدوس من جبل فاران )
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
البشارات المحمدية ( والقدوس من جبل فاران )
جاء في سِفر حبقوق، الإصحاح (3) الأعداد (3 - 5): "الله جاء مِن تيمان، والقُدُّوس من جبل فاران، سلاه، جلاله غطى السموات، والأرضُ امتلأت مِن تسبيحه، وكان لمَعانٌ كالنُّور، له مِن يده شُعاع، وهناك استِتارُ قدرته، قدامه ذهَب الوبأ، وعند رجلَيهِ خرجَت الحمى".
هذه بِشارة واضِحة بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تَنطبِق عليه من أكثر من وجه منها: "والقدوس من جبل فاران"، وفاران يُقصَد بها مكة.
جاء في مُعجم البلدان: "فاران: بعد الألف راء وآخِره نون، كلمة عبرانيَّة مُعرَّبة، وهي من أسماء مكة، ذكَرَها في التوراة، قيل: هو اسم لجِبال مكة"[1].
"والأرض امتلأت من تسبيحه" وأمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي أكثر الأمم تسبيحًا في الصَّلاةِ والذِّكر، فعلى سبيل المثال كل مسلم يُردِّد في صلاته مرات في كل ركوع: سُبحانَ ربيَ العَظيم، وفي كل سُجود: سبحان ربي الأعلى، في خمس صلوات مَفروضة على مَدارِ اليَوم، بخلاف السُّنن الراتبة والمُستحبَّة والنَّوافل المُطلَقة، وبذلك نعلم كيف أن المسلمين يَملؤون الأرض تسبيحًا.
"وكان لَمعانٌ كالنور، له مِن يده شُعاع"، وقد حدَث ذلك مع النبي محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في غَزوة الأحزاب.
فعندما أمر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المُسلمين أن يَحفِروا الخندقَ، عرَض لهم حجرٌ لا تؤثِّر فيه المَعاوِل، فاشتكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: يا رسولَ اللهِ، خرجَت صخرة بيضاء من الخندق مُدوَّرة فكسرت حديدَنا، وشقَّت علينا؛ حتى ما يَحيك فيها قليل ولا كثير، فمُرْنا فيها بأمرِك.
فجاء رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فألقى ثوبه وأخَذَ المِعوَل، وضرب الصخرةَ ضربةً صدَعها، وبرَقت منها برقةٌ أضاءت المدينة، حتى لكأنَّها مصباحٌ في جوف ليلٍ مُظلم، فكبَّر رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تكبيرةَ فتحٍ، فكبَّر المُسلمون، ثم ضربها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية ثم الثالثة وفي كل مرة تَتصدَّعُ، ويَبرق منها برقة تُضيء لها المدينة كلها "حتى لكأنَّ مصباحًا في جوفِ ليلٍ مُظلم"[2]، وقد حدث ذلك على مرأى ومسمع جموع كبيرة من الناس.
"قدامه ذهب الوبأ، وعند رجلَيهِ خرَجت الحمى": وقد حدَث ذلك مع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عند قدومه المدينة، وكانت مشهورةً بانتشار الوباء والحُمى فيها، فوُعك بعض الصحابة واشتكوا مِن الحُمى، فأُخبرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فدعا قائلاً: ((اللهمَّ حَبِّب إلينا المدينة كما حبَّبتَ إلينا مكة أو أشد، وانقُل حُماها إلى الجحفة، اللهمَّ بارك لنا في مُدِّنا وصاعِنا))، فخرج الوباءُ والحُمى مِن المدينة[3].
[1] معجم البلدان؛ لياقوت الحموي (3: 301).
[2] دلائل النبوة (3: 498)، وأحمد (17946)، والنسائي (3125)، البداية والنهاية (4: 102) وحسَّن الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري (7: 458).
[3] البخاري (5222) ومسلم (2444).