المستضعفون


الحلقة مفرغة

الحمد لله تعالى حمداً، والشكر لله تعالى شكراً، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعــد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حديثي إليكم في هذه الليلة: ليلة الثلاثاء 14 من شهر رمضان، هو: عن المستضعفين.

فلقد جاء الدين بحماية المستضعفين من سائر الأجناس والألوان والطبقات.. وهم أولئك الذين لا يجدون سلطة تحميهم، وليس لهم قوة تنفع أو تدفع إلا قوة الله تبارك وتعالى، ولهذا قال الله عز وجل في محكم تنـزيله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] فالقتال في سبيل الله عز وجل يهدف إلى حماية المستضعفين من بطش الجبارين والمستكبرين وإحقاق الحق لهم، وحماية حقوقهم المشروعة.

ويقول الله عز وجل في موضع آخر: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:97-99] فجعل الله عز وجل الضعف في الإنسان رجلاً أو امرأةً كبيراً أو صغيراً سبباً من أسباب الرخصة والتوسعة عليه.

مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للضعفاء

ولهذا تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى الضعفاء في مسائل كثيرة جداً يصعب حصرها، وراعى أيضاً حالة الضعف في الإنسان، فالمسافر مثلاً: له رخص؛ لأنه ضعيف، أو يعرض له الضعف، والمريض له رخص؛ لأنه ضعيف، ويحتاج إلى تخفيف في الصوم والصلاة والطهارة وغيرها، والصغير له رخص، واليتيم... وغير ذلك من الأحكام الكثيرة.

ومنها على سبيل المثال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة العشاء يوماً من الأيام إلى نحو منتصف الليل، ثم جاء وصلى بالناس، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {لولا ضعف الضعيف لأخرتها إلى هذه الساعة} فبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العشاء في أول وقتها مراعاةً للضعفاء، من أجل أن يمكنوا الصلاة ويدركوها دون أن يشق عليهم ذلك، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود.

ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بالتخفيف في الصلاة إذا كان يصلي بالناس، علل ذلك بأن وراءه الكبير والضعيف، كما في رواية البخاري وغيره، فالضعيف سواء أكان شيخاً كبيراً أم مريضاً أم نحو ذلك ممن يشق عليه طول القيام وطول الصلاة، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف من أجلهم.

وكذلك أيضاً ما يتعلق بالدفع من مزدلفة، فإنه صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من النساء والصبيان ومن معهم -ومن في حكمهم- في الدفع مبكراً بعد مغيب القمر من مزدلفة وذلك مراعاة لضعفهم وحاجتهم إلى هذا التخفيف.

وهذا الباب واسع جداً في ذكر ما شرع الله تعالى من أنواع التخفيف والتوسعة على الناس مراعاةً لضعف الضعيف وحاجات المحتاج، ومراعاة للكبير وللضعيف والصغير والمرأة ونحو ذلك.

والضعف سبب لكثير من الأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة مراعاةً لحاجتها.

ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمر المغانم في الأمم السابقة بيَّن أنه كانت تنـزل نار من السماء فتحرقها -تحرق الغنائم- فلما رأى الله تعالى ضعف هذه الأمة، طيبها لها وأحلها، قال عليه الصلاة والسلام: {وذلك أن الله رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا} كما في الحديث المتفق عليه، ولهذا أحلت هذه المغانم لهذه الأمة، ولم تكن تحل لأحد من الأمم قبلها.

الضعفاء أقرب الناس إلى الخير

والضعفاء -أيها الأحبة- هم غالباً أقرب إلى الخير، وأقرب إلى الله تعالى زلفى، وأقرب إلى اتباع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له} كما في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد، ومعنى كل ضعيف متضعف ذي طمرين أي: ثوبين باليين خلقين لا يؤبه له.

وكذلك قال في الحديث والآخر -حديث عياض بن حمار، وهو في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد- قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وأهل الجنة ثلاثة: -وذكر منهم- ضعيف متضعف لو أقسم على الله تعالى لأبره} أي: فيه ضعف ومسكنة وتواضع وبعد عن الأبهة والخيلاء والغطرسة والكبرياء التي هي شأن المستكبرين في هذه الدنيا، والذين هم وقود النار يوم القيامة: {يحشر المستكبرون يوم القيامة أمثال الذر، يطؤهم الناس، ثم يوضعون في سجين } والعياذ بالله تعالى.

