بلوغ المرام - كتاب الطهارة [7]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فقد وصلنا إلى الحديث الحادي عشر من أحاديث بلوغ المرام، ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا التوفيق والتسديد في القول والعمل، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا إلى أحد من خلقه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: [وعن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الهرة: إنها ليست بنجس؛ إنما هي من الطوافين عليكم )، أخرجه الأربعة وصححه الترمذي و ابن خزيمة ].

تخريج حديث: (أن رسول الله قال في الهرة: إنها ليست بنجس)

الحديث الأول في هذا المجلس هو حديث أبي قتادة يقول المؤلف: (أخرجه الأربعة وصححه الترمذي و ابن خزيمة )، الحديث رواه مالك في موطئه، ومن طريقه رواه أحمد والأئمة الأربعة، و مالك إنما رواه من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن امرأته حميدة بنت عبيد بن رفاعة أن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك حدثتها، أنها كانت تحت عبد الله بن أبي قتادة فقالت: دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة لتشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال: تعجبين يا ابنة أخي! قالت: نعم قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، وقد تابع مالكاً على هذا الحديث حسين المعلم و همام بن يحيى إلا أن مالك بن أنس قد أجاد كعادته رحمه الله في روايته لهذا الحديث، وقد أشار إلى هذا الضبط الإمام البخاري رحمه الله، وكذلك الإمام الدارقطني والإمام الترمذي ، وقد صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ، وقد تتابعت كلمات الحفاظ على تصحيحهم لهذا الحديث، قال الترمذي : سألت محمداً يعني: البخاري عن هذا الحديث، فقال: قد جود مالك إسناده، وصححه، وكذلك أشار الدارقطني رحمة الله تعالى على الجميع.

وقد صححه أيضاً الإمام الترمذي وأيضاً ابن خزيمة و ابن حبان و البيهقي و أبو عمر بن عبد البر و النووي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكذلك العقيلي إلا أن بعض أهل العلم تكلم فيه، ومنهم الحافظ أبو عبد الله بن مندة فإنه قال في حميدة بنت عبيد بن رفاعة وفي كبشة قال: لا يعرف حالهما، ومحلهما الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر، ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، وسبيله سبيل المعلول.

إذاً: الإمام ابن مندة تكلم في هذا الحديث بسبب جهالة حميدة بنت عبيد وبسبب جهالة كبشة بنت كعب بن مالك ، وقال: حالهما الجهالة ولا يعرفان إلا في هذا الحديث، وسبيل الحديث سبيل المعلول.

وقد ذكر الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام كلام ابن مندة ثم علل للعلماء الذين صححوا هذا الحديث، فقال: ولعل تصحيح من صححه من الأئمة إنما نظر إلى رواية مالك لهذا الحديث، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا روى مالك عن رجل فهو حجة، ثم قال يعني ابن دقيق العيد : وإذا لم نذهب إلى هذا فإن تعليل ابن مندة وهو الجهالة أضبط أو أكيد أو كلمة نحوها.

إذاً: ابن دقيق العيد عنده حالة تردد؛ لأنه رأى الأئمة صححوا الحديث ورأى أن في الحديث جهالة، يعني: جهالة حميدة وجهالة كبشة ، فيقول: لعل العلماء الذين صححوه نظروا إلى رواية مالك ، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فبسبب وجود مالك في هذا الحديث صححوه، والحقيقة أن مالكاً لم يرو عن حميدة وإنما روى عن إسحاق ، وعلى هذا فإن تصحيح الأئمة لهذا الحديث لم يكن لأجل وجود مالك فقط، وإنما لمنهج اقتفوه رحمة الله تعالى عليهم، حيث إنهم لم يأخذوا على منهج مطرد في ردهم لحديث المجهول، ولا في قبولهم لأحاديث المجهول. ومنهج المتقدمين في رواية المجاهيل لم تكن على وتيرة واحدة، وهي الرد مطلقاً كما هي طريقة المتأخرين، وليست القبول مطلقاً كطريقة الحاكم وطريقة ابن حبان في بعض كلامهم، وإنما طريقة الأئمة أنهم يفرقون في أحاديث المجهول، كما أشار إلى ذلك الإمام الذهبي و ابن رجب في شرحه للعلل الكبير للترمذي ، ولهذا قال الإمام الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، وكلمة المشايخ يقصد بها: الذي لا يعرف عنه جرح ولا تعديل، وكان من كبار التابعين، قال الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح.

وقال أيضاً: المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ.

ثم قال: وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه، ثم قال: وتجربة وعدم تجربة ذلك، يعني: أننا عرفناه بموافقته لكلام الأئمة وهل خالف أم لم يخالف.

ثم قال: وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره، لا سيما إذا انفرد.

إذاً: حال المجهولين عند الأئمة على ثلاث مراتب: الأولى: صغار التابعين فهذه لا يقبل حديثهم.

الثانية: إن كان الرجل من صغار التابعين يتأنى في حاله، إذا كان الراوي عنه من الأئمة الذين لا يكادون يروون إلا عن صحيح الأحاديث، فهذا يتأنى ويجرب في مخالفته أو موافقته.

المرتبة الثالثة: وهي أقوى وهي إذا كان من كبار التابعين أو أوساطهم ولم يأتِ بما يخالف الأصول أو ركاكة الألفاظ فيقبل حديثه.

إذاً: حميدة بنت عبيد قيل: إنه لا يعرف حالها إلا في هذا الحديث، وهذا ليس بصحيح، فقد روى عنها ابنها يحيى في تشميت العاطس، كما ذكر ذلك الإمام الترمذي ، وروى عنها ابنها عمر بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة .

إذاً: روى عنها ثلاثة: زوجها إسحاق وابنها يحيى وابنها عمر ، على الخلاف هل هو عمر أم يحيى كما ذكر ذلك الأئمة، لكن الشأن أن مالكاً إنما قبل حديث هذه المرأة؛ لأن الذي روى عنها إنما هو زوجها، وزوجها من المحدثين، فكأن مالكاً سأله عن ضبطها لهذا الحديث، فصارت هذه قرائن تدل على صحة حديث حميدة ، هذا الأول.

الثاني: أننا نظرنا إلى أحاديث وشواهد في هذا الحديث فوجدنا أنها توافق الأصول، فمنها حديث عائشة كما سيأتي وغيره، فوافقت الأصول، ولم يأت بما ينكر أو يدل على ركاكة الألفاظ.

إذاً: الأئمة كـالبخاري و الترمذي و الدارقطني و العقيلي إنما قبلوا هذا الحديث؛ لأنهم رأوا أن غاية ما يقال في هذا الحديث: هو جهالة حميدة ، لكن حميدة قد روى عنها من كان ضابطاً لحديثها، فإن الزوج أوثق الناس بزوجه، فقبل مالك رحمه الله قول إسحاق في زوجه، ولذا قبل الأئمة هذا الحديث.

ولهذا قبل أبو حاتم رواية ابن أكيمة عن أبي هريرة في حديث: ( مالي أنازع في القرآن )، قال: وقد ذكر هذا الحديث ابن أكيمة بين يدي سعيد بن المسيب ، فكون هذا الراوي يروي هذا الحديث عند إمام عالم جليل بل هو سيد التابعين وهو سعيد بن المسيب دليل على أنهم علموا أنه شيخ ومن أهل العلم، هذا هي القرائن التي تدل على صدق وصحة هذا الحديث.

أما كبشة بنت كعب بن مالك فإن ابن حبان ذكرها في الثقات، وأشار إلى أنها صحابية، ونقل أبو موسى بن المديني عن جعفر أنها صحابية، وقال ابن سعد : كبشة بنت كعب بن مالك أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهالة الصحابية لا تضر بإجماع أهل الحديث، وللحديث شواهده، ومن شواهده: ما رواه داود بن صالح التمار عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها )، وهذا الحديث رواه أبو داود و الطحاوي في مشكل الآثار، إلا أن الحديث لا يفرح به فإن داود بن صالح التمار تكلم فيه الحفاظ، والصواب أنه موقوف، ثم إن أمه مجهولة، والواقع أن جهالة أمه ينظر فيها إلى القواعد العامة، فهذه الأم هي من كبار التابعين؛ لأنها تروي عن الصحابة، ولم يرو عنها إلا داود ، وهي لم تخالف الثقات.

إذاً: الراوي عنها داود وهو ضعيف فلا يفرح به، ولكنا نقول: إنه شاهد لحديث الباب.

ومعلوم أن الأئمة إذا رأوا للحديث طرقاً ضعيفة تنجبر فإنهم يحتملونها ويعلمون أن الحديث له أصل، كما قال يحيى بن سعيد القطان يقول: بحثت لـعبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر عن نافع عن ابن عمر في حديث الولاء، قال: فوجدت له متابعاً وهو أخوه، يعني الثقة يتابعه، المكبر وهو عبد الله بن عبد الله العمري المكبر، وهو ضعيف والمصغر ثقة حجة، فهذا يدلك على أنهم يجمعون الطرق كي يعلموا أن هذا الحديث له أصل، هذا شيء، والشيء الآخر: أن من العلماء المعاصرين من رأى أن الرجل إذا لم نعلم حاله، ولم نر أحداً من المتقدمين حكم عليه بالجهالة، ولم نجد له جرحاً ولا تعديلاً، يقول: فإننا لا نقول عنه: مجهول الحال، هذه طريقة الإمام عبد الرحمن المعلمي حينما رد على الكوثري ، قال: وحكم الأستاذ له بالجهالة فإن أمثالنا إذا لم نجد كلاماً للأئمة في هذا الرجل فإننا لا نحكم عليه بالجهالة، وهذا من ورعه رحمه الله، والأفضل أن نقول: ذكره البخاري في التاريخ الكبير و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكره بجرح ولا تعديل ونتوقف في حاله، أو نذكر القواعد العامة في قبوله من رده، فإذا رأينا أنه من كبار التابعين وقد وافق الأصول ولم يأت بركاكة لفظ، فإننا نقبله، خاصة إذا جمعنا له طرقاً تدل على أن الحديث له أصل، وكان الراوي له ليس من الضعفاء والله أعلم.

ومن الشواهد أيضاً: حديث أنس الذي رواه الطبراني في الصغير، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئاً ولن ينجسه )، وهذا الحديث في سنده أيضاً ضعف؛ لأن في سنده عمر بن حفص لا يدرى من هو كما قال الذهبي ، وجاء الحديث من حديث جابر رضي الله عنه، وهو شاهد أيضاً رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وفيه تدليس محمد بن إسحاق .

فهذه الطرق تدل على أن حديث أبي قتادة صحيح، وهذه طريقة للمتقدمين وهي أنهم يرون أن الحديث إذا تعددت طرقه، وكان بعضها أحسن حالاً من بعض، فإنهم يصححون الأقوى، وإن كان البعض من الأحاديث والشواهد يضعفونها، فطريقة الأئمة في التصحيح أنهم يقبلون حديثاً واحداً ويحسنونه، ويرون أنه لم يخالف.

المثال على ذلك: ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله حينما سأله ابنه عبد الله في صيام أيام البيض، قال: إلى أي شيء تذهب؟ قال: إلى حديث عبد الملك بن قتادة بن ملحان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يحث على صيام أيام البيض )، والإمام أحمد احتج بـعبد الملك هذا مع أن علي بن المديني حكم عليه بأنه مجهول، وإنما احتج به أحمد لأنه رأى أنه قد روى عنه جماعة وهو من كبار التابعين؛ لأنه روى عن صحابي ووافق الأصول، ورُوي الحديث عن أبي المليح عن أبيه، وروي من حديث أبي ذر ، وإن كانت هذه الأحاديث إلى الضعف أقرب ولم يذكرها أحمد مع أنها مشهورة، وترك ذلك وأخذ بحديث عبد الملك ، هذه هي طريقتهم رحمهم الله جميعاً.

شرح ألفاظ حديث: (أن رسول الله قال في الهرة: إنها ليست بنجس)

ثانياً: شرح ألفاظ الحديث: الهرة: هي أنثى القطط، والذكر يقال له: هر، وجمعه هررة، كقرد: قردة.

وقال بعض علماء اللغة: إن الهر يقع على الذكر والأنثى، وقد يدخلون الهاء في المؤنث.

وقوله: ( إنها ليست بنجس )، بفتح الجيم كما ذكر ذلك أكثر أهل الحديث، كـالمنذري و النووي و ابن دقيق العيد وغيرهم.

وقوله: (نجس) يعني: عين النجاسة، يعني: أنها ليست نجسة الذات، وأما النجس بكسر الجيم فالمقصود به الشيء المتنجِس أو المتنجَس، كالثوب إذا وقعت فيه نجاسة فيقال: ثوب نجِس، وأما الكلب فإننا نقول: نجَس، والنجَس يمكن أن يكون نجاسته حسية، ويمكن أن تكون نجاسته عينية، كما قال الرب جل وعز: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والرجس بعضهم يقول: هو النجَس كما حكى ذلك بعض علماء الحديث، وقد ذكر بعضهم أن الخمر نجس وهو قول الأئمة الأربعة, وقد تحدثنا عن هذا في مجالس عدة وقلنا: إن الراجح أن الخمر ليس بنجس.

وقوله: ( إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، الطائف: هو الخادم، والغالب فيه أنه يخدم برفق وأناة، والطواف فعال يعني: كثير الخدمة والتطواف والدخول والولوج، كما قال الله تعالى في حق الإيماء: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ [النور:58]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، جملة استئنافية قصد بها معنى التعليل، بعدم نجاسة الهرة، لكثرة دورانها ووجودها في البيت، ودخولها على أهل البيت مما يشق صون الأواني والأطعمة والمياه عنها.

سؤر الهرة

ثالثاً: الحديث فيه مسائل:

المسألة الأولى: استدل بعض أهل العلم -وهو قول جمهورهم- على أن سؤر الهرة وفم الهرة طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها ليست بنجس )، وأن أبا قتادة توضأ من سؤرها، وعلى فرض صحة حديث أنس : ( إنها من متاع البيت وإنها لا تقذر شيئاً ولا تنجسه )، وهذا هو قول مالك و الشافعي و أحمد وقول أبي يوسف و محمد بن الحسن من الحنفية.

والقول الثاني في المسألة: هو مذهب أبي حنيفة حيث ذهب إلى أن سؤر الهرة نجس، إلا أنه خفف فيه فكره سؤره لعموم البلوى.

إذاً: أبو حنيفة يرى أن سؤره الهرة مكروه لعموم البلوى، وإلا فالأصل أنه نجس.

ودليل أبي حنيفة هو ما رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، من طريق أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين ).

وهذا الحديث يرويه أبو عاصم الضحاك عن قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة ، و قرة بن عبد الرحمن الضعيف وليس قرة بن خالد .

إذاً نقول: إن جميع الرواة الذين رووا عن محمد بن سيرين ، وهم: هشام بن حسان و أيوب السختياني وهم أوثق الناس في محمد بن سيرين كلهم لم يذكروا لفظة الهرة، وأن قرة بن خالد أخطأ فيها.

فدل ذلك على أن الحديث منكر، ثم إن أبا عاصم النبيل أخطأ فيه، فإن الرواة رووه عن قرة بن خالد في ولوغ الكلب مرفوعاً، وفي ولوغ الهرة موقوفاً على أبي هريرة ، وهذا هو الذي رجحه الإمام البيهقي و النووي رحمة الله تعالى على الجميع.

إذاً: الراجح والله أعلم أن سؤر الهر طاهر.

الهرة بجميع أعضائها

المسألة الثانية: استدل بعض الفقهاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، على طهارة الهرة بجميعها أي: بجميع أعضائها وبدنها وعرقها، وأن سؤر الهرة إنما خرج مخرج الغالب؛ لعموم: ( إنها ليست بنجس )، وهذا القول بلا شك قول قوي، وإن كان لحمها وروثها وبولها نجس.

أما دليل النجاسة: فقد روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الهرة تقع في السمن، قال: ( ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم )، فدل على أن ميتتها نجسة، إذاً: لحمها نجس، وكذا روثها وبولها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، يعني: إنها من الطوافين.

إذاً: العلة بعدم نجاستها ليس في ذاتها، ولكن لأنها من الطوافين علينا والطوافات.

سؤر السباع

المسألة الثالثة: استدل بعض أهل العلم في هذا الحديث بنجاسة سؤر السباع، وهو مذهب الحنابلة، قالوا: نحن نعلم أن الهرة من السبع، كما جاء: ( السنور سبع )، من حديث أبي هريرة وإن كان الحديث ضعيفاً، كما ضعفه العقيلي و ابن عدي في الكامل، وذلك أن في سنده عيسى بن المسيب يرويه عن أبي زرعة عن أبي هريرة أنه قال: ( السنور سبع )، والحديث ضعيف، ولكن حينما قال: ( إنها ليست بنجس إنها من الطوافين )، إشارة إلى أن سبب عدم نجاستها هي كونها من الطوافين، فدل على أن ما كان مثل الهرة وأعظم منها خلقة كالسباع، إذا لم تكن من الطوافين علينا فإنه يكون نجساً، وقد مرت معنا هذه المسألة في حديث بئر بضاعة، حينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والطير فقال: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )، وهذا هو مذهب الحنابلة.

وذهب الشافعي إلى طهارة سؤر السباع إلا الكلب والخنزير، وذهب مالك إلى كراهة ذلك لا على سبيل التحريم، وذهب أبو حنيفة إلى الفرق بين سؤر سباع الطير وسؤر سباع الوحوش، فقال: إن سؤر سباع الوحوش نجس، وسؤر سباع الطير مكروه، قال: لأنها لا تلغ؛ لأن وجود المنقار الذي كأنه شيء ليس مثل اللسان واللحم، هذا قول أبي حنيفة .

والراجح والله أعلم أن جميع الأحاديث الواردة في طهارة سؤر السباع ضعيفة، ومنها حديث: ( لها ما في بطونها ولنا ما بقي طهور )، من حديث أبي سعيد وهو حديث ضعيف، وكذلك في قصة عمر بن الخطاب مع عمرو بن العاص حينما قال: ( يا صاحب الحوض! هل ترد فيه السباع؟ قال عمر: لا تخبره فإننا نرد على السباع وترد علينا )، هذا أيضاً حديث خبره منقطع فإن الراوي لم يسمع من عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

إذاً: السباع الكلب والخنزير لا إشكال، والهرة وما دونها في الخلقة لا إشكال في طهارتها، وما عدا ذلك فإنه نجس.

سؤر الحمار والبغل

إذا ثبت هذا فما حكم سؤر الحمار والبغل؟ الحنابلة ذهبوا في رواية إلى أن الحمار والبغل نجس، والصحيح أن الحمار والبغل من الطوافين علينا والطوافات، وعلى هذا فالراجح -والله أعلم- أن الحمار عرقه ولعابه الذي نحن نسميه سؤره طاهر والله أعلم.

ودليل ذلك حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمير بسرج ومن غير سرج، ومن المعلوم أنه كان يتعرق وهو راكب الحمار، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنهم كانوا يتقون ذلك، وهذا هو الراجح وهو مذهب الإمام الشافعي .

إذاً: الحمار والبغل سؤره طاهر على مذهب الشافعي ؛ لأنهم يرون طهارة سؤر السباع مطلقاً، وعلى مذهب الحنابلة يقولون: إن الطهارة إنما هي في الهرة وما دونها في الخلقة، والصحيح كما قال ابن قدامة : إن الحمار والبغل طاهران، والله أعلم.

بيع الهر

المسألة الرابعة: حكم بيع الهر، في الباب أحاديث منها: ما رواه مسلم في صحيحه، من حديث معقل بن عبيد الله<

الحديث الأول في هذا المجلس هو حديث أبي قتادة يقول المؤلف: (أخرجه الأربعة وصححه الترمذي و ابن خزيمة )، الحديث رواه مالك في موطئه، ومن طريقه رواه أحمد والأئمة الأربعة، و مالك إنما رواه من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن امرأته حميدة بنت عبيد بن رفاعة أن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك حدثتها، أنها كانت تحت عبد الله بن أبي قتادة فقالت: دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة لتشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه فقال: تعجبين يا ابنة أخي! قالت: نعم قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، وقد تابع مالكاً على هذا الحديث حسين المعلم و همام بن يحيى إلا أن مالك بن أنس قد أجاد كعادته رحمه الله في روايته لهذا الحديث، وقد أشار إلى هذا الضبط الإمام البخاري رحمه الله، وكذلك الإمام الدارقطني والإمام الترمذي ، وقد صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ، وقد تتابعت كلمات الحفاظ على تصحيحهم لهذا الحديث، قال الترمذي : سألت محمداً يعني: البخاري عن هذا الحديث، فقال: قد جود مالك إسناده، وصححه، وكذلك أشار الدارقطني رحمة الله تعالى على الجميع.

وقد صححه أيضاً الإمام الترمذي وأيضاً ابن خزيمة و ابن حبان و البيهقي و أبو عمر بن عبد البر و النووي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكذلك العقيلي إلا أن بعض أهل العلم تكلم فيه، ومنهم الحافظ أبو عبد الله بن مندة فإنه قال في حميدة بنت عبيد بن رفاعة وفي كبشة قال: لا يعرف حالهما، ومحلهما الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر، ولا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، وسبيله سبيل المعلول.

إذاً: الإمام ابن مندة تكلم في هذا الحديث بسبب جهالة حميدة بنت عبيد وبسبب جهالة كبشة بنت كعب بن مالك ، وقال: حالهما الجهالة ولا يعرفان إلا في هذا الحديث، وسبيل الحديث سبيل المعلول.

وقد ذكر الإمام ابن دقيق العيد في كتابه الإمام كلام ابن مندة ثم علل للعلماء الذين صححوا هذا الحديث، فقال: ولعل تصحيح من صححه من الأئمة إنما نظر إلى رواية مالك لهذا الحديث، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فقد قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا روى مالك عن رجل فهو حجة، ثم قال يعني ابن دقيق العيد : وإذا لم نذهب إلى هذا فإن تعليل ابن مندة وهو الجهالة أضبط أو أكيد أو كلمة نحوها.

إذاً: ابن دقيق العيد عنده حالة تردد؛ لأنه رأى الأئمة صححوا الحديث ورأى أن في الحديث جهالة، يعني: جهالة حميدة وجهالة كبشة ، فيقول: لعل العلماء الذين صححوه نظروا إلى رواية مالك ، فإن مالكاً لا يكاد يروي إلا عن ثقة، فبسبب وجود مالك في هذا الحديث صححوه، والحقيقة أن مالكاً لم يرو عن حميدة وإنما روى عن إسحاق ، وعلى هذا فإن تصحيح الأئمة لهذا الحديث لم يكن لأجل وجود مالك فقط، وإنما لمنهج اقتفوه رحمة الله تعالى عليهم، حيث إنهم لم يأخذوا على منهج مطرد في ردهم لحديث المجهول، ولا في قبولهم لأحاديث المجهول. ومنهج المتقدمين في رواية المجاهيل لم تكن على وتيرة واحدة، وهي الرد مطلقاً كما هي طريقة المتأخرين، وليست القبول مطلقاً كطريقة الحاكم وطريقة ابن حبان في بعض كلامهم، وإنما طريقة الأئمة أنهم يفرقون في أحاديث المجهول، كما أشار إلى ذلك الإمام الذهبي و ابن رجب في شرحه للعلل الكبير للترمذي ، ولهذا قال الإمام الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح، وكلمة المشايخ يقصد بها: الذي لا يعرف عنه جرح ولا تعديل، وكان من كبار التابعين، قال الذهبي : والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح.

وقال أيضاً: المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه، وتلقي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ.

ثم قال: وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه، ثم قال: وتجربة وعدم تجربة ذلك، يعني: أننا عرفناه بموافقته لكلام الأئمة وهل خالف أم لم يخالف.

ثم قال: وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره، لا سيما إذا انفرد.

إذاً: حال المجهولين عند الأئمة على ثلاث مراتب: الأولى: صغار التابعين فهذه لا يقبل حديثهم.

الثانية: إن كان الرجل من صغار التابعين يتأنى في حاله، إذا كان الراوي عنه من الأئمة الذين لا يكادون يروون إلا عن صحيح الأحاديث، فهذا يتأنى ويجرب في مخالفته أو موافقته.

المرتبة الثالثة: وهي أقوى وهي إذا كان من كبار التابعين أو أوساطهم ولم يأتِ بما يخالف الأصول أو ركاكة الألفاظ فيقبل حديثه.

إذاً: حميدة بنت عبيد قيل: إنه لا يعرف حالها إلا في هذا الحديث، وهذا ليس بصحيح، فقد روى عنها ابنها يحيى في تشميت العاطس، كما ذكر ذلك الإمام الترمذي ، وروى عنها ابنها عمر بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة .

إذاً: روى عنها ثلاثة: زوجها إسحاق وابنها يحيى وابنها عمر ، على الخلاف هل هو عمر أم يحيى كما ذكر ذلك الأئمة، لكن الشأن أن مالكاً إنما قبل حديث هذه المرأة؛ لأن الذي روى عنها إنما هو زوجها، وزوجها من المحدثين، فكأن مالكاً سأله عن ضبطها لهذا الحديث، فصارت هذه قرائن تدل على صحة حديث حميدة ، هذا الأول.

الثاني: أننا نظرنا إلى أحاديث وشواهد في هذا الحديث فوجدنا أنها توافق الأصول، فمنها حديث عائشة كما سيأتي وغيره، فوافقت الأصول، ولم يأت بما ينكر أو يدل على ركاكة الألفاظ.

إذاً: الأئمة كـالبخاري و الترمذي و الدارقطني و العقيلي إنما قبلوا هذا الحديث؛ لأنهم رأوا أن غاية ما يقال في هذا الحديث: هو جهالة حميدة ، لكن حميدة قد روى عنها من كان ضابطاً لحديثها، فإن الزوج أوثق الناس بزوجه، فقبل مالك رحمه الله قول إسحاق في زوجه، ولذا قبل الأئمة هذا الحديث.

ولهذا قبل أبو حاتم رواية ابن أكيمة عن أبي هريرة في حديث: ( مالي أنازع في القرآن )، قال: وقد ذكر هذا الحديث ابن أكيمة بين يدي سعيد بن المسيب ، فكون هذا الراوي يروي هذا الحديث عند إمام عالم جليل بل هو سيد التابعين وهو سعيد بن المسيب دليل على أنهم علموا أنه شيخ ومن أهل العلم، هذا هي القرائن التي تدل على صدق وصحة هذا الحديث.

أما كبشة بنت كعب بن مالك فإن ابن حبان ذكرها في الثقات، وأشار إلى أنها صحابية، ونقل أبو موسى بن المديني عن جعفر أنها صحابية، وقال ابن سعد : كبشة بنت كعب بن مالك أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهالة الصحابية لا تضر بإجماع أهل الحديث، وللحديث شواهده، ومن شواهده: ما رواه داود بن صالح التمار عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إنما هي من الطوافين عليكم، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها )، وهذا الحديث رواه أبو داود و الطحاوي في مشكل الآثار، إلا أن الحديث لا يفرح به فإن داود بن صالح التمار تكلم فيه الحفاظ، والصواب أنه موقوف، ثم إن أمه مجهولة، والواقع أن جهالة أمه ينظر فيها إلى القواعد العامة، فهذه الأم هي من كبار التابعين؛ لأنها تروي عن الصحابة، ولم يرو عنها إلا داود ، وهي لم تخالف الثقات.

إذاً: الراوي عنها داود وهو ضعيف فلا يفرح به، ولكنا نقول: إنه شاهد لحديث الباب.

ومعلوم أن الأئمة إذا رأوا للحديث طرقاً ضعيفة تنجبر فإنهم يحتملونها ويعلمون أن الحديث له أصل، كما قال يحيى بن سعيد القطان يقول: بحثت لـعبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر عن نافع عن ابن عمر في حديث الولاء، قال: فوجدت له متابعاً وهو أخوه، يعني الثقة يتابعه، المكبر وهو عبد الله بن عبد الله العمري المكبر، وهو ضعيف والمصغر ثقة حجة، فهذا يدلك على أنهم يجمعون الطرق كي يعلموا أن هذا الحديث له أصل، هذا شيء، والشيء الآخر: أن من العلماء المعاصرين من رأى أن الرجل إذا لم نعلم حاله، ولم نر أحداً من المتقدمين حكم عليه بالجهالة، ولم نجد له جرحاً ولا تعديلاً، يقول: فإننا لا نقول عنه: مجهول الحال، هذه طريقة الإمام عبد الرحمن المعلمي حينما رد على الكوثري ، قال: وحكم الأستاذ له بالجهالة فإن أمثالنا إذا لم نجد كلاماً للأئمة في هذا الرجل فإننا لا نحكم عليه بالجهالة، وهذا من ورعه رحمه الله، والأفضل أن نقول: ذكره البخاري في التاريخ الكبير و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكره بجرح ولا تعديل ونتوقف في حاله، أو نذكر القواعد العامة في قبوله من رده، فإذا رأينا أنه من كبار التابعين وقد وافق الأصول ولم يأت بركاكة لفظ، فإننا نقبله، خاصة إذا جمعنا له طرقاً تدل على أن الحديث له أصل، وكان الراوي له ليس من الضعفاء والله أعلم.

ومن الشواهد أيضاً: حديث أنس الذي رواه الطبراني في الصغير، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئاً ولن ينجسه )، وهذا الحديث في سنده أيضاً ضعف؛ لأن في سنده عمر بن حفص لا يدرى من هو كما قال الذهبي ، وجاء الحديث من حديث جابر رضي الله عنه، وهو شاهد أيضاً رواه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، وفيه تدليس محمد بن إسحاق .

فهذه الطرق تدل على أن حديث أبي قتادة صحيح، وهذه طريقة للمتقدمين وهي أنهم يرون أن الحديث إذا تعددت طرقه، وكان بعضها أحسن حالاً من بعض، فإنهم يصححون الأقوى، وإن كان البعض من الأحاديث والشواهد يضعفونها، فطريقة الأئمة في التصحيح أنهم يقبلون حديثاً واحداً ويحسنونه، ويرون أنه لم يخالف.

المثال على ذلك: ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله حينما سأله ابنه عبد الله في صيام أيام البيض، قال: إلى أي شيء تذهب؟ قال: إلى حديث عبد الملك بن قتادة بن ملحان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يحث على صيام أيام البيض )، والإمام أحمد احتج بـعبد الملك هذا مع أن علي بن المديني حكم عليه بأنه مجهول، وإنما احتج به أحمد لأنه رأى أنه قد روى عنه جماعة وهو من كبار التابعين؛ لأنه روى عن صحابي ووافق الأصول، ورُوي الحديث عن أبي المليح عن أبيه، وروي من حديث أبي ذر ، وإن كانت هذه الأحاديث إلى الضعف أقرب ولم يذكرها أحمد مع أنها مشهورة، وترك ذلك وأخذ بحديث عبد الملك ، هذه هي طريقتهم رحمهم الله جميعاً.

ثانياً: شرح ألفاظ الحديث: الهرة: هي أنثى القطط، والذكر يقال له: هر، وجمعه هررة، كقرد: قردة.

وقال بعض علماء اللغة: إن الهر يقع على الذكر والأنثى، وقد يدخلون الهاء في المؤنث.

وقوله: ( إنها ليست بنجس )، بفتح الجيم كما ذكر ذلك أكثر أهل الحديث، كـالمنذري و النووي و ابن دقيق العيد وغيرهم.

وقوله: (نجس) يعني: عين النجاسة، يعني: أنها ليست نجسة الذات، وأما النجس بكسر الجيم فالمقصود به الشيء المتنجِس أو المتنجَس، كالثوب إذا وقعت فيه نجاسة فيقال: ثوب نجِس، وأما الكلب فإننا نقول: نجَس، والنجَس يمكن أن يكون نجاسته حسية، ويمكن أن تكون نجاسته عينية، كما قال الرب جل وعز: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [المائدة:90]، والرجس بعضهم يقول: هو النجَس كما حكى ذلك بعض علماء الحديث، وقد ذكر بعضهم أن الخمر نجس وهو قول الأئمة الأربعة, وقد تحدثنا عن هذا في مجالس عدة وقلنا: إن الراجح أن الخمر ليس بنجس.

وقوله: ( إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، الطائف: هو الخادم، والغالب فيه أنه يخدم برفق وأناة، والطواف فعال يعني: كثير الخدمة والتطواف والدخول والولوج، كما قال الله تعالى في حق الإيماء: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ [النور:58]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، جملة استئنافية قصد بها معنى التعليل، بعدم نجاسة الهرة، لكثرة دورانها ووجودها في البيت، ودخولها على أهل البيت مما يشق صون الأواني والأطعمة والمياه عنها.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [21] 2515 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [8] 2427 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [24] 2328 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [14] 2132 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [22] 2118 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [15] 2099 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [4] 2094 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [26] 2035 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [23] 2024 استماع
بلوغ المرام - كتاب الطهارة [16] 1827 استماع