الضعفاء هم أتباع الأنبياء

وكذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الضعفاء هم أتباع الأنبياء، وأن أكثر أتباع الأنبياء منهم، فأي نبي يبعث إنما يتبعه ضعفاء الناس، ومن ذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس قال:{فضعفاء الناس اتبعوه أم كبراؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم} وقال عليه الصلاة والسلام: {ابغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم.. بدعائهم واستغفارهم} فالضعيف يدعو فيستجاب له، ويستغفر فيغفر له، ويستنصر فينصر، لأنه صاحب قلب منكسر، وصاحب عين دامعة، وصاحب نفس بعيدة عن التكلف، وبعيدة عن الغلو، وبعيدة عن الكبرياء والتعاظم والجبروت والغرور الذي يصيب أهل المنازل العالية من الدنيا عادة، فالضعيف سالم ناجٍ من هذه الأشياء إلا ما ندر، ولهذا ذكر النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث ثلاثة أنواع ممن لا يكلمهم الله، وذكر منهم: {عائل مستكبر} ومعنى عائل أي: فقير، ومع ذلك مستكبر، لأن الفقر يناسبه عادة التواضع، فإذا صار مع فقره مستكبراً، دل هذا على فساد في طبعه، ورداءة في خُلقه، ولهذا كان من أهل النار والعياذ بالله تعالى.

وقد عاقب الله عز وجل بني إسرائيل -كما في الحديث الصحيح- بالهلاك؛ لأنهم كانوا يعاملون الضعيف معاملة، ويعاملون القوي معاملة أخرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف، تركوه، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها}.

ولهذا تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم راعى الضعفاء في مسائل كثيرة جداً يصعب حصرها، وراعى أيضاً حالة الضعف في الإنسان، فالمسافر مثلاً: له رخص؛ لأنه ضعيف، أو يعرض له الضعف، والمريض له رخص؛ لأنه ضعيف، ويحتاج إلى تخفيف في الصوم والصلاة والطهارة وغيرها، والصغير له رخص، واليتيم... وغير ذلك من الأحكام الكثيرة.

ومنها على سبيل المثال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخَّر صلاة العشاء يوماً من الأيام إلى نحو منتصف الليل، ثم جاء وصلى بالناس، ثم قال عليه الصلاة والسلام: {لولا ضعف الضعيف لأخرتها إلى هذه الساعة} فبين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العشاء في أول وقتها مراعاةً للضعفاء، من أجل أن يمكنوا الصلاة ويدركوها دون أن يشق عليهم ذلك، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود.

ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الإمام بالتخفيف في الصلاة إذا كان يصلي بالناس، علل ذلك بأن وراءه الكبير والضعيف، كما في رواية البخاري وغيره، فالضعيف سواء أكان شيخاً كبيراً أم مريضاً أم نحو ذلك ممن يشق عليه طول القيام وطول الصلاة، فلذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف من أجلهم.

وكذلك أيضاً ما يتعلق بالدفع من مزدلفة، فإنه صلى الله عليه وسلم رخص للضعفاء من النساء والصبيان ومن معهم -ومن في حكمهم- في الدفع مبكراً بعد مغيب القمر من مزدلفة وذلك مراعاة لضعفهم وحاجتهم إلى هذا التخفيف.

وهذا الباب واسع جداً في ذكر ما شرع الله تعالى من أنواع التخفيف والتوسعة على الناس مراعاةً لضعف الضعيف وحاجات المحتاج، ومراعاة للكبير وللضعيف والصغير والمرأة ونحو ذلك.

والضعف سبب لكثير من الأحكام التي شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة مراعاةً لحاجتها.

ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمر المغانم في الأمم السابقة بيَّن أنه كانت تنـزل نار من السماء فتحرقها -تحرق الغنائم- فلما رأى الله تعالى ضعف هذه الأمة، طيبها لها وأحلها، قال عليه الصلاة والسلام: {وذلك أن الله رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا} كما في الحديث المتفق عليه، ولهذا أحلت هذه المغانم لهذه الأمة، ولم تكن تحل لأحد من الأمم قبلها.

والضعفاء -أيها الأحبة- هم غالباً أقرب إلى الخير، وأقرب إلى الله تعالى زلفى، وأقرب إلى اتباع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى، فقال صلى الله عليه وسلم: كل ضعيف متضعف ذي طمرين لا يؤبه له} كما في سنن ابن ماجة ومسند الإمام أحمد، ومعنى كل ضعيف متضعف ذي طمرين أي: ثوبين باليين خلقين لا يؤبه له.

وكذلك قال في الحديث والآخر -حديث عياض بن حمار، وهو في صحيح مسلم ومسند الإمام أحمد- قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وأهل الجنة ثلاثة: -وذكر منهم- ضعيف متضعف لو أقسم على الله تعالى لأبره} أي: فيه ضعف ومسكنة وتواضع وبعد عن الأبهة والخيلاء والغطرسة والكبرياء التي هي شأن المستكبرين في هذه الدنيا، والذين هم وقود النار يوم القيامة: {يحشر المستكبرون يوم القيامة أمثال الذر، يطؤهم الناس، ثم يوضعون في سجين } والعياذ بالله تعالى